«التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين في القاهرة والبحيرة    الثلاثاء 29 يوليو 2025.. البورصة المصرية تعاود الارتفاع ب0.29% خلال تعاملات اليوم    تراجع مؤشرات الأسهم الآسيوية مع ترقّب نتائج المحادثات الأمريكية - الصينية    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    منال عوض تبحث الموقف الحالي للتعاون مع شركاء التنمية والمشروعات البيئية الحالية    رصيف محطة هاتشيسون بميناء السخنة يستقبل 3 اوناش عملاقة من طراز STS    رئيس الوزراء: نتطلع لاستمرار التعاون مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    وزير الخارجية يؤكد على استمرار مصر في جهودها الحثيثة للوساطة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار    انطلاق ثالث قوافل «زاد العزة» محملة بنحو 1300 طن من المساعدات الغذائية والطبية العاجلة إلى غزة    برنامج الأغذية العالمي: حاجة ملحة لزيادة المساعدات لغزة قبل فوات الأوان    محافظ كفرالشيخ يشهد انطلاق مسيرة مصر النهاردة رياضة احتفالا بأول إنجاز أوليمبي مصري    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض تدريجى فى درجات الحرارة والمحسوسة تسجل 36 درجة    التعليم تعلن عن وظائف بمدارس التكنولوجيا التطبيقية.. الشروط والتفاصيل    العثور علي جثمان طبيب الأسنان بترعة السلام بعد يوم كامل من الحادث والبحث    المدارس الثانوية تواصل تسليم استمارات النجاح لطلاب الثانوية العامة    ضبط 117.6 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    يوسف معاطي يكشف كواليس وأسرار من مسيرته الفنية: "سعاد حسني تمنت العودة للمسرح ومحمود ياسين انسحب بسبب المرض"    «الصحة» توقع مذكرة تفاهم لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    رئيس هيئة الرقابة الصحية: التأمين الصحي الشامل يحفز القطاع الخاص لتحسين جودة الرعاية الأولية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج الدراسات القانونية باللغة الفرنسية ب "حقوق حلوان"    أسعار الدولار اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    نقيب المهندسين ل طلاب الثانوية العامة: احذروا من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة.. لن نقيد خريجيها    ترامب: لا أسعى للقاء جين بينج لكني قد أزور الصين تلبية لدعوته    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    رئيس اتحاد طنجة: عبد الحميد معالي اختار الانضمام إلى الزمالك عن أندية أوروبا    عاجل.. الشرطة تلقي القبض على رمضان صبحي بعد عودته من تركيا    كريم رمزي يعلق على ستوري عبد القادر.. ويفجر مفاجأة بشأن موقف الزمالك    سميرة صدقي: محمد رمضان وأحمد العوضي مش هيعرفوا يبقوا زي فريد شوقي (فيديو)    العظماء السبعة في دولة التلاوة، خريطة إذاعة القرآن الكريم اليوم الثلاثاء    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    بعد القبض على رمضان صبحي.. تعرف على موقفة القانوني ومدة الحبس وموعد الأفراج عن اللاعب    حملة «100 يوم صحة» تقدم 19.2 مليون خدمة طبية مجانية خلال 13 يوما    رابط التقديم الإلكتروني ل تنسيق الصف الأول الثانوي 2025.. مرحلة ثانية (الحد الأدني ب 6 محافظات)    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    بفرمان من ريبيرو.. الأهلي يتراجع عن صفقته الجديدة.. شوبير يكشف    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    سفير تركيا: خريجو مدرسة السويدي للتكنولوجيا يكتسبون مهارات قيّمة    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    لا تليق بمسيرتي.. سميرة صدقي تكشف سبب رفضها لبعض الأدوار في الدراما    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    تشييع جثمانى طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما فى حادث على الدائرى.. صور    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    غادة عادل vs صبا مبارك.. انطلاق تصوير «وتر حساس» الجزء الثاني    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    الرئيس الفلسطيني يثمن نداء الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي من أجل وقف الحرب في غزة    الاندبندنت: ترامب يمنح ستارمر "الضوء الأخضر" للاعتراف بدولة فلسطينية    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منهج مبارك‏..‏وأيديولوجية بوش
نشر في أخبار مصر يوم 23 - 05 - 2008


الأهرام: 23/5/2008
سوف تظل أيام منتدي شرم الشيخ‏(18‏ 20‏ مايو‏2008)‏ سجلا يحكي للجيل الحالي والأجيال القادمة قصة أمة وقائد‏,‏ حافظ علي مكانة بلاده في عالم صعب ومتغيرات قاسية‏.‏ والأهم أنه جدد سياساته وصنع مكانته الجديدة‏,‏ بحيث أصبح قادرا علي مواجهة المستقبل بكل صعوباته وتداعياته‏,‏ وليس مواجهة القوي العظمي في عالمه أو قيصرها‏,‏ فقط بحقائق الأمور وطبائع الشعوب‏,‏ ليكشف أمام العالم ورموزه القوية قوة السياسة والحجة والمنطق ضد غرور القوة وفشلها‏.‏
ففي المنتدي الاقتصادي العالمي بشرم الشيخ وفي وجود أعضائه من جماعة دافوس كانت الحجة والمنطق السياسي اللذان طرحهما رئيس مصر أقوي وأكثر ثباتا من منطق وحجة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وسياسته علي الأرض‏.‏
ولم تكن الحجة والمنطق هما الأقوي فقط‏,‏ ولكن أيضا كانت السياسة والاقتصاد علي الأرض هما الأكثر ثباتا وتعبيرا عن حقائق الأمور‏,‏ ومن خلال لغة الواقع وليس لغة أحلام اليقظة ودغدغة المشاعر‏.‏
ولم تكن مصادفة أن يكون هناك خطابان وسياستان مختلفتان بل ومتناقضتان أمام منتدي يتكلم عن التعلم من المستقبل‏,‏ خطاب الرئيس حسني مبارك‏(‏ الدولة التي استضافت المنتدي‏)‏ وقد كان وثيقة كاملة ومتماسكة تحكي الماضي القوي المعبر‏,‏ والحاضر الذي يواجه ويعمل‏,‏ وتكشف خطوط المستقبل ورؤاه‏..‏ خطاب لايستند إلي كلمات أو تعبيرات‏,‏ ولكن يعتمد أيضا علي سياسات طبقت ورؤي تحققت‏,‏ كما يحدد مسارات للمستقبل في ضوئها وله منهج واضح‏.‏
أما الخطاب الثاني فكان للرئيس الأمريكي جورج بوش المنتهية ولايته وكان خطابا تبشيريا‏,‏ يستند إلي أيديولوجيات وأفكار لجماعات متطرفة لا تعرف الشعوب‏,‏ وقد استهوته تعبيرات نظرية أو لغة متهافتة تبريرية بعيدة عن السياسة‏,‏ وقد كررها أمام الكنيست وأمام المنتدي بعد‏120‏ عاما من قيام دولة إسرائيل سيكون العالم كما نحلم‏!!‏ أي لغة سياسية تلك؟ وعن ماذا تعبر؟‏!‏
وقد تفاخر بأنه أول من طرح نظرية دولتين للشعبين‏(‏ إسرائيل وفلسطين‏),‏ متناسيا أنها طرحت من الأمم المتحدة وفقا لقرار التقسيم‏1948.‏
وقد كانت مهمته أن ينفذها قبل انتهاء ولايته عام‏2008,‏ لكنه عاد ليبرر الفشل في إمكان تحقيقها‏,‏ وحاول أن يغسل يده من الدماء الغزيرة التي سالت في منطقتنا نتيجة سياساته العدوانية والعدائية لشعوبنا بلا مبرر‏.‏ فنحن لم نعلن الحرب عليه‏,‏ وقد وقفنا معه ضد المتطرفين والإرهابيين الذين اعتدوا علي بلاده في سبتمبر عام‏2001,‏ فكان جزاؤنا اتساع رقعة الحروب في منطقتنا‏
والمدهش أنه مازال يحدثنا عن ديمقراطية العراق في الوقت الذي نري فيه المجازر وملايين الضحايا والمشردين‏!!‏ كما يحدثنا عن تطور أفغانستان‏,‏ مع أننا نري فيها حربا أهلية وسيارات مفخخة‏,‏ إلي جانب فشل كل محاولات التنمية ووقف الحرب هناك‏!!‏ وعلاوة علي ذلك يبشرنا بحروب جديدة في إيران وسوريا‏,‏ بل ويطالبنا بأن نكون معه‏!!‏ ولا أدري ما الذي يفكر فيه وكيف؟
ألم يستمع إلي الأصوات القادمة من بلاده؟
ألم يتعظ من كوارث الحروب وتداعياتها التي وسعت رقعة الإرهاب والتطرف في عالمنا؟
إننا لن نكرر ماكتبناه هنا عن‏(‏ عظة بوش في الكنيست‏)‏ يوم الأحد الماضي‏.‏ ولكننا نقول إنه العناد والإصرار علي لغة التطرف التي أراد أن يكررها في شرم الشيخ ليتركها وصية للرئيس القادم في بلاده‏!.‏
لكنه نسي أن حقائق ونتائج سياساته علي الأرض‏..‏ هي التي ستحكي للرئيس القادم بل للعالم كله أسباب الفشل ومكامن الأزمات التي كانت وراءها سياسات الرئيس بوش وحكومته في العالم‏,‏ خاصة في الشرق الأوسط خلال السنوات الثماني المنتهية وإذا كان لأحد أن يتعلم‏,‏ فإن الأخطاء ستحكي وستكون عبرة ودرسا خطيرا لأي إدارة قادمة‏.‏
أما خطاب الرئيس مبارك فهو بحق وثيقة بكل المقاييس ووصف حي وحقيقي للسياسة المصرية وتعبير عنها منذ أن صنعت السلام الذي أصبح حقيقة في شرم الشيخ أمام الجميع‏,‏ ولم يكن وهما أو خيالا كما يبدو في ذهن الدولة الكبري ورئيسها‏.‏
ويلخص تاريخ سيناء منذ رمسيس وإخناتون بعض تناقضات البشر فما بين عظمة الإنسان وضعفه‏,‏ وعبقريته وتفاهته تروي لنا جبالها ورمالها كيف تسمو الإنسانية فتصنع الحضارة‏.‏ وكيف يمكن أن تنجرف وتنحدر لمنزلقات العنف وإراقة الدماء لتكون الخسارة‏.‏
إنهما صورتان للفرق بين السلام والحرب‏.‏أما المستقبل فيتمثل في أن هذا التاريخ جزء من مسيرة الشرق الأوسط والبشرية‏,‏ نستلهم منه الدروس والعبر‏..‏ والفرق واضح بين من يصنع السلام ومن يسير في طريق الحروب وتأجيج الصراعات‏.‏

.........................................................................‏
لقد تحدث الرئيس مبارك كزعيم قادر علي التعبير عن شعوبنا النامية‏,‏ وخاصة الفقراء ومحدودي الدخل‏,‏ ليس في منطقتنا فحسب بل وفي العالم كله‏.‏ فلم يفرق بين الدول المتقدمة الغنية والفقيرة النامية‏,‏ فالفقراء في الهم متساوون عندما يواجهون أزمة عاتية في الغذاء والطاقة‏,‏ من نقص وندرة إلي ارتفاع أسعار لاتقدر دخولهم علي مواجهتها‏,‏ وهذه مسئولية جماعية‏.‏ من أجل احتواء الأزمة لكي لاتتفاقم ويمتد تأثيرها إلي الأجيال القادمة‏.‏ ولم يتوقف الرئيس عند التحذير والتشخيص للتصدي للأزمة‏,‏ بل طالب بتصحيح تشوهات الاقتصاد العالمي الراهن والاختلالات الهيكلية في الموازنات العامة لبعض القوي الاقتصادية ومراجعة سياسات دعم السلع الغذائية وربط أزمتي الطاقة والغذاء معا حيث تلجأ بعض القوي الكبري إلي حرق الغذاء وتحويله إلي طاقة لإنتاج الإيثانول أو الوقود الحيوي‏,‏ وبالتالي تزيد أزمة ارتفاع أسعار الغذاء تفاقما‏.‏
