الأهرام: 29/5/2008 تبدو مصر كلها في حالة انتظار لتعديل الحد الأدني للأجور, حيث تدهورت الأجور الحقيقية للعاملين في الجهاز الحكومي والقطاع العام وبعض الهيئات الاقتصادية والقطاع الخاص وبالذات الصغير منه, بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات بمعدلات أعلي كثيرا من معدلات ارتفاع الأجور لسنوات طويلة. وإذا كانت مطالب اتحاد العمال قد ذهبت إلي ضرورة رفع الحد الأدني للأجر الأساسي إلي600 جنيه, بينما ذهبت مؤسسات أخري إلي ضرورة أن يكون الحد الأدني للأجر ضعف هذا الرقم, وهو ما يترتب عليه تعديل أجور المعينين من قبل, وتعديل المعاشات, فإن هذا الإصلاح الضروري للغاية يتطلب تمويلا كبيرا, وهو ما يستدعي طرح الطرق المختلفة لتدبير هذا التمويل بدون إحداث ارتفاع في الأسعار, كما حدث عندما قامت وزارة المالية بتمويل العلاوة التي قررها الرئيس في عيد العمال ونسبتها30% بأسلوب أدي لارتفاع الأسعار والتهام هذه العلاوة حتي قبل أن يحصل العاملون عليها, وهذا الأسلوب لم تكن له ضرورة أصلا. ولدي وضع حد أدني جديد للأجور, فإنه لابد أن يكون كافيا لحياة كريمة للعاملين, وأن يتغير هذا الحد الأدني تلقائيا كل عام بنفس نسبة معدل التضخم المعلنة رسميا, حتي لا تتراجع قيمته الحقيقية أو قدرته علي شراء السلع والخدمات. وأن تتم مراجعة الحد الأدني للأجر كل ثلاث سنوات لمعالجة الآثار المحتملة لارتفاع الأسعار بأكثر من معدلات التضخم المعلنة رسميا التي يتم رفع الحد الأدني للأجور علي أساسها سنويا. وبالطبع فإن تعديل الحد الأدني للأجور يستتبعه بالضرورة عمل تسوية لمرتبات العاملين القدامي ولمعاشات العاملين المحالين للمعاش بنسبة موازية للنسبة التي ارتفعت بها الأجور, وتمول من خلال استعادة فوائد أموال التأمينات من الحكومة بعد أن ظلت لسنوات طويلة لا تدفع عنها سوي فوائد ضئيلة للغاية. وفي أي نظام جديد للأجور لابد أن يرتفع الأجر الأساسي بنسبة7% سنويا كمقابل للخبرة والأقدمية, يضاف إليها نسبة تعادل معدل التضخم المعلن رسميا, دون أن توضع أي حدود قصوي لقيمة الزيادة في الأجور الأساسية بناء علي هذه النسب. وهناك عدد من الإجراءات التي يمكن أن يتم تمويل النظام الجديد للأجور من خلالها دون أن تؤدي لزيادة الأسعار.. وتتلخص هذه الإجراءات فيما يلي: 1 العدالة في توزيع مخصصات الأجور وما في حكمها من خلال وضع سقف للدخول الشاملة( الأجر الأساسي مضافا إليه كل البدلات والعمولات والحوافز والأرباح والمكافآت) لكل العاملين والموظفين في القطاع العام والهيئات الاقتصادية والجهاز الحكومي, بحيث لا يتجاوز أعلي دخل شامل لأي مستوي وظيفي15 ضعف الحد الأدني للأجر الشامل للعامل في القطاع العام والهيئات الاقتصادية والجهاز الحكومي. ويتم توحيد الأجور الأساسية في الجهاز الحكومي والهيئات الاقتصادية والقطاع العام وفقا للتوصيف الوظيفي. وينبغي أن يكون واضحا أن الأموال التي تدخل كإيرادات في قطاع البترول أو قناة السويس أو الضرائب, هي مال عام ناتج عن حقوق عامة في الموارد الطبيعية من نفط أو غاز, وفي الإيرادات السيادية وفي إيرادات المشروعات العامة القديمة مثل قناة السويس, وليست ملكا لتلك الجهة تنفق منها رواتب وحوافز وأرباحا وبدلات كيفما شاءت, بل ينبغي أن تكون الأجور فيها مماثلة للأجور التي تدفع للقائمين بنفس الوظائف في مختلف أجهزة الدولة. وهذا سيوفر الكثير من الأموال التي يمكن أن تستخدم في تمويل إصلاح نظام الأجور عامة. 2 فرض ضريبة صغيرة في حدود0.5% علي التعاملات في البورصة كما تفعل كل البورصات في العالم. ولأن قيمة التعاملات السنوية ستبلغ نحو800 مليار جنيه فإن حصيلة هذه الضريبة الصغيرة جدا لن تقل عن4 مليارات جنيه. وهذه الضريبة في مصلحة البورصة والمتعاملين فيها لأنها تؤدي إلي تهدئة سخونة المضاربات وإلي تقليل ما ينزحه الأجانب من أموال من مصر من خلال نشاط طفيلي هو المضاربة التي يسهلها عدم وجود ضرائب علي التعاملات. كذلك فإن هناك ضرورة لفرض ضريبة علي الأرباح في نهاية كل عام, حيث تتم تسوية المركز المالي للمتعاملين لبيان الخسارة أو الربح, ليدفعوا علي صافي أرباحهم ضريبة علي غرار الضرائب التي يدفعها المستثمرون. 3 تطوير أداء القطاع العام والهيئات الاقتصادية ووضع ضوابط صارمة لمنع الفساد فيها وعلي رأسها تعزيز رقابة العاملين علي الإدارة, وذلك حتي يتحسن الأداء ويكون هناك فائض محول منها إلي الموازنة العامة للدولة يمكن استخدامه في تمويل نظام الأجور الجديد. 4 تحصيل الضرائب من المتهربين عامة وبالذات من كبار رجال الأعمال. ونظرا لأن الكثيرين منهم يتهربون من دفع الضرائب من خلال تزوير نتائج أعمالهم ليظهر أرباحا محدودة أو حتي خسائر, فإن التحري عن ثرواتهم التي تراكمت من الأرباح الحقيقية وفرض ضرائب علي هذه الثروات هو أمر مهم لاستعادة حق المجتمع منهم وتمويل نظام عادل للأجور وكل أوجه الإنفاق العام الأخري. 5 تعديل اتفاقيات تصدير الغاز للدول الأخري لوضع أسعار عادلة للثروة الطبيعية المملوكة لكل أبناء الشعب بالتساوي. ولو وضعت أسعار عادلة للغاز المصدر لإسرائيل وإسبانيا, فإن ذلك سيضيف قرابة15 مليار جنيه كإيرادات للموازنة العامة في السنة قابلة للتصاعد مع تزايد أسعار الغاز. 6 مضاعفة الضرائب علي محاجر الأسمنت, لأن الضريبة التي فرضت أخيرا علي هذه الشركات لا تزال ضريبة صغيرة للغاية بالمقارنة مع الأرباح الاحتكارية الضخمة التي تحققها شركات الأسمنت المملوكة في غالبيتها الساحقة للأجانب. 7 مكافحة الاحتكار بصورة رادعة مختلفة عن القانون الضعيف وتعديلاته غير المؤثرة التي لا تكافح الاحتكار ولا تحمي المنافسة ولا تحمي المستهلكين من الأسعار الاحتكارية التي تستنزف الأجور. ويجب علي الدولة التي اختارت نظام الاقتصاد الحر, أن تستفيد من تجارب الدول الأخري التي تتبني نفس النموذج والتي تعاقب المحتكرين بصرامة وتحمي المستهلكين وأجورهم الحقيقية من خلال توفير السلع المحلية والمستوردة في مجمعات حكومية معتدلة الأسعار بعيدا عن الأسعار الاستغلالية التي يفرضها المحتكرون في مجال الإنتاج والتجارة. وعندما يكون إصلاح نظام الأجور قائما علي تعديل توزيع القيمة المضافة بين العاملين وأرباب العمل من خلال نظام الأجور ونظم الضرائب, وتعديل توزيع مخصصات الأجور وما في حكمها بين العاملين, فإن هذا الإصلاح لن يضيف أي قوة تضخمية للاقتصاد, طالما لم يتم التمويل من خلال إصدار المزيد من أوراق النقد لتمويل هذا الإصلاح. وستكون الاختيارات المتعلقة بتمويل إصلاح نظام الأجور تعبيرا عن طبيعة موقف الحكومة من قيمة العدالة ومن حقوق العاملين من جهة وموقفها من الطبقة العليا والمحتكرين والنشاطات الطفيلية من جهة أخري.