وزير التعليم يشهد حفل ختام بطولات الجمهورية ومسابقات التربية الفكرية ببورسعيد (صور)    جامعة كفر الشيخ تحقق إنجازا فى تصنيف التايمز العالمي    البابا تواضروس يتلقى تقريرا عن الخدمة في إيبارشية وسط أوروبا    أسعار الأسماك اليوم، الكابوريا ترتفع 35 جنيهًا في سوق العبور    وزير الإسكان: غدا بدء تسليم أراضى بيت الوطن بالمرحلة التكميلية 2 بمدينة العبور    السيد القصير ومحافظ جنوب سيناء يتابعان المشروعات الزراعية والثروة السمكية    مدبولي يتفقد مجمع مصانع العربي للغسالات بكوم أبو راضي (صور)    وزير التموين: 60% زيادة في توريد القمح خلال الموسم الحالي    مسئولو التطوير المؤسسي ب "هيئة المجتمعات العمرانية "يزورون مدينة العلمين الجديدة    إخلاء أحد مجمعات النازحين السوريين في لبنان    محمد فايز فرحات: المواقف المصرية منذ بداية الأزمة في غزة قوية وواضحة ومعلنة    حاكم خاركيف الأوكرانية: تم إجلاء نحو 10،000 شخص من المنطقة بسبب المعارك    9 مجازر جديدة بغزة، 35386 شهيدا حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي    الأهلي ضد الترجي، القنوات الناقلة لمباراة نهائي دوري أبطال أفريقيا    نهائي أبطال إفريقيا.. "الكرات الهوائية" دفاع حديدي في الأهلي والترجي (أرقام)    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    مصرع شاب سقط من علو في القليوبية    خبير ل المصريين: كل متاحف مصر اليوم مجانية.. وعليكم زيارتها    إصابة المخرج محمد العدل بجلطة في القلب    جوري بكر بعد طلاقها: "استحملت اللي مفيش جبل يستحمله"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    معهد القلب يشارك بمبادرة قوائم الانتظار بإجراء 4 آلاف عملية قلب مفتوح    طيران الاحتلال يشن غارات على جنوب لبنان.. وحزب الله ينفذ هجوما صاروخيا    الشهادة الإعدادية 2024| 16807 طالبا وطالبة يؤدون أول امتحاناتهم ب108 لجان بالأقصر    بنك الأسئلة المتوقعة لمادة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة 2024    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    جامعة كفر الشيخ الثالثة محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    ياسمين فؤاد: تطوير المناهج البيئية بالجامعات في مباحثات مع «البنك الدولي»    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    لقاء سويدان تهنئ عادل إمام في عيد ميلاده: «صاحب السعادة»    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    «السياحة» توضح تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة (فيديو).. عمقه 25 مترا    3 منهم قرروا البقاء.. 17 طبيبا أمريكيا يغادرون غزة بعد محاصرتهم بالمستشفى    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    وظائف وزارة العمل 2024.. فرص عمل في مصر والسعودية واليونان (تفاصيل)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    رفع 32 سيارة ودراجة نارية متهالكة.. خلال 24 ساعة    فانتازي يلا كورة.. تحدي الجولة 38 من لعبة الدوري الإنجليزي الجديدة.. وأفضل الاختيارات    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    بينها التوت والمكسرات.. 5 أطعمة أساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    تراجع أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    بدء امتحان اللغة العربية لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة والدراسات الاجتماعية بالقاهرة    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللبنانيون يجسدون ملحمة" البقاءعلى حب الحياة
نشر في أخبار مصر يوم 26 - 03 - 2008

هي صيرورة الحياة التي تدفع اللبنانيين لتحدي الازمات والواقع السياسي المأزوم منذ ثلاث سنوات، لحظة استشهاد الرئيس رفيق الحريري، من أجل عيش حياة شبه عادية . فإذا بهم يقبلون على التسوق والسهر في المرابع والمنتجعات السياحية، ويحضرون لحفلات الاعراس، والسعي لامتلاك عقارات وشقق سكنية غير مكترثين للاوضاع المتوترة ولما يشاع عن حروب قريبة داخلية وخارجية. بين الازمة المعيشية والازمة السياسية المتمثلة بالفراغ الرئاسي، يحاول المواطنون ايجاد السبل للتكيف مع ما يحكمهم وتكييف يومياتهم على وقع واقعهم المعاش بعدما وجدوا ان لا حيلة لديهم لتغيير واقعهم السياسي، لذلك كان لا بد لهم من الخروج من هذا العجز، بعدما بيّنت لهم التجارب السابقة ان الاستكانة للواقع المأزوم يزيد الامور سوءا وسلبية.
انهم اللبنانيون المقبلون على الحياة في بلدهم بكل الوانها القاتمة والزاهية، لانها ببساطة ألوان تعطيهم الاكتفاء النفسي والاجتماعي بأن صمودهم يعني انجازاً، وبأن نضالهم من اجل بديهيات الحياة يستحق العناء.
