قد يؤدي نزاع دبلوماسي بين قطر وجيرانها الخليجيين الي تعطيل استثمارات بمليارات الدولارات في المنطقة ويبطيء مساعي لتحسين كفاءة اقتصاداتها من خلال اصلاحات في قطاعي التجارة والنقل. وتعني ثروة قطر الضخمة من الغاز الطبيعي ان الدولة الخليجية الصغيرة قد تتمكن على الارجح من مواصلة مسيرتها لأجل غير مسمى على الرغم من استياء السعودية ودولة الامارات العربية والبحرين. لكن نمو اقتصادها قد يتباطأ إذا تقلصت روابطها التجارية والاستثمارية مع الاقتصادات العربية الخليجية الكبيرة. وقد تعاني جميع الاقتصادات في المنطقة في الاجل الطويل إذا أدت التوترات الدبلوماسية الي عرقلة مشاريع مثل تشييد شبكة خليجية للسكك الحديدية وتطوير منطقة للتجارة الحرة. وقد يحرم ذلك ايضا شركات اجنبية من عقود للتشييد بمليارات الدولارات. واعلنت السعودية والاماراتوالبحرين الاربعاء سحب سفرائها من قطر قائلة ان الدوحة لم تحترم اتفاقا وقعته دول مجلس التعاون الخليجي في 23 نوفمبر تشرين الثاني يقضي بألا تدعم "كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي". وقال جون سفاكياناكيس كبير خبراء الاستثمار في شركة استثمار مقرها الرياض ان النزاع الدبلوماسي لن يؤثر على الفور على انشطة قطاع الاعمال في منطقة الخليج لكن سيكون هناك تأثير في الاشهر والسنوات المقبلة إذا لم تنحسر التوترات. واضاف ان النتيجة المحتملة في حال إنعزال قطر عن المنطقة ستكون استثمارات أقل وتحويلات رأسمالية أقل وعدد أقل من المشاريع المشتركة والمزيد من الاشياء السلبية لقطر. وسحب الدول الخليجية الثلاث لسفرائها هو قرار لم يسبق له مثيل في تاريخ مجلس التعاون للدول الخليجية العربية الذي انشيء قبل ثلاثة عقود ونتج عن استياء عميق بين جيران قطر من سياسات مثل دعم الدوحة لجماعة الاخوان. ولم تظهر دلائل على التحرك نحو فرض أي عقوبات اقتصادية وتكهن مسؤولون ورجال اعمال في المنطقة بأن الحكومات ستبقي النشاط الاقتصادي بمعزل عن السياسة. وقال اكبر البكر الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية القطرية المملوكة للدولة في برلين "الدول في منطقتنا لا تخلط السياسة بنشاط الاعمال لكن الاقتصاد يميل الي ان يتأثر بالسياسة في الشرق الاوسط فيما يرجع جزئيا الي ان الكثير من الشركات الكبرى تسيطر عليها الدولة ولأن الحكومات الخليجية اصبحت تعمد الي استخدام ثروتها النفطية كأداة دبلوماسية". وباعتبارها أكبر مصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال فان قطر بلغت مبلغا من الغنى يجعلها لا تحتاج التجارة والاستثمار من باقي الدول الخليجية لرخائها الاقتصادي مادامت قادرة على مواصلة بيع الغاز الي الاسواق الدولية. وسجلت ميزانية الحكومة القطرية فائضا بلغ 27.3 مليار دولار أو 14.2 % من الناتج المحلي الاجمالي في السنة المالية حتى مارس. ويعني ذلك انها يمكنها استيراد الغذاء والتكنولوجيا والعمالة التي تحتاجها من جنوب اسيا واوروبا ومناطق اخرى. واشار فاروق سوسة خبير الاقتصاد الي انه بسبب أن الدول الخليجية تركز على صادرات الطاقة فإن لها روابط اقتصادية قليلة نسبيا فيما بينها. وقال ان التجارة خارج مجال الطاقة بين قطر والدول الثلاث الاخرى بلغت حوالي 1 % من مجمل التجارة القطرية. لكن ستكون هناك بعض العواقب المالية إذا استمرت التوترات الدبلوماسية لفترة طويلة إذ ان مواطني الدول العربية الخليجية مستثمرون نشطون في اسواق الاسهم في كل من الدول الاخرى وقد تبدأ تدفقات الاموال هذه بالتراجع. ويقدر محللون ان مواطني مجلس التعاون الخليجي غير القطريين ربما انهم يمتلكون 5 إلي 10 % من الاسهم في البورصة القطرية التي تبلغ القيمة السوقية للاسهم المسجلة فيها حوالي 175 مليار دولار. وهبط المؤشر الرئيسي للاسهم القطرية 2.1 % الاربعاء مع ظهور انباء النزاع الدبلوماسي. واشار ناصر سعيدي رئيس شركة للاستشارات في دبي الي ان قطر مستثمر كبير في السوق العقاري المزدهر بدولة الامارات والذي قد يخسر مصدرا للاموال إذا طال أجل النزاع. وتحرص شركات قطرية كبيرة مثل بنك قطر الوطني على التوسع في الخليج للهرب من قيود سوقها المحلي الصغير وهي قد تجد ذلك اكثر صعوبة في المستقبل. ومن المنتظر ان تبدأ الخطوط الجوية القطرية تسيير خطوط محلية في السعودية في الربع الثالث من 2014 بعد ان كانت احدى شركتي طيران اجنبيتين فقط منحتا حقوقا لخدمة السوق السعودي الذي يبلغ حجمه حوالي 30 مليون مسافر. وإذا تصاعدت التوترات في نهاية المطاف الي عقوبات اقتصادية فان أكبر شيء عرضة للتأثر سلبيا في الخليج سيكون على الارجح خط انابيب دولفين انرجي الذي ينقل حوالي ملياري قدم مكعبة من الغاز يوميا من قطر الي الامارات العربية وسلطنة عمان. وتناقش البحرينوقطر منذ سنوات احتمال بناء جسر فوق البحر بطول 40 كيلومترا للربط بينهما ومن الصعب تصور ان يمضي هذا المشروع قدما في ظل المناخ الحالي. وربما يتعطل ايضا مشروع قيمته 15 مليار دولار على الاقل لربط الدول الخليجية بشبكة مقترحة للسكك الحديدية في الاعوام القادمة. وحتى قبل تفجر النزاع الدبلوماسي فان مقترحا لوحدة نقدية لمجلس التعاون الخليجي بدا مجمدا لأن المسؤولين الخليجيين اصبحوا متشككين ازاءه بعد ان شاهدوا الصعوبات في منطقة اليورو. وهناك مبادرات اقتصادية اخرى كانت تبدو مرجحة بشكل اكبر لكنها اصبحت الان تبدو أقل ترجيحا. ففي 2003 دشن مجلس التعاون الخليجي منطقة للتجارة الحرة برسوم خارجية موحدة وأزال هذا الي حد بعيد حواجز تجارية ظاهرية داخل التجمع الخليجي لكن ممارسة وظائفها كاملة عطلته اختلافات حول كيفية تقاسم ايرادات الجمارك. وتحاول سلطة للاتحاد الجمركي أنشاها مجلس التعاون الخليجي حل المشاكل لكنها ربما تجد الان ان ذلك اكثر صعوبة. كما أن تبني مقترح لاستحداث ضريبة للمبيعات في مختلف دول المجلس -وهو إصلاح رئيسي لتقليل اعتماد الحكومات على الايرادات النفطية- يبدو بعيدا ايضا.