كتب : محمد زكريا - عبير الضمراني - إنجي البطريق نقلا عن : الاهرام 7/7/07 الأمر المؤكد أنه ليس هناك مستحيل مادامت الإرادة والرغبة قد توافرت والقاهرة تملك من مقومات الجمال ما يفوق أي عاصمة أخري غير أن الإهمال والتراخي علي مدي سنوات طويلة جعلها فريسة للعشوائيات, وسوء التخطيط. قضية الأسبوع فتحت ملف القاهرة2050 وكيف يمكن علاج أوجاعها الحالية من خلال التخطيط المنظم والخطوات المدروسة, وذلك في إطار ما طرحته لجنة السياسات أخيرا برئاسة جمال مبارك حول مستقبل القاهرة, لتعود كما كانت أفضل عواصم الشرق. ناقشنا مع الخبراء والمختصين رؤيتهم لحل مشكلات المرور والعشوائيات والتكدس, وكانت هذه هي الحصيلة: نقل المصالح الحكومية.. سلاح ذو حدين! ** زحام وتكدس لسيارات متنوعة الاشكال والانواع تختلف نقاط انطلاقها ولكنها تتفق في وجهتها إلي احدي المصالح الحكومية أو احدي الوزارات الموجودة في أحضان القاهرة. المشهد يتكرر كثيرا ونتيجته زحام وصعوبة في حركة سير المرور وتكدس للمواطنين. والأمثلة كثيرة ولكن هيئة التخطيط العمراني اقترحت حلا للتخلص من هذا الزحام الذي قد يصبح سلاحا ذو حدين حيث إنه يفيد في سيولة حركة المرور بالاضافة إلي ما سيضيفه من وجهة حضارية للقاهرة, ولكن الضرر يتركز في ان المواطنين سيتكبدون الكثير من المعاناة والمشقة اذا ابتعدت هذه المصالح والوزارات لأن الخسارة ستكون مادية في نفقات المواصلات ونفسية وبدنية في الوقت الذي يبذلونه والمجهود للوصول إلي المصلحة الحكومية خاصة اذا كانت في أطراف القاهرة. ماذا يقول المواطنون حول فكرة نقل المصالح الحكومية بعيدا عن المناطق السكنية في العاصمة ؟ وماذا يقول المسئولون؟ يقول أحمد عبدالجواد موظف نحن لانمانع من نقل المصالح ولكن لابد من توفير وسائل مواصلات كافية إلي هذه المصالح في أماكنها الجديدة بشرط أن تكون مواصلات حكومية حتي لا نصبح عرضة لابتزاز سائقي السرفيس أو الميكروباصات التي نعاني معاناة مضنية منها في سبيل توصيلنا لقضاء مصالحنا خارج الكتلة السكنية وبالتالي فان هذا الاقتراح يحل مشكلة الزحام والاختناق المروري ويتسبب في مشكلة أكبر. ويوضح اللواء عمر الشوادفي مدير مركز استخدامات اراضي الدولة ان نقل المصالح الحكومية خارج القاهرة سيخفف من حدة الزحام كما ان تنفيذ برنامج الحكومة الالكترونية سيسهم في التسهيل علي المواطنين حيث ان معظمهم أصبح يؤدي خدمته وحاجته من خلال الكمبيوتر كما ان نقل المصالح خارج القاهرة سيقلل مما نعانيه من تلوث ضوضائي وبيئي إلي جانب مايكفله لنا من جمال المنظر أمام أي مصلحة حكومية بينما يعتبر الموظفون والمواطنون الشارع أمام اي مصلحة حكومية كجراج عام وهذا يتسبب في غلق الشوارع ويؤدي إلي اختناق المرور تماما. ويتوقع اللواء الشوادفي ان تنقل هذه المصالح في المحاور القريبة من القاهرة مثل الطريق الدائري ويؤكد ان مصر بها كثير من المناطق الصالحة لنقل الوزارات والمصالح الحكومية بعيدا عن القاهرة حيث ان مساحة مصر238 مليون فدان نعيش علي5% فقط منها ولذلك فاننا نحتاج إلي تقليل الكثافة بها لأننا إذا استمررنا في الجور علي الاراضي الزراعية سنصبح مهددين بانتهائها تماما في عام2070 كما ان المصالح والوزارات اذا خرجت بعيدا عن الزحام ستؤدي إلي انعاش حركة التعمير في المناطق التي ستنقل اليها كما أنها ستوفر فرص عمل جديدة بالاضافة إلي انها ستقلل التكدس وتوقف الزحف علي الاراضي الزراعية. قاعدة اقتصادية : ويؤكد المهندس هاني