الحياة 20/05/2008 ظلت الجزائر على مدى تاريخها الحديث بعيدة عن التقسيمات المذهبية. وبقيت الطائفة الشيعية التي يصل عدد ابنائها الى ما بين 300 و500 ألف، عماد الحركة الوطنية التي واجهت الاستعمار، وجزءا من النسيج الوطني في بلد المليون شهيد. ويشير التاريخ إلى أن الجزائريين انشغلوا بقضايا سياسية واجتماعية كثيرة كانت على الدوام مصدراً لوحدتهم. وحتى بعد بروز تيارات الإسلام السياسي في التسعينات وخلافاته مع الجيش، ظلت المسألة في إطار الجدل الديموقراطي والسياسي. فرغم كل التهم التي لحقت بتيار الإسلام السياسي، إلا أن أحدا لم يجرؤ على اتهام هذه الجماعات والتيارات السياسية بالحس الطائفي. ليس لأن هذه الجماعات منزهة عن الخطأ، وإنما لان زعماءها تصرفوا ضمن المزاج الجزائري العام الذي لا يفكر بهذه الطريقة. فالشعب الجزائري عاش طوال تاريخه في رحابة المذهب المالكي الذي يعتبر من أكثر المذاهب الإسلامية انفتاحاً وتسامحاً. وكان الجزائريون على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم ينظرون إلى المالكية باعتبارها حالة وطنية، وليس مجرد مذهب ديني. لكن هذه الحالة الوطنية والحضارية التي وحدت الجزائريين على مدى عقود جُرحت. أصيبت بفيروس الطائفية. اعراض هذا المرض بدأت تظهر في المجتمع الجزائري في أواخر التسعينات من القرن الماضي، وتمثلت بنشاطات وتجمعات وكتابات هنا وهناك. فتنبه الجزائريون إلى أن كلمات النشيد الوطني الجزائري صاغها شاعر جزائري من الطائفة الشيعية، وبدأوا يسمعون هذه النغمة على نطاق واسع. ولم يكن صعباً على الوطنيين الجزائريين ربط هذه الحالة الجديدة بتحسن العلاقات مع إيران العام 2000، بعد توتر استمر سبعة اعوام بسبب دعم طهران لجبهة «الإنقاذ». دخلت طهران إلى الجزائر من بوابة السلفيين، على يدي «جبهة الإنقاذ»، ليس حباً بالسلفية وإنما كرهاً للجزائر. وهي تمارس الدور ذاته في العراق واليمن والسودان ومصر، وبقية الدول العربية. إيران ترفع شعارات المقاومة وتنفذ إلى جسد الأمة بالدين تارة، وبالنضال ضد الاستعمار والتبعية تارة أخرى، لتخفي مشروعها العنصري للهيمنة. وهي بهذه التدخلات المشبوهة تخلق في دولنا العربية هذه النزعة الطائفية، وتتيح مجالاً لتخوين الشيعة العرب بعزفها على وتر الطائفية الكريه. ويجب علينا أن لا نسمح لها بذلك. يجب علينا أن نواجه إيران بمنطق الأمة. يجب علينا أن لا ننساق وراء هذا النزق المذهبي. فإيرانسعيدة بهذا الحس الطائفي المتنامي في الإعلام العربي، وأول خطوة لمواجهة هذه الحرب وقف الحشد الطائفي في وسائل الإعلام العربية.