تتجه أنظار المراقبين السياسيين اليوم إلى العاصمة الكويتية لمعرفة تفاصيل البيان الختامي للقمة الخليجية. ليس في ذلك البند المتعلق بانتقال العمل الخليجي من "التعاون" إلى "الاتحاد" بعدما أعلن وزير الدولة الكويتي؛ الشيخ محمد العبدالله الاتفاق على تأجيله. وإنما الأنظار متجهة إلى الملفات الأخرى، خاصة الواقع السياسي الجديد في المنطقة، الذي سيكون سبباً في تغيير طريقة تفكير أعضاء المجلس، وبالتالي أسلوب التعاطي معها. يرى البعض أن هذا الواقع الجديد من أكبر التحديات التي تمر بالمنطقة منذ تأسيس المجلس في عام 1981، ويؤكدون أن دول الخليج العربي كافة ستكون في قلب تفاعلات الأحداث المستقبلية الإقليمية؛ لأن بعض المؤشرات الماثلة أمامنا تنبئ بأن ذلك الواقع سيغير الكثير من آليات التعامل السياسي في المنطقة ومفاهيمه، وخاصة مفهوم الأمن الخليجي ومهدداته. وربما مكانة إيران في السياسة الخليجية، إذا كانت القيادة الإيرانية الجديدة الحالية ستتطابق أفعالها مع أقوالها. يعتبر "الاختراق" الإيراني للسياسة الدولية، في الإقليم وفي العالم، أبرز مظاهر الواقع السياسي الجديد، بل ينظر المراقبون إليه على أنه فتح باباً "للاجتهاد السياسي" لكل الاحتمالات التي يمكن أن تحدث في المنطقة لاحقاً؛ على اعتبار أن التعاون الإيراني- الغربي لن يتوقف على " حق" إيران في البرنامج النووي. وهنا مكمن قلق الكثيرين في المنطقة. حتى تلك الدول التي صمتت ولم تذكر شيئاً حول الاتفاق، ومنها على سبيل المثال، النظام السوري، الذي يبدو أنه سيكون أول ضحاياه بعدما بدأت تصريحات المسؤولين في الغرب تؤكد رحيله. دول مجلس التعاون أمام زخم من الأحداث السياسية والأمنية في المنطقة، تحتاج معه إلى أن تكون من الفاعلين الرئيسيين فيها، وأن تدرك أن "أمن الخليج" مسؤولية خليجية مشتركة قبل أن يكون للحلفاء والأصدقاء دورهم فيه. وأعتقد أنه السبب الرئيسي في رغبة القادة في تماسك المجلس، خاصة بعد تصريحات بن علوي. وبالتالي تكون مسألة وضع رؤية استراتيجية خليجية أولوية. أقول ذلك بعدما لاحت مؤشرات إلى أن الحلفاء لا يحافظون أحياناً على المسافة نفسها، وتتغير أولوياتهم. ولا يمكن الحكم بأن الآخرين يتجاهلون قلقنا، بقدر ما أن رؤيتهم الاستراتيجية تختلف من مرحلة إلى أخرى...هكذا السياسة. من هنا يبدو من المناسب تغيير طبيعة العمل الخليجي وأن يتطور في أساليب تعاونه وأدائه بما يتوافق وحالة التغيير الذي يحصل في العالم. نحن في عالم لا يعترف إلا بالعمل ضمن تكتلات سياسية أو اقتصادية أو أحلاف عسكرية. المواطن الخليجي تعود على التكرار السنوي للقمة دون تغيير عملي من طبيعة عمل المجلس إلى أن وجد نفسه أمام تراكم من التحديات. وهذا التكرار السنوي خلق نمطاً اعتاد الناس عليه، وبالتالي فكرة التغيير أصبحت صعبة، بل إن مجرد التفكير فيها لم يعد فكرة سهلة القبول. الواقع السياسي الجديد في المنطقة حرّك المياه الخليجية الراكدة التي ظلت تناقش الموضوعات "بهدوء" دون أي وجهة نظر أخرى، على الأقل علناً، إلى أن جاءت تصريحات بن علوي قبل أيام في المنامة. أعتقد أن مثل هذه الصراحة طبيعية في العمل المشترك، كما أن الخلافات بين دول الخليج في الكثير من الملفات موجودة، ما نحتاجه أن نعتاد على الاختلاف في وجهات النظر وعلناً. الفكرة أننا لم نعتد التغيير كما لم نعتد رفض فكرة أو المطالبة بالتأني فيها. التغيير إلى الأفضل خاصة بين الكيانات السياسية يحتاج إلى معرفة التفاصيل أكثر. لا شك في أن "الاتحاد" هو الأفضل للدول الخليجية، لكن المشكلة التي يتحفظ عليها البعض في الخليج، أن الفكرة غير واضحة في تفاصيلها. وربما هذه النقطة التي يتخوف منها الوزير العُماني وبعض دول الخليج التي لم تعلن مواقفها صراحة. هل الشكل الجديد سيكون اتحاداً فيدرالياً على شاكلة اتحاد دولة الإمارات، أو على شاكلة الولاياتالمتحدة الأميركية، أم أنه سيكون على شاكلة الاتحاد الأوروبي؟ وهو الحال الذي نحن عليه الآن فقط نختلف في تفعيل الآليات الخليجية لتكون مثل الأوروبية. النقطة المهمة أن ما يخص الغرب وإيران، فقد أصبح معلوماً للجميع، أن المرحلة المقبلة ستشهد تفاهمات جديدة في كثير من الملفات التي تمسك بها إيران، وأولها الملف السوري، سواء من خلال تصريحات المسؤولين الأميركيين، أو من خلال الكتابات اليومية المتلاحقة، ولاسيما من جانب المقربين من دوائر صنع القرار مثل توماس فريدمان؛ حول أن القطيعة الإيرانية- الغربية لن تعود كما كانت، وأن السياسة الأميركية لابد أن تخدم نفسها قبل أن تخدم الآخرين. يبقى ما بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كمنظومة سياسية، أن تطور آليات عملها بما يؤكد مواكبة ما يحصل في العالم. ويبقى كذلك ما بينها وبين كل من إيرانوالولاياتالمتحدة الأميركية غير واضح، وبالتالي فإن إعادة التفكير خليجياً في هذين الملفين المحوريين منذ قيام المجلس إلى اليوم، أمر غاية في الأهمية كي يكون التعامل واضحاً إزاءهما. ولن نكون منطقيين إذا جاملنا أنفسنا وقلنا إن هناك خطاباً سياسياً خليجياً واحداً وواضحاً في التعامل مع إيران. هذه ليست دعوة للوقوف بوجه إيران أو تحدّيها سياسياً، ولكن الهدف هو تنسيق مواقف دول إقليم سياسي واحد يحتاج إلى أن يحافظ على مصالحه المشتركة. وبالتالي فإن المصلحة السياسية يجب أن تدفع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى التعامل مع إيران كمنظومة، فالتحرك الفردي للدول في عالم اليوم يؤدي إلى خسائر كثيرة، والمنطقة في مرحلة إعادة تشكيل، وربما نفاجأ بأشياء قد لا تكون في مصلحتنا. إن التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط كلها لا يمكن التعامل معها من خلال سلوك سياسي جامد يعتمد على الأساليب التقليدية التي كانت تصلح خلال فترات سابقة. حتى لو كانت هذه الفترة من سنتين فقط. القادة الخليجيون دائما يفاجئون المراقبين في أعقد اللحظات بأن تماسكهم يزداد مع حجم الخطر الذي تواجهه دولهم، وهذا تأكيد أن المصلحة مشتركة في مواجهة التحديات. وأعتقد أننا، اليوم، في نهاية القمة، سنشهد مرونة خليجية وحيوية سياسية تعطينا أملاً بأننا يمكن أن نخرج من الواقع السياسي الجديد بأقل الخسائر!! نقلا عن صحيفة الاتحاد