تشهد القمة العربية العشرون في دمشق العديد من الملفات الخلافية التي كانت سبباً في تخفيض التمثيل الدبلوماسي لعدد من الدول، وعلى رأسها مصر والسعودية اللتان لطالما شكلتا مع سوريا طيلة فترة التسعينات حلفاً هاماً في معالجة الأزمات العربية، غير أن ما يميز هذه الملفات، أنها وان اتفقت القمة أو تفاهمت بشأنها، فان امتداداتها لما بعد القمة لا تشي بأي تفاؤل باتجاه الحل، ذلك أن مفتاح هذا الحل ليس بيد أطراف الجامعة العربية وحدها. ويأتي في مقدمة الملفات الخلافية حالياً الأزمة الرئاسية اللبنانية التي تعود جذورها إلى 14/2/2005 تاريخ الانفجار المدوي الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. فيما يتمثل الملف الثاني في «استراتيجية السلام العربية» والموقف من مبادرة السلام التي أطلقتها الرياض وتبنتها قمة بيروت العربية في العام 2002، إذ ترى دول عربية عدة في مقدمتها سوريا أنه يتوجب إعادة النظر فيها على ضوء الموقف الإسرائيلي الرافض للاعتراف بها، واستمراره في احتلال الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية. القمة والأزمة اللبنانية تسبب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005 بزلزال سياسي كبير في المنطقة لا تزال ارتداداته مستمرة حتى اليوم. وتعتبر الأزمة الرئاسية اللبنانية الحالية إحدى نتائج هذا الزلزال، إذ كان التمديد للرئيس اللبناني السابق إميل لحود هو ما قاد إلى قطع شعرة معاوية بين رفيق الحريري وبشار الأسد بحسب مصادر الحريري. وقبل أن تهدأ ألسنة اللهب المتطاير من السيارات المشتعلة في ساحة «سان جورج» موقع الاغتيال، حتى بدأت أصابع الاتهام تتجه نحو سورية، مرجعة السبب في ذلك إلى اتهام نظام الأسد للحريري بالوقوف وراء قرار مجلس الأمن 1559 الذي أعقب التمديد للحود، وهو القرار الذي طالب بانسحاب جميع الجيوش الأجنبية من لبنان وحل الميليشيات وتسليم سلاحها إلى الجيش اللبناني. وبعد تكليف لجنة تقصي حقائق في عملية الاغتيال، وقبل أن تصدر نتائج التحقيق، كانت الاتهامات لسوريا بالوقوف وراء عملية الاغتيال قد تحولت إلى حراك شعبي كبير دفع دمشق في 28 ابريل لسحب جيشها من لبنان بعد ثلاثين عاماً على دخوله في العام 1976. وما زاد الطين بله إشارة لجنة التحقيق بقيادة المحقق الألماني ديتليف ميليس إلى سوريا بالوقوف وراء عملية اغتيال الحريري الذي تربطه بالسعودية علاقات وثيقة جداً. ومن هنا بدأ الخلل في العلاقات السعودية السورية يزداد يوماً بعد يوم، رغم أن الرئيس السوري بشار الأسد نفى للعاهل السعودي أي مسؤولية له بالوقوف وراء العملية، ووعد بتقديم إثباتات. وفيما التحقيق مستمراً، استطاعت القوى اللبنانية المعارضة لسوريا الفوز في الانتخابات التي جرت على خلفية الاغتيال وتشكيل الحكومة اللبنانية الحالية بالاشتراك مع حزب الله حليف سوريا الرئيس في لبنان. إلا أن دمشق عادت بعد فترة وجيزة لتستعيد أوراقها اللبنانية وإن من خارج الحدود، وذلك بعد انسحاب وزراء حزب الله من الحكومة، وتوقيع الحزب والتيار الوطني الحر بزعامة النائب المسيحي ميشيل عون اتفاقاً شكلوا بموجبه، بالإضافة إلى بعض القوى الأخرى، وفي مقدمتها حركة أمل بزعامة نبيه بري وتيار المردة بزعامة سليمان فرنجية، قوى ممانعة لا يستقل بها في مواجهة فريق الرابع عشر من آذار. واستطاعت سوريا عبر هذه القوى أن تصل لمرحلة دفعت وزير الخارجية السوري السابق ونائب الرئيس الحالي فاروق الشرع للقول بأن «سوريا اليوم وعبر حلفائها في لبنان باتت أقوى مما كانت عليه». ونتيجة لهذا الدور تتهم دمشق حالياً من قبل قوى الرابع عشر من آذار والمملكة العربية السعودية ومصر والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا بأنها تقف وراء الأزمة الرئاسية اللبنانية الحالية بعدم السماح بانتخاب رئيس لبناني. ورغم قبول سوريا بالمبادرة العربية التي تنص على انتخاب العماد مشيل سليمان رئيساً وإجراء انتخابات نيابية، إلا أن عدم تمرير المبادرة من قبل بعض الأطراف اللبنانية المحسوبة