قليلا ما جاء ذكرها على لسان كبار المسئولين في مصر ابتداء ببيانات الحكومة وانتهاء بالموازنة العامة.. وقليلا ما اشارت اليها وسائل الإعلام فقد ظلت بعيدة عن اهتمامات الشارع المصري الذي لم يكن يعلم عنها شيئا غير انها احد موارد الميزانية المصرية.. في بعض الأحيان اقتحمت حاجز الصمت وفرضت نفسها على الجميع.. إنها قناة السويس, كانت سببا في حروب ثلاث في اقل من عشرين عاما.. في العدوان الثلاثي - الإسرائيلي الإنجليزي الفرنسي - على مصر في عام 56.. وكانت سببا في حرب 67 واهم واخطر ضحاياها مع مدنها الثلاث الإسماعيلية وبورسعيد والسويس ومأساة التهجير ثم كانت الشاهد الأول على معجزة العبور في حرب 73 ومعركة استرداد الكرامة.. سنوات قليلة فصلت بين الأحداث الثلاثة وإن بقيت قناة السويس هي العامل المشترك بينها جميعا.. كانت قناة السويس عملا اسطوريا يشبه التقلبات الكبرى في التاريخ فقد كانت حلما راود عشرات الحالمين من الحكام في كل العصور.. ان يلتقي البحران على ارض مصر في يوم من الأيام.. كل الشواهد كانت تقول إن موقع مصر على خريطة الكون منحها مكانة فريدة في كل مراحل التاريخ. من يشاهد مصر على خريطة العالم وهي تحتل جزءا فريدا فيها يشعر ان قناة السويس كانت حدثا استثنائيا في التاريخ فقد غيرت خريطة العالم ومسيرة الكون.. اقتحمت قناة السويس قواعد الجغرافيا لتغير مسار الطبيعة ويتجه العالم كله اليها باحثا عن التواصل وامتداد الحضارات وتعاون الشعوب, لم تكن قناة السويس حدثا اقتصاديا كبيرا او تغيرا جغرافيا فتح ابوابا جديدة او وضعا متميزا فريدا جعل من مصر اهم مراكز التجارة العالمية العابرة, ولكن قناة السويس كانت همزة وصل سحرية بين شعوب العالم حين قصرت المسافات وغيرت حسابات الحدود والأماكن واختصرت الزمن منذ عشرات السنين قبل ان يعرف العالم الطائرات الأسرع من الصوت او وسائل النقل الحديثة. قلت إن قناة السويس غابت كثيرا عن وجدان المصريين ربما دخلت في حسابات الميزانية احيانا واختفت احيانا اخرى وربما أسهمت في الاقتصاد المصري بصورة ثابتة كأهم دخل في مصادر الحياة المصرية وربما سالت دماء غزيرة واختلطت بمائها وترابها لتصنع اسطورة انسانية ومعجزة بشرية.. كان عدد سكان مصر حين بدأ حفر القناة خمسة ملايين مواطن شارك منهم مليون مصري في حفر القناة على امتداد عشر سنوات مات منهم 125 الفا ما بين الجدري والكوليرا وحرارة الشمس القاتلة.. لا يوجد شبر من ارض هذه القناة الا وعليه بقايا من دماء اجدادنا الذين حفروها وقدموها هدية للبشرية في كل العصور. في مصر ثلاثة موارد تمثل ضمانات الحياة للمصريين هي ماء النيل.. والآثار.. وقناة السويس.. وللأسف الشديد انها لم تحتل مكانتها الحقيقية كموارد اقتصادية يمكن ان تقدم وطنا ثريا وشعبا غنيا وقد كان هذا حالنا في يوم من الأيام.. رغم وجود السد العالي مازال النيل يعاني.. ورغم ستة ملايين قطعة آثار على تراب مصر مازال الإهمال والنهب والسرقة.. ورغم ان لدينا