لم يكن يتصور أن هذا الشحات الذي كان يراه صبحا وعشية يمد يده للرايح والجاي بجوار كشك السجاير في ميدان سفنكس في قلب القاهرة الساحرة.. والذي كان يضع في يده علي استحياء في أواخر رمضان من زكاة الفطر جنيها أو بضعة جنيهات.. قد عثروا علي جثته في كفر قتاتة بعد موته في عشة من البوص والخرق البالية بعد أن فاحت رائحتها.. راقدا علي صندوق من الكارتون بداخله رزم من الأوراق المالية الخضراء العريضة. عندما أحصاها رجال الشرطة.. وجدوا أنها تجاوزت المليونين من الجنيهات بمائة ألف وكسور عدا ونقدا! راح يضرب كفا بكف ويصرخ دون صوت: شحات لقوا معاه اتنين مليون جنيه جمعها من التسول وحسنة قليلة تمنع بلاوي كتيرة.. وأنا بقالي أكتر من أربعين سنة في الحكومة أشرب المر ومر المر.. ولما طلعت علي المعاش وأنا بدرجة وكيل وزارة.. كان معاشي يادوب600 جنيه أول عن آخر! سقطت الجريدة التي نشرت الخبر في صدر صفحتها الأولي من يده, وهو جالس علي قهوة بعرة في السيدة زينب, ومال فنجان القهوة السادة الذي كان يشربه علي جانبه, وتدحرجت ما بقي فيه من قطرات في لون الهباب.. من لحظتها قرر أن يقلد صاحب المليونين من الجنيهات.. ويخلع ثياب الأبهة الكاذبة.. ويرتدي ثياب التسول.. ويسرح علي باب الله! ويبقي السؤال محلقا في الفضاء علي جناحي غراب كئيب السحنة: ما الذي يدفع من كان وكيل وزارة قد الدنيا في الحكومة الإلكترونية المصونة إلي مد يده لأولاد الحلال بعد أن خرج إلي المعاش؟ الرواية حقيقية والرجل مازال حيا يرزق, ولقد قابلته الزميلة النشيطة نهي صادق دون ميعاد سابق.. ولنتركها تروي لنا حكايتها معه: لأنه من عادتي أن أذهب إلي مقام سيدنا الحسين رضي الله عنه للصلاة والتبرك.. ثم التجول في الحي اللاتيني الشهير للفرجة علي المحال والناس والسائحين من كل بلد.. فقد استوقفني مشهد غريب.. رجل بالبدلة الكاملة يقف أمام مصلي الرجال.. ملابسه وهيئته لا تقول أبدا إنه شحات من محاسيب الحسين.. اقتربت منه وبكل فضولي الصحفي سألته: حكايتك إيه يا والدي.. شكلك كده ابن ناس موش كده برضه؟ تنهد طويلا قبل أن يتكلم: أنا يا ستي حكايتي لو عرفتيها هصعب عليكي قوي.. أنا أبلغ من العمر الآن65 عاما.. خرجت علي المعاش بدرجة وكيل وزارة.. كل دخلي الشهري من المعاش600 جنيه أول عن آخر.. ماذا أفعل ولدي ثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة.. ولأن الحالة الاقتصادية كما تعرفون حالة جيم كما يقول الموظفون في الأرض.. رحت أبحث عن وظيفة.. أي وظيفة.. ولو حتي كاتب حسابات في أحد المحال.. ولكن سني وهيئتي سدت أمامي كل الأبواب.. ووجدنا أنفسنا أنا وأسرتي علي فيض الكريم.. كيف نعيش ب20 جنيها في اليوم.. وزوجتي طريحة الفراش منذ أكثر من خمس سنوات, ويتكلف علاجها كل شهر300 جنيه.. ويبقي مثلها مطلوب أن نأكل منها ونلبس ونعيش بقية الشهر ازاي بس؟ ولقد نزلت علي من السماء هذه الفكرة الجهنمية عندما قرأت في إحدي الصحف عن العثور علي جثة شحات بأحد الأحياء العشوائية وبحوزته أكثر من مليوني جنيه.. وتذكرت انني كنت أمنحه حسنة بين وقت وآخر! بالله عليك ماذا كنت أفعل مع غلاء المعيشة ونار الأسعار التي لا تريد أن تنطفيء.. وكل يوم نسمع عن وعود بزيادة المعاش.. ولا شيء يتحقق. سألته: مرتاح في مهنتك الجديدة دي؟ قال بعد أن أخرج زفيرا طويلا من صدره: دي موش مهنة.. ده رزق بعته لنا ربنا.. نحن نقول: لله.. والله يرزق والناس تدفع! موش أحسن من السرقة والمشي البطال! لا تعليق..! ........................... ........................... جامعي ب155 جنيها في الشهر! كيف يعيش موظف او مدرس ابتدائي او عامل او رجل خدم بالحكومة بمبلغ155 جنيها شهريا؟ واحب ان اعرف سيادتك.. اننا كعمالة موسمية بجامعة طنطا حاصلين علي مؤهلات عليا ومتوسطة ونعمل باجر يومي قدره6 جنيهات للمؤهل العالي و5 جنيهات للمتوسط مع خصم ايام الجمع والعطلات الرسمية, ولك ان تتصور ان انه بعد خصم ايام الجمع في شهر اكتوبر الماضي وعددها4 وخصم اول يوم بالشهر كما تقضي اللوائح لنفي صفه الاستمرارية عن العقد الموسمي الذي نعمل بموجبه, وكذلك خصم يوم وقفة عيد الفطر و3 ايام تاليه له وكذلك خصم يوم الخامس من اكتوبر عوضا عن يوم السادس من اكتوبر. لك ان تتصور ان شهر اكتوبر صفصف علي21 يوما ومن حضر وعمل لمده21 يوما كاملة اي من تقاضي اجرا كاملا كان اجره عن آخر125 جنيها مصريا لاغير! كيف يعيش شاب متزوج او اعزب بهذا المبلغ الهزيل فهل من جواب؟ ولعلمك فانه.. حتي مع خصم ايام الجمع فقط والتي لايخلو منها اي شهر فان اعلي راتب تقاضاه هو155 جنيها وهذا الراتب نتقاضاه منذ مايزيد عن عشر سنوات, واللوائح لاتسمح بصرف اي مكافآت للعمال الموسمين يعني موت خراب ديار! في الوقت الذي تبلغ فيه مخصصات رئيس جامعتنا ما يقرب من مائة الف جنيه شهريا.. فهو يقبض علي الطالعة والنازلة! ولقد بحت اصواتنا وجفت حلوقنا من الشكوي ولا مجيب, لان عقود العمل التي ترغب ان تحررها لنا الجامعة عقود المكافآة الشاملة لاتحرر الا للمحاسبين وذوي النفوذ والواصلين ممن يعرفون كيف تزرع وتؤكل الكوسة. انني مازلت اتذكر عبارة قالها الفنان نور الشريف في آخر مشهد من فيلم131 اشغال فاصبر واحتسب وكانت عبارته: مصر بلد بتتسرق من7 آلاف سنة ولسه ولادها لاقيين لقمة ياكلوها وهدمه يلبسوها, صحيح عمار يامصر. ملحوظة: اعتذر عن عدم توقيعي علي الرسالة باسمي, وانت عارف السبب! ........................... ........................... البطالة صناعة مصرية خالصة! قد يسأل خبيث من خبثاء القوم فينا وما أكثرهم فهم من النوع الذين يريدون جنازة لكي يشبعوا فيها لطما وعويلا.. وليس فرحا يشبعون فيه رقصا وطبلا وزمرا: ما الذي صنع لنا هذا الهم الكبير الذي اسمه البطالة والذي يقف فيه الآن طابور طويل من خيرة شبابنا الذين نعدهم للمستقبل قوامه نحو أربعة ملايين شاب وشابة تحت شجرة الأمل بل عمل؟ الخبراء والمحققون وأصحاب الحكمة فينا وعلي رأسهم الخبير إسماعيل الحبروك يقولون لنا: إن البطالة صناعة مصرية خالصة وهذه هي الأسباب: 1 غياب المفهوم الواضح بين الوسيلة والهدف, فالتعليم وسيلة وليس هدفا, والهدف هو بناء وتشييد وإيجاد وتوليد مجتمع وأهم وسيلة لتحقيق الهدف هو التعليم, فإذا لم يتحقق الهدف فشلت الوسيلة في تحقيق الهدف منها وهذا هو الحادث الآن. 2 في مصر جامعات ومعاهد عليا حكومية وجامعات ومعاهد عليا خاصة مصرية وجامعات ومعاهد عليا أجنبية وتعليم مجاني وتعليم بمصروفات وانتساب وانتساب موجه, وتعليم مفتوح وتعليم مميز, وكل هذه المؤسسات تضخ وتصب في قمة الهرم الاجتماعي, وقاعدة الهرم الضخمة الكبيرة العريضة العميقة التي تشكل الغالبية العظمي والعمق الاستراتيجي للمجتمع الهدف تئن وتتوجع وكأنها غريبة عن هذا المجتمع الهدف, وهذا أوجد مجتمعا مشوها دون أرجل وأيد, وبمعني أدق مجتمع مشلول مكسح! 3 التركيز والاعتماد الاكثر علي الثانوي العام لأنه رخيص التكلفة مع وجود الدروس الخصوصية المتوحشة وترك وإهمال مراكز التدريب الحرفي والتعليم الفني عصب المجتمع ومصدر قوته وعظمته وتقدمه وتفوقه لأنه غالي التكلفة وأيضا هو البنية الاساسية في تشكيل المجتمع. 4 ومن الغرائب والعجائب أن يتم تقويم الفرد الإنسان المواطن برقم مجموع الدرجات وهذا رقم أصم وأبكم وأعمي ويبعدنا عن التقويم الإنساني البشري خوفا وتحسبا من الفساد, وهذا أيضا صنع في مصر! 5 الأنشطة الانتاجية في مصر محدودة, ولذلك يجب أن يصاغ المجتمع في شكل هرمي يتناسب ويتلاءم مع هذه الإمكانات المتاحة. 6 ماذا يعني غلاء وارتفاع اسعار الخدمات والحرف في مجتمع يعاني البطالة والهيكل الاداري محمل بخمسة أضعافه. 7 الفرد لا يعمل أكثر من20 دقيقة في اليوم طبقا لحجم العمل والمقررات الوظيفية.. 8 لابد من قومسيون لاستعدال واستقامة الشكل الهرمي الاجتماعي المصري حتي يتحرك ويتفاعل وينتج وهذا ليس بعسير قبل فوات الأوان وصعوبة واستحالة الحلول مستقبلا. ........................... ........................... روشتة للعلاج الصديق المهندس محمد الرباط رئيس مجلس ادارة شركة المحمودية للمقاولات.. له رأي في حل مشكلة البطالة.. قال لي: إن مشكلة البطالة ومن واقع احتكاكي بهذه المشكلة لطبيعة عملي في مجال المقاولات فإنني أود مشاركتكم الرأي بالملاحظات الآتية: أولا: إن المفارقة الواضحة في عمل المهندس المعماري كصبي ورشة ألومنيوم لدي صاحبها الحاصل علي مؤهل متوسط, ثم تمكنه من الصنعة بفضل معلمه هي مثال واضح لبعض حلول البطالة: 1 صاحب الورشة اكتفي بالتعليم الفني المتوسط ومارس العمل الحر ونجح فيه, بينما قرنائه أتموا تعليمهم الجامعي وبدون عمل. 2 المهندس المعماري لم يركن إلي البطالة وإن كانت البطالة نادرة في هذه المهنة وأعاد تأهيل نفسه طبقا لفرص العمل المتاحة وبدون مكابرة ونجح في ذلك وإ تم تخييره الآن وأنا علي استعداد لتعيينه في حالة صلاحيته كمهندس معماري فأعتقد أنه سيفضل الاستمرار في عمله الخاص. ثانيا: من واقع عملي بمجال المقاولات فإنه نظرا للأعداد الضخمة من خريجي الجامعات, فإن فرص العمل المتاحة تستلزم مهارات إضافية مثل اتقان اللغة الانجليزية والحاسب الآلي وفي الوقت نفسه يوجد عجز شديد في المهن الفنية والحرف المعمارية. ثالثا: إن حل مشكلة البطالة يحتاج إلي الآتي: 1 الاهتمام بالتعليم الفني وجودته لتخريج فني مؤهل طبقا لاحتياجات سوق العمل. 2 عدم التوسع في التعليم العالي والجامعي الخاص والذي يغذي سوق العمل بمئات الآلاف من الخريجين غير المؤهلين وبمهن لا تحتاجها السوق, والاستعاضة عن ذلك بالتوسع في التعليم فوق المتوسط والعالي للمهن التي تحتاجها السوق. 3 إعادة تأهيل الخريجين المتعطلين للعمل بالمهن التي تحتاجها السوق من خلال مؤسسات تتولي وضع برامج التأهيل وتنفيذها لصالح مؤسسات العمل, وذلك تحت إشراف وزارة القوي العاملة والهجرة ووزيرتها النشيطة. وكل هذه الحلول لن تؤتي ثمارها إلا بتغيير ثقافة المجتمع ونظرته للتعليم الفني وللمهن الفنية. ........................... ........................... سؤال مازال يبحث عن جواب: من ينقذ أربعة ملايين شاب وشابة من سحابة الاكتئاب التي تظللهم الآن؟ جزاء الشكوي.. تخفيض الرواتب! تحدثنا مع الموظفين والموظفات, خاف الكثير منهم التحدث معنا, ولكنها لم تخف, وتحدثت للزميلة هبة عبدالخالق لتشرح ما عانته ويعانيه مثلها من الآلاف من العاملين بالحكومة تحت بند عقود مؤقتة أو عمالة مؤقتة! وهذه العمالة المؤقتة تشمل جميع التخصصات والدرجات العلمية من بكالوريوس وليسانس+ دبلومات+ عمالة بسيطة.. اسمها عندنا وهي تعمل بوزارة الأشغال والموارد المائية.. حاصلة علي اثنين بكالوريوس محاسبة وإدارة أعمال تبدأ حديثها فتقول: أنا خريجة عام1997 يعني من عشر سنوات.. وإلي الآن لا أشعر بالأمان في العمل, ثم استقر بي الحال وكلي أمل إلي وزارة الأشغال والموارد المائية بصفتي مؤقتة أتقاضي راتبا باليومية.. وحينما أنظر إلي راتبي آخر الشهر بعد الخصومات وخلافه أجدني أتقاضي185 جنيها خفضوها الآن إلي85 جنيها فقط لا غير! وتتساءل: ماذا أفعل بهذا المبلغ وأنا أم لطفلين في مراحل التعليم, وأعيش مع أبي ولولا أن لديه ما ينفقه علينا أنا وأبنائي لمتنا جوعا! وبرغم أن كثيرا منا رضي بهذا الأمر, ولكن لم يستمر الحال وفوجئنا بتخفيض الرواتب إلي النصف! واعترضنا ولم يلتفت لنا أحد, وتذمرنا ولكن ولا حياة لمن تنادي. بذلت كل المحاولات للوصول إلي أي جهة مسئولة للتظلم والشكوي, وتعرضت لضغوط كثيرة بالعمل حتي أزهق أو أمل.. قمنا بعمل اعتصام أنا وزملائي بالهندسة التي نعمل بها.. وجاءت قوة من الشرطة وطلبت منا فض الاعتصام.. وأخبرونا أن هذا لن يجدي والتظلم في الوزارة أفضل! وعلمت أنا وزملائي أن هناك عددا كبيرا من المهندسات الأخريات في بعض المحافظات قام موظفوها بالاعتصام والإضراب عن الطعام ولم يصلوا إلي أي حل! ثم قمت أنا وجماعة من الزملاء وعددهم ستة عشر بالذهاب إلي الوزارة وقابلنا مدير مكتب الوزير, وتذمر منا, وقال من الممكن فصلكم جميعا فأنتم مؤقتون وعندما اعترضت وطلبت أن أقابل الوزير لعرض مشكلاتنا فعدنا وأجلسونا في مكتب استقبال الوزير وحاول متحدث بالنيابة عنه تهدئتنا.. ثم قابلنا سكرتير الوزير وطلبنا منه مقابلة الوزير فأرسلني لرئيس المصلحة الذي قال لنا: انتوا عمالة مؤقتة مالهاش لازمة! قلنا له: من يستطيع فتح بيت بجنيهين فقط في اليوم؟ رد قائلا: انتوا بند دخل ثابت لو مبلغ قليل حيتوزع عليكوا لو كبير حيتوزع عليكوا لازم تستحملوا! لم أسكت.. اتجهت لمجلس الشعب وقدمت شكوي ضد الوزير, وقد قام أحد الأعضاء باستجواب الوزير في مجلس الشعب وعلل وقتها ذلك بقلة ميزانية الوزارة. تسألني: هل تعلمي بعد هذا كله ماذا حدث.. وأعدادنا بالآلاف.. وبعضنا يعمل مؤقتا منذ خمسة عشر عاما؟ قالت بكل إحباط: تم تخفيض الرواتب!