فصل التيار الكهربائى عن 3 مناطق بمدينة بيلا فى كفر الشيخ.. اليوم    أبرزهم أحمد حاتم وحسين فهمي.. نجوم الفن في العرض الخاص لفيلم الملحد    حزب "المصريين": بيان الخارجية الرافض للاعتراف بما يسمى "أرض الصومال" جرس إنذار لمحاولات العبث بجغرافيا المنطقة    بحضور وزير الثقافة.. أداء متميز من أوركسترا براعم الكونسرفتوار خلال مشاركتها في مهرجان «كريسماس بالعربي»    بعد تهديد بريطاني، أنجولا وناميبيا توافقان على عودة المهاجرين    قرار جديد من النيابة ضد شخص استولى على أموال المواطنين ببطاقات الدفع الإلكتروني    لجنة بالشيوخ تفتح اليوم ملف مشكلات الإسكان الاجتماعي والمتوسط    عمر فاروق الفيشاوي عن أنفعال شقيقه أثناء العزاء: تطفل بسبب التريندات والكل عاوز اللقطة    فيديو جراف| تسعة أفلام صنعت «فيلسوف السينما».. وداعًا «داود عبد السيد»    محمد معيط: الدعم في الموازنة 16 %.. ووصول خدمة الدين 49% يقلقني ويقلق المواطن أكثر من العجز    أسبوع حافل بالإنجازات| السياحة والآثار تواصل تعزيز الحضور المصري عالميًا    انتخابات النواب| محافظ أسيوط: انتهاء اليوم الأول من جولة الإعادة بالدائرة الثالثة    «الداخلية» تكشف مفاجأة مدوية بشأن الادعاء باختطاف «أفريقي»    عضو بالأرصاد: توقعات بأمطار متوسطة على السواحل الشمالية الشرقية اليوم    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    ما بين طموح الفرعون ورغبة العميد، موقف محمد صلاح من مباراة منتخب مصر أمام أنجولا    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    أمم إفريقيا - لوكمان: تونس لا تستحق ركلة الجزاء.. ومساهماتي بفضل الفريق    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    ناقد رياضي: الروح القتالية سر فوز مصر على جنوب أفريقيا    أحمد سامى: كان هيجيلى القلب لو استمريت فى تدريب الاتحاد    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    تفاصيل إصابة محمد على بن رمضان فى مباراة تونس ونيجيريا    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    حادثان متتاليان بالجيزة والصحراوي.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين وتعطّل مؤقت للحركة المرورية    2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    لافروف: أوروبا تستعد بشكل علني للحرب مع روسيا    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل روبير الفارس لحصوله علي جائزة التفوق الصحفي فرع الصحافة الثقافية    نيلي كريم تكشف لأول مرة عن دورها في «جنازة ولا جوازة»    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    حمو بيكا خارج محبسه.. أول صور بعد الإفراج عنه ونهاية أزمة السلاح الأبيض    إيداع أسباب طعن هدير عبدالرازق في قضية التعدي على القيم الأسرية    خبير اقتصادي يكشف توقعاته لأسعار الدولار والذهب والفائدة في 2026    «إسرائيل: السحر الدين الدم».. كتاب جديد يكشف الأسرار الخفية للدولة العبرية    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    محمد معيط: المواطن سيشعر بفروق حقيقية في دخله عندما يصل التضخم ل 5% وتزيد الأجور 13%    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    أخبار مصر اليوم: انتظام التصويت باليوم الأول لجولة الإعادة دون مخالفات مؤثرة، تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات، الذهب مرشح لتجاوز 5 آلاف دولار للأوقية في 2026    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة عربية وإسلامية الى الشيشان الجديدة.
نشر في أخبار مصر يوم 03 - 07 - 2007

هذه المرة الطريق كان مختلفاً. لم تعد ثمة حاجة إلى سلوك طريق معقد ومحفوف بالمخاطر من اجل الوصول الى العاصمة الشيشانية. العادة كانت ان ينتقل الصحافيون الى إحدى الجمهوريات المجاورة للشيشان مثل كاباردينا بالكاري او أوسيتيا الشمالية من طريق القطار او بالطائرة، بعد الحصول على اعتماد خاص من وزارة الداخلية كتبت عليه عبارة : خاص للعمل في منطقة عمليات مكافحة الإرهاب، وبعد شراء بوليصة تأمين على الحياة تدفع بموجبها الشركة عشرة آلاف دولار لذوي الصحافي في حال وفاته في الشيشان.
ومن إحدى المدن القريبة الى الحدود تبدأ رحلة المغامرة، اذ يحشر الصحافيون في باص قديم، يسير أمامه وخلفه عدد من المدرعات والمركبات العسكرية، وعشرات العيون خلف الأقنعة السوداء تبحث طوال الطريق عن مهاجمين محتملين، الأصابع على الزناد، والتوتر يسيطر على الجميع حتى اللحظة التي يلج فيها الموكب أول الحواجز العسكرية في المنطقة الآمنة، اي القاعدة العسكرية في خان قلعة، حيث تتمركز الوحدات الأساسية للجيش الروسي.
هذه المرة الوضع كان مختلفاً. فالرحلة على متن طائرة خاصة تصل مباشرة الى مطار غروزني الذي أعيد افتتاحه قبل شهور، وعلى رغم التطمينات التي سعى المرافقون الكثر الى تأكيدها بأن: «الوضع تحت السيطرة، وان الأمور تغيرت»، وإن المخاوف ظلت مسيطرة حتى حطت الطائرة القديمة من طراز «ياك» على مدرج صغير، لكنه جيد التمهيد، وتنفس الجميع الصعداء، اذ اجتزنا المرحلة الأولى ولم تتعرض الطائرة لصاروخ «انفصالي» او عبوة مدمرة.
المشهد الأول الذي تراءى للعيون بدا أقرب إلى مفاجأة سعيدة، فمطار غروزني الذي كان مدمراً بالكامل حتى العام الماضي، وتحول قاعدة عسكرية كان الجيش يدير نشاطه منها، لم يعد فيه ما يذكر بسنوات الحرب الطاحنة، وبدلاً من الأطلال التي توقع كثيرون رؤيتها بدت عدة ابنية صغيرة، لكن حديثة، ترفرف فوقها أعلام روسيا والجمهورية الشيشانية، وترتفع فوق بنائه الأساسي صورتان كبيرتان واحدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والثانية للرئيس الشيشاني السابق احمد قديروف والد الرئيس الشاب رمضان قديروف، وبين الصورتين كتب بأحرف عملاقة: غروزني.
وبدا واضحاً ان تغيرات عميقة طرأت على الشيشان خلال العام الأخير.
عند درج الطائرة كان بانتظار الوافدين مفاجأة أخرى. اذ وقف الرئيس الشيشاني رمضان قديروف وسط مجموعة كبيرة جداً من الأشخاص، وظهر على الفور المؤشر الثاني على حجم التغيرات في الجمهورية، لا دبابات ولا مظاهر عسكرية، وحتى افراد الحرس الرئاسي ليسوا رجالاً مقنعين مدججين بالسلاح، بل بضعة حراس يرتدون البذلات والنظارات الشمسية. رمضان قديروف حضر على رأس كل أعضاء الحكومة الشيشانية وعدد من نواب هيئتها الاشتراعية لاستقبال سفراء الدول العربية والإسلامية في أول زيارة من نوعها إلى الجمهورية الشيشانية، وحول الجميع اصطف رجال المراسم بالملابس الفولكلورية الشيشانية، وعزفت فرقة موسيقية مقطوعات. لم يعد مجال للشك. نحن في شيشان جديدة.
محو آثار الحرب
الطريق من مطار غروزني الى أول محطة في المدينة يمر بشارع لينين الذي غدا بعد مقتل الرئيس الشيشاني السابق شارع احمد قديروف، هذه المنطقة التي تصل الى ساحة مينوتكا وسط العاصمة شهدت خلال سنوات الحرب اعنف المواجهات وتعرضت لقصف تدميري شامل بحيث لم يبق فيها بيت قائم، حتى ترددت أقاويل قبل نحو عامين حول دراسة خطة تقول بعدم جدوى اعادة البناء هنا، واستبدال العاصمة بعد انتهاء الحرب بمدينة جديدة يمكن إقامتها في المناطق المجاروة لغروزني الحالية، لكن يبدو ان الرئيس الشاب الذي تسلم رئاسة الوزراء ربيع العام الماضي ورفع الشعار الأكثر ترداداً في الشيشان حالياً: محو آثار الحرب، كان له رأي مغاير، فهو حتى قبل تسلمه رئاسة الجمهورية بدأ برنامجاً شاملاً لإعادة البناء في الجمهورية، ولا بد من التسليم بأن البرنامج حقق نتائج أشبه بالمعجزة.
تلك المنطقة التي كانت أطلالها معلماً أساسياً من معالم الحرب، لم يعد فيها ما يذكر بسنوات مضت، اذ أعيد بناء المساكن ذات الطبقات الخمس على طول الطريق، في هندسة رشيقة تذكر بالمدن الحديثة، وشقت الباصات السياحية التي تقل الوافديين طريقها في شارع حديث ونظيف، وسط حركة مرور عادية، صعوداً نحو ساحة ميونتكا، حيث المستديرة التي كانت تحتلها دبابة روسية، وثكنة عسكرية الى جانبها تشرف من أبراجها على المنطقة كلها. الآن غابت الثكنة، وبدلاً من الدبابة أحاطت بالمستديرة أعلام الدول الإسلامية في لفتة ترحيبية بالوفد الإسلامي.
وليست اعادة البناء الأمر اللافت وحده، اذ غاب الوجود العسكري الكثيف والمتوتر الذي كان احد معالم المدينة، وعنصراً من عناصر التذكير الدائم بالخطر المحدق ، لم يعد وجود ظاهر للقوات النظامية الروسية، فهذه أعادت انتشارها خارج المدن، وبإمكان الزائر رؤية بعض أفرادها على حاجز بسيط يفصل غروزني عن مدينة أرغون الواقعة إلى شمالها، وحتى أفراد الميليشيات شبه النظامية التابعين للرئيس الشيشاني، وقوى الأمن المختلفة التي كان أفرادها مدججين بالسلاح دوما، غابوا عن شوارع المدينة ليحل محلهم رجال حفظ النظام، وشرطة السير الذين ارتدوا للمرة الأولى ربما منذ سنوات طويلة بذلاتهم الصيفية أي القميص الأبيض، اما المعلم الوحيد الذي دل على بقايا حرب، فهو انتشار سيارات الشرطة عند التقاطعات الأساسية وفيها عناصر تحمل رشاشات من طراز «كلاشنيكوف».وثمة مظهر آخر يمكن ملاحظته على الشوارع الممتدة خارج المدن، اذ يقف هناك مسلحون تابعون لوزارة الداخلية المحلية تفصل بين أحدهم والآخر مسافة مئة متر تقريباً، وجوههم تتجه نحو الغابات التي تمتد على جانبي الطريق.
عمران في معظم مدن الشيشان
مشهد العمران ذاته تكرر في أرغون وغوديرميس التي لا تبعد كثيراً من العاصمة الشيشانية، وقال مواطنون تحدثت إليهم «الحياة» هاتفياً في مدينة فيدينو التي لم يسمح برنامج الرحلة بزيارتها ان الوضع هو نفسه هناك، وذكرت ايلزا المقيمة في بلدة ميختكي الواقعة في المنطقة الجبلية الجنوبية ان الحرب غدت جزءاً من الماضي بالنسبة إلى الناس هنا.
لقد استعادت الحياة الطبيعية دورتها في الشيشان، ويمكن ملاحظة الحركة المرورية، وإقبال المواطنين على الحدائق العامة ومحال المرطبات التي انتشرت بكثرة في الصيف الحار، لكن الاهدأ الذي يمر على الشيشانيين منذ عشرة أعوام. باختصار، لم تعد الشيشان مدن أشباح لا تكاد ترى فيها مواطنين كما كان الحال عليه قبل عام ونيف.
لغز رمضان قديروف
خلع الرجال الأقنعة السوداء، وان احتفظوا باللباس الذي ميزهم في سنوات الحرب، بذلة شبه عسكرية، ولم يعودوا كما يبدو في حاجة إلى إخفاء وجوههم، فهم الآن المسيطرون على الأوضاع في الجمهورية.
القديريون، كما يحبون ان يطلقوا على أنفسهم، وهي ميليشيا سابقة يزيد تعداد أفرادها بحسب بعض التقديرات على 15 ألف عنصر، قاتلت غالبيتهم الروس في الحرب الشيشانية الأولى، وانتقل قسم كبير منهم مع مفتي الجمهورية احمد قديروف الذي انشق عن رفاقه وقاتل الى جانب موسكو في الحرب الثانية.
هؤلاء الآن هم عماد أجهزة الأمن والشرطة، وتوجه إليهم أصابع اتهام بممارسة شتى أنواع التنكيل بأعدائهم، عمليات الخطف والإرهاب والبلطجة التي تحدثت عنها اكثر من مرة منظمات حقوقية وإنسانية، حتى غدا السؤال المطروح في مرحلة معينة عن الفارق بين ممارسات الجيش الروسي وممارسات القديريين ضد المدنيين، لكن يبدو ان السؤال سيبقى من دون جواب، لأن كثيرين ينظرون الآن إلى «الإنجاز» الذي تحقق على ايدي هؤلاء، ولم يخف أحدهم شعوره عندما همس رداً على سؤال حول ممارسات القديريين: لم يكن من الممكن ضبط الأوضاع والوصول الى هذه النتائج من دون بعض الأخطاء، ربما هي الآن مغفورة!
باختصار المنطق السائد هو ان هؤلاء نجحوا في تحقيق ما عجزت عنه موسكو خلال سنوات دامية.
الجزء الأعظم من مجموعات القديريين هم من أبناء عشيرة الرئيس السابق احمد قديروف، وأنصاره المخلصين الذين أيدوه في كل مواقفه، حتى عندما اتهم بالخيانة العظمى والانتقال الى معسكر الأعداء، وهم شكلوا رأس الحربة في معارك حاسمة استعادوا بنتيجتها السيطرة على الأوضاع وحاصروا ما تبقى من متمردين في مناطق جبلية، يتسلل منها شيئاً فشيئاً أفراد متعبون وراغبون في العودة الى الحياة المدنية، حتى لم يتبق هناك حالياً بحسب أحد عناصر الأمن الشيشانيين سوى نحو 800 مقاتل لا يجدون بديلاً من مواصلة القتال لأن «أيديهم ملطخة بالدماء وليس من يقبل توبتهم ان عادوا». وهم يخطون بالعون في عزلتهم الجبلية من جانب مقاتلين عرباً وأتراكاً ومن بعض القوميات الأخرى ولا يمكنهم العودة الى بلادهم الأصلية لأنهم مطلوبون هناك أصلاً بتهم التخريب او الإرهاب.
المهم، ان المقاتلين لم يغفروا لأحمد قديروف انشقاقه، وردوا على طريقتهم بتفجيره أثناء وجوده في احتفال لمناسبة عيد النصر على النازية في التاسع من أيار (مايو) في العام 2004. وكان للحدث وقع الصاعقة في موسكو، رحل قديروف وترك 15 ألف مسلح غاضب. وغدا الوضع مفتوحا على كل الاحتمالات، ما دفع الكرملين إلى التحرك سريعاً، وتم إحضار الشاب الذي لم يكن ظهر قبل ذلك الا كرئيس لناد رياضي ومشجع متعصب لكرة القدم ورياضة المصارعة، تم إحضاره في طائرة عسكرية على عجل إلى الكرملين للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وبدا الشاب خائفاً خلال اللقاء وظهر ببدلته الرياضية التي لم يجد كما يبدو وقتاً كافياً لاستبدالها بملابس أخرى، بينما كان بوتين أمام كاميرات التلفزيون يقدم العزاء له متحدثاً عن مناقب والده الراحل.
وبدا واضحاً ان التركة سلمت إلى الابن: جمهورية مدمرة، فوضى، وجيش من 15 ألف غاضب مستعد للانتقام، و... وعود من الكرملين.
منذ الأيام الأولى اتضح مدى تخبط وتناقض شخصية الشاب الذي افتقد إلى أدنى درجات الخبرة بل وظهر تهوره في أحيان كثيرة، لكن ظهر في المقابل ان الكرملين يراهن عليه، وان وزير الداخلية الذي عين رئيساً اليو الخانوف هو شخصية انتقالية سيغادر منصبه حالما يبلغ قديروف الابن الثلاثين من عمره أي بعد عامين، حفاظاً ولو شكلياً على الدستور الذي يفرض نصه تجاوز الرئيس سن الثلاثين.
فالشاب الذي عين في البداية نائباً ثم رئيساً للوزراء بدأ عهده في السياسة بقسم الانتقام من قتلة أبيه، وشن هجمات دموية نكلت بالمقاتلين وأفراد عائلاتهم، واعتمد أسلوب اختطاف أقارب المقاتلين وخصوصاً من النساء لإجبارهم على تسليم أنفسهم، ولم تصل غالبية المقاتلين وحتى من استسلم منهم إلى أيدي القضاء اذ تمت تصفيتهم في شكل دموي، وصولاً إلى الرأس المدبر لكل هذا، أمير الحرب المتطرف شامل باسايف الذي قتل العام الماضي بالطريقة نفسها.
والشاب الذي يفتقد إلى أدنى درجات الخبرة السياسية، جمع في شخصيته بين المقاتل السابق، والرياضي الذي لا يدخن ولا يشرب الكحول شأن غالبية أقرانه، وابن المفتي الذي نشأ في أسرة دينية، فخرج بخليط وضعه ووضع الكرملين أمام مآزق اكثر من مرة، فهو أعلن مرة الحرب على الولايات المتحدة وتعهد بتدمير مصالحها في القوقاز وخارجه بعد غزو العراق، وتحدث اكثر من مرة عن حق الشيشان في الاستفادة من ثرواتها النفطية بعيداً من قرار المركز الفيدرالي، من دون الالتفات إلى انه بذلك يعيد دورة الأحداث إلى بدايتها من دون ان يقصد، واكثر من ذلك فقد أدلى بتصريحات تخالف التشريعات الروسية في شكل واضح، ورد يوماً على سؤال صحافي صيغ بطريقة مغرضة : أيهما أولى بالنسبة إليك الديموقراطية او الإسلام؟ في شكل عفوي وسريع: الإسلام طبعاً، ما أثار غضب البعض في موسكو.
وثمة أمثلة كثيرة أخرى، تدل على ان الرجل احتاج إلى كثير من المستشارين والوقت وإلى إطفاء نار الثأر بقتل كل أعدائه من اجل ان يبدأ بلعب دور رجل الدولة الجديد. وغدا الرئيس الشيشاني الشاب مثالاً يحتذى به في الحرص على اعادة الاعمار، فهو أطلق ورشة وصفت بأنها اكبر ورشة بناء في روسيا كلها، ولم يكتف بإعمار ما هدمته الحرب من مبان، اذ سعى الى إعمار الإنسان الشيشاني، وبدلاً من غابة البنادق في السابق، يتجه الشباب الآن إلى نوادي الرياضة التي انتشرت بكثرة بتشجيع من قديروف، ونجحت حكومته في اعادة الحياة إلى جامعات الشيشان الثلاث وعشرات المعاهد والمؤسسات التعليمية الأخرى التي تشهد نشاطاً متزايداً.
رمضان قديروف الآن هو الرئيس الذي تنتشر صوره (مع صور والده بالطبع) تقريباً على كل مبنى تم تشييده في الجمهورية الشيشانية، بل وعلى قمصان كثير من الشبان الذين يتباهون بأنهم من أنصار الرجل الذي أعاد الحياة والسلام إلى الجمهورية.
وهو أيضاً لم يتخل عن جزء من طباعه، فهو إضافة الى كونه رجل سياسة زعيم ديني يحض الشبان على ارتياد المساجد التي اعيد اعمار ما هدمته الحرب منها. ويوجد في الشيشان الآن نحو اربعة الاف مسجد، وفي الوقت نفسه هو اكثر قادة الاقاليم الروسية اخلاصاً لشخص الرئيس بوتين، ويرى ضرورة منح الاخير حكماً ابدياً، لأنه «منحنا الحرية والحياة الكريمة» كما يقول قديروف ، وليس من قبيل الصدفة ان تنطلق من الشيشان تحديداً حملة تهدف إلى إقناع بوتين بالبقاء في منصبه بدأت في الهيئة الاشتراعية المحلية وامتدت الى الفعاليات الجماهيرية المختلفة.
فوضى التنظيم
شبان من انصار الرئيس الشيشاني
الشاب ذو الطباع المتقلبة يحيط نفسه دائماً بجيش من الانصار من رجالات الدولة والفتيات والشبان الذين يقيمون بمناسبة ومن دون مناسبة احتفالات رقص شعبي تثير حماسه فينزل الى وسط الجموع ليرقص معهم من دون تحفظ، وربما يكون المجمع الرئاسي الفاخر الذي شيد في غوديرميس مثالاً اضافياً على طبيعة احوال النخبة الحاكمة الجديدة في الشيشان، فعلى مدخله اسدان حجريان عملاقان يمثلان شعار الجمهورية الشيشانية كما كان يريدها الزعيم الانفصالي جوهر دودايف، اما في الداخل فأربعة اسود حقيقية وضعت في قفص ضخم لا يعلم احد سر وجودها، إضافة الى دببة، وتشكيلة فريدة من الطواويس والطيور النادرة التي تتجول بحرية في حدائق المجمع.
وعلى رغم مظاهر البذخ في كل شيء لا تغيب عن المشهد مظاهر الارتجال في كل شيء أيضاً، وربما يكون هذا من طباع الشيشانيين، اذ ظهر ذلك حتى في اسلوب تنظيم الرحلة التي اريد منها تعريف ممثلي الدول الاسلامية بالانجازات والتقدم الذي شهدته الجمهورية، وحضّهم على نقل الصورة الى بلادهم لمساعدة الشيشانيين على مواصلة الإعمار عبر ضخ الاستثمارات في الجمهورية، وبدلاً من ذلك سيطر الارتجال على التفاصيل المرافقة للتنظيم ما اثار استياء بعض السفراء الذين رأوا انه لم يكن يجدر التعامل معهم على هذا النحو، اما بالنسبة إلى الصحافيين فلم يكن وجودهم اصلاً محسوباً على اجندة المنظمين على رغم الدعوة الموجهة اليهم، اذ تركوا لمبدأ «دبّر راسك» الذي حكم الشيشان سنوات ومازالت بقاياه راسخة كما يبدو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.