الجمود الذي يسيطر على الازمة السياسية التي يغرق فيها لبنان منذ مدة ليست بقصيرة، لم يمنع كارلا من التحضير للاعياد المجيدة سواء بشراء الملابس لاطفالها، او تحضير ما لذ وطاب من مأكولات .فالبرغم من تفاقم التوتر السياسي بين القوى و الاحزاب، وازدياد مستوى القلق عند اللبنانيين عموماً ومنهم كارلا، الا ان ذلك لا يثنيها عن عيش حياتها كالمعتاد .فهي تحاول تارة تلبية طلبات اطفالها لزيارة الملاهي حيناً، اوالتنفيس عن الضغط الذي يعتمر في صدرها بالتسوق حينا آخر على عادة كل النساء. تعيش يومياتها هذه بقلب يمتزج فيه الخوف من وقوع انفجار هنا او تطور اشكال هناك، والاصرار على ان تحيا هي واولادها حياة شبه طبيعية في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تتشارك فيها مع جميع اللبنانيين. لذلك تدأب عند الخروج من بيتها على اطلاق الشتائم تجاه الجهات التي تعبث في امن البلد وتحوّل ممارستها وعائلتها لطقوس الحياة اليومية، إلى مغامرة لا تتحكم بنتائجها، لكن لا بد من خوضها في الوقت ذاته.
هو حس المغامرة الممزوج بالقلق نفسه،الذي يدفع يارا وأصدقاءها إلى التوجه في نهاية الاسبوع إلى ملاهي الجميزة للسهر والتفريج عن انفسهم ، بعد "سمة البدن" والضغط النفسي الذي يعيشون يومياً نتيجة التناكف السياسي الحاصل. فبعد كل حدث أمني أو سياسي يقع في البلاد، تهرع يارا للاطمئنان على افراد عائلتها ثم تبكي طويلاً لتخرج من داخلها الخوف الذي اعتراها، ثم تعود إلى حياتها الطبيعية شيئاً فشيئاً.
كارلا ويارا نموذجان من اللبنانيين، الذين يعيشون في "بلد عجيب" على حدّ قول احد الدبلوماسيين الغربيين الذي يقول ان "ما من بلد في العالم يمر بالظروف السياسية التي يمر بها لبنان، ويبقى ابناؤه يعيشون حياة اجتماعية واقتصادية شبه طبيعية". هذا الواقع العجيب يظهر من خلال جولة قصيرة في شوارع العاصمة بيروت،يخرج بعدها المرء بمفهومين جديدين يسيطران على نبض الشارع اللبناني ، الازمة السياسية الرئاسية والازمة المعيشية. وما بينهما يحاول اللبنانيون التقاط أرزاقهم ، وابتداع اساليب جديدة وطريفة لحثّ المواطنين على تكييف يومياتهم على وقع الازمة التي تكاد تخنق البلاد. ففي أحد مقاهي شارع الحمرا يعلن "انه بمناسبة الفراغ الرئاسي وفراغ الكراسي، النرجيلة بستة آلاف ليرة حتى انتخاب رئيس للجمهورية". وفي محل للالبسة في الاشرفية كتب على الواجهة ان "التنزيلات تصل إلى خمسين في المئة إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية".
في الجميزة زحمة سير خانقة، وملاهٍ مزدحمة كما كل نهاية اسبوع مهما كانت الاوضاع السياسية والامنية متشنجة في الايام السابقة. فالمنطقة المسيّجة بأمن الشركات الخاصة التي تبقي أعين عناصرها مفتوحة على كل شاردة وواردة، تشجع الساهرين على ارتيادها من كل الاعمار وخصوصا الشباب الهاربين من واقع بلد مأزوم تتنقل فيه التفجيرات من منطقة إلى أخرى.
"طق قلبنا وبدنا نعيش" يقول شاب قبل أن يضع يده حول خصر حبيبته،ويدخلان معاً إلى إحدى الحانات. وفي داخل الملاهي هرج ومرج ورقص وغناء تحمل نموذجاً من تكيّف اللبنانيين مع كل الاحداث المؤلمة التي تحصل في نهارات البلاد، فيكون الاقبال على السهر في الليل هروب منها او محاولة لكسر سمّها أو تناسيها.
الوضع السائد في وسط بيروت، منذ اعتصام المعارضة منذ كانون الاول 2006 وحتى اليوم ، اصاب نحو 80 في المئة من المطاعم والمقاهي بالشلل. لكن ردة فعل اللبنانيين على هذا الواقع كانت بأن توجّهوا إلى المطاعم والملاهي في مناطق أخرى ومنها ساحة الكسليك حيث باتت الحياة لا تغيب عن المطاعم والنوادي الليلية والاسواق التجارية. أما المقاهي فتحوّلت إلى ملتقى لأهل الصحافة والفكر والاعلام. وكما الكسليك استعاد شارع الحمرا رونقه، وعاد إلى عصره الذهبي الذي عاشه في السبعينات وبات موطئ قدم كل سائح وزائر لبيروت بعدما عزل وغاب عن خريطة السياح لعشرات الاعوام. كما لوحظت عودة الحياة إلى منطقة الروشة والاشرفية ومقاهيها، ولعل في زحمة السير التي تسد طرقاتها خلال نهاية الاسبوع خير دليل على تلك العودة.
حركة ونشاط
تمر على شاشات التلفاز اعلانات عن عروض لمسرحيتين كبيرتين يقول المنظمون ان الحجوزات بدأت تنهال لحضورهما قبل بدء العروض بنحو شهر، والصالة ممتلئة يوميا خلال العرض. اما باقي مسرحيات الشونسونييه فالاقبال عليها لا بأس به خصوصا وان هذه المسرحيات اسعارها معقولة وتنتقد الوضع السياسي الراهن. الحال نفسه ينطبق على دور السينما التي لا يشكي اصحابها من قلّة الرواد .كما لا تغيب النشاطات الثقافية عن أروقة الجامعات في لبنان ومسارحها.
تنقل صفحات الجرائد اليومية ايضا اعلانات لنشاطات فنية وثقافية وصور مناسبات اجتماعية وحفلات زفاف. ويقول القيمون على هذه النشاطات أن نسبتها خفّت بشكل كبير عمّا كانت عليه قبل بداية الأزمة، لكنها تنشط خصوصاً في فترات الاعياد وهذا ما حصل خلال فترة أعياد الميلاد ورأس السنة واعياد الفطر والاضحى والفصح، حيث اقيمت العديد من الاعراس ومهرجانات المأكولات.
في قصر الاونيسكو مثلا الذي كانت تزدحم مفكرته اليومية بالنشاطات الثقافية والتربوية والاجتماعية، تراجعت نسبتها اليوم إلى اكثر من النصف، لكنها لا تزال موجودة وكأن منظميها يحاولون معاندة الواقع الميؤوس منه.
في قطاع البناء والعقارات تبدو حركة البيع والشراء نشطة وعادية، و"كأنه ما في ازمة في البلاد" على حد قول نقيب اصحاب العقارات ايلي صوما، ويعطي مثالا على ذلك بالقول "العرض على قدر الطلب، وذلك بفضل الشباب اللبناني المغترب الذي يحرص على استملاك شقق له في لبنان، بالاضافة إلى القروض التي تقدّمها المؤسسة العامة ومصرف الاسكان ما يخلق حركة بيع وشراء ايجابية". ويبدي صوما حنقه من الوضع السياسي القائم و"الذي يدفع ثمنه اللبنانيون"، "فالتناحر الاقليمي" كما يقول، يترجم على ارض لبنان ينعكس سلبا على الاستثمار الخارجي لان رأس المال جبان، وابرز مثال على ذلك ما يحصل في الوسط التجاري ، فالاعتصام قائم يؤثر سلبا في الاستثمارات الاجنبية، ولولا ايمان الشباب اللبناني بوطنه والارتفاع الكبير لاسعار العقارات في الدول العربية المجاورة، لما كان هذا التمسك للمستثمرين العرب بنشاطهم العقاري في لبنان".
الأسواق ... محاولات للتحريك
في النهار "زحمة سير وعجقة ناس وما في مطرح"، عبارات تتردّد على ألسنة اللبنانيين وهم يقبلون على ممارسة أعمالهم ويذهبون إلى مدارسهم وجامعتهم، في ظل متابعة دؤوبة للاستحقاقات السياسية بدافع القلق على المصير. ويعبّرون عن ذلك بتعليقات بين شفة القهوة ومجة السيكارة، "مين بيعرف؟ بلد كله حزازير ومفاجآت حدا بيصدق انو لهلق ما قادرين ينتخبوا رئيس للجمهورية!" يقول مارك نصار الذي يقف امام متجره لبيع الالبسة في منطقة الحمرامنتظرا الفرج.
حزازير لا تمنعه والاخرين من السعي وراء ارزاقهم لتأمين الافضل لاطفالهم. لذلك يسارعون إلى تقديم العروضات والتنزيلات على بضائعهم لإغراء الزبائن ودفعهم إلى الشراء. إغراء يستجيب له العديد من اللبنانيين بالرغم من موجة الغلاء المستفحلة، وانعدام القدرة على تلبية الحد الادنى من متطلبات العيش على حد قول ميرفت دبوق "عنا اولاد وبدنا نربيهم ونشتري لهم ما يحتاجون، بالرغم من ارتفاع الاسعار بشكل جنوني".
تمتلىء الاسواق بالاعلانات عن تنزيلات وعروضات لتقسيط اسعار البضائع لاشهر طويلة، ما يشي بأن التجار يحاولون تقديم المزيد من المغريات لجذب الزبائن علّهم بذلك يكسرون جمود الاسواق ويسيّرون اعمالهم المتوقفة محاولين خلق حيوية في السوق من لاشيء كي يتمكنوا من الاستمرار. حيوية يستجيب لها بشكل لا بأس به الزبائن من اللبنانيين المتعبين من دوامة الموت والخوف التي يدورون فيها منذ ثلاثة اعوام، فيكون الاقبال على التسوق احد وجوه الترفيه الذي ينتشلهم من وسط القلق. وكأنهم بذلك يأخذون وقتا مقتطعا للحياة والتمتع على الرغم من كل الالم والمعاناة، فيعمدون إلى الاحتفال بالاعياد، او الاقبال على التسوق وارتياد المنتجعات السياحية او السينما، اوالقيام بأي نشاط ترفيهي آخر.
وفي هذا الاطار يشير رئيس جمعية تجار بيروت نديم عاصي إلى ان "المشكلة هي في تهميش القطاع التجاري من قبل بعض الحكومات، والتعامل معه وكأنه بقرة حلوب من دون تقديم الدعم اللازم له. لا دعم للفوائد ولا تعويض للمؤسسات التجارية التي تتضرّر سواء في الانفجارات او جراء اعتصام المعارضة". ويتابع "هذا عدا عن ان إقفال المجلس النيابي، يمنع إقرار العديد من مشاريع القوانين التي يستفيد منها القطاع. كل هذه المصائب تضاف إلى الكساد الذي تعاني منه الاسواق، فالحركة التجارية خجولة ليس فقط في بيروت بل في كل المناطق اللبنانية، لكن ذلك لا يمنع التجار من القيام بمحاولات لتحريك الاسواق من خلال اطلاق مسابقات او القيام بنشاطات فنية. التجار وضعهم صعب وعليهم وحدهم تقع اعباء زيادة الاجور والضرائب للمالية والبلدية، والمنح الدراسية للموظفين ولا من جهود رسمية لمساعدتهم على تحمّل ما يعانون".
تعبير حر...
المحنة الحالية التي تمر بها البلاد ، دفعت العديد من اللبنانيين للبحث عن متنفس لأحزانهم ، وقد وجدوا وخصوصاً منهم فئة الشباب في شبكة الانترنت ضالتهم. فمن خلال المدوّنات او "التشاتينغ" يعبّر المواطنون عن هواجسهم ورغباتهم وأشواقهم، ويتراشق بعضهم التحليلات السياسية والاتهامات المتبادلة.
ما يمكن استنباطه من خلال هذه المدونات ان فئات اللبنانيين كافة، تعبر عن رغبتها بالتكاتف من اجل الخروج من المأزق الحالي. ففي هذه المدونات يبدو التركيز واضحاً في التعبير عن توق اللبنانيين لبناء عائلة وكذلك عن مخاوفهم من تجدّد التفجيرات والمواجهات. فلا يتوانى جمال غصن عن التعبير "عن حزنه على الضحايا الذين يسقطون في الانفجارات والتظاهرات، والشلل الذي يصيب قطاعات حياة البلاد كافة". في حين تتمنى تينا عبدلكي "ان تتحول الاعياد المجيدة إلى مناسبة لكي يتصالح فيها جميع السياسيين وينتخبوا رئيساً للجمهورية، وذلك كي يستتب الامن في جميع ربوع لبنان وتعود البحبوحة اليه". امنية تصر تينا على الحلم بها على الرغم من ان كل المؤشرات على الساحة السياسية تدل عكس ذلك، لكن الامل يجب ان يبقى في النفوس برأيها كي نتخلص من رواسب الماضي وآلامه.
ويتساءل علي بدران كيف يمضي الساسة اللبنانيون يومياتهم، وهل يقلقون على مستقبل أولادهم كما هي حال جميع اللبنانيين، ام انهم مطمئنون عليهم خارج لبنان، ويتركون الناس يتخبطون ببعضهم البعض؟".
بداية توجه اللبنانيين إلى شبكة الانترنت للتعبير عن سخطهم، كانت عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وذلك للتعبير عن غضبهم تجاه النظام السوري. وبعد فترة هدأت حماسة المدوّنين وعادت مرة اخرى إلى السطح مع استمرار الازمة السياسية الحالية.
تفسير نفسي .. اجتماعي
من الطبيعي ان يكون للانسان ردّتا فعل تجاه اي حالة قلق يعيشها، فهو إما يستكين للواقع الذي يعيش فيه او يواجهه للتغلب عليه. واذا كان اللبنانيون قد عرفوا من تجاربهم السابقة ان المنحى السلبي في سلوكهم لن يصل بهم إلى اي نتيجة، فلا بد لهم في المقابل من خوض الخيار الثاني. هذا الخيار يفسّره المحلّل النفسي جو عاقوري (مدير مركز retnecypareht tlatseg)، بالقول "ان قابلية الحياة عند اللبنانيين ،هي جزء من ثلاثية عوامل تتحكّم بنظرة الانسان وتمسكه بالحياة بشكل عام، بغض النظر عن جنسيته ومكان اقامته.العامل الاول من هذه الثلاثية هو الحاجة إلى الحلم، فمن دون الحلم والامل لا يمكن لاي انسان ان يستمر حياً. ومن خلال هذا الحلم يمكنه التركيز على المراحل المقبلة من حياته والتخطيط لمستقبله ومن ثم ينظم قدراته التي تمكّنه من تحقيق هدفه. اما العامل الثاني الذي يدفع اللبنانيين للتعلق بشكل الحياة والبقاء في لبنان، فيرجع إلى انهم كباقي البشر الذين يرغبون في الحفاظ على عاداتهم، عندها يصبح التغيير مرادفا للصعوبات، فتكون النتيجة هو السعي لتغيير من نوع آخر، اي تغيير حياتي غير جذري يبقي على محيطه العائلي والبيئي. بمعنى آخر اللبناني مهتم دائما في ان يظل متميزا بلبنانيته (بصورة عامة بعيدا من التصنيف الطائفي)، وهذا ما يدفعه لاحداث تغيير مسيطر عليه، وضمن مجتمع يتجاوب مع هذا التغيير. ففي لبنان كل شخص يملك اماكن وحيّزاً للتغييرات السياسية والاجتماعية والطائفية، بمعنى ان اللبناني الذي يعيش في بيروت، هو في الأصل من منطقة جبلية، يشارك في النشاط البلدي في مسقط رأسه، او لديه خيار العيش في منطقة اخرى في لبنان غير منطقة سكنه الاساسية. وهذا امر فريد من نوعه بالنسبة للانسان العادي في الدول الغربية مثلاً، فهو يملك مركزاً واحداً للتغيير وبتراتبية افقية وفقا للقانون وهي الدولة. اما اللبناني فبالرغم من كل الصعوبات لديه حيز للتغيير ويستطيع ان يحقق حلمه، ولبنانيته تتيح له احداث تغيير بفترة قصيرة عوضا عن ان يكون كالانسان الغربي الذي عليه ان يجتاز مراحل وفقا لجدول زمني طويل ومضبوط بقواعد القانون، كي يستطيع تحقيق حلمه. ومن هنا يفضّل اللبناني البقاء في بلده لأن لديه الامل في تطبيق التغيير في مجالات متعددة.
العامل الثالث الذي يدفع اللبنانييين للتمسك بالحياة في لبنان بالرغم من كل ما يجري هو برأي عاقوري "العلاقة مع الله بحسب كل طائفة، وهي علاقة قوية تدفع اللبناني نحو المشاركة مع المحيط الديني الذي يعيش فيه، وتنّمي فيه الامل والرغبة بالمستقبل والحماسة لامكانية احداث تغيير في المجتمع الذي يعيش فيه من خلال ايمانه. وهذا ما لا يمكن ان يجده في الحياة المركبة والمنظمة وفق تخطيط منطقي ومدروس في الدول الغربية. فيصبح السعي لتأمين البديهيات (مياه، وكهرباء، وطرقات، والحفاظ على البيئة) كلها عوامل ترضي طاقته الحسيّة والعاطفية وتدفعه للبقاء. فاللبناني يهتم بذاته وبمشروعه الفردي وليس بمشروع الدولة، لأنه لا يمتلك ثقافة الدولة بل الاهداف الضيقة التي ترضي شخصيته وبيئته المحلية وطائفته، لذلك نجده يمتلك حماسة للبقاء في لبنان وتحقيق أهدافه الخاصة، لأنها تؤمن معنى لفرديته وذاته".
ويبدي عاقوري تخوفاً من "استمرار هذه الأهداف الفردية عند اللبناني وطغيانها، فبذلك يصبح اللبناني اكثر ضيقا واقل روحانية، وهذا ما يتيح للجماعات الدينية ان تركب اوليات الفرد بحسب قناعتها بلبنانيتها وطائفتها، ويصير لبنان مجموعة من الافراد تعيش كل واحدة منها في عالمها الخاص".
باسمة عطوي
هي صيرورة الحياة التي تدفع اللبنانيين لتحدي الازمات والواقع السياسي المأزوم منذ ثلاث سنوات، لحظة استشهاد الرئيس رفيق الحريري، من أجل عيش حياة شبه عادية . فإذا بهم يقبلون على التسوق والسهر في المرابع والمنتجعات السياحية، ويحضرون لحفلات الاعراس، والسعي لامتلاك عقارات وشقق سكنية غير مكترثين للاوضاع المتوترة ولما يشاع عن حروب قريبة داخلية وخارجية. بين الازمة المعيشية والازمة السياسية المتمثلة بالفراغ الرئاسي، يحاول المواطنون ايجاد السبل للتكيف مع ما يحكمهم وتكييف يومياتهم على وقع واقعهم المعاش بعدما وجدوا ان لا حيلة لديهم لتغيير واقعهم السياسي، لذلك كان لا بد لهم من الخروج من هذا العجز، بعدما بيّنت لهم التجارب السابقة ان الاستكانة للواقع المأزوم يزيد الامور سوءا وسلبية. انهم اللبنانيون المقبلون على الحياة في بلدهم بكل الوانها القاتمة والزاهية، لانها ببساطة ألوان تعطيهم الاكتفاء النفسي والاجتماعي بأن صمودهم يعني انجازاً، وبأن نضالهم من اجل بديهيات الحياة يستحق العناء.
الجمود الذي يسيطر على الازمة السياسية التي يغرق فيها لبنان منذ مدة ليست بقصيرة، لم يمنع كارلا من التحضير للاعياد المجيدة سواء بشراء الملابس لاطفالها، او تحضير ما لذ وطاب من مأكولات .فالبرغم من تفاقم التوتر السياسي بين القوى و الاحزاب، وازدياد مستوى القلق عند اللبنانيين عموماً ومنهم كارلا، الا ان ذلك لا يثنيها عن عيش حياتها كالمعتاد .فهي تحاول تارة تلبية طلبات اطفالها لزيارة الملاهي حيناً، اوالتنفيس عن الضغط الذي يعتمر في صدرها بالتسوق حينا آخر على عادة كل النساء. تعيش يومياتها هذه بقلب يمتزج فيه الخوف من وقوع انفجار هنا او تطور اشكال هناك، والاصرار على ان تحيا هي واولادها حياة شبه طبيعية في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تتشارك فيها مع جميع اللبنانيين. لذلك تدأب عند الخروج من بيتها على اطلاق الشتائم تجاه الجهات التي تعبث في امن البلد وتحوّل ممارستها وعائلتها لطقوس الحياة اليومية، إلى مغامرة لا تتحكم بنتائجها، لكن لا بد من خوضها في الوقت ذاته.
هو حس المغامرة الممزوج بالقلق نفسه،الذي يدفع يارا وأصدقاءها إلى التوجه في نهاية الاسبوع إلى ملاهي الجميزة للسهر والتفريج عن انفسهم ، بعد "سمة البدن" والضغط النفسي الذي يعيشون يومياً نتيجة التناكف السياسي الحاصل. فبعد كل حدث أمني أو سياسي يقع في البلاد، تهرع يارا للاطمئنان على افراد عائلتها ثم تبكي طويلاً لتخرج من داخلها الخوف الذي اعتراها، ثم تعود إلى حياتها الطبيعية شيئاً فشيئاً.
كارلا ويارا نموذجان من اللبنانيين، الذين يعيشون في "بلد عجيب" على حدّ قول احد الدبلوماسيين الغربيين الذي يقول ان "ما من بلد في العالم يمر بالظروف السياسية التي يمر بها لبنان، ويبقى ابناؤه يعيشون حياة اجتماعية واقتصادية شبه طبيعية". هذا الواقع العجيب يظهر من خلال جولة قصيرة في شوارع العاصمة بيروت،يخرج بعدها المرء بمفهومين جديدين يسيطران على نبض الشارع اللبناني ، الازمة السياسية الرئاسية والازمة المعيشية. وما بينهما يحاول اللبنانيون التقاط أرزاقهم ، وابتداع اساليب جديدة وطريفة لحثّ المواطنين على تكييف يومياتهم على وقع الازمة التي تكاد تخنق البلاد. ففي أحد مقاهي شارع الحمرا يعلن "انه بمناسبة الفراغ الرئاسي وفراغ الكراسي، النرجيلة بستة آلاف ليرة حتى انتخاب رئيس للجمهورية". وفي محل للالبسة في الاشرفية كتب على الواجهة ان "التنزيلات تصل إلى خمسين في المئة إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية".
في الجميزة زحمة سير خانقة، وملاهٍ مزدحمة كما كل نهاية اسبوع مهما كانت الاوضاع السياسية والامنية متشنجة في الايام السابقة. فالمنطقة المسيّجة بأمن الشركات الخاصة التي تبقي أعين عناصرها مفتوحة على كل شاردة وواردة، تشجع الساهرين على ارتيادها من كل الاعمار وخصوصا الشباب الهاربين من واقع بلد مأزوم تتنقل فيه التفجيرات من منطقة إلى أخرى.
"طق قلبنا وبدنا نعيش" يقول شاب قبل أن يضع يده حول خصر حبيبته،ويدخلان معاً إلى إحدى الحانات. وفي داخل الملاهي هرج ومرج ورقص وغناء تحمل نموذجاً من تكيّف اللبنانيين مع كل الاحداث المؤلمة التي تحصل في نهارات البلاد، فيكون الاقبال على السهر في الليل هروب منها او محاولة لكسر سمّها أو تناسيها.
الوضع السائد في وسط بيروت، منذ اعتصام المعارضة منذ كانون الاول 2006 وحتى اليوم ، اصاب نحو 80 في المئة من المطاعم والمقاهي بالشلل. لكن ردة فعل اللبنانيين على هذا الواقع كانت بأن توجّهوا إلى المطاعم والملاهي في مناطق أخرى ومنها ساحة الكسليك حيث باتت الحياة لا تغيب عن المطاعم والنوادي الليلية والاسواق التجارية. أما المقاهي فتحوّلت إلى ملتقى لأهل الصحافة والفكر والاعلام. وكما الكسليك استعاد شارع الحمرا رونقه، وعاد إلى عصره الذهبي الذي عاشه في السبعينات وبات موطئ قدم كل سائح وزائر لبيروت بعدما عزل وغاب عن خريطة السياح لعشرات الاعوام. كما لوحظت عودة الحياة إلى منطقة الروشة والاشرفية ومقاهيها، ولعل في زحمة السير التي تسد طرقاتها خلال نهاية الاسبوع خير دليل على تلك العودة.
حركة ونشاط
تمر على شاشات التلفاز اعلانات عن عروض لمسرحيتين كبيرتين يقول المنظمون ان الحجوزات بدأت تنهال لحضورهما قبل بدء العروض بنحو شهر، والصالة ممتلئة يوميا خلال العرض. اما باقي مسرحيات الشونسونييه فالاقبال عليها لا بأس به خصوصا وان هذه المسرحيات اسعارها معقولة وتنتقد الوضع السياسي الراهن. الحال نفسه ينطبق على دور السينما التي لا يشكي اصحابها من قلّة الرواد .كما لا تغيب النشاطات الثقافية عن أروقة الجامعات في لبنان ومسارحها.
تنقل صفحات الجرائد اليومية ايضا اعلانات لنشاطات فنية وثقافية وصور مناسبات اجتماعية وحفلات زفاف. ويقول القيمون على هذه النشاطات أن نسبتها خفّت بشكل كبير عمّا كانت عليه قبل بداية الأزمة، لكنها تنشط خصوصاً في فترات الاعياد وهذا ما حصل خلال فترة أعياد الميلاد ورأس السنة واعياد الفطر والاضحى والفصح، حيث اقيمت العديد من الاعراس ومهرجانات المأكولات.
في قصر الاونيسكو مثلا الذي كانت تزدحم مفكرته اليومية بالنشاطات الثقافية والتربوية والاجتماعية، تراجعت نسبتها اليوم إلى اكثر من النصف، لكنها لا تزال موجودة وكأن منظميها يحاولون معاندة الواقع الميؤوس منه.
في قطاع البناء والعقارات تبدو حركة البيع والشراء نشطة وعادية، و"كأنه ما في ازمة في البلاد" على حد قول نقيب اصحاب العقارات ايلي صوما، ويعطي مثالا على ذلك بالقول "العرض على قدر الطلب، وذلك بفضل الشباب اللبناني المغترب الذي يحرص على استملاك شقق له في لبنان، بالاضافة إلى القروض التي تقدّمها المؤسسة العامة ومصرف الاسكان ما يخلق حركة بيع وشراء ايجابية". ويبدي صوما حنقه من الوضع السياسي القائم و"الذي يدفع ثمنه اللبنانيون"، "فالتناحر الاقليمي" كما يقول، يترجم على ارض لبنان ينعكس سلبا على الاستثمار الخارجي لان رأس المال جبان، وابرز مثال على ذلك ما يحصل في الوسط التجاري ، فالاعتصام قائم يؤثر سلبا في الاستثمارات الاجنبية، ولولا ايمان الشباب اللبناني بوطنه والارتفاع الكبير لاسعار العقارات في الدول العربية المجاورة، لما كان هذا التمسك للمستثمرين العرب بنشاطهم العقاري في لبنان".
الأسواق ... محاولات للتحريك
في النهار "زحمة سير وعجقة ناس وما في مطرح"، عبارات تتردّد على ألسنة اللبنانيين وهم يقبلون على ممارسة أعمالهم ويذهبون إلى مدارسهم وجامعتهم، في ظل متابعة دؤوبة للاستحقاقات السياسية بدافع القلق على المصير. ويعبّرون عن ذلك بتعليقات بين شفة القهوة ومجة السيكارة، "مين بيعرف؟ بلد كله حزازير ومفاجآت حدا بيصدق انو لهلق ما قادرين ينتخبوا رئيس للجمهورية!" يقول مارك نصار الذي يقف امام متجره لبيع الالبسة في منطقة الحمرامنتظرا الفرج.
حزازير لا تمنعه والاخرين من السعي وراء ارزاقهم لتأمين الافضل لاطفالهم. لذلك يسارعون إلى تقديم العروضات والتنزيلات على بضائعهم لإغراء الزبائن ودفعهم إلى الشراء. إغراء يستجيب له العديد من اللبنانيين بالرغم من موجة الغلاء المستفحلة، وانعدام القدرة على تلبية الحد الادنى من متطلبات العيش على حد قول ميرفت دبوق "عنا اولاد وبدنا نربيهم ونشتري لهم ما يحتاجون، بالرغم من ارتفاع الاسعار بشكل جنوني".
تمتلىء الاسواق بالاعلانات عن تنزيلات وعروضات لتقسيط اسعار البضائع لاشهر طويلة، ما يشي بأن التجار يحاولون تقديم المزيد من المغريات لجذب الزبائن علّهم بذلك يكسرون جمود الاسواق ويسيّرون اعمالهم المتوقفة محاولين خلق حيوية في السوق من لاشيء كي يتمكنوا من الاستمرار. حيوية يستجيب لها بشكل لا بأس به الزبائن من اللبنانيين المتعبين من دوامة الموت والخوف التي يدورون فيها منذ ثلاثة اعوام، فيكون الاقبال على التسوق احد وجوه الترفيه الذي ينتشلهم من وسط القلق. وكأنهم بذلك يأخذون وقتا مقتطعا للحياة والتمتع على الرغم من كل الالم والمعاناة، فيعمدون إلى الاحتفال بالاعياد، او الاقبال على التسوق وارتياد المنتجعات السياحية او السينما، اوالقيام بأي نشاط ترفيهي آخر.
وفي هذا الاطار يشير رئيس جمعية تجار بيروت نديم عاصي إلى ان "المشكلة هي في تهميش القطاع التجاري من قبل بعض الحكومات، والتعامل معه وكأنه بقرة حلوب من دون تقديم الدعم اللازم له. لا دعم للفوائد ولا تعويض للمؤسسات التجارية التي تتضرّر سواء في الانفجارات او جراء اعتصام المعارضة". ويتابع "هذا عدا عن ان إقفال المجلس النيابي، يمنع إقرار العديد من مشاريع القوانين التي يستفيد منها القطاع. كل هذه المصائب تضاف إلى الكساد الذي تعاني منه الاسواق، فالحركة التجارية خجولة ليس فقط في بيروت بل في كل المناطق اللبنانية، لكن ذلك لا يمنع التجار من القيام بمحاولات لتحريك الاسواق من خلال اطلاق مسابقات او القيام بنشاطات فنية. التجار وضعهم صعب وعليهم وحدهم تقع اعباء زيادة الاجور والضرائب للمالية والبلدية، والمنح الدراسية للموظفين ولا من جهود رسمية لمساعدتهم على تحمّل ما يعانون".
تعبير حر...
المحنة الحالية التي تمر بها البلاد ، دفعت العديد من اللبنانيين للبحث عن متنفس لأحزانهم ، وقد وجدوا وخصوصاً منهم فئة الشباب في شبكة الانترنت ضالتهم. فمن خلال المدوّنات او "التشاتينغ" يعبّر المواطنون عن هواجسهم ورغباتهم وأشواقهم، ويتراشق بعضهم التحليلات السياسية والاتهامات المتبادلة.
ما يمكن استنباطه من خلال هذه المدونات ان فئات اللبنانيين كافة، تعبر عن رغبتها بالتكاتف من اجل الخروج من المأزق الحالي. ففي هذه المدونات يبدو التركيز واضحاً في التعبير عن توق اللبنانيين لبناء عائلة وكذلك عن مخاوفهم من تجدّد التفجيرات والمواجهات. فلا يتوانى جمال غصن عن التعبير "عن حزنه على الضحايا الذين يسقطون في الانفجارات والتظاهرات، والشلل الذي يصيب قطاعات حياة البلاد كافة". في حين تتمنى تينا عبدلكي "ان تتحول الاعياد المجيدة إلى مناسبة لكي يتصالح فيها جميع السياسيين وينتخبوا رئيساً للجمهورية، وذلك كي يستتب الامن في جميع ربوع لبنان وتعود البحبوحة اليه". امنية تصر تينا على الحلم بها على الرغم من ان كل المؤشرات على الساحة السياسية تدل عكس ذلك، لكن الامل يجب ان يبقى في النفوس برأيها كي نتخلص من رواسب الماضي وآلامه.
ويتساءل علي بدران كيف يمضي الساسة اللبنانيون يومياتهم، وهل يقلقون على مستقبل أولادهم كما هي حال جميع اللبنانيين، ام انهم مطمئنون عليهم خارج لبنان، ويتركون الناس يتخبطون ببعضهم البعض؟".
بداية توجه اللبنانيين إلى شبكة الانترنت للتعبير عن سخطهم، كانت عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وذلك للتعبير عن غضبهم تجاه النظام السوري. وبعد فترة هدأت حماسة المدوّنين وعادت مرة اخرى إلى السطح مع استمرار الازمة السياسية الحالية.
تفسير نفسي .. اجتماعي
من الطبيعي ان يكون للانسان ردّتا فعل تجاه اي حالة قلق يعيشها، فهو إما يستكين للواقع الذي يعيش فيه او يواجهه للتغلب عليه. واذا كان اللبنانيون قد عرفوا من تجاربهم السابقة ان المنحى السلبي في سلوكهم لن يصل بهم إلى اي نتيجة، فلا بد لهم في المقابل من خوض الخيار الثاني. هذا الخيار يفسّره المحلّل النفسي جو عاقوري (مدير مركز retnecypareht tlatseg)، بالقول "ان قابلية الحياة عند اللبنانيين ،هي جزء من ثلاثية عوامل تتحكّم بنظرة الانسان وتمسكه بالحياة بشكل عام، بغض النظر عن جنسيته ومكان اقامته.العامل الاول من هذه الثلاثية هو الحاجة إلى الحلم، فمن دون الحلم والامل لا يمكن لاي انسان ان يستمر حياً. ومن خلال هذا الحلم يمكنه التركيز على المراحل المقبلة من حياته والتخطيط لمستقبله ومن ثم ينظم قدراته التي تمكّنه من تحقيق هدفه. اما العامل الثاني الذي يدفع اللبنانيين للتعلق بشكل الحياة والبقاء في لبنان، فيرجع إلى انهم كباقي البشر الذين يرغبون في الحفاظ على عاداتهم، عندها يصبح التغيير مرادفا للصعوبات، فتكون النتيجة هو السعي لتغيير من نوع آخر، اي تغيير حياتي غير جذري يبقي على محيطه العائلي والبيئي. بمعنى آخر اللبناني مهتم دائما في ان يظل متميزا بلبنانيته (بصورة عامة بعيدا من التصنيف الطائفي)، وهذا ما يدفعه لاحداث تغيير مسيطر عليه، وضمن مجتمع يتجاوب مع هذا التغيير. ففي لبنان كل شخص يملك اماكن وحيّزاً للتغييرات السياسية والاجتماعية والطائفية، بمعنى ان اللبناني الذي يعيش في بيروت، هو في الأصل من منطقة جبلية، يشارك في النشاط البلدي في مسقط رأسه، او لديه خيار العيش في منطقة اخرى في لبنان غير منطقة سكنه الاساسية. وهذا امر فريد من نوعه بالنسبة للانسان العادي في الدول الغربية مثلاً، فهو يملك مركزاً واحداً للتغيير وبتراتبية افقية وفقا للقانون وهي الدولة. اما اللبناني فبالرغم من كل الصعوبات لديه حيز للتغيير ويستطيع ان يحقق حلمه، ولبنانيته تتيح له احداث تغيير بفترة قصيرة عوضا عن ان يكون كالانسان الغربي الذي عليه ان يجتاز مراحل وفقا لجدول زمني طويل ومضبوط بقواعد القانون، كي يستطيع تحقيق حلمه. ومن هنا يفضّل اللبناني البقاء في بلده لأن لديه الامل في تطبيق التغيير في مجالات متعددة.
العامل الثالث الذي يدفع اللبنانييين للتمسك بالحياة في لبنان بالرغم من كل ما يجري هو برأي عاقوري "العلاقة مع الله بحسب كل طائفة، وهي علاقة قوية تدفع اللبناني نحو المشاركة مع المحيط الديني الذي يعيش فيه، وتنّمي فيه الامل والرغبة بالمستقبل والحماسة لامكانية احداث تغيير في المجتمع الذي يعيش فيه من خلال ايمانه. وهذا ما لا يمكن ان يجده في الحياة المركبة والمنظمة وفق تخطيط منطقي ومدروس في الدول الغربية. فيصبح السعي لتأمين البديهيات (مياه، وكهرباء، وطرقات، والحفاظ على البيئة) كلها عوامل ترضي طاقته الحسيّة والعاطفية وتدفعه للبقاء. فاللبناني يهتم بذاته وبمشروعه الفردي وليس بمشروع الدولة، لأنه لا يمتلك ثقافة الدولة بل الاهداف الضيقة التي ترضي شخصيته وبيئته المحلية وطائفته، لذلك نجده يمتلك حماسة للبقاء في لبنان وتحقيق أهدافه الخاصة، لأنها تؤمن معنى لفرديته وذاته".
ويبدي عاقوري تخوفاً من "استمرار هذه الأهداف الفردية عند اللبناني وطغيانها، فبذلك يصبح اللبناني اكثر ضيقا واقل روحانية، وهذا ما يتيح للجماعات الدينية ان تركب اوليات الفرد بحسب قناعتها بلبنانيتها وطائفتها، ويصير لبنان مجموعة من الافراد تعيش كل واحدة منها في عالمها الخاص".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.