كما طالب المجتمع الدولي بإعادة تقدير التكلفة الحقيقية لإنتاج الوقود الحيوي بانعكاساته الاجتماعية وتداعياته علي الأمن الغذائي للبشر‏.‏
وليس هذا فحسب بل أعلن أمام المنتدي أنه سيحمل هذه الدعوة إلي اجتماع منظمة الأغذية والزراعة الشهر المقبل في روما راسما برنامجا أمام دول العالم المتقدمة والنامية نحو الطريق الصحيح لاحتواء الأزمة الراهنة‏.‏
وربط الرئيس مبارك في خطابه الوثيقة بين السياسة والاقتصاد في منطقة حساسة من العالم هي الشرق الأوسط تتوق إلي السلام والاستقرار والتنمية‏,‏ والتي تجتاز مرحلة مهمة علي طريق الإصلاح السياسي‏,‏ والاقتصادي والاجتماعي‏,‏ وتمتلك من الثروات الطبيعية والاستراتيجية والبشرية ما يؤهلها للتقدم والازدهار وقد تساءل عن أسباب عجز العالم وقواه الكبري عن تحقيق الاستقرار‏..‏ فهل تحقق وعد السلام؟ وأين الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة مما يحدث في العراق ولبنان ودارفور والصومال‏,‏ وماذا عن نذر زعزعة الاستقرار في الخليج؟
ولقد شرح الرئيس مبارك الأزمة الحادة التي تواجه المجتمعات النامية‏,‏ وتناول الأزمة الاقتصادية بين الشعوب التي تحصل علي ثمار العولمة‏,‏ والأخري التي تواجه تحديات ومشكلات الفقراء‏,‏ حيث يطالب البعض بالعودة إلي السياسات القديمة‏,‏ ويقعون فريسة لقوي الرجعية والسلفية والتطرف والإرهاب والمزايدين والمتاجرين بمعاناة الفقراء والأقل دخلا‏.‏ وهي صورة باعثة للقلق والمخاوف وليست مصدرا للأمل والتفاؤل والإلهام‏.‏

..............................................................................‏
وشرح الرئيس أيضا صورة العالم ومنطقتنا‏,‏ وحدد صورة مصر المستقبل مؤكدا أن خيارنا هو مواصلة الإصلاح علي كل محاوره والسعي نحو سلام الشرق الأوسط أمنه واستقراره‏.‏
وكانت الصورة الأخيرة في خطاب الرئيس هي‏:‏ ماذا تحقق في العام الأخير من النمو والإصلاح والسياسة والاقتصاد؟‏.‏
فعلي الصعيد الإقليمي‏,‏ تلعب مصر الدور الرئيسي في تهدئة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في غزة تخفيفا لمعاناة سكانها وتهيئة الأجواء لإنجاح عملية التفاوض‏,‏ وصولا لاتفاق سلام ينهي الاحتلال ويقيم الدولة الفلسطينية المستقلة‏.‏
ثم ماذا سيفعل العالم الغني أمام تلك الأزمة الحادة التي يعانيها العالم الفقير؟ هل يتركه نهبا للصراعات والحروب والتطرف والأزمات الاقتصادية؟‏.‏
وهل يأخذ بيده ويساعده علي وضع حد للصراعات والحروب‏,‏ ويقدم له المساعدة الاقتصادية والفنية أم يدفعه إلي الاضطراب والفوضي ويتدخل في شئونه بمسببات عديدة من أمثلة حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها؟‏.‏
