التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    فلسطين.. مدفعية الاحتلال تكثف قصفها وسط جباليا بالتزامن مع نسف مباني سكنية شمالي غزة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    مواعيد مباريات دوري المحترفين المصري اليوم السبت    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    ويجز يشعل حماس جمهور حفله في العلمين الجديدة بأغنيتي "الأيام" و"الدنيا إيه"    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    5 تصريحات جريئة ل محمد عطية: كشف تعرضه للضرب من حبيبة سابقة ويتمنى عقوبة «مؤلمة» للمتحرشين    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    تحت عنوان كامل العدد، مدحت صالح يفتتح حفله على مسرح المحكي ب "زي ما هي حبها"    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منهج مبارك‏..‏وأيديولوجية بوش
نشر في أخبار مصر يوم 23 - 05 - 2008


الأهرام: 23/5/2008
سوف تظل أيام منتدي شرم الشيخ‏(18‏ 20‏ مايو‏2008)‏ سجلا يحكي للجيل الحالي والأجيال القادمة قصة أمة وقائد‏,‏ حافظ علي مكانة بلاده في عالم صعب ومتغيرات قاسية‏.‏ والأهم أنه جدد سياساته وصنع مكانته الجديدة‏,‏ بحيث أصبح قادرا علي مواجهة المستقبل بكل صعوباته وتداعياته‏,‏ وليس مواجهة القوي العظمي في عالمه أو قيصرها‏,‏ فقط بحقائق الأمور وطبائع الشعوب‏,‏ ليكشف أمام العالم ورموزه القوية قوة السياسة والحجة والمنطق ضد غرور القوة وفشلها‏.‏
ففي المنتدي الاقتصادي العالمي بشرم الشيخ وفي وجود أعضائه من جماعة دافوس كانت الحجة والمنطق السياسي اللذان طرحهما رئيس مصر أقوي وأكثر ثباتا من منطق وحجة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وسياسته علي الأرض‏.‏
ولم تكن الحجة والمنطق هما الأقوي فقط‏,‏ ولكن أيضا كانت السياسة والاقتصاد علي الأرض هما الأكثر ثباتا وتعبيرا عن حقائق الأمور‏,‏ ومن خلال لغة الواقع وليس لغة أحلام اليقظة ودغدغة المشاعر‏.‏
ولم تكن مصادفة أن يكون هناك خطابان وسياستان مختلفتان بل ومتناقضتان أمام منتدي يتكلم عن التعلم من المستقبل‏,‏ خطاب الرئيس حسني مبارك‏(‏ الدولة التي استضافت المنتدي‏)‏ وقد كان وثيقة كاملة ومتماسكة تحكي الماضي القوي المعبر‏,‏ والحاضر الذي يواجه ويعمل‏,‏ وتكشف خطوط المستقبل ورؤاه‏..‏ خطاب لايستند إلي كلمات أو تعبيرات‏,‏ ولكن يعتمد أيضا علي سياسات طبقت ورؤي تحققت‏,‏ كما يحدد مسارات للمستقبل في ضوئها وله منهج واضح‏.‏
أما الخطاب الثاني فكان للرئيس الأمريكي جورج بوش المنتهية ولايته وكان خطابا تبشيريا‏,‏ يستند إلي أيديولوجيات وأفكار لجماعات متطرفة لا تعرف الشعوب‏,‏ وقد استهوته تعبيرات نظرية أو لغة متهافتة تبريرية بعيدة عن السياسة‏,‏ وقد كررها أمام الكنيست وأمام المنتدي بعد‏120‏ عاما من قيام دولة إسرائيل سيكون العالم كما نحلم‏!!‏ أي لغة سياسية تلك؟ وعن ماذا تعبر؟‏!‏
وقد تفاخر بأنه أول من طرح نظرية دولتين للشعبين‏(‏ إسرائيل وفلسطين‏),‏ متناسيا أنها طرحت من الأمم المتحدة وفقا لقرار التقسيم‏1948.‏
وقد كانت مهمته أن ينفذها قبل انتهاء ولايته عام‏2008,‏ لكنه عاد ليبرر الفشل في إمكان تحقيقها‏,‏ وحاول أن يغسل يده من الدماء الغزيرة التي سالت في منطقتنا نتيجة سياساته العدوانية والعدائية لشعوبنا بلا مبرر‏.‏ فنحن لم نعلن الحرب عليه‏,‏ وقد وقفنا معه ضد المتطرفين والإرهابيين الذين اعتدوا علي بلاده في سبتمبر عام‏2001,‏ فكان جزاؤنا اتساع رقعة الحروب في منطقتنا‏
والمدهش أنه مازال يحدثنا عن ديمقراطية العراق في الوقت الذي نري فيه المجازر وملايين الضحايا والمشردين‏!!‏ كما يحدثنا عن تطور أفغانستان‏,‏ مع أننا نري فيها حربا أهلية وسيارات مفخخة‏,‏ إلي جانب فشل كل محاولات التنمية ووقف الحرب هناك‏!!‏ وعلاوة علي ذلك يبشرنا بحروب جديدة في إيران وسوريا‏,‏ بل ويطالبنا بأن نكون معه‏!!‏ ولا أدري ما الذي يفكر فيه وكيف؟
ألم يستمع إلي الأصوات القادمة من بلاده؟
ألم يتعظ من كوارث الحروب وتداعياتها التي وسعت رقعة الإرهاب والتطرف في عالمنا؟
إننا لن نكرر ماكتبناه هنا عن‏(‏ عظة بوش في الكنيست‏)‏ يوم الأحد الماضي‏.‏ ولكننا نقول إنه العناد والإصرار علي لغة التطرف التي أراد أن يكررها في شرم الشيخ ليتركها وصية للرئيس القادم في بلاده‏!.‏
لكنه نسي أن حقائق ونتائج سياساته علي الأرض‏..‏ هي التي ستحكي للرئيس القادم بل للعالم كله أسباب الفشل ومكامن الأزمات التي كانت وراءها سياسات الرئيس بوش وحكومته في العالم‏,‏ خاصة في الشرق الأوسط خلال السنوات الثماني المنتهية وإذا كان لأحد أن يتعلم‏,‏ فإن الأخطاء ستحكي وستكون عبرة ودرسا خطيرا لأي إدارة قادمة‏.‏
أما خطاب الرئيس مبارك فهو بحق وثيقة بكل المقاييس ووصف حي وحقيقي للسياسة المصرية وتعبير عنها منذ أن صنعت السلام الذي أصبح حقيقة في شرم الشيخ أمام الجميع‏,‏ ولم يكن وهما أو خيالا كما يبدو في ذهن الدولة الكبري ورئيسها‏.‏
ويلخص تاريخ سيناء منذ رمسيس وإخناتون بعض تناقضات البشر فما بين عظمة الإنسان وضعفه‏,‏ وعبقريته وتفاهته تروي لنا جبالها ورمالها كيف تسمو الإنسانية فتصنع الحضارة‏.‏ وكيف يمكن أن تنجرف وتنحدر لمنزلقات العنف وإراقة الدماء لتكون الخسارة‏.‏
إنهما صورتان للفرق بين السلام والحرب‏.‏أما المستقبل فيتمثل في أن هذا التاريخ جزء من مسيرة الشرق الأوسط والبشرية‏,‏ نستلهم منه الدروس والعبر‏..‏ والفرق واضح بين من يصنع السلام ومن يسير في طريق الحروب وتأجيج الصراعات‏.‏

.........................................................................‏
لقد تحدث الرئيس مبارك كزعيم قادر علي التعبير عن شعوبنا النامية‏,‏ وخاصة الفقراء ومحدودي الدخل‏,‏ ليس في منطقتنا فحسب بل وفي العالم كله‏.‏ فلم يفرق بين الدول المتقدمة الغنية والفقيرة النامية‏,‏ فالفقراء في الهم متساوون عندما يواجهون أزمة عاتية في الغذاء والطاقة‏,‏ من نقص وندرة إلي ارتفاع أسعار لاتقدر دخولهم علي مواجهتها‏,‏ وهذه مسئولية جماعية‏.‏ من أجل احتواء الأزمة لكي لاتتفاقم ويمتد تأثيرها إلي الأجيال القادمة‏.‏ ولم يتوقف الرئيس عند التحذير والتشخيص للتصدي للأزمة‏,‏ بل طالب بتصحيح تشوهات الاقتصاد العالمي الراهن والاختلالات الهيكلية في الموازنات العامة لبعض القوي الاقتصادية ومراجعة سياسات دعم السلع الغذائية وربط أزمتي الطاقة والغذاء معا حيث تلجأ بعض القوي الكبري إلي حرق الغذاء وتحويله إلي طاقة لإنتاج الإيثانول أو الوقود الحيوي‏,‏ وبالتالي تزيد أزمة ارتفاع أسعار الغذاء تفاقما‏.‏
كما طالب المجتمع الدولي بإعادة تقدير التكلفة الحقيقية لإنتاج الوقود الحيوي بانعكاساته الاجتماعية وتداعياته علي الأمن الغذائي للبشر‏.‏
وليس هذا فحسب بل أعلن أمام المنتدي أنه سيحمل هذه الدعوة إلي اجتماع منظمة الأغذية والزراعة الشهر المقبل في روما راسما برنامجا أمام دول العالم المتقدمة والنامية نحو الطريق الصحيح لاحتواء الأزمة الراهنة‏.‏
وربط الرئيس مبارك في خطابه الوثيقة بين السياسة والاقتصاد في منطقة حساسة من العالم هي الشرق الأوسط تتوق إلي السلام والاستقرار والتنمية‏,‏ والتي تجتاز مرحلة مهمة علي طريق الإصلاح السياسي‏,‏ والاقتصادي والاجتماعي‏,‏ وتمتلك من الثروات الطبيعية والاستراتيجية والبشرية ما يؤهلها للتقدم والازدهار وقد تساءل عن أسباب عجز العالم وقواه الكبري عن تحقيق الاستقرار‏..‏ فهل تحقق وعد السلام؟ وأين الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة مما يحدث في العراق ولبنان ودارفور والصومال‏,‏ وماذا عن نذر زعزعة الاستقرار في الخليج؟
ولقد شرح الرئيس مبارك الأزمة الحادة التي تواجه المجتمعات النامية‏,‏ وتناول الأزمة الاقتصادية بين الشعوب التي تحصل علي ثمار العولمة‏,‏ والأخري التي تواجه تحديات ومشكلات الفقراء‏,‏ حيث يطالب البعض بالعودة إلي السياسات القديمة‏,‏ ويقعون فريسة لقوي الرجعية والسلفية والتطرف والإرهاب والمزايدين والمتاجرين بمعاناة الفقراء والأقل دخلا‏.‏ وهي صورة باعثة للقلق والمخاوف وليست مصدرا للأمل والتفاؤل والإلهام‏.‏

..............................................................................‏
وشرح الرئيس أيضا صورة العالم ومنطقتنا‏,‏ وحدد صورة مصر المستقبل مؤكدا أن خيارنا هو مواصلة الإصلاح علي كل محاوره والسعي نحو سلام الشرق الأوسط أمنه واستقراره‏.‏
وكانت الصورة الأخيرة في خطاب الرئيس هي‏:‏ ماذا تحقق في العام الأخير من النمو والإصلاح والسياسة والاقتصاد؟‏.‏
فعلي الصعيد الإقليمي‏,‏ تلعب مصر الدور الرئيسي في تهدئة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في غزة تخفيفا لمعاناة سكانها وتهيئة الأجواء لإنجاح عملية التفاوض‏,‏ وصولا لاتفاق سلام ينهي الاحتلال ويقيم الدولة الفلسطينية المستقلة‏.‏
ثم ماذا سيفعل العالم الغني أمام تلك الأزمة الحادة التي يعانيها العالم الفقير؟ هل يتركه نهبا للصراعات والحروب والتطرف والأزمات الاقتصادية؟‏.‏
وهل يأخذ بيده ويساعده علي وضع حد للصراعات والحروب‏,‏ ويقدم له المساعدة الاقتصادية والفنية أم يدفعه إلي الاضطراب والفوضي ويتدخل في شئونه بمسببات عديدة من أمثلة حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها؟‏.‏
