ليلة صافية في طهران حيث يقف عشرات من محبي الأفلام في الصف أمام مجمع جديد لدور السينما في وسط المدينة لمشاهدة آخر الأفلام التي نجت من مقص الرقابة. وتعرض سينما "ازادي" لهواة هذا الفن كل ما يمكن أن يريحهم من إطار عصري متقن ومقاعد مريحة يسترخون فيها ونظام متطور لتوزيع الصوت غير أن ما يفتقدونه وسط كل هذا هو أفلام المخرجين الذين رفعوا السينما الإيرانية إلى مرتبة عالية من الفن والاحتراف. وتبقى الأعمال الأخيرة لمخرجين حققوا شهرة في الخارج أمثال عباس كياروستامي وجعفر بناهي محظورة في البلاد بقرار من وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي. ومن الأفلام المحظورة "الصنتوري"وهو دراما اجتماعية حول إدمان المخدرات من إخراج دريوش مهرجوي الذي سبق أن أعطى السينما الإيرانية عام 1969 العمل الرائع جاف(البقرة)ولا يزال هذا الفيلم ينتظر إذنا لعرضه بعد أكثر من عام على إخراجه. وقال المخرج بهروز أفخمي أحد أبرز أسماء الموجة الجديدة ما بعد الثورة متحدثا لصحيفة اعتماد "لا نرى منطقا ولا مبررا للرقابة كما تمارس على إنتاجنا السينمائي". ومقابل تغييب المخرجين الكبار والأعمال المهمة تعرض سينما أزادي أفلاما لا تستثير أي جهة مثل"الزوجة الثانية"الذي تنتشر لافتاته منذ أشهر في أرجاء العاصمة.ويروي هذا الفيلم قصة رجل يضطر إلى التخلي عن زوجته الجديدة حين تعود زوجته الأولى من الخارج وقد نال استحسان الرقابة بسبب ما يتضمنه من مشاهد التقوى والصلاة وبسبب شخصية بطله القوي المنزه. غير أن بوادر القلق بدأت تلوح في الأوساط السينمائية حيال غياب الأعمال الجريئة التي ظهرت وازدهرت في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي اعتبارا من نهاية التسعينيات. وأجمع حوالى خمسين مخرجا إيرانيا في رسالة مفتوحة نشرت في وقت سابق هذه السنة "أن عدم الاهتمام بالسينما الثقافية التي تعتبر مكسبا وطنيا أمر يدعو إلى القلق". وأشار المخرجون أن صانعي القرار عزلوا بل ألغوا هذا النوع من السينما من الأعمال المطروحة على الجمهور العريض". وندد وزير الثقافة محمد حسين صفار هرندي القريب من الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد بموجة الأفلام التي ازدهرت في عهد خاتمي ووصف تلك الأعمال بأنها بعيدة عن القيم العائلية والأخلاقية و"سلبية إلى حد ما". يروي فيلم"الصنتوري"قصة عازف على آلة الصنتور يدمر حياته الزوجية بسبب إدمانه الهيرويين وينتهي به الأمر في مصحة عقلية. وعازف الصنتور متزوج من امرأة جذابة تغني وحيدة في كثير من الأحيان ويشارك الزوجان في سهرات مختلطة حافلة بالكحول والرقص والغناء وهما يتبادلان الشتائم أثناء مشاجراتهما وبكلام آخر فإن الفيلم يتعامل مع الكثير من المواضيع التي تعتبر خطوطا حمراء في الجمهورية الإيرانية الإسلامية. وأوضح مهرجوي الذي يعتبر من المخرجين القلائل الذين بدأوا عملهم الفني قبل ثورة 1979 أنه فقد أي حافز يدفعه إلى العمل. وقال للصحيفة إن صنتوري ضحية ذوق (القائمين على الرقابة) وقررت البقاء في منزلي وعدم الإقدام على أي عمل لأنني لا أرى الأجواء ملائمة للسينما". ويتعارض وضع السينما الإيرانية الحالي مع تاريخ يدعو إلى الاعتزاز حيث يعود أول فيلم إيراني ناطق إلى عام 1932 وكان بعنوان "فتاة اللور" للمخرج عبد الحسين سبند كما أن فيلم "غاف" لفت انتباه النقاد السينمائيين قبل فترة طويلة من الثورة الإسلامية. وشهدت السينما الإيرانية فترة ازدهار جديدة بعد 1979 بمباركة قائد الثورة "الخميني" فسجلت إنتاجا ملهما غذته الحرب الإيرانية العراقية. ويحتفي متحف الأفلام في طهران بهذا التقليد السينمائي وتعرض فيه السعفة الذهبية التي فاز بها عباس كياروستامي في مهرجان كان عام 1997 عن فيلمه "طعم الكرز". وقال محمد حسن بزشك مدير المتحف"ما زلنا في انتظار العهد الذهبي الذي لم تعرفه السينما الإيرانية بعد". ومما يحرم السينما الإيراني من هذا العصر الذهبي الرقابة وكذلك نقص الوسائل المتاحة للمخرجين الذين تتعرض أعمالهم للقرصنة. ولا تحمي إيران حقوق المؤلف أو الفنان مما يشجع على قرصنة الأعمال وقد وزعت آلاف أقراص الدي في دي المقرصنة لفيلم "الصنتوري" بدون أن يتقاضى المخرج مليما واحدا في حين حظر الفيلم في الصالات. (أ ف ب)