اهم مجرى مائي في العالم يمر منه 10% من تجارة العالم و22%من الحاويات ويقدم لمصر اكثر من 35 مليار جنيه سنويا دخلا ثابتا وتقع عليه ثلاث مدن من اهم واجمل المدن في مصر فإننا قليلا ما نذكره فقد غابت قناة السويس عنا زمنا طويلا ولم نعد نذكرها الا في احداث دامية كلما شهدت عدوانا من هنا او هناك. بعد فترة اهمال وجحود طالت بدأ الحديث اخيرا عن مشروع تنمية قناة السويس ورغم ان لي تحفظات كثيرة على مشروعات التنمية فإنني اجد نفسي متفائلا بهذا المشروع.. كانت لدينا مشروعات اخرى لم تتحقق مثل مشروع تنمية سيناء ومشروع تنمية الوادي الجديد ومشروع منخفض القطارة وتوشكى والساحل الشمالي كانت احلاما بددتها مواكب السلبية والتواكل والفساد إلا ان المشروع الأهم الآن هو تنمية قناة السويس.. ان قناة السويس تتوافر لها مجموعة من العوامل التي تبعث الثقة في جدية هذا المشروع.. اول هذه العوامل ان بين ايدينا اشياء وثوابت يمكن البناء عليها.. لدينا القناة نفسها الممر البحري الشهير بشواطئها واراضيها ودخلها الثابت وسبع شركات كبرى تتبعها لبناء السفن واعمال المواني والإنشاءات البحرية والأعمال الهندسية وترسانة السويس البحرية.. ولدينا ثلاث مدن كبرى من افضل المدن المصرية في مكوناتها ومنشآتها وشعبها.. ولدينا سمعة دولية تتجاوز كل الحدود لمؤسسة دولية عريقة.. وقبل هذا كله لدينا موقع فريد حوله مساحات من الأراضي تتوافر فيها كل عناصر التنمية حيث توجد موانيء على البحر الأبيض في بورسعيد والعريش ودمياط وموانيء اخرى على البحر الأحمر في شرم الشيخ والغردقة والعين السخنة والأدبية, نحن امام البحر المتوسط بكل الامتداد الأوروبي الأمريكي وامام البحر الأحمر بعمقه الآسيوي عربيا وامتداده الحضاري في الهند والصين وشرق آسيا واليابان.. لنا ان نتصور هذه المساحة من الأرض حول المجرى المائي الذي يمتد عشرات الكيلو مترات وخلفه عمق صحراوي يتجاوز كل الحدود.. هل يعقل ان هذه الإمكانات جميعها يمكن ان تختصر في سفينة عبرت او قافلة بحرية تجئ وتدفع الرسوم وتمضي.. اين ذلك كله من الآف السفن العابرة بما فيها من السلع والسياحة والمعدات والإمكانات.. اين هؤلاء العابرون الذين يلوحون من بعيد لشواطئ مصر.. ان قناة السويس بأراضيها ومنشآتها ومدنها الثلاث اكبر من دول كثيرة في شرق اسيا تحولت إلى مراكز صناعية كبرى واصبحت من اهم دول العالم في الإنتاج المتقدم والتكنولوجيا الحديثة.. في كوريا الجنوبية شركة واحدة يبلغ انتاجها 200 مليار دولار.. وفي سنغافورة مراكز تجارية وصناعية تنافس الدول الكبرى.. وفي تايوان صادرات إلى دول العالم تتجاوز اكثر الدول تقدما.. هذه المناطق المعزولة جغرافيا المحدودة في المساحة والبشر والبعيدة تماما عن قلب العالم حققت كل هذه المعجزات الاقتصادية.. إنها تجري نحو العالم لأنها بعيدة بينما يجري العالم إلى قناة السويس ليعبر منها ولأنها قلب هذا العالم.. هل يمكن ان تكتفي قناة السويس بهؤلاء العابرين.. من هنا اتابع ما يجري في مشروع تنمية محور قناة السويس ورغم اللغط الشديد الذي احاط بالمشروع في بداياته فإن الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس وامام المجمع العلمي المصري اقدم مؤسسات مصر الفكرية والعلمية اكد ان المشروع يمضي بخطوات ثابتة وجادة وان الأيام القادمة سوف تشهد الإعلان عن طرح كراسة الشروط لتخطيط المشروع في مؤتمر عالمي وان 22 بيت خبرة عالمي قدم دراساته وان اللجنة الوزارية التي شكلها د. حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء بدأت اجتماعاتها برئاسة المهندس إبراهيم محلب وزير الإسكان وتضم ممثلين عن وزارات الإسكان والنقل والاستثمار والتخطيط والاتصالات والحكم المحلي والطيران بجانب محافظي بورسعيد والسويسوالإسماعيلية.. وقال الفريق مميش إن المشروع سيضم المحافظات الثلاث الإسماعيلية وبورسعيد والسويس حيث سيتم انشاء مناطق صناعية وتجارية وخدمات السفن ومراكز للتكنولوجيا الحديثة وصناعة السيارات والتخزين وبناء السفن ومشروعات عقارية كبرى للتوسع في المدن وانشاء انفاق جديدة الى سيناء وان خطة تنمية القناة سوف تتداخل مع مشروعات التنمية في سيناء وسوف يبدأ ذلك بتوسعات ضخمة في ميناء العريش.. إن وجود المشروع تحت إشراف هيئة قناة السويس يعطي الكثير من الثقة والتفاؤل اننا امام مؤسسة اقتصادية عريقة تدرك حجم المسئولية. منذ سنوات وزعت الحكومة مساحات من الأراضي في شرق التفريعة بأسعار زهيدة على عدد من رجال الأعمال ولم تنجح التجربة لأنها دخلت في مزادات الأراضي وبيع الأصول وهناك مشروعات اخرى تم تأجيرها لأشخاص وليس لمؤسسات كما تأخرت مشروعات اخرى لأسباب لا يعرفها احد ويكفي ان ميناء العين السخنة لم يستكمل حتى الآن. إن مشروع تنمية قناة السويس يمثل انشاء دولة جديدة في مصر يمكن ان تمثل طفرة رهيبة في نمو وتقدم هذا الوطن.. إن قناة السويس قطعة فريدة من الماس يمكن ان تضئ حياة شعب ويمكن ان تسطو عليها عصابة من اللصوص من تجار الأراضي ولهذا يجب ان نضع من الضمانات ما يؤكد ان المشروع سوف يخدم شعبا ولن يقيم طبقة جديدة او يكون من نصيب بقايا الوطني المنحل والمحظورة الراحلة.. ولهذا يجب ان تضع الدولة من التشريعات والقوانين ما يضمن ملكية هذا الشعب لكل ما يجري في هذا المشروع وان يتم الربط العضوي بين مشروع تنمية سيناء القديم ومحور قناة السويس, فلا امان للقناة بعيدا عن سيناء ولا امان لسيناء بعيدا عن الوطن الأم.. إن اخطر ما يهدد هذا المشروع الضخم البيروقراطية المصرية العريقة التي افسدت علينا مئات المشروعات ما بين المكاتب والرشاوي ومواكب الفساد, إن هذه البيروقراطية قادرة على طرد كل مستثمر جاد وكل صاحب مال يبحث عن فرصة او مكان.. في ظل القوانين والتشريعات التي تحكم سياسة الاستثمار في مصر يمكن ان يضيع هذا المشروع في سراديب الإدارة المصرية ولهذا ينبغي ان نفكر من الآن في فتح فرص للشباب ووضع خطط للتدريب والعمل والإنتاج تتناسب مع روح العصر.. إن اقامة فروع ومكاتب ومنشآت للإدارة المصرية العتيقة في نطاق هذا المشروع لن تصل به الى شيء. نحن امام مشروع حضاري اقتصادي تنموي يمكن ان يحقق للمصريين كل المصريين طفرة اقتصادية رهيبة وينتقل بنا الى مستقبل جديد وحياة اكثر إنسانية للملايين من المهمشين والمعدمين.. المهم ان نضع له من الأسس والتصورات ما يجعله مشروعا عصريا ندخل به المنافسة العالمية في الإنتاج والتطوير والدخل والتنمية.. بقي عندي اقتراح ان تضم الوزارة وزيرا مسئولا عن المشروع بحيث يتابع مجلس الوزراء خطوات إنشاء هذا المشروع مع توفير جميع الضمانات في التخطيط والتنفيذ والمتابعة. إن قناة السويس الفكرة والمشروع والمنطقة والمساحة يمكن ان تتحول إلى دولة جديدة ومنظومة ابداعية نادرة في كل شئ ومع التواصل بين مدن القناة وسيناء وهذا الالتحام الجغرافي والسكاني والحضاري سوف تضاف إلى مصر مصادر دخل لم تكن يوما في الحسبان. ..ويبقى الشعر انتزع زمانك من زمني ينشطر العمر تنزف في صدري الأيام تصبح طوفانا يغرقني ينشطر العالم من حولي وجه الأيام.. بلا عينين رأس التاريخ.. بلا قدمين تنقسم الشمس إلي نصفين يذوب الضوء وراء الأفق تصير الشمس بغير شعاع ينقسم الليل إلي لونين الأسود يعصف بالألوان الأبيض يسقط حتي القاع ويقول الناس دموع وداع.. *** انتزع زمانك من زمني تتراجع كل الأشياء أذكر تاريخا.. جمعنا أذكر تاريخا.. فرقنا أذكر أحلاما عشناها بين الأحزان أتلون بعدك كالأيام في الصبح أصير بلون الليل في الليل أصير بلا ألوان أفقد ذاكرتي رغم الوهم بأني أحيا كالإنسان.. ماذا يتبقي من قلبي لو وزع يوما في جسدين ماذا يتبقي من وجه ينشطر أمامي في وجهين نتوحد شوقا في قلب.. يشطرنا البعد إلي قلبين نتجمع زمنا في حلم والدهر يصر علي حلمين نتلاقي كالصبح ضياء يشطرنا الليل إلي نصفين كل الأشياء تفرقنا في زمن الخوف نهرب أحيانا في دمنا نهرب في حزن.. يهزمنا مازلت أقول.. أن الأشجار وإن ذبلت في زمن الخوف سيعود ربيع يوقظها بين الأطلال إن الأنهار وان جبنت في زمن الزيف سيجئ زمان يحييها رغم الأغلال مازلت أقول.. لو ماتت كل الأشياء سيجئ زمان يشعرنا أنا أحياء وتثور قبور سئمتنا وتصيح عليها الأشلاء ويموت الخوف.. يموت الزيف.. يموت القهر ويسقط كل السفهاء لن يبقي سيف الضعفاء سيموت الخوف وتجمعنا كل الأشياء ذراتك تعبر أوطانا وتدور وتبحث عن قلبي في كل مكان ويعود رمادك لرمادي يشتعل حريقا يحملنا خلف الأزمان وأدور أدور وراء الأفق كأني نار في بركان ألقي أيامي بين يديك هموم الرحلة والأحزان تلتئم خلايا.. وخلايا نتلاقي نبضا وحنايا تتجمع كل الذرات تصبح أشجارا ونخيلا وزمان نقاء يجمعنا وسيصرخ صمت الأموات تنبت في الأرض خمائل ضوء.. انهاراوحقول أمان في الطرقات نتوحد في الكون ظلالا نتوحد هديا.. وضلالا نتوحد قبحا وجمالا نتوحد حسا وخيالا نتوحد في كل الأشياء ويموت العالم كي نبقي نحن الأحياء "قصيدة سيجئ زمان الأحياء سنة 1986" نقلا عن جريدة الأهرام