إن سياسات الرئيس مبارك سواء في مصر أو في الشرق الأوسط تكشف عن قدرة وفعالية واستمرارية‏.‏ بل وعن معني القوة الحقيقي وتجددها‏,‏ فهو يعمل لتغيير بلاده ووضعها في مكانها الصحيح بين الأمم بدون قلاقل أو هزات‏,‏ ولا يستجيب لدعاوي الفوضي ولا يترك شعبه وخاصة فقراءه‏,‏ يقعون فريسة للسياسات الجديدة‏,‏ كما أنه يحرص علي كرامة بلاده‏.‏
وإذا عدنا لما ظهر في اجتماعات دافوس من خلاف مصري أمريكي في السياسات‏,‏ فإننا نقول إنه ليس جديدا‏,‏ فهو يعود إلي سنوات مضت وتحكمه معادلة واضحة وبسيطة في العلاقات المصرية الأمريكية‏,‏ وهي أن حرص مصر علي استقلالها وكرامة شعبها يفرض عليها رفض السياسة الأمريكية عندما تزداد فيها النزعة الهجومية التدخلية‏,‏ ولم يحدث أن بلغت هذه النزعة في السياسة الأمريكية المدي الذي وصلت إليه في إدارتي بوش الابن‏,‏ وخصوصا منذ غزو العراق الذي رفضته مصر‏,‏ ونصحت الأمريكيين بالتريث والتعقل فيه‏,‏ ويعترف بذلك الآن كثير من العقلاء الأمريكيين‏,‏ الذين يستعيدون نصائح الرئيس مبارك في الشهور السابقة علي الحرب منذ أن ظهرت نذرها واضحة‏,‏ وبدت عواقبها خطيرة لمن يعرفون طبيعة منطقتنا وظروفها وأوضاعها‏.‏
إن كل مشكلات المنطقة الآن سببها الاختلال الضخم في التوازن الإقليمي الذي سببته هذه الحرب من تزايد النزعة العدوانية لإيران‏,‏ وظهور الحروب الطائفية‏(‏ سنية وشيعية‏).‏
وبالرغم من أن الخلاف المصري الأمريكي في هذا الإطار ليس جديدا‏,‏ فقد ظهر في المنتدي الاقتصادي بشكل أوضح بسبب تعاقب خطابي مبارك وبوش‏..‏ وهو الأمر الذي أظهر الفرق بين السياستين بوضوح نادر‏.‏
فلقد أعاد بوش إنتاج خطابه الإيديولوجي الجامد الذي يذكرنا بفترة الحرب الباردة‏,‏ بينما خرج مبارك برؤية واضحة ومنهج شامل‏,‏ بدا كما لو أنه ميثاق للعمل الإصلاحي علي جميع المحاور ليس لبلاده فقط‏,‏ بل لكل دول العالم التي ينبغي أن يكون الإصلاح فيها داخليا بعيدا عن التدخل الخارجي في شئونها وقال‏:‏ إننا نمضي في استكمال أركان ديمقراطيتنا تعزيزا للتعددية وتفعيلا لحياتنا السياسية‏..‏ نمضي في ذلك بإصلاحات تنبع من الداخل وتراعي ظروف مجتمعنا وخصوصياته‏,‏ وتحاذر من تجارب عديدة حاولت القفز إلي الأمام فانكفأت إلي الوراء
ومن محاولات لفرض الديمقراطية من الخارج تحت ذرائع عديدة انتهت بدمار وإزهاق الأرواح‏,‏ وسفك الدماء‏,‏ ولم يكن مبارك في حاجة إلي أن يشير صراحة إلي حالة العراق الذي انتهت محاولة فرض الديمقراطية من الخارج فيه إلي الدمار والخراب وقتل وإصابة ملايين العراقيين وآلاف الأمريكيين الذين وقعوا في أتون حرب طائشة جرت الويلات علي الولايات المتحدة نفسها وعلي العالم‏,‏ بل وعلي ديمقراطية أمريكا نفسها‏,‏ ومنها علي سبيل المثال إلغاء دور الكونجرس في البحث عن مخرج من كارثة التورط الأمريكي في العراق‏.‏
وإفراط البيت الأبيض في إساءة استخدام السلطة كما حدث عند إبعاد ثمانية مدعين عامين لأسباب سياسية استنادا إلي بند تم دسه في القانون الأمريكي لمكافحة الإرهاب‏(‏ باتريوتيك اكت‏),‏ وارتبط ذلك بمحاولة التستر علي فساد بعض أصحاب النفوذ في أوساط نخبة المحافظين الجدد التي مازالت مهيمنة علي إدارة بوش‏.‏ وانفراد مجموعة صغيرة للغاية باتخاذ القرارات الكبري في أمريكا مثل قرار غزو العراق خلال جلسات عمل صغيرة بمعزل عن المشاركة الواسعة التي يتميز بها النظام السياسي الأمريكي‏.‏

.........................................................................‏
ثم كيف والحال كذلك في أمريكا يبدي الرئيس بوش ملاحظات علي الأوضاع السياسية لهذا البلد أو ذاك‏,‏ فهناك تراجع ديمقراطي حدث في أمريكا خلال سنوات إدارتي بوش وهذا التراجع لم يتم حصره بشكل كامل‏.‏
ويكفي في هذا الصدد أن نعود إلي بعض الكتب التي أصدرها صحفيون وباحثون أمريكيون وآخرها كتاب الأفكار للصحفي بوب وودوارد‏.‏
وقد تزامن هذا التراجع في الممارسة الديمقراطية داخليا مع تراجع مكانة الولايات المتحدة علي المستوي الدولي‏.‏ سواء علي مستوي الهيبة التي تأثرت سلبيا بالفشل الكبير في العراق‏,‏ أو علي صعيد الثقة التي اهتزت في سياستها بسبب نزعتها الأحادية الانفرادية التي تجلت في الحرب علي الإرهاب ثم إخفاقاتها في أمريكا اللاتينية التي كانت منطقة نفوذ خالصة لها تاريخيا إلي حد أنها كانت تسمي الحديقة الخلفية‏,‏ فلقد أصبحت معظم دولها مناوئة لها سواء بصورة زاعقة علي النحو الذي نراه في فنزويلا‏,‏ أو بشكل موضوعي وهو النمط الغالب في هذه المنطقة الآن‏.‏
وتتحمل إدارتا بوش المسئولية كاملة عما لحق بالولايات المتحدة من خسائر سياسية علي هذا النحو نتيجة أخطائها الاستراتيجية التي بدأت بإحداث انقلاب في استراتيجية الأمن القومي الناجحة التي تبنتها إدارة بوش الأب ثم إدارتا كلينتون مع فروق في التفاصيل بينهما‏.‏
وقد جاء بوش الابن بنظريته الانفرادية الأحادية لتحل محل مبدأ التعاون الدولي لتحقيق الأمن‏,‏ وسعي إلي الهيمنة علي الأمم المتحدة وتهميش دورها بدلا من مبدأ الاعتماد علي المنظمات الدولية الذي كان معروفا في الاستراتيجية السابقة كما تبني سياسة تدخلية جامحة في شئون الغير بعد أن كانت الاستراتيجيات السابقة‏,‏ تحرص علي وضع حد لهذا التدخل ومنها آخر استراتيجية تم اعتمادها قبل دخوله البيت الأبيض تحت عنوان‏(‏ استراتيجية الأمن القومي الأمريكي للقرن الجديد‏)‏ والتي صدرت في ديسمبر عام‏1999.‏
فلقد كان هناك تأكيد علي أهمية دور الولايات المتحدة في قيادة العالم وضرورة توفير الإمكانات اللازمة لذلك ولكن علي أساس أن تدخل أمريكا في شئون العالم يجب أن تكون له حدوده التي لا يمكن تجاوزها‏,‏ وربط هذا التدخل بما أطلق عليه‏(‏ الفرص والمخاطر الأكثر اتصالا بالمصالح الأمريكية‏),‏ والفرق الجوهري بين هذه الاستراتيجية واستراتيجية المحافظين الجدد التي تبنتها إدارتا بوش الابن هو الفرق بين سياسة واقعية التزمت بها أمريكا علي مدي تاريخها‏,‏ وسياسة أيديولوجية ارتبطت بتوجهات تيار أيديولوجي أسير لرؤية ضيقة تسلطت عليه فعجز عن مراجعتها بعد أن ثبت فشلها‏.‏
والفرق بين السياستين الواقعية والأيديولوجية هو ما حدث في شرم الشيخ أخيرا في مؤتمر دافوس‏,‏ وهو أيضا الفرق بين العقل والأسطورة‏,‏ وبين المرونة والقدرة علي التعلم من ناحية‏..‏ والجمود والعجز عن استيعاب الدروس من ناحية أخري‏.‏
وأخيرا نقولها بكل صدق‏:‏ لقد كان بوش الابن في خطابه نموذجا للجمود في أوضح أشكاله‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.