المصري اليوم: 2/7/2008 في موسم الثانوية العامة، انشغل الرأي العام بجريمتي تسريب الامتحان والغش الجماعي. ونقلت الصحف أخبار الانهيار الذي أصاب الطلاب، بسبب صعوبة الامتحانات. والواقع أن تلك الظواهر ليست هي أصل الداء، والسيطرة عليها لن تضع حدا للأزمات التي تعانيها الأسر المصرية طوال العام. فالمشكلة في النظام التعليمي نفسه والمنهج الفكري الذي يحكمه. فهو نظام يقوم في جوهره علي فكرة بالغة السخف هي «الإجابة النموذجية». فالمنهج الدراسي في نظامنا التعليمي يقدم للطالب «الحقيقة المطلقة»، التي لا يأتيها الباطل ولا تقبل النقاش والتفكير، وهو ما عني بالضرورة أن هناك «إجابة نموذجية واحدة» فقط. وعلي ذلك، عقد القائمون علي التعليم اتفاقا مع الطلاب. فهم يقولون لهم، بكل الطرق الصريحة والضمنية، إن التفكير ليس مطلوبا والتعبير عن أنفسكم مرفوض تماما. فما عليكم إلا أن تكتبوا «الإجابة النموذجية» لتنجحوا. وكلما اقتربت إجاباتكم من تلك الإجابة النموذجية زاد مجموعكم وتحققت أحلامكم. لذلك، يكافح الطلاب وأولياء أمورهم طوال العام للالتزام بشروط الاتفاق، فيلهث الجميع بحثا عن الإجابة النموذجية وسعيا لإتقانها. فالقضية لم تعد تعليم الأبناء ولا تدريبهم علي التفكير واكتساب المهارات، وإنما صار الهدف هو الإجابة النموذجية، لأنها الوسيلة الوحيدة للمجموع ثم الكلية ثم الوظيفة. لأن هناك إجابة نموذجية، باتت الدروس الخصوصية تجارة رائجة. لكن المدرس الخصوصي حتي يكتب للطلاب الإجابات النموذجية ليحفظوها، فلابد أولا أن يتوقع لهم الأسئلة. بعبارة أخري، اختزلت المسألة التعليمية كلها في «كام سؤال علي كام إجابة» يدفع الأولاد ثمن الحصول عليها! وتسريب الامتحانات وبيعها والغش الجماعي كلها ظواهر لا مكان لها أيضا إلا حين يسود منطق «الإجابة النموذجية». والدليل موجود في التغطية الصحفية للوقائع. فقد لفت انتباهي أن الامتحان الذي يتم تسريبه لا يتلقاه الطلاب مباشرة وإنما يذهب أولا - حسب ما قالت الصحف - إلي مدرس يكتب الإجابة النموذجية التي توزع بعد ذلك علي الطلاب مقابل مبلغ مالي! البيع إذن ليس للسؤال فقط وإنما للإجابة أيضا، النموذجية طبعا، أي هو بالضبط المنطق نفسه الذي تقوم عليه الدروس الخصوصية! وعلي ذلك، تسربت الامتحانات أم لم تتسرب، فالجريمة الحقيقية هي في نظام تعليمي فرض علي الطلاب الشرفاء ومعتادي الغش علي السواء، ألا يفكروا علي الإطلاق. ولذلك، حين يخرج الامتحان عن الأسئلة المتوقعة بإجاباتها النموذجية المحفوظة، ينهار الطلاب وتنهار معهم الأسر المصرية. قلبي مع هؤلاء الطلاب وأسرهم. والوزارة ليس من حقها أن تتعلل بأن «الامتحان في مستوي الطالب المتوسط». فلم يكن أبدا من بنود الاتفاق أن علي الطالب المتوسط أن «يفكر». الاتفاق كان أن «يحفظ» الطالب المتوسط الإجابة النموذجية لعدد من الأسئلة المتوقعة وخلاص. أما أن تغير الوزارة رأيها وتقرر في نهاية المشوار ومن طرف واحد أنها تريد من الطلاب أن يفكروا فهو فعلا أمر لا يمكن قبوله، لأنه خارج الاتفاق. ولّا هو كان كلام عيال؟!