مع استمرار الارتفاع في اسعار المواد الغذائية علي الصعيد العالمي، مما ينذر بإتجاه العالم نحو أزمة غذائية وصلت الى حد الغليان في بعض المناطق، اتجهت الشعوب خاصة النامية للمطالبة بتحسين نصيبها من الغذاء مع تعاظم ثروتها بعد أن أصبح المزارعون عاجزين عن مجاراة الطلب. ومع إحتجاج الشعوب تحاول الحكومات فرض قيود على الاسعار والصادرات ولكنها غالبا ما تؤدي الى نتائج عكسية ليظهر نوع جديد من سياسات الندرة أصبح فيه ضمان الامدادات الغذائية تحديا رئيسيا من تحديات القرن الحادي والعشرين. يعود ذلك لعوامل متعددة، منها انخفاض مخزونات العالم من القمح الى أدنى مستوى منذ 30 عاما إثر سوء الاحوال الجوية في الدول المنتجة وزيادة كبيرة في الطلب من دول العالم الثالث التي تشهد تنمية متسارعة. يذكر، أن أسعار الحبوب تسير في اتجاه تصاعدي منذ خمس سنوات بما يمثل نهاية لعقود من الغذاء الرخيص. كما عززت موجات الجفاف وتراجع الدولار الامريكي واتجاه أموال الاستثمارات الى السلع الاولية واستخدام الاراضي الزراعية في انتاج الوقود، في تفاقم مشكلة الغذاء. النمو السكاني يغذي الازمة ويتوقع الخبراء أن تكون عوامل النمو السكاني وتزايد ثروة الصين ودول ناشئة أخرى ذات تأثيرات أطول أمدا علي المشكلة، فمن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم الى تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050 وستسكن أغلب الزيادة التي تصل الى 2.5 مليار نسمة ستعيش في العالم النامي، التي تطالب شعوبها بمزيد من منتجات الالبان واللحوم . وتصف انجل جوريا رئيس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وضع الغذاء العالمي بانه "انتكاسة اضافية" للاقتصاد العالمي الذي يشهد اضطرابات كبرى. ولعل أخطر ما في الازمة ما تسببه للفقراء من مأساة كبرى، ففي المكسيك خرج عشرات الالاف الى الشوارع للتظاهر سبب زيادة أسعار خبز التورتيلا الذي ارتفع بشدة مع ارتفاع سعر الذرة. وارتفعت أسعار الغذاء العالمية، وفقا لتقديرات الاممالمتحدة بنسبة 35% على مدار عام حتى يناير /كانون الثاني لتتسارع وبدرجة ملحوظة وتيرة الاتجاه الصعودي الذي بدأ على استحياء في عام 2002، ومنذ ذلك الحين ارتفعت الاسعار بنسبة 65 %. وفي عام 2007 ارتفعت أسعار منتجات الالبان بنحو 80 % والحبوب بنسبة 42 % وفقا لمؤشر الغذاء العالمي الذي تصدره منظمة الاممالمتحدة للاغذية والزراعة. ووصفت مؤسسة تشاتام هاوس البريطانية للابحاث في يناير/ كانون الثاني ما شهدته الأسعار من ارتفاع بكونه أكبر من مجرد زيادة قصيرة الاجل، وسيتعين على المجتمع أن يقرر مدى قيمة الغذاء وكيف يمكن التوفيق بين قوى السوق وأهداف السياسات المحلية. وبالفعل تجد دول عديدة نفسها في مواجهة هذه الخيارات، فبعد معارضة طويلة بدأت حكومة المكسيك تبحث رفع حظر على المحاصيل المعدلة بالهندسة الوراثية للسماح لمزارعيها بالتنافس مع الولاياتالمتحدة التي أصبح انتاج الذرة المعدلة وراثيا ذات الغلة العالية هو العرف السائد فيها. قيود على الصادارت في سياق متصل، يفرض الاتحاد الاوروبي وبعض الدول في افريقيا حظرا مماثلا ربما يعاد النظر فيه، وفرضت عدة دول من بينها مصر والارجنتين وكازاخستان والصين قيودا للحد من صادرات حاصلات زراعية لتلبية احتياجات أسواقها المحلية. ومن الممكن أن يدفع رد الفعل التلقائي للازمات الغذائية المزراعين الى تقليل الانتاج ويهدد بتقويض جهود مستمرة منذ سنوات لفتح التجارة العالمية. وهو ما يعارضه جواكيم فون براون المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الغذائية في واشنطن، مبررا ذلك بأنه اذا تبنت دولة بعد أخرى سياسة (تجويع الجار) فما سيحدث في نهاية الامر هو تقلص حصص التجارة من الانتاج العالمي الاجمالي من المنتجات الزراعية وهذا بدوره يجعل الاسعار أكثر تقلبا. ففي الارجنتين أدى فرض ضريبة حكومية على الحبوب الى اضراب المزارعين مما أربك صادرات الحبوب، كما أعلنت فيتنام والهند، وكلاهما من كبار مصدري الارز، مزيدا من القيود على المبيعات في الاسواق الخارجية مما أدى لارتفاع سعر الارز في أسواق المعاملات الاجلة في الولاياتالمتحدة. ارجع خبراء ما شهدته السوق العالمية مؤخرا من تراجع لأسعار بعد السلع الغذائية عن مستوياتها القياسية إلى اقبال المستثمرين على البيع لجني الارباح أكثر منه الى عوامل أساسية تخص العرض والطلب. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاممالمتحدة، في فبراير/ شباط 2008 ، ارتفاع سعر الذرة بنسبة 27 % والبذور الزيتية مثل فول الصويا بنسبة 23 %، والارز بنسبة 9 % خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين . وارتفعت كذلك أسعار زيت النخيل الى مستويات قياسية بسبب الطلب عليه لانتاج الوقود العضوي مما تسبب في ضرر كبير لمحدودي الدخل في اندونيسيا وماليزيا حيث يعتبر من المواد الغذائية الرئيسية، وبالرغم من الانتقادات المتصاعدة للوقود العضوي فان صناعة الايثانول الامريكية التي تتغذى على الذرة تتمتع بتأييد سياسي واسع النطاق لانها تعزز اوضاع المزارعين الذين كانوا يعانون على مدى سنوات من انخفاض الاسعار وهذا التأييد من المتوقع أن يستمر. وتنبأ جون بروتون سفير الاتحاد الاوروبي لدى الولاياتالمتحدة بأن يواجه العالم ما بين عشر سنوات و15 سنة من الارتفاعات الحادة في تكاليف الغذاء وستكون افريقيا الفقيرة ومنطقة جنوب شرق اسيا هي الاكثر تضررا. دعم الغذاء يسبب أزمة في الوقت الذي تقوم فيه جوزيت شيران مديرة برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة بجوله عالمية لجمع التبرعات لسد عجز قدره 500 مليون دولار نتج عن ارتفاع الاسعار للتخفيف من وطأة الازمة، ويقول انصار الاسواق الحرة ان المساعدات والعديد من الخيارات السياسية التي يمكن للحكومات الاختيار من بينها لمساعدة الاسواق التي يهيمن عليها الجوع قد تسبب اضرارا لقطاعات أخرى من الاقتصاد. ويقول بروتون الذي تولى منصب رئيس وزراء ايرلندا في الفترة من 1994 الى 1997 "كنت اعمل في حكومة تطرح دعما غذائيا في ايرلندا وواجهنا مهمة مكروهة وهي رفع الدعم. (رويترز)