المنياوي خبير تطوير المجتمعات الصحراوية واستشاري ببعض مشروعات التنسيق الحضاري أن القاهرة قديما كانت قاعدة اقتصادية وهذا ما أكده التاريخ ولكنها الآن أصبحت مدينة ادارية حيث يدخلها يوميا ما بين مليونين و3 ملايين مواطن يقصدون المصالح والمؤسسات الحكومية الخدمية بها لذلك يجب أن ننقل كل مؤسسة لها علاقة بالجمهورية بصفة عامة وليس العاصمة وحدها فمثلا معظم زائري مجلس الشعب من خارج القاهرة لذلك فلا توجد مشكلة اذا تم نقلة بإحدي المدن الجديدة ويتساوي معه مجلس الشوري ايضا كذلك الأسواق الكبري لماذا لاتنقل في المدن الجديدة بين القاهرة والدلتا حيث تكون مراكز توزيع وكل هذا سيسهل الانتقالات علي المواطنين كما يشجعهم علي التوطن في هذه المدن الجديدة لان بناء المصالح الحكومية بها سيوجد روحا من الحركة والنشاط في البيع والشراء لقضاء احتياجات ومستلزمات زوارها. ويشير إلي ان المدن الجديدة مازالت تحتاج لمثل هذه المبادرة حتي تساعد في القضاء علي مايسمي بالعشوائيات لأن سبب الهجرة الاساسي للقاهرة هو توهم القادمين من المناطق والمحافظات الاخري انهم سيجدون فرصا افضل للعمل والمعيشة بها نظرا لوجود مصادر جذب ولكننا اذا نقلنا الخدمات في الاطراف والمناطق المهمشة سيعكس هذا تنمية غير مسبوقة علي هذه الاطراف ويمثل لها عنصر جذب يتجه اليها الجميع حيث ان هناك كثيرين يدركون أهمية تعمير هذه المناطق الجديدة من البسطاء من خلال هذه المبادرة.
لإزاحة العبء الإداري: فك القاهرة ب7 عواصم إدارية! من أين تكون البداية لتصبح القاهرة أفضل عواصم الشرق وتضاهي العواصم العالمية, هذا الحلم يتحقق من خلال اتجاهين أساسيين لهما الأولوية في التنفيذ, الأول: يتعلق بالكثافة السكانية والثاني بتقديم أفضل ما وصل اليه الخبراء في مجال التخطيط العمراني الذين نرصد رؤيتهم في هذه السطور. في البداية يقول د. أبوزيد راجح رئيس شعبة الاسكان والتخطيط بأكاديمية البحث العلمي ورئيس مركز بحوث الاسكان والبناء سابقا: ان تعداد مصر الحالي يبلغ76 مليون نسمة وتعداد القاهرة الكبري وحدها12 مليونا, بالإضافة الي ثلاثة ملايين مواطن يترددون عليها يوميا أي انها تضم مايعادل20% من سكان مصر وفي عام2050 يتوقع خبراء السكان ان تصل مصر الي مايسمي الاتزان السكاني أي ثبات التعداد السكاني ويكون التعداد في ذلك الوقت140 مليون نسمة وتعداد سكان القاهرة28 مليونا اذا تركت الامور كما هي واستمرت القوي الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل عمران القاهرة بوضعها الحالي, وهذا يؤدي الي امتداد عمران القاهرة حتي يصل إلي السويس والإسماعيلية وبنها ومدينة السادات وجنوب العياط وفي هذه الحالة لايمكن ان نسميها مدينة, كما لايمكن إدارتها إداريا وعمرانيا ولذا يجب ان نتجنب الوصول إلي هذه النتيجة الصعبة وحتي لانجبر عليها فإنه يجب التفكير بأسلواب جديد ونظرة مختلفة للقاهرة وتحديد الدور الذي يجب ان نقوم به مستقبلا في هذا الشأن. تغيير وظيفة القاهرة : ويمكن ان يتم هذا كما يقول د. أبوزيد راجح من خلال اتخاذ اتجاهين اساسيين الأول: تغيير وظيفة مدينة القاهرة بهدف تخفيض عدد سكانها الي النصف أي إلي ستة ملايين نسمة فقط ويمكن ان يتم ذلك من خلال تقسيم الجمهورية الي سبعة اقاليم تخطيطية وعمرانية وإدارية بحيث يشمل كل اقليم عددا من المحافظات الحالية وجزءا من الحيز الجديد الذي يضم الصحاري والسواحل ويعطي كل اقليم قدرا كافيا من الاستقلالية لإدارة شئونه بنفسه وإقامة