إن سياسات الرئيس مبارك سواء في مصر أو في الشرق الأوسط تكشف عن قدرة وفعالية واستمرارية‏.‏ بل وعن معني القوة الحقيقي وتجددها‏,‏ فهو يعمل لتغيير بلاده ووضعها في مكانها الصحيح بين الأمم بدون قلاقل أو هزات‏,‏ ولا يستجيب لدعاوي الفوضي ولا يترك شعبه وخاصة فقراءه‏,‏ يقعون فريسة للسياسات الجديدة‏,‏ كما أنه يحرص علي كرامة بلاده‏.‏
وإذا عدنا لما ظهر في اجتماعات دافوس من خلاف مصري أمريكي في السياسات‏,‏ فإننا نقول إنه ليس جديدا‏,‏ فهو يعود إلي سنوات مضت وتحكمه معادلة واضحة وبسيطة في العلاقات المصرية الأمريكية‏,‏ وهي أن حرص مصر علي استقلالها وكرامة شعبها يفرض عليها رفض السياسة الأمريكية عندما تزداد فيها النزعة الهجومية التدخلية‏,‏ ولم يحدث أن بلغت هذه النزعة في السياسة الأمريكية المدي الذي وصلت إليه في إدارتي بوش الابن‏,‏ وخصوصا منذ غزو العراق الذي رفضته مصر‏,‏ ونصحت الأمريكيين بالتريث والتعقل فيه‏,‏ ويعترف بذلك الآن كثير من العقلاء الأمريكيين‏,‏ الذين يستعيدون نصائح الرئيس مبارك في الشهور السابقة علي الحرب منذ أن ظهرت نذرها واضحة‏,‏ وبدت عواقبها خطيرة لمن يعرفون طبيعة منطقتنا وظروفها وأوضاعها‏.‏
إن كل مشكلات المنطقة الآن سببها الاختلال الضخم في التوازن الإقليمي الذي سببته هذه الحرب من تزايد النزعة العدوانية لإيران‏,‏ وظهور الحروب الطائفية‏(‏ سنية وشيعية‏).‏
وبالرغم من أن الخلاف المصري الأمريكي في هذا الإطار ليس جديدا‏,‏ فقد ظهر في المنتدي الاقتصادي بشكل أوضح بسبب تعاقب خطابي مبارك وبوش‏..‏ وهو الأمر الذي أظهر الفرق بين السياستين بوضوح نادر‏.‏
فلقد أعاد بوش إنتاج خطابه الإيديولوجي الجامد الذي يذكرنا بفترة الحرب الباردة‏,‏ بينما خرج مبارك برؤية واضحة ومنهج شامل‏,‏ بدا كما لو أنه ميثاق للعمل الإصلاحي علي جميع المحاور ليس لبلاده فقط‏,‏ بل لكل دول العالم التي ينبغي أن يكون الإصلاح فيها داخليا بعيدا عن التدخل الخارجي في شئونها وقال‏:‏ إننا نمضي في استكمال أركان ديمقراطيتنا تعزيزا للتعددية وتفعيلا لحياتنا السياسية‏..‏ نمضي في ذلك بإصلاحات تنبع من الداخل وتراعي ظروف مجتمعنا وخصوصياته‏,‏ وتحاذر من تجارب عديدة حاولت القفز إلي الأمام فانكفأت إلي الوراء
ومن محاولات لفرض الديمقراطية من الخارج تحت ذرائع عديدة انتهت بدمار وإزهاق الأرواح‏,‏ وسفك الدماء‏,‏ ولم يكن مبارك في حاجة إلي أن يشير صراحة إلي حالة العراق الذي انتهت محاولة فرض الديمقراطية من الخارج فيه إلي الدمار والخراب وقتل وإصابة ملايين العراقيين وآلاف الأمريكيين الذين وقعوا في أتون حرب طائشة جرت الويلات علي الولايات المتحدة نفسها وعلي العالم‏,‏ بل وعلي ديمقراطية أمريكا نفسها‏,‏ ومنها علي سبيل المثال إلغاء دور الكونجرس في البحث عن مخرج من كارثة التورط الأمريكي في العراق‏.‏
وإفراط البيت الأبيض في إساءة استخدام السلطة كما حدث عند إبعاد ثمانية مدعين عامين لأسباب سياسية استنادا إلي بند تم دسه في القانون الأمريكي لمكافحة الإرهاب‏(‏ باتريوتيك اكت‏),‏ وارتبط ذلك بمحاولة التستر علي فساد بعض أصحاب النفوذ في أوساط نخبة المحافظين الجدد التي مازالت مهيمنة علي إدارة بوش‏.‏ وانفراد مجموعة صغيرة للغاية باتخاذ القرارات الكبري في أمريكا مثل قرار غزو العراق خلال جلسات عمل صغيرة بمعزل عن المشاركة الواسعة التي يتميز بها النظام السياسي الأمريكي‏.‏

.........................................................................‏
ثم كيف والحال كذلك في أمريكا يبدي الرئيس بوش ملاحظات علي الأوضاع السياسية لهذا البلد أو ذاك‏,‏ فهناك تراجع ديمقراطي حدث في أمريكا خلال سنوات إدارتي بوش وهذا التراجع لم يتم حصره بشكل كامل‏.‏
ويكفي في هذا الصدد أن نعود إلي بعض الكتب التي أصدرها صحفيون وباحثون أمريكيون وآخرها كتاب الأفكار للصحفي بوب وودوارد‏.‏
وقد تزامن هذا التراجع في الممارسة الديمقراطية داخليا مع تراجع مكانة الولايات المتحدة علي المستوي الدولي‏.‏ سواء علي مستوي الهيبة التي تأثرت سلبيا بالفشل الكبير في العراق‏,‏ أو علي صعيد الثقة التي اهتزت في سياستها بسبب نزعتها الأحادية الانفرادية التي تجلت في الحرب علي الإرهاب ثم إخفاقاتها في أمريكا اللاتينية التي كانت منطقة نفوذ خالصة لها تاريخيا إلي حد أنها كانت تسمي الحديقة الخلفية‏,‏ فلقد أصبحت معظم دولها مناوئة لها سواء بصورة زاعقة علي النحو الذي نراه في فنزويلا‏,‏ أو بشكل موضوعي وهو النمط الغالب في هذه المنطقة الآن‏.‏
وتتحمل إدارتا بوش المسئولية كاملة عما لحق بالولايات المتحدة من خسائر سياسية علي هذا النحو نتيجة أخطائها الاستراتيجية التي بدأت بإحداث انقلاب في استراتيجية الأمن القومي الناجحة التي تبنتها إدارة بوش الأب ثم إدارتا كلينتون مع فروق في التفاصيل بينهما‏.‏
وقد جاء بوش الابن بنظريته الانفرادية الأحادية لتحل محل مبدأ التعاون الدولي لتحقيق الأمن‏,‏ وسعي إلي الهيمنة علي الأمم المتحدة وتهميش دورها بدلا من مبدأ الاعتماد علي المنظمات الدولية الذي كان معروفا في الاستراتيجية السابقة كما تبني سياسة تدخلية جامحة في شئون الغير بعد أن كانت الاستراتيجيات السابقة‏,‏ تحرص علي وضع حد لهذا التدخل ومنها آخر استراتيجية تم اعتمادها قبل دخوله البيت الأبيض تحت عنوان‏(‏ استراتيجية الأمن القومي الأمريكي للقرن الجديد‏)‏ والتي صدرت في ديسمبر عام‏1999.‏
فلقد كان هناك تأكيد علي أهمية دور الولايات المتحدة في قيادة العالم وضرورة توفير الإمكانات اللازمة لذلك ولكن علي أساس أن تدخل أمريكا في شئون العالم يجب أن تكون له حدوده التي لا يمكن تجاوزها‏,‏ وربط هذا التدخل بما أطلق عليه‏(‏ الفرص والمخاطر الأكثر اتصالا بالمصالح الأمريكية‏),‏ والفرق الجوهري بين هذه الاستراتيجية واستراتيجية المحافظين الجدد التي تبنتها إدارتا بوش الابن هو الفرق بين سياسة واقعية التزمت بها أمريكا علي مدي تاريخها‏,‏ وسياسة أيديولوجية ارتبطت بتوجهات تيار أيديولوجي أسير لرؤية ضيقة تسلطت عليه فعجز عن مراجعتها بعد أن ثبت فشلها‏.‏
والفرق بين السياستين الواقعية والأيديولوجية هو ما حدث في شرم الشيخ أخيرا في مؤتمر دافوس‏,‏ وهو أيضا الفرق بين العقل والأسطورة‏,‏ وبين المرونة والقدرة علي التعلم من ناحية‏..‏ والجمود والعجز عن استيعاب الدروس من ناحية أخري‏.‏
وأخيرا نقولها بكل صدق‏:‏ لقد كان بوش الابن في خطابه نموذجا للجمود في أوضح أشكاله‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.