ظل مقعده شاغرا في مهرجان »كان«، وقالوا في تفسير ذلك: »الفن في السجن«! الاثنين: في الساعة العاشرة من مساء يوم الاثنين اول مارس الماضي، اقتحم عدد من رجال الامن الايرانيين بالملابس المدنية.. منزل المخرج السينمائي الايراني »جعفر بناهي« في طهران، واقتادوه هو ووالده وزوجته وابنته و51 شخصا من ضيوفه المدعوين لديه، الي جهة مجهولة، وقام المقتحمون بتفتيش منزل المخرج وصادروا اجهزة كمبيوتر وامتعة خاصة. واطلق سراح جعفر بناهي »05 سنة« في نهاية شهر مايو الماضي بكفالة 002 الف دولار »!« اثر اضرابه عن الطعام احتجاجا علي اعتقاله. الآن يعود جعفر بناهي الي الزنزانة التي شغلها بين الاول من مارس و52 مايو 0102. فقد صدر الحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات، ويتضمن الحكم منعه من اخراج او انتاج الافلام وكتابة السيناريوهات لمدة عشرين سنة، ومنعه من التحدث لوسائل الاعلام المحلية والاجنبية لمدة عشرين سنة ايضا!. التهمة الموجهة الي المخرج جعفر بناهي هي »المشاركة في تجمعات« و»الرغبة« في اخراج فيلم يحتوي علي دعاية ضد النظام الحاكم في طهران ويؤدي الي التشهير به!. وبطبيعة الحال، فإن الفيلم المذكور لم يظهر الي النور، وربما لايزال حبرا علي ورق، ولكن النظام الايراني ليس في حاجة الي ادلة ملموسة، اذ يكفي وجود »النية« لاعداد هذا الفيلم، وقد صدر الحكم علي المخرج بسبب »النوايا« التي يضمرها!. وتردد في طهران ان سبب القبض علي »جعفر بناهي« انه يعد فيلما عن تزوير الانتخابات الرئاسية، التي اجريت في شهر يونيو قبل الماضي، واسفرت عن فوز محمود احمدي نجاد بالرئاسة. والمعروف انه جرت مظاهرات مستمرة عقب تلك الانتخابات وتردد ايضا في طهران ان سبب الاعتقال هو انه حضر حفل تأبين للشهيدة »ندا اغا سلطاني« الشابة التي قتلها رجال الأمن خلال مظاهرات الاحتجاج علي اعادة انتخاب احمدي نجاد، وهي الشابة التي تحولت الي احد رموز المعارضة. وجعفر بناهي هو احد مخرجي الجيل الجديد من السينمائيين الايرانيين.. ومعظم افلامه ممنوعة من العرض في دور السينما الايرانية، لأن الرقابة تعتبر ان هذه الافلام تقدم صورة سوداوية عن المجتمع الايراني. والطابع العام لافلامه انها تنتمي الي الواقعية الاجتماعية. ففي فيلم »تسلل« الذي اخرجه وهو آخر فيلم روائي لجعفر بناهي يتناول كيف قامت مجموعة من الشابات بالتخفي في زي الرجال من اجل دخول ملعب لحضور مباراة كرة قدم، حيث انه محظور علي النساء دخول هذه المباريات. جعفر بناهي من اكبر مخرجي »الموجة الجديدة«الايرانية شهرة في خارج بلاده، وقد فاز بالعديد من الجوائز الدولية، منها جائزة »الاسد الذهبي« من مهرجان فينيسيا عام 0002 عن فيلم »الدائرة« و»الدب الفضي« من مهرجان برلين عام 6002 عن فيلم »تسلل« بالاضافة الي جائزة الكاميرا الذهبية عام 5991 عن فيلم »البالونة البيضاء«، واخري عام 0002 عن فيلم »الذهب القرمزي«. وكان المفترض ان يكون بناهي عضوا في لجنة تحكيم مهرجان »كان« السينمائي الدولي، في دورته الاخيرة في فرنسا، غير ان السلطات الايرانية منعته من السفر لحضور المهرجان في مايو الماضي كما منعته من حضور الدورة الاخيرة من مهرجان فينيسيا في سبتمبر الماضي. وقد حرص المسئولون عن مهرجان كان علي ان يظل مقعده شاغرا في بادرة رمزية لأن »جعفر بناهي« كان في ذلك الوقت في الحبس الانفرادي في سجن »ايفين« الايراني وكان مضربا عن الطعام. وقال »عباس خياروستامي«، الذي يعد بمثابة الاستاذ بالنسبة لجعفر بناهي، في مؤتمر صحفي في »كان«: »ان الفن في السجن في ايران«، وندد بالضغوط علي رجال السينما، وسخر من الاوضاع التي تفرض علي مخرج سينمائي الدخول الي السجن عقابا علي فيلم لم يتم تنفيذه.. بعد!. وقال »خياروستامي« ان الرسالة التي يريد النظام الايراني توجيهها من خلال »قضية بناهي« الي اهل السينما.. هي: »علي كل مخرج يريد انجاز احد الافلام ان ينضوي تحت لواء السلطة«!. وقد اسعدني ما قرأته عن مواقف التضامن من جانب عدد كبير من مخرجي السينما ونجومها مع جعفر بناهي. فقد طالب مخرجون، من امثال »ستيفن سبيلبرج« و»مارتن سكورسيزي« و»انج لي« و»اوليفر ستون« والفنانة الفرنسية »جولييت بينوش« بإطلاق سراحه. وسمعت ان هناك مخرجين ومنتجين سينمائيين وممثلين وممثلات علي نطاق العالم، شرعوا في اعداد نداء لاطلاق سراح المخرج الايراني، وجاء في ذلك النداء: »ان الجريمة الوحيدة التي ارتكبها بناهي هي رغبته في مواصلة مهنته كمخرج سينمائي في ايران، وهذا الحكم الذي صدر ضده يكشف بكل وضوح ان السينما الايرانية.. مستهدفة«. كان بناهي قد صرح في شهر سبتمبر الماضي قائلا: »عندما يتقرر منع مخرج سينمائي من صنع افلام.. فإن ذلك يعني الزج به في السجن، وحتي اذا تقرر اطلاق سراحه من السجن الصغير فانه يجد نفسه يهيم علي وجهه في سجن اكبر«. وتقول »جوليت بينوش«، بعد حصولها علي جائزة احسن ممثلة في مهرجان »كان«، ان جريمة بناهي.. هي »فنه واستقلاليته«. محظور في ايران ان تكون صاحب نزعة اجتماعية نقدية، او ان توجه انتقادات للاوضاع السائدة او لتطبيق قوانين التطرف الديني او للجهاز الحكومي الرسمي. وهناك مخرج سينمائي آخر من معاوني بناهي، هو »محمد رسولوف«، صدر عليه حكم بالسجن لمدة ست سنوات ايضا، ويقال انه فقد احدي عينيه بسبب تعرضه للضرب المستمر خلال سبعين يوما امضاها في حبس انفرادي. رغم كل شيء.. يقول جعفر بناهي: »لا احد يستطيع ان يرغمني علي مغادرة بلادي، حتي لو كانت الايام التي سأقضيها في السجن.. وقائع موت معلن.. وان سجني وسجن هؤلاء الذين اعمل معهم يرمز الي اختطاف الذين يتربعون علي عرش السلطة.. لكل الفنانين في ايران«.