على سوريا، دفع السعودية ومصر إلى تخفيض تمثيلهما في القمة العربية كرسالة للرئيس السوري بأن دمشق ستبقى معزولة عن القوى المؤثرة في العالم العربي إذا لم تساهم عبر الضغط على حلفائها في تمرير الانتخابات الرئاسية اللبنانية. ورغم ما صدر من أحاديث أمس أن وزراء الخارجية العرب أقروا في اجتماعهم المغلق الورقتين اللتين أقرتا في القاهرة قبل ثلاثة أسابيع، بخصوص المبادرة العربية المتعلقة بحل الأزمة السياسية في لبنان، إلا أنه لا تبدو حتى الآن أي آفاق للحل، بل على العكس من ذلك، إذ يتوقع مراقبون أن يقابل تخفيض التمثيل الدبلوماسي من قبل السعودية ومصر برد فعل سوري سلبي بعد القمة التي ستنطلق غداً، لما اعتبرته دمشق أنه محاولة لإفشال قمتها الأولى. مبادرة السلام العربية المسألة الثانية التي يبدو أنها ستشغل حيزاً كبيراً من النقاشات داخل أروقة القمة العربية هي الموقف من مبادرة السلام العربية التي كانت أقرتها قمة بيروت عام 2002، وما يقود إليه من خلافات بدأت تظهر للمرة الأولى بشأن «الإستراتيجية العربية للسلام» والحوار الفلسطيني - الفلسطيني والحديث عن ضرورة إعادة النظر في تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي كانت أقرته قمة الرباط في العام 1974. وتحاول سوريا من خلال القمة العربية الأولى التي تستضيفها، تمرير بعض القرارات التي تخدم سياستها الخارجية على هذا الصعيد، وخصوصاً لجهة توقف المفاوضات مع إسرائيل على المسار السوري منذ العام 2000 وسحب إسرائيل لآخر أوراق قوتها عبر الانسحاب من جنوب لبنان في نفس العام. وهذا ما يفسر الموقف السوري المتشدد إزاء مبادرة السلام العربية، والقائم على ضرورة «دراسة معمقة لجميع الخيارات المتعلقة بإستراتيجية السلام، في ضوء الموقف الإسرائيلي الرافض، بحيث لا يبقى الكلام عن المبادرة مفتوحاً ولا يمت للواقع الذي جُرب كل هذه السنوات، ويقابل برفض إسرائيلي». وتدرك دمشق أنها عبر إمساكها ببعض أطراف الورقة الفلسطينية من خلال قيادة حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» المتواجدتين على أرضها، فإنها تستطيع أن تستعيد تأثيرها القوي على ساحة الصراع عبر التهديد بسحب مبادرة السلام، وهو الأمر الذي يلقى معارضة عربية كبيرة. وربما هذا ما يفسر السعي السوري إلى إعادة النظر بمشروعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، إذ على الرغم من أن سوريا كانت من أول الدول التي دعمت قرار قمة الرباط باعتبار من منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، إلا أنها تتبنى اليوم موقفاً مخالفاً يقوم على أساس أن ثمة قوى أخرى لها تمثيل شعبي كبير في الساحة الفلسطينية كحركة المقاومة الإسلامية «حماس» وهي خارج المنظمة، الأمر الذي سيفتح الباب أمام نقاش طويل حول مسألة الشرعية الفلسطينية. وبالتالي التشكيك باتفاقات السلام الموقعة بين منظمة التحرير والجانب الإسرائيلي وضرورة التزام حركة «حماس» بها كما تطالب اللجنة الرباعية. ويلقى السعي السوري برمته معارضة كبيرة من قبل مصر والسلطة الفلسطينية اللتان تتبنيان موقفاً موحداً إزاء مبادرة السلام السعودية، إذ شدد الوفد المصري في دمشق على أهمية «عدم المس» بالمبادرة العربية للسلام لأن الخيارات الأخرى غير متوافرة عملياً. وعلى الرغم من أن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية أحمد بن حلي، قدم «حلا وسطاً» بين رأيين ظهرا خلال المناقشات على الورقة التي قدمها ممثل فلسطين عن النزاع العربي الإسرائيلي وإستراتيجية السلام، إلا أن مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان واضحاً لجهة رفض السلطة الفلسطينية أي تلويح بسحب مبادرة السلام العربية، ورأى في قرار كهذا «خدمة مجانية لإسرائيل». ويضاف إلى هذا كله الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني الذي كان يفترض أنه وجد طريقه إلى الحل الأسبوع الماضي عبر التوقيع على «إعلان صنعاء» والذي ما لبث أن اختلفت حركتا «فتح» و«حماس» بشأنه قبل أن يجف حبر التوقيع عليه. وتدرك قيادة السلطة الفلسطينية أن ثمة تأثيرا كبيرا من قبل سوريا على قيادة «حماس» المقيمة في ربوعها، وربما هذا ما دفع الرئيس الفلسطيني للذهاب إلى دمشق والمشاركة في القمة، رغم تغيب قادة كل من السعودية ومصر وعلى الأغلب الأردن عن المشاركة، لعله يستطيع أن يقنع القيادة السورية بالضغط على «حماس» للتراجع عن «انقلابها» في غزة. ورغم المخرج الذي استطاع وزراء الخارجية الوصول إليه بالأمس كحل وسط بين الأطراف، والقاضي بتأكيد مبادرة السلام العربية وإعادة طرحها على الساحة الدولية، إلا أن استمرار الجمود على المسار السوري، واستمرار محاولات عزل سوريا عربياً ودولياً، سيعيد الأمور إلى المربع الأول الذي تدور فيه الأطراف منذ مارس 2000 تاريخ آخر محاولة أميركية لاستئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل. وعموماً تبدو دمشق، رغم الضغوط التي مورست عليها عبر تخفيض مستوى الحضور من قبل بعض الدول العربية، قوية بما يكفي للصمود عبر استمرار إمساكها بأجزاء لا يستهان بها من الورقتين اللبنانية والفلسطينية. ومن المستبعد أن تقدم على أي تنازلات بشأنهما ما لم تحقق أثماناً سياسية كبيرة في مقدمتها استئناف المفاوضات بشأن الجولان، والاعتراف العربي لها بدور مركزي في لبنان، الأمر الذي سيبقي الخلافات مفتوحة حتى أجل غير مسمى. مبادرة السلام العربية تبنت القمة العربية الرابعة عشرة التي انعقدت في بيروت يومي الأربعاء والخميس في 27 و28 مارس 2002 ب «الإجماع» مبادرة السلام السعودية لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي وأصدرتها في نص منفصل عن البيان الختامي تحت عنوان «مبادرة السلام العربية». وفي ما يلي النص الحرفي لمبادرة السلام العربية: مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة المنعقد في دورته الرابعة عشرة. -إذ يؤكد ما أقره مؤتمر القمة العربي غير العادي في القاهرة في يونيو 1996 من أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاما مقابلا تؤكده إسرائيل في هذا الصدد. - وبعد أن استمع إلى كلمة الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي عهد المملكة العربية السعودية، التي أعلن من خلالها مبادرته داعيا إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، تنفيذا لقراري مجلس الأمن (242 و338) واللذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، وإلى قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدسالشرقية. وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل. - وانطلاقا من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف. 1- يطلب المجلس من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضا. 2- كما يطالبها القيام بما يلي: أ- الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان. ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ الرابع من يونيو) في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدسالشرقية. 3- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي: أ- اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة. ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل. 4- ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة. 5- يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعا إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقنا للدماء، بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنبا إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلا آمنا يسوده الرخاء والاستقرار. 6- يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة. 7- يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة من عدد من الدول الأعضاء المعنية والأمين العام لإجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على كافة المستويات وفي مقدمتها الأممالمتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي.