نقلا عن : الاخبار 8/10/07 في الواحدة والنصف من صباح 28 اكتوبر 1973 اجتمع الوفدان المصري والاسرائيلي لاجراء مباحثات الكيلو 101 تحت اشراف الاممالمتحدة لمناقشة الاعتبارات العسكرية لتطبيق قراري مجلس الأمن 338 و339 وذلك بعد 22 يوما من القتال. السؤال الذي يطرح نفسه كيف كانت جبهة القتال عند توقف اطلاق النار؟ الواقع يقول ان مصر بدأت المباحثات من موقف قوة.. ففي 28 اكتوبر كانت قوات الجيشين الثاني والثالث في سيناء في أوضاع عسكرية سليمة.. ولديها من الاسلحة والمعدات والذخائر ما يجعلها قادرة علي القتال طويلا.. وكانت القوات الاسرائيلية تقف دون تأثير في مواجهة قوات الجيشين.. اما غرب قناة السويس فكانت قواتنا تحتوي القوات الاسرائيلية وفي مواجهة معها بعد فشل اسرائيل في محاولاتها لتهديد مدينة الاسماعيلية او احتلال مدينة السويس واصبحت القوات المعادية كما يقول المشير عبدالغني الجمسي 'رحمة الله عليه' نزيفا لاسرائيل وليس في قدرتها تحقيق اي هدف وخسائرها تزداد واخلاء الخسائر لا ينقطع وتتخذ اوضاعا دفاعية متوقعة هجمات مصرية ضدها في اي وقت ومن اي اتجاه.. وهي عالقة لا تتمكن من العودة الي شرق القناة. قبل مباحثات الكيلو 101 اصدر مجلس الامن قرارين لوقف اطلاق النار القرار الاول رقم 338 صدر في الخامسة والخمسين دقيقة صباح 22 اكتوبر علي ان يتم تنفيذه في السادسة واثنتين وخمسين دقيقة من مساء نفس اليوم.. ولم تحترمه اسرائيل.. وقد نص القرار 338 علي الآتي - دعوة جميع الأطراف المشتركة في الحرب الحالية الي ايقاف اطلاق النار وانهاء كل نشاط حربي فورا في موعد لا يزيد علي 12 ساعة من لحظة صدور القرار، وذلك في المواقع التي تحتلها الاطراف الآن. - دعوة الاطراف المعنية الي البدء فورا عقب ايقاف القتال لتنفيذ قرار مجلس الامن رقم 242 بجميع اجزائه. - البدء فورا بالتزامن مع ايقاف القتال مفاوضات بين الاطراف المعنية تحت اشراف مناسب يهدف اقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. عند وقف اطلاق النار لم تكن اسرائيل قد حققت هدفا سياسيا أو عسكريا استراتيجيا.. ولم تكن قادرة علي زحزحة قوات الجيشين الثاني والثالث في سيناء وقال الرئيس السادات اننا دمرنا للاسرائيليين 500 دبابة ودخلنا معركة 14 اكتوبر قبل موعدها بيومين لتخفيف الضغط عن سوريا.. وخسرنا 220 دبابة وقال اننا دخلنا الحرب لاقناع اسرائيل بأن الحرب لا تحل المشكلات.. واننا كسبنا الاحترام بعد احتقار العالم لنا ولا نستطيع ان نحقق تحرير سيناء عسكريا. ورغم ان اسرائيل اعلنت موافقتها علي تنفيذ قرار مجلس الامن ولكن كانت تضمر نوايا اخري بعدم احترامه.. فقد كانت تعلم ان موقف قواتها في غرب القناة منطقة الدفرسوار يضعها في موقف عسكري ضعيف اذا استوقف القتال مرة اخري.. فدفعت بقوات جديدة الي غرب القناة.. وكانت ملحمة البسالة في 24 اكتوبر للدفاع عن مدينة السويس.. واصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا عسكريا قالت فيه: قواتنا في سيناء تحتل الشاطيء الشرقي لقناة السويس من بورفؤاد شمالا بطول 200 كيلومتر وبعمق من 12 الي 17 كيلومترا بما فيها مدينة القنطرة شرق.. ما عدا ثغرة صغيرة في الدفرسوار بطول 7 كيلومترات ملاصقة للبحيرات المرة.. تبلغ المساحة التي تسيطر عليها قواتنا شرق القناة 3 الاف كيلومتر مربع تقريبا.. ولا توجد قوات للعدو اطلاقا غرب القناة في القطاع الشمالي من طريق الاسماعيلية ولا بأي مدينة من مدن القناة الرئيسية السويسوالاسماعيلية وبورسعيد وهناك بعض وحدات العدو منتشرة ومتداخلة بين قواتنا في بعض الاجزاء غرب القناة.. وقد حاول العدو قطع الطرق المؤدية الي مدينة السويس ولكن قواتنا تمنعه بالقوة من تنفيذ اهدافه.. والامداد والتموين الي جميع قوات شرق القناة مستمرة بصورة متنظمة.. ولم يتوقف لحظة واحدة. قتال عنيف وخلال المدة من 22 وحتي 24 اكتوبر دار قتال بعنف شديد.. وقامت قواتنا الجوية والمدرعة بهجمات ومعارك.. واصدر مجلس الامن قراره رقم 340 مساء 25 اكتوبر علي اساس مشروع تقدمت به دول عدم الانحياز ويقضي بإنشاء قوة طواريء دولية لمراقبة تنفيذ ايقاف القتال كما اكد قراره بعودة القوات الي خطوط وقف اطلاق النار يوم 22 اكتوبر وبجهود سياسية من امريكا وافقت مصر واسرائيل علي اجراء مباحثات لتثبيت وقف اطلاق النار واجراء الامداد لقوات الجيش الثالث فكانت مباحثات الكيلو 101 علي طريق مصر السويس.. ويقول المشير الجمسي رغم وصول قوات الطواريء الدولية للمنطقة بقيادة الجنرال سلاسفيو لمراقبة تنفيذ وقف اطلاق النار الا ان حرب استنزاف بدأت غرب القناة حتي لا تعطي قواتنا اي فرصة للقوات الاسرائيلية لتثبيت اقدامها في مواقع دفاعية.. وتكبيدها اكبر خسائر ممكنة في الافراد والمعدات.. وحدث 452 اشتباكا بالنيران منذ ايقاف اطلاق النار يوم 25 اكتوبر بالقرار رقم 340 وحتي توقيع اتفاقية فض الاشتباك بين مصر واسرائيل.. وطلب الاسرائيليين بسحب قواتهم وترك الثغرة بعد ان اصبحت مصدرا لاستنزاف ارواح ومعدات واقتصاد اسرائيل. لم تكن مباحثات الكيلو 101 مباحثات سهلة انتهت بين يوم وليلة بل استمرت 17 اجتماعا لمدة شهر واستكملت بست جلسات في اطار مؤتمر السلام الذي عقد بجنيف من 26 ديسمبر 1973 وحتي 9 يناير 1974 وكان الاجتماع الاول في الواحدة والنصف من صباح 28 اكتوبر واستمر 3 ساعات برعاية الاممالمتحدة وكان الوفد المصري برئاسة اللواء عبدالغني الجمسي.. والاسرائيلي برئاسة الجنرال اهارون ياريف مساعد رئيس الاركان الاسرائيلي. ولم يجهز الاسرائيليون خيمة للاجتماع بل وضعوا منضدة خشبية ربط فوقها مشمع بدبابة وعربة مدرعة.. واوضح الوفد المصري ان المباحثات هدفها تنفيذ قراري مجلس الامن بما يستدعي الفصل بين قوات الطرفين حتي تتمكن قوات الطواريء الدولية من العمل لتثبيت وقف اطلاق النار وان هناك اتفاقا سياسيا امريكيا مصريا اسرائيليا بمرور لواري الامدادات غير العسكرية لمدينة السويس والجيش الثالث.. وتحدث الوفد الاسرائيلي علي اهمية السلام.. ثم تمت مناقشة الموقف العسكري وما يمكن عمله لتثبيت وقف اطلاق النار وتخفيف حدة التوتر بالجبهة.. وكان الوفد المصري يعطي الاسبقية لاعادة القوات الاسرائيلية إلي خطوط 22 اكتوبر.. وكان الاسرائيليون يركزون علي تبادل الاسري وبقاء القوات علي ما هي عليه.. وانتهي الاجتماع الاول بدون الوصول الي خطوات تنفيذية. قوات طواريء دولية وعلي مدي 6 اجتماعات دارت مناقشات وتمسك كل جانب برأيه.. ووافق الاسرائيليون من حيث المبدأ علي بحث اجراءات فك الاشتباك مقترحين انسحاب قوات الجانبين 10 كيلومترات شرق وغرب القناة وانشاء منطقة عازلة علي ضفتي قناة السويس لتعمل فيها قوات الطواريء الدولية.. ورفضت مصر ذلك لانه يعني تخلينا عن كل المكاسب العسكرية التي تحققت من الحرب وفي اجتماع تال اقترح الاسرائيليون انسحاب قوات الجيش الثالث من شرق القناة الي الغرب وانسحاب القوات الاسرائيلية الي سيناء.. ورفض الاقتراح ايضا لان القوات المصرية لا تنسحب من ارض مصرية استردتها.. وفي اجتماع ثالث اقترحت اسرائيل الانسحاب من غرب القناة الي سيناء وليس لخطوط 22 اكتوبر.. ووافق الجانب المصري علي ذلك علي الا تقل المسافة عن 35 كيلومترا مع احتفاظنا بكل قواتنا شرق القناة.. وتكون هناك منطقة عازلة تعمل فيها قوات الطواريء.. مع استعدادنا لبحث موضوع الاسري والجرحي.. ولكن الاسرائيليين لم يكونوا جادين في اقتراحهم.. وفي الاجتماعين الخامس والسادس دارت مناقشات حول الأسري والجرحي ووافق الجانب المصري في الاجتماع السادس علي تنظيم تبادل الاسري والجرحي بالتنسيق مع هيئة الصليب الاحمر.. وكعادة الاسرائيليين راوغوا في فك الاشتاك وعودة القوات الي خطوط 22 اكتوبر مدعين انه محل دراسة جادة من الحكومة الاسرائيلية.. وجاء هنري كسينجر وزير خارجية امريكا يومي 6 و7 نوفمبر حاملا معه مشروع اتفاقية النقاط الست.. وعقد الاجتماع السابع في 11 نوفمبر وتم التوقيع علي الاتفاقية التي تضمنت.. التزام مصر واسرائيل بدقة بوقف اطلاق النار.. وبدء محادثات فورا بين البلدين لتسوية مسألة العودة الي خطوط 22 اكتوبر ضمن خطة لفك الاشتباك وفصل القوات تحت اشراف الاممالمتحدة كما تضمنت الاتفاقية حصول مدينة السويس علي امدادات يومية من الطعام والماء والادوية ونقل الجرحي.. وعدم فرض اي عوائق لنقل امدادات غير عسكرية للضفة الشرقية.. واقامة مراكز تفتيش تابعة للامم المتحدة محل المراكز الاسرائيلية علي طريق القاهرة السويس ثم البدء في تبادل الاسري بمن فيهم الجرحي.. ثم عقد الاجتماعان الثامن والتاسع لمناقشة اجراءات تنفيذ الاتفاقية التي بدأت فعليا في الثامنة والنصف من صباح 15 نوفمبر 1973 وتلي ذلك سلسلة من الاجتماعات حتي 28 نوفمبر الاجتماع السابع عشر والاخير.. وتضمنت العديد من الاقتراحات الاسرائيلية المرفوضة من الجانب المصري.. واستكمل الوفدان المصري والاسرائيلي مباحثاتهما في جنيف.. وجاء هنري كسينجر واجري مباحثات مع الرئيس السادات وقام برحلات مكوكية بين القاهرة وتل ابيب الي ان اذيع يوم 17 يناير 74 ان اتفاق فض الاشتباك تم بنجاح واستأنفت اجتماعات الكيلو 101 وبدأ تنفيذ الاتفاق في 25 يناير وكانت الخطوة الاخيرة فيه 5 مارس .1974