مشروعاته تخطيطا وتمويلا وتنفيذا وبمعني آخر نقل مصر من النظام المركزي شديد المركزية الذي أدي الي تضخم البؤرة القاهرية تضخما شديدا إلي نظام اللامركزية وبموجبه تصبح لمصر سبع عواصم إدارية مما يؤدي الي ازاحة العبء الإداري والاقتصادي والسكاني الواقع حاليا علي عاتق القاهرة. وتغيير وظيفتها من عاصمة تجارية ومالية ومهنية واقتصادية بجانب وظيفتها الإدارية الرئيسية يقتصر دورها في الوضع المقترح علي إدارة الشئون السيادية اساسا مثل الشئون الخارجية والاقتصاد القومي والدفاع والتنسيق بين الاقاليم المختلفة, بجانب كونها المركز الرئيسي الحضاري والثفاقي للدولة وبذلك ينتفي السبب الحالي في تعدد وظائفها الذي أدي إلي تضخمها هذا التضخم الكبير كي يصبح سكانها في هذه الحالة نصف عدد السكان الحاليين. أما الاتجاه الثاني الذي يجب ان نبدأ فيه: فهو العمل علي الارتقاء بمستوي الحياة الحضرية بعد تخصيص عدد سكانها إلي النصف لكي تتقدم من مؤخرة مدن العالم حضاريا إلي مقدمتها ويشمل ذلك عدة عناصر هي تخفيض الكثافة السكانية من36 ألفا في الكيلو المربع إلي8 آلاف في الكيلو المربع وزيادة المساحات الخضراء من30 سم2 للفرد الي6 أمتار مربعة للفرد وأيضا علاج التلوث الشديد الحالي في الهواء وتحقيق الانسياب المروري وانخفاض الكثافة المرورية وتطوير المرافق المتهالكة داخل القاهرة ونقل الاحياء العشوائية خارجها حتي ينتفي السبب في الانتشار العشوائي الحالي ويتوقف هذا الامتداد السرطاني للعشوائيات والذي تعاني منه أشد المعاناة والاتجاه نحو أن تصبح القاهرة مركزا للمستوي الرفيع للمؤسسات الثقافية والبحثية والعلمية وتصبح في عداد المدن المتميزة حضريا وحضاريا. عوامل الجذب : ويلتقط الخيط د. محمود يسري أستاذ التخطيط العمراني والعميد السابق بكلية التخطيط الاقليمي والعمراني فيقول سنوات طويلة ونحن نضع ابحاثا حول كيفية أن تتحول القاهرة إلي مدينة عالمية وتصبح مكانا مرغوبا فيه وجاذبا للشركات العالمية وإدارات الأممالمتحدة وتوصلنا إلي أن حجم المدينة ليس هو الاساس بدليل أن المستثمرين يفضلون التوجه لمدن أصغر بكثير, فكبر الحجم يوجد المشاكل التي تمثل عامل طرد منها صعوبة المواصلات وعدم كفاءة شبكات الطرق وعدم سهولة الانتقال من مكان لآخر. فيجب لكي نصل بالقاهرة إلي أن تكون مدينة تضاهي العواصم العالمية ان نبدأ بوقف النمو السكاني السريع وتحسين البنية الاساسية والمرافق من مواصلات وإعادة تخطيط شبكة الطرق وشبكة اتصالات قوية وسريعة وتقليل تلوث البيئة وتوفير سرعة الحركة داخل المدينة وأيضا رفع مستوي معيشة افرادها. ولن يتأتي هذا إلا بالاسراع في نقل المواطنين إلي المدن الجديدة ولا اعني6 أكتوبر أو القاهرةالجديدة مثلا لانها تعتبر داخل القاهرة بل ما اقصده هو المدن البعيدة مثل العاشر من رمضان والمحافظات حتي نوقف معدل الهجرة للقاهرة. ولكي يتجه المواطنون للمدن الجديدة يجب ان نسرع في تنفيذ الخدمات فيها وتوفير عوامل جذب لهم واولها المغريات الاقتصادية وهي أن نوفر وحدات سكنية منخفضة السعر أو بالتقسيط المريح علي عشرات السنين مع توفير فرص عمل لهم وغيرها مما يشجعهم علي الخروج من القاهرة حتي يمنحنا الفرصة العمل داخل القاهرة نفسها. الملوثات تشوه وجه القاهرة : التدهور البيئي هو الوصف المختصر الذي أطلقه خبراء البيئة ليحذروا من مخاطر استمرار ظاهرة التلوث وانتشارها, ونصح الخبراء بمواجهة صريحة وحاسمة للقضاء علي هذه المشكلة التي وضعتها لجنة السياسات في الحزب الوطني في مقدمة اهتماماتها خلال إعداد الخطة الاستراتيجية للقاهرة الكبري عام2050, وهو الأمر الذي اهتمت به أيضا وزارة شئون البيئة فاقترحت إقامة صندوق لحماية البيئة يهدف إلي الحد من مشكلات التلوث بجميع أشكاله. الخطة يستعرضها العميد صلاح عبدالقادر بجهاز شئون البيئة موضحا, أنها تشتمل علي عدة برامج مقترحة لتنفيذها. تمثلت في مشروعات الحد من التلوث الصناعي ومعالجة مياه الصرف الصحي للمشروعات الخاصة, وتحسين البيئة الداخلية للمصانع الخاصة ومشروعات لتدوير المخلفات الزراعية وإعادة استخدامها في الإنتاج ومشروعات للحد من الانبعاثات الحرارية والغازية, ويضيف أنه في مجال الحد من تلوث الهواء فإن الخطة تهدف إلي حماية الهواء من التلوث الناتج عن المصادر الثابتة في المناطق السكانية المزدحمة والمناطق الصناعية, وفي هذا المجال يشجع الصندوق المشروعات التي تستهدف الحد من التلوث الناتج عن العمليات الصناعية ومكافحة التلوث من الرصاص ومشروعات إعادة تسكين الورش ذات النشاط الملوث, بالإضافة إلي مشروعات زيادة المساحات الخضراء والطاقة المتجددة, وقد شملت الأولويات أيضا الحد من تلوث المياه خاصة نهر النيل والبيئة البحرية والمياه الساحلية من التلوث الناجم عن الأنشطة الصناعية والسياحية, بالإضافة إلي التلوث الناجم عن مياه الصرف الصحي وغيرها, وبهذا يشجع الصندوق المشروعات التي تستهدف الحد من استهلاك المياه في الصناعة والقطاعات الأخري ومنع أو تقليل التلوث الناتج عن الصرف الصحي أو الصناعي وتندرج تحت هذا المجال مشروعات تقليل المخلفات وترشيد الاستهلاك للموارد وتحسين الصرف الصحي في المناطق الريفية والنائية, ويري د.عمرو صالح أستاذ الاقتصاد السياسي بمعهد البيئة جامعة عين شمس أن القاهرة بعد أربعين عاما ستزداد فيها الكثافة السكانية والضغوط الاقتصادية, وبالتالي سيزداد استهلاك الطاقة, ومن جهة أخري سيزداد الإنتاج بتزايد عدد السكان مما يؤدي إلي زيادة عدد المصانع التي لن تهتم بالتوافق مع البيئة نظرا للحاجة إلي الاستثمارات الكبيرة, ولذلك ستزداد مصادر تلوث الهواء التي يأتي علي رأسها حرق المخلفات الصلبة التي سيصل حجمها إلي250 ألف طن سنويا, ويطالب بتوزيع الأنشطة الصناعية داخل القاهرة إلي جانب استخدام وسائل نقل عامة صديقة للبيئة مثل مترو الأنفاق والترام إلي جانب ضرورة حماية القاهرة من العواصف الرملية عن طريق نشر أحزمة هواء حول العاصمة. ويري حسين رضوان خبير التخطيط العمراني أن ارتفاع نسبة ملوثات القاهرة الكبري يرجع إلي مناخ القاهرة لأنه صحراوي تندر فيه الأمطار, كما أن متوسط سرعة الرياح بها في حدود خمسة أمتار في الثانية وهذه الظروف المناخية تترك الملوثات تتراكم بتركيزات مرتفعة كما تتكرر ظاهرة الانعكاس الحراري بالقاهرة خاصة أثناء الليل مما يساعد علي تراكم الملوثات وزيادة تركيزاتها في الهواء ويضاف إلي هذا موقع مدينة القاهرة حيث تحدها من الشرق صحراء السويس وهضبة المقطم ومن الغرب الصحراء الغربية مما يجعلها عرضة للأتربة علي مدار العام, ويضيف أن ارتفاع البناء علي ضفتي النهر أدي إلي حبس الهواء فوق القاهرة إلي جانب تخطيط إنشاء المناطق الصناعية الكبري, حيث توجد منطقة شبرا الخيمة الصناعية التي تقع في الشمال وتضم( مسابك مصانع نسيج ومحطة كهرباء), وفي الجنوب منطقة حلوان الصناعية بما تضمه من صناعات ثقيلة مما يجعل صورة القاهرة الكبري عام2050 في قمة القتامة إذا ظلت نفس معدلات الملوثات البيئية.