أسعار النفط المرتفعة للغاية قد تكون نعمة على شركات الطاقة الكبرى لكنها غالبا ما تكون نقمة على الدول الفقيرة المنتجة للنفط. وعادة ما تستفيد شركة "أكسون موبيل" وغيرها من شركات النفط الكبرى من مثل هذه الأوقات الطيبة كفرص لتوجيه السيولة لاستثمارات حذرة، لكن الدول الغنية بالنفط وهي عادة دول فقيرة تدار بشكل غير جيد تميل الى انفاق الأرباح من ايراداتها على مشروعات مشكوك في جدواها أو يسرق مسئولون فاسدون هذه الارباح. لذلك فعندما يحدث الانخفاض المحتموم للأسعار لا تكون الدول النامية مستعدة له. وقال مايكل روس خبير العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في لوس انجليس "شركات النفط الكبرى اكتسبت خبرة على مدى عشرات السنين في ادارة ايراداتها واستثمار الاموال في سنوات الرخاء تحسبا للسنوات العجاف." وحققت "اكسون" التي عقدت اجتماعها السنوي الاربعاء أرباحا قدرها 40.61 مليار دولار في عام 2007 بكامله. وخزائن حكومات دول منتجة للنفط مثل انجولا ممتلئة كذلك لكن الكثير من هذه الدول يفتقر للشفافية التي تتمتع بها اكسون المدرجة في البورصة، فأغلب هذه الدول لا تملك القدرة على التعامل مع مثل هذه الزيادة في الدخل أو الارادة لانفاقه بشكل عادل. وقال روس وهو خبير بارز في هذا المجال "منتجو النفط الجدد على وجه الخصوص غير مستعدين للتعامل مع ايرادات بهذا الحجم... فالدول المنتجة للنفط اليوم غمرتها موجة عاتية من السيولة والخطر هو ان تبدد هذا المال كما بددت فوائضها في السبعينات." ومن منتجي النفط الجدد دول افريقية مثل غينيا الاستوائية وتشاد والسودان. وليست هناك مؤشرات تذكر تبعث على التفاؤل، فقد صعدت غينيا الاستوائية في السنوات القليلة الماضية لتصبح ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في افريقيا جنوب الصحراء بعد نيجيريا وانجولا. ومع ذلك مازال أغلب سكانها البالغ عددهم نصف مليون نسمة يعيشون في فقر مدقع والفروق في الدخل شاسعة. وتختلف غينيا الاستوائيه في أن عدد سكانها القليل يعني ان ايراداتها الاستثنائية يمكن أن تحدث أثرا كبيرا في حياة افراد الشعب. ويتولى الرئيس تيودورو اوبيانج نجويما السلطة منذ أن أطاح بالرئيس السابق في انقلاب عام 1979 وتقول جماعات مدافعة عن حقوق الانسان انه لا يتساهل مع المعارضة. واحتلت الدولة المرتبة العاشرة بين أكثر دول العالم فسادا عام 2007 في دراسة اعدتها منظمة الشفافية الدولية ومقرها برلين وشملت 180 دولة. كما اتهمت انجولا بالفساد على نطاق واسع في حين أن شعبها من أفقر شعوب العالم. ويقول صندوق النقد الدولي انه لم يتمكن من رصد 4.2 مليار دولار من ايرادات النفط في الفترة من 1997 الى 2002. وقالت راضية خان خبيرة الشؤون الافريقية في ستاندارد تشارترد "عندما تغيب الشفافية المالية في حالة ارتفاع أسعار النفط تكون هناك مشكلات، لكن انجولا تعمل بشكل أفضل الان فهي تنشر تفاصيل ما تحصل عليه من شركات النفط المختلفة." وأضافت "لكن الانتقاد هو ان هذه البيانات لا تصدر سوى في وقت متأخر بدرجة كبيرة." وتأرجحت أسعار النفط الخميس أعلى من 130 دولارا للبرميل غير بعيدة عن المستوى القياسي البالغ 135.09 دولار المسجل الاسبوع الثالث من مايو 2008 ، وتضاعفت أسعار النفط في العام الاخير مع اقبال المضاربين على السلع وارتفاع الطلب في الاقتصادات الناشئة. وقوى ارتفاع أسعار النفط قبضة الحكومات القمعية التي أصبح بامكانها شراء المزيد من السلاح والتي لا تعبأ كثيرا بالجانب المفيد من الانفاق. ويمكن لارتفاع أسعار النفط كذلك تأجيج الصراعات اذ أن السلعة محل النزاع قد زادت قيمتها بدرجة كبيرة. وهجمات المتشددين في دلتا النيجر المنطقة الفقيرة الغنية بالنفط في نيجيريا والتي ساعدت في استمرار ارتفاع اسعار النفط تعد مثالا على هذا الاتجاه. ومن الامثلة الاخرى محاولة انقلاب خرقاء في غينيا الاستوائية قبل بضع سنوات. وفي تعليق في أحدث عدد من مجلة "فورين افيرز" كتب روس يقول ان الدول المنتجة للنفط في الوقت الراهن تشهد نحو ثلث الحروب الاهلية في العالم ارتفاعا من خمسها في عام 1992. وكثيرا ما تساق ولاية ريفرز في دلتا النيجر في نيجيريا كمثال رئيسي على ذلك. فالانتخابات في عامي 2003 و2007 التي كسبها الحزب الحاكم في البلاد بأغلبية ساحقة وصفها مراقبون من الخارج بانها مهزلة. وقال كريس البينلاكي الباحث في شؤون افريقيا في منظمة مراقبة حقوق الانسان ( هيومان رايتش ووتش) "ان فساد المكتب السياسي الذي يحكم الدلتا أكبر بكثير الان مما كان عليه في أي وقت مضى خاصة لان شيئا لم يحدث لمنع المسؤولين الحكوميين من سرقة ما في عهدتهم من أموال." وأضاف "يبدو حقيقة أن النتيجة الرئيسية لزيادة ايرادات النفط التي توجه لخزائن الدولة هي زيادة الصراعات العنيفة الفاسدة على النفوذ السياسي." ويفتقر العديد من الدول النامية كذلك للقدرة والخبرة الفنية على التعامل مع مثل هذه التدفقات المفاجئة وقد تجد صعوبة في تخصيصها بشكل كفء حتى مع وجود الارادة السياسية للقيام بذلك. وقال بوريس بولوك مدير معهد ماجوير للطاقة في دالاس "هناك العديد من الدراسات التي تظهر أن شركات النفط الوطنية أقل كفاءة بكثير فيما يتعلق بكيفية انفاق أو استثمار أموالها لانها شركات لا تحركها قوى السوق." واضاف "لكن بعضها تطور بمرور الوقت مثل بتروابراس في البرازيل. (رويترز)