تحول القطب الشمالي إلي جبهة لحرب باردة جديدة بين روسياوالولاياتالمتحدة لكن هذه المرة ربما تصبح حربا أكثر برودة وظلمة من سابقتها حيث تدور رحاها في قاع المحيط المتجمد في درجة حرارة أقل من40 درجة مئوية تحت الصفر وحيث يوجد ربع الاحتياطي العالمي من النفط والغاز والثروات المعدنية حوالي10 مليارات طن من البترول وطرق ملاحية لها أهميتها الاستراتيجية. وربما تتسع الحرب الباردة لتشمل ليس فقط القطبين الرئيسين وإنما قوي جديدة انضمت الي الصراع واستعراض العضلات لمن يسيطر أولا علي المقدرات الهائلة الكامنة من الموارد الطبيعية في قاع القطب المتجمد بمياهه المتحركة أسفل الجليد وهي كندا والدنمارك والنرويج حيث قدمت كل منها حججا مضادة تزعم فيها ملكيتها للمنطقة. وهكذا أصبحت منطقة القطب الشمالي الذي تماثل مساحته حجم أوروبا الغربية قضية عالمية تتجه إليها الأنظار ساهمت فيها ظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان القمم الجليدية, بما دفع هذه الدول الخمس إلي التركيز علي الأهمية الجيوسياسية لهذه المنطقة وكذلك التفكير في انخفاض إنتاج النفط بحلول عام2015. وبدأت هذه الحرب الباردة بين روسيا والغرب بالفعل علي ملكية القطب الشمالي منذ سنوات, لكنها دخلت مرحلة جديدة بعد إعلان روسيا الأسبوع قبل الماضي عن نواياها في ضم الساحل الشمالي المتجمد كله إليها وقيامها بزرع علمها في أعماقه السحقية علي عمق4200 متر وهو ما دفع الدول الأربع التي تسيطر علي منطقة اقتصادية بعمق200 ميل من أمتدادها القاري في المحيط المتجمد إلي الدفاع عن مصالحها ضد خطة التوسع الروسي وبناء إمبراطورية الطاقة الروسية التي وعد بها الرئيس فلاديمير بوتين. فقد جاء رد الفعل الأمريكي غاضبا حيث اعتبرت الولاياتالمتحدة أن زرع العلم الروسي بمثابة إعلان حرب علي القطب الشمالي وتوعدت بالرد علي التحدي الروسي كما يبحث الكونجرس الأمريكي المصادقة علي معاهدة قانون البحار التابعة للأمم المتحدة, والتي صدقت عليها موسكو وهو ما يمكنها من البحث عن دليل لإثبات أن جبال لومونسوف هي أمتداد جيولوجي طبيعي لروسيا أمام لجنة الأممالمتحدة المشرفة علي القطب في اجتماعها بعد عامين وهي الخطوة التي ربما تضفي نوعا من الشرعية علي التحركات الروسية. ويبحث الكونجرس أيضا الآن إنفاق100 مليون دولار لتجديد ثلاث غواصات نووية كاسحة للجليد وبناء أثنتين أخريين لإرسالها إلي قاع المحيط. وفي إطار اتفاقية قانون البحار يمكن أن تمتد هذه المنطقة لأي من الدول الخمس لو استطاعت إثبات أن جرفها القاري هو امتداد طبيعي لأراضيها ويشاركها نفس التركيب الجيولوجي. وتدعي كندا والدنