في حين تحتفل هيئات أهلية عربية بذكرى 60 عاما على النكبة ومؤسسات رسمية إسرائيلية بمرور 60 عاما على إنشاء الدولة العبرية. يسجل أول سفير مصري في تل أبيب بعض العقبات أمام انسجام النسيج الاجتماعي في دولة تضم مهاجرين من أصول مختلفة ولا يتفقون إلا على الهاجس الأمني. يرصد سعد مرتضى في كتابه (مهمتي في إسرائيل.. مذكرات أول سفير مصري في تل أبيب) من خلال تجربته "الفريدة والمثيرة" التي استمرت 31 شهرا في الدولة العبرية كيف "يسيطر الأشكيناز (اليهود الغربيون) على الحكم" وهذا ما يدفع اليهود الشرقيين إلى عدم التفاعل الكامل مع المجتمع الإسرائيلي. ويقول مرتضى إن هناك أيضا فئة من اليهود المتدينين تعرف باسم "ناطوري كارتا".. تعيش في إسرائيل ولا تعترف بدولتها.. ويرفضون الصهيوينة" مضيفا أن نحو 80 في المئة من شعب إسرائيل اليهودي لا يتمسكون بتقاليد الدين اليهودي. ويقول إن إسرائيل "تستغل المخاوف الأمنية.. فيبالغ حكامها وخاصة إذا كانوا من الصقور مثل الليكود في تصوير الأخطار التي يتعرض لها شعب أسرائيل ويستخدمونها أحيانا لستر الأطماع التوسعية... يعلمون الجيل الجديد في إسرائيل أن الضفة الغربية وقطاع غزة هما ضمن حدود إسرائيل التاريخية.. أما دولة الفلسطينيين فهي الأردن حسب ادعاءاتهم." ويقع الكتاب في 334 صفحة كبيرة القطع وأصدرته (دار الشروق) في القاهرة. وكان المؤلف سفيرا لمصر في المغرب حين فوجئ "كما فوجئ العالم" بزيارة الرئيس المصري السابق أنور السادات لإسرائيل يوم 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977. ويرصد في كتابه ردود الأفعال العربية التي كانت في مجملها ترفض تلك الزيارة. إذ أعلنت سوريا "يوم 19 نوفمير يوم حداد" أما تونس فرأت في الزيارة نوعا من سياسة " فرض الأمر الواقع ومخالفة للاستراتيجية العربية" ولم ينس مرتضى أن يسجل أن الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة كان "أول رئيس عربي يعلن في أواخر الخمسينيات استعداده للاعتراف بإسرائيل وإنهاء حالة الحرب. ولكن الرئيس (المصري الأسبق جمال عبد الناصر) اتهمه بالجنون." ويضيف أن معظم المثقفين المصريين رفضوا مبادرة السادات ورأوا فيها "إهدارا لمكاسب حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. وكان هذا التيار الرافض يضم معظم دوائر وزارة الخارجية المصرية" حيث استقال إسماعيل فهمي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ورفض السفر مع السادات إلى القدس ثم استقال محمد رياض وزير الدولة للشئون الخارجية الذي اعتذر بدوره عن مرافقة الرئيس الراحل في زيارته للقدس" وخلال مباحثات كامب ديفيد لم يوافق وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل على مشروع الاتفاق وقدم استقالته. كما يسجل "استياء قادة الدول العربية من انفراد مصر باتخاذ قرار السلام مع إسرائيل" مشددا على أن السلام المصري مع إسرائيل كان حلا عمليا وحيدا وممكنا لكنه ووجه بادانة من رأوا فيه "استسلاما لإسرائيل وإهدارا لانتصارات أكتوبر/ تشرين أول 1973 وتفريطا في حقوق الشعب العربي الفلسطيني وانشقاقا على وحدة الصف العربي وعزلا لمصر عن العالم العربي وخروجا من ميدان المعركة" حيث أشار السادات إلى أن أكتوبر هي آخر الحروب بعد تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس واستعادة شريط مواز للقناة من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967. ويصف مرتضى مهمته الدبلوماسية "غير العادية" التي بدأت في فبراير شباط 1980 وانتهت بعد غزو إسرائيل للبنان عام 1982 بأنها "لم تكتمل. تحققت بعض مظاهر وأهداف السلام بين مصر وإسرائيل وتعثرت الآمال والآهداف الأخرى" الخاصة بحقوق الفلسطينيين مضيفا أن "ميدان العمل الدبلوماسي والسياسي والعسكري" لايزال مفتوحا أمام الشعوب والدول العربية الاخرى. ويقول إن القطيعة بين العرب واسرائيل "نتيجة الصراع بينهما" ساعدت على اسدال كثير من الغموض عن اسرائيل من الداخل ومن ذلك مثلا أن "نحو 20 في المئة فقط من اليهود هناك هم الذين يتمسكون بكل تعاليم الدين اليهودي". ويخصص المؤلف فصلا عن شخصيات اسرائيلية عرفها عن قرب مثل رئيس الوزراء الاسبق مناحيم بيجن ذي "الاتجاهات الفكرية المتطرفة.. والاراء المتعصبة" التي جعلت السفير المصري يعتقد أن بيجن "يعتبر نفسه صاحب رسالة شبه سماوية يلتزم بأدائها.. يؤمن أن رسالته هي اعادة بناء مملكة اسرائيل." كما يرى أن رئيس الوزراء السابق ارييل شارون "شخصية عدوانية طموحة مثل الجراد لا يتردد في اكتساح أي صعوبة يمكن أن تقف في سبيله" ورغم ذلك أو ربما بسبب ذلك فانه يتمتع بتأييد "المتطرفين" في اسرائيل. وفيما يشبه التلخيص يقول مرتضى إنه خلال وجوده في إسرائيل لم يشعر بتفوق "المخ اليهودي" ويعزو التفوق التكنولوجي الى خبرة ومهارات المهاجرين الأوروبيين والأمريكيين إلى أسرائيل وهذا "يجب ألا يخيف العرب. أما الحاجز النفسي الذي حاول الرئيس السادات تحطيمه بعد زيارة القدس فمن الواضح أن الواقع العربي الآن يشهد بفشل هذه المحاولة." (رويترز)