مؤتمر مستقبل وطن | الفنان أحمد فؤاد سليم: "الرئيس بيثق فينا ولازم نكون قد الثقة"    مياه الفيوم تُجري استطلاع رأي للمواطنين بعزب منشأة بني عثمان بسنورس    بين دعوات الاتحاد العالمي وواقع النظام المصري: السيسي ليس بوابة لغزة بل حارِسٌ للحصار    بريطانيا: سنعترف بدولة فلسطين في سبتمبر إذا لم تُنه إسرائيل حربها على غزة    خالد بوطيب ينفي اقترابه من الانتقال إلى الوداد المغربي    لويس دياز يوقّع عقود انتقاله إلى بايرن ميونخ    تفتيش وتحرير محاضر.. وكيل تموين الإسكندرية يقود حملات على السلاسل التجارية    رئيس جامعة القاهرة يهنئ أساتذة الجامعة الفائزين بجوائز الدولة النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية    أمين الفتوى: الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد فى هذه الحالة    أمين الفتوى: تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر ذنب يستوجب التوبة والقضاء    ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    تقرير: برشلونة يصدر قميصا خاصا ل الكلاسيكو بذكريات ثلاثية 2005    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    إكسترا نيوز ترصد تفاصيل وصول مساعدات مصرية إلى غزة ضمن قافلة "زاد العزة"    الغزو الصينى قادم لا محالة.. عن قطاع السيارات أتحدث    لطلاب مدارس STEM.. تعرف على جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة 2025    حريق بمركز للطب النفسي في الأقصر بدون معرفة الأسباب.. صورة    جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 الدور الثاني (نظام قديم)    الحوثيون يحتجزون 10 أفراد من طاقم سفينة أغرقوها قبالة سواحل اليمن كانت متجهة لميناء إيلات    هآرتس تهاجم نتنياهو: ماكرون أصاب الهدف وإسرائيل ستجد نفسها في عزلة دولية    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    تجديد حبس 12 متهما في مشاجرة بسبب شقة بالسلام    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    نقابة الموسيقيين تكشف تفاصيل التحقيق مع محمود الليثي ورضا البحراوي |خاص    من عبق الحضارة إلى إبداع المستقبل| فعاليات تبهر الأطفال في «القومي للحضارة»    أحمد التهامي يكشف كواليس العمل مع عادل إمام ويشاركنا رحلته الفنية|خاص    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة وشركة روش مصر لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    لماذا يتصدر الليمون قائمة الفاكهة الأكثر صحة عالميا؟    ماء المخلل.. هل هو مفيد؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    رئيس الوزراء يستعرض خطة إحياء واستدامة الحرف اليدوية حتى 2030    انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. 8 محظورات خلال فترة الصمت الانتخابي    جولة مفاجئة لمحافظ الدقهلية للوقوف على أعمال تطوير شارع الجلاء بالمنصورة    «الإسعاف»: نقل أكثر من 4 آلاف طفل مبتسر على أجهزة تنفس صناعي خلال النصف الأول من 2025    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    موعد مرتبات شهر أغسطس.. جدول زيادة الأجور للمعلمين (توقيت صرف المتأخرات)    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة عربية وإسلامية الى الشيشان الجديدة.
نشر في أخبار مصر يوم 03 - 07 - 2007

هذه المرة الطريق كان مختلفاً. لم تعد ثمة حاجة إلى سلوك طريق معقد ومحفوف بالمخاطر من اجل الوصول الى العاصمة الشيشانية. العادة كانت ان ينتقل الصحافيون الى إحدى الجمهوريات المجاورة للشيشان مثل كاباردينا بالكاري او أوسيتيا الشمالية من طريق القطار او بالطائرة، بعد الحصول على اعتماد خاص من وزارة الداخلية كتبت عليه عبارة : خاص للعمل في منطقة عمليات مكافحة الإرهاب، وبعد شراء بوليصة تأمين على الحياة تدفع بموجبها الشركة عشرة آلاف دولار لذوي الصحافي في حال وفاته في الشيشان.
ومن إحدى المدن القريبة الى الحدود تبدأ رحلة المغامرة، اذ يحشر الصحافيون في باص قديم، يسير أمامه وخلفه عدد من المدرعات والمركبات العسكرية، وعشرات العيون خلف الأقنعة السوداء تبحث طوال الطريق عن مهاجمين محتملين، الأصابع على الزناد، والتوتر يسيطر على الجميع حتى اللحظة التي يلج فيها الموكب أول الحواجز العسكرية في المنطقة الآمنة، اي القاعدة العسكرية في خان قلعة، حيث تتمركز الوحدات الأساسية للجيش الروسي.
هذه المرة الوضع كان مختلفاً. فالرحلة على متن طائرة خاصة تصل مباشرة الى مطار غروزني الذي أعيد افتتاحه قبل شهور، وعلى رغم التطمينات التي سعى المرافقون الكثر الى تأكيدها بأن: «الوضع تحت السيطرة، وان الأمور تغيرت»، وإن المخاوف ظلت مسيطرة حتى حطت الطائرة القديمة من طراز «ياك» على مدرج صغير، لكنه جيد التمهيد، وتنفس الجميع الصعداء، اذ اجتزنا المرحلة الأولى ولم تتعرض الطائرة لصاروخ «انفصالي» او عبوة مدمرة.
المشهد الأول الذي تراءى للعيون بدا أقرب إلى مفاجأة سعيدة، فمطار غروزني الذي كان مدمراً بالكامل حتى العام الماضي، وتحول قاعدة عسكرية كان الجيش يدير نشاطه منها، لم يعد فيه ما يذكر بسنوات الحرب الطاحنة، وبدلاً من الأطلال التي توقع كثيرون رؤيتها بدت عدة ابنية صغيرة، لكن حديثة، ترفرف فوقها أعلام روسيا والجمهورية الشيشانية، وترتفع فوق بنائه الأساسي صورتان كبيرتان واحدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والثانية للرئيس الشيشاني السابق احمد قديروف والد الرئيس الشاب رمضان قديروف، وبين الصورتين كتب بأحرف عملاقة: غروزني.
وبدا واضحاً ان تغيرات عميقة طرأت على الشيشان خلال العام الأخير.
عند درج الطائرة كان بانتظار الوافدين مفاجأة أخرى. اذ وقف الرئيس الشيشاني رمضان قديروف وسط مجموعة كبيرة جداً من الأشخاص، وظهر على الفور المؤشر الثاني على حجم التغيرات في الجمهورية، لا دبابات ولا مظاهر عسكرية، وحتى افراد الحرس الرئاسي ليسوا رجالاً مقنعين مدججين بالسلاح، بل بضعة حراس يرتدون البذلات والنظارات الشمسية. رمضان قديروف حضر على رأس كل أعضاء الحكومة الشيشانية وعدد من نواب هيئتها الاشتراعية لاستقبال سفراء الدول العربية والإسلامية في أول زيارة من نوعها إلى الجمهورية الشيشانية، وحول الجميع اصطف رجال المراسم بالملابس الفولكلورية الشيشانية، وعزفت فرقة موسيقية مقطوعات. لم يعد مجال للشك. نحن في شيشان جديدة.
محو آثار الحرب
الطريق من مطار غروزني الى أول محطة في المدينة يمر بشارع لينين الذي غدا بعد مقتل الرئيس الشيشاني السابق شارع احمد قديروف، هذه المنطقة التي تصل الى ساحة مينوتكا وسط العاصمة شهدت خلال سنوات الحرب اعنف المواجهات وتعرضت لقصف تدميري شامل بحيث لم يبق فيها بيت قائم، حتى ترددت أقاويل قبل نحو عامين حول دراسة خطة تقول بعدم جدوى اعادة البناء هنا، واستبدال العاصمة بعد انتهاء الحرب بمدينة جديدة يمكن إقامتها في المناطق المجاروة لغروزني الحالية، لكن يبدو ان الرئيس الشاب الذي تسلم رئاسة الوزراء ربيع العام الماضي ورفع الشعار الأكثر ترداداً في الشيشان حالياً: محو آثار الحرب، كان له رأي مغاير، فهو حتى قبل تسلمه رئاسة الجمهورية بدأ برنامجاً شاملاً لإعادة البناء في الجمهورية، ولا بد من التسليم بأن البرنامج حقق نتائج أشبه بالمعجزة.
تلك المنطقة التي كانت أطلالها معلماً أساسياً من معالم الحرب، لم يعد فيها ما يذكر بسنوات مضت، اذ أعيد بناء المساكن ذات الطبقات الخمس على طول الطريق، في هندسة رشيقة تذكر بالمدن الحديثة، وشقت الباصات السياحية التي تقل الوافديين طريقها في شارع حديث ونظيف، وسط حركة مرور عادية، صعوداً نحو ساحة ميونتكا، حيث المستديرة التي كانت تحتلها دبابة روسية، وثكنة عسكرية الى جانبها تشرف من أبراجها على المنطقة كلها. الآن غابت الثكنة، وبدلاً من الدبابة أحاطت بالمستديرة أعلام الدول الإسلامية في لفتة ترحيبية بالوفد الإسلامي.
وليست اعادة البناء الأمر اللافت وحده، اذ غاب الوجود العسكري الكثيف والمتوتر الذي كان احد معالم المدينة، وعنصراً من عناصر التذكير الدائم بالخطر المحدق ، لم يعد وجود ظاهر للقوات النظامية الروسية، فهذه أعادت انتشارها خارج المدن، وبإمكان الزائر رؤية بعض أفرادها على حاجز بسيط يفصل غروزني عن مدينة أرغون الواقعة إلى شمالها، وحتى أفراد الميليشيات شبه النظامية التابعين للرئيس الشيشاني، وقوى الأمن المختلفة التي كان أفرادها مدججين بالسلاح دوما، غابوا عن شوارع المدينة ليحل محلهم رجال حفظ النظام، وشرطة السير الذين ارتدوا للمرة الأولى ربما منذ سنوات طويلة بذلاتهم الصيفية أي القميص الأبيض، اما المعلم الوحيد الذي دل على بقايا حرب، فهو انتشار سيارات الشرطة عند التقاطعات الأساسية وفيها عناصر تحمل رشاشات من طراز «كلاشنيكوف».وثمة مظهر آخر يمكن ملاحظته على الشوارع الممتدة خارج المدن، اذ يقف هناك مسلحون تابعون لوزارة الداخلية المحلية تفصل بين أحدهم والآخر مسافة مئة متر تقريباً، وجوههم تتجه نحو الغابات التي تمتد على جانبي الطريق.
عمران في معظم مدن الشيشان
مشهد العمران ذاته تكرر في أرغون وغوديرميس التي لا تبعد كثيراً من العاصمة الشيشانية، وقال مواطنون تحدثت إليهم «الحياة» هاتفياً في مدينة فيدينو التي لم يسمح برنامج الرحلة بزيارتها ان الوضع هو نفسه هناك، وذكرت ايلزا المقيمة في بلدة ميختكي الواقعة في المنطقة الجبلية الجنوبية ان الحرب غدت جزءاً من الماضي بالنسبة إلى الناس هنا.
لقد استعادت الحياة الطبيعية دورتها في الشيشان، ويمكن ملاحظة الحركة المرورية، وإقبال المواطنين على الحدائق العامة ومحال المرطبات التي انتشرت بكثرة في الصيف الحار، لكن الاهدأ الذي يمر على الشيشانيين منذ عشرة أعوام. باختصار، لم تعد الشيشان مدن أشباح لا تكاد ترى فيها مواطنين كما كان الحال عليه قبل عام ونيف.
لغز رمضان قديروف
خلع الرجال الأقنعة السوداء، وان احتفظوا باللباس الذي ميزهم في سنوات الحرب، بذلة شبه عسكرية، ولم يعودوا كما يبدو في حاجة إلى إخفاء وجوههم، فهم الآن المسيطرون على الأوضاع في الجمهورية.
القديريون، كما يحبون ان يطلقوا على أنفسهم، وهي ميليشيا سابقة يزيد تعداد أفرادها بحسب بعض التقديرات على 15 ألف عنصر، قاتلت غالبيتهم الروس في الحرب الشيشانية الأولى، وانتقل قسم كبير منهم مع مفتي الجمهورية احمد قديروف الذي انشق عن رفاقه وقاتل الى جانب موسكو في الحرب الثانية.
هؤلاء الآن هم عماد أجهزة الأمن والشرطة، وتوجه إليهم أصابع اتهام بممارسة شتى أنواع التنكيل بأعدائهم، عمليات الخطف والإرهاب والبلطجة التي تحدثت عنها اكثر من مرة منظمات حقوقية وإنسانية، حتى غدا السؤال المطروح في مرحلة معينة عن الفارق بين ممارسات الجيش الروسي وممارسات القديريين ضد المدنيين، لكن يبدو ان السؤال سيبقى من دون جواب، لأن كثيرين ينظرون الآن إلى «الإنجاز» الذي تحقق على ايدي هؤلاء، ولم يخف أحدهم شعوره عندما همس رداً على سؤال حول ممارسات القديريين: لم يكن من الممكن ضبط الأوضاع والوصول الى هذه النتائج من دون بعض الأخطاء، ربما هي الآن مغفورة!
باختصار المنطق السائد هو ان هؤلاء نجحوا في تحقيق ما عجزت عنه موسكو خلال سنوات دامية.
الجزء الأعظم من مجموعات القديريين هم من أبناء عشيرة الرئيس السابق احمد قديروف، وأنصاره المخلصين الذين أيدوه في كل مواقفه، حتى عندما اتهم بالخيانة العظمى والانتقال الى معسكر الأعداء، وهم شكلوا رأس الحربة في معارك حاسمة استعادوا بنتيجتها السيطرة على الأوضاع وحاصروا ما تبقى من متمردين في مناطق جبلية، يتسلل منها شيئاً فشيئاً أفراد متعبون وراغبون في العودة الى الحياة المدنية، حتى لم يتبق هناك حالياً بحسب أحد عناصر الأمن الشيشانيين سوى نحو 800 مقاتل لا يجدون بديلاً من مواصلة القتال لأن «أيديهم ملطخة بالدماء وليس من يقبل توبتهم ان عادوا». وهم يخطون بالعون في عزلتهم الجبلية من جانب مقاتلين عرباً وأتراكاً ومن بعض القوميات الأخرى ولا يمكنهم العودة الى بلادهم الأصلية لأنهم مطلوبون هناك أصلاً بتهم التخريب او الإرهاب.
المهم، ان المقاتلين لم يغفروا لأحمد قديروف انشقاقه، وردوا على طريقتهم بتفجيره أثناء وجوده في احتفال لمناسبة عيد النصر على النازية في التاسع من أيار (مايو) في العام 2004. وكان للحدث وقع الصاعقة في موسكو، رحل قديروف وترك 15 ألف مسلح غاضب. وغدا الوضع مفتوحا على كل الاحتمالات، ما دفع الكرملين إلى التحرك سريعاً، وتم إحضار الشاب الذي لم يكن ظهر قبل ذلك الا كرئيس لناد رياضي ومشجع متعصب لكرة القدم ورياضة المصارعة، تم إحضاره في طائرة عسكرية على عجل إلى الكرملين للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، وبدا الشاب خائفاً خلال اللقاء وظهر ببدلته الرياضية التي لم يجد كما يبدو وقتاً كافياً لاستبدالها بملابس أخرى، بينما كان بوتين أمام كاميرات التلفزيون يقدم العزاء له متحدثاً عن مناقب والده الراحل.
وبدا واضحاً ان التركة سلمت إلى الابن: جمهورية مدمرة، فوضى، وجيش من 15 ألف غاضب مستعد للانتقام، و... وعود من الكرملين.
منذ الأيام الأولى اتضح مدى تخبط وتناقض شخصية الشاب الذي افتقد إلى أدنى درجات الخبرة بل وظهر تهوره في أحيان كثيرة، لكن ظهر في المقابل ان الكرملين يراهن عليه، وان وزير الداخلية الذي عين رئيساً اليو الخانوف هو شخصية انتقالية سيغادر منصبه حالما يبلغ قديروف الابن الثلاثين من عمره أي بعد عامين، حفاظاً ولو شكلياً على الدستور الذي يفرض نصه تجاوز الرئيس سن الثلاثين.
فالشاب الذي عين في البداية نائباً ثم رئيساً للوزراء بدأ عهده في السياسة بقسم الانتقام من قتلة أبيه، وشن هجمات دموية نكلت بالمقاتلين وأفراد عائلاتهم، واعتمد أسلوب اختطاف أقارب المقاتلين وخصوصاً من النساء لإجبارهم على تسليم أنفسهم، ولم تصل غالبية المقاتلين وحتى من استسلم منهم إلى أيدي القضاء اذ تمت تصفيتهم في شكل دموي، وصولاً إلى الرأس المدبر لكل هذا، أمير الحرب المتطرف شامل باسايف الذي قتل العام الماضي بالطريقة نفسها.
والشاب الذي يفتقد إلى أدنى درجات الخبرة السياسية، جمع في شخصيته بين المقاتل السابق، والرياضي الذي لا يدخن ولا يشرب الكحول شأن غالبية أقرانه، وابن المفتي الذي نشأ في أسرة دينية، فخرج بخليط وضعه ووضع الكرملين أمام مآزق اكثر من مرة، فهو أعلن مرة الحرب على الولايات المتحدة وتعهد بتدمير مصالحها في القوقاز وخارجه بعد غزو العراق، وتحدث اكثر من مرة عن حق الشيشان في الاستفادة من ثرواتها النفطية بعيداً من قرار المركز الفيدرالي، من دون الالتفات إلى انه بذلك يعيد دورة الأحداث إلى بدايتها من دون ان يقصد، واكثر من ذلك فقد أدلى بتصريحات تخالف التشريعات الروسية في شكل واضح، ورد يوماً على سؤال صحافي صيغ بطريقة مغرضة : أيهما أولى بالنسبة إليك الديموقراطية او الإسلام؟ في شكل عفوي وسريع: الإسلام طبعاً، ما أثار غضب البعض في موسكو.
وثمة أمثلة كثيرة أخرى، تدل على ان الرجل احتاج إلى كثير من المستشارين والوقت وإلى إطفاء نار الثأر بقتل كل أعدائه من اجل ان يبدأ بلعب دور رجل الدولة الجديد. وغدا الرئيس الشيشاني الشاب مثالاً يحتذى به في الحرص على اعادة الاعمار، فهو أطلق ورشة وصفت بأنها اكبر ورشة بناء في روسيا كلها، ولم يكتف بإعمار ما هدمته الحرب من مبان، اذ سعى الى إعمار الإنسان الشيشاني، وبدلاً من غابة البنادق في السابق، يتجه الشباب الآن إلى نوادي الرياضة التي انتشرت بكثرة بتشجيع من قديروف، ونجحت حكومته في اعادة الحياة إلى جامعات الشيشان الثلاث وعشرات المعاهد والمؤسسات التعليمية الأخرى التي تشهد نشاطاً متزايداً.
رمضان قديروف الآن هو الرئيس الذي تنتشر صوره (مع صور والده بالطبع) تقريباً على كل مبنى تم تشييده في الجمهورية الشيشانية، بل وعلى قمصان كثير من الشبان الذين يتباهون بأنهم من أنصار الرجل الذي أعاد الحياة والسلام إلى الجمهورية.
وهو أيضاً لم يتخل عن جزء من طباعه، فهو إضافة الى كونه رجل سياسة زعيم ديني يحض الشبان على ارتياد المساجد التي اعيد اعمار ما هدمته الحرب منها. ويوجد في الشيشان الآن نحو اربعة الاف مسجد، وفي الوقت نفسه هو اكثر قادة الاقاليم الروسية اخلاصاً لشخص الرئيس بوتين، ويرى ضرورة منح الاخير حكماً ابدياً، لأنه «منحنا الحرية والحياة الكريمة» كما يقول قديروف ، وليس من قبيل الصدفة ان تنطلق من الشيشان تحديداً حملة تهدف إلى إقناع بوتين بالبقاء في منصبه بدأت في الهيئة الاشتراعية المحلية وامتدت الى الفعاليات الجماهيرية المختلفة.
فوضى التنظيم
شبان من انصار الرئيس الشيشاني
الشاب ذو الطباع المتقلبة يحيط نفسه دائماً بجيش من الانصار من رجالات الدولة والفتيات والشبان الذين يقيمون بمناسبة ومن دون مناسبة احتفالات رقص شعبي تثير حماسه فينزل الى وسط الجموع ليرقص معهم من دون تحفظ، وربما يكون المجمع الرئاسي الفاخر الذي شيد في غوديرميس مثالاً اضافياً على طبيعة احوال النخبة الحاكمة الجديدة في الشيشان، فعلى مدخله اسدان حجريان عملاقان يمثلان شعار الجمهورية الشيشانية كما كان يريدها الزعيم الانفصالي جوهر دودايف، اما في الداخل فأربعة اسود حقيقية وضعت في قفص ضخم لا يعلم احد سر وجودها، إضافة الى دببة، وتشكيلة فريدة من الطواويس والطيور النادرة التي تتجول بحرية في حدائق المجمع.
وعلى رغم مظاهر البذخ في كل شيء لا تغيب عن المشهد مظاهر الارتجال في كل شيء أيضاً، وربما يكون هذا من طباع الشيشانيين، اذ ظهر ذلك حتى في اسلوب تنظيم الرحلة التي اريد منها تعريف ممثلي الدول الاسلامية بالانجازات والتقدم الذي شهدته الجمهورية، وحضّهم على نقل الصورة الى بلادهم لمساعدة الشيشانيين على مواصلة الإعمار عبر ضخ الاستثمارات في الجمهورية، وبدلاً من ذلك سيطر الارتجال على التفاصيل المرافقة للتنظيم ما اثار استياء بعض السفراء الذين رأوا انه لم يكن يجدر التعامل معهم على هذا النحو، اما بالنسبة إلى الصحافيين فلم يكن وجودهم اصلاً محسوباً على اجندة المنظمين على رغم الدعوة الموجهة اليهم، اذ تركوا لمبدأ «دبّر راسك» الذي حكم الشيشان سنوات ومازالت بقاياه راسخة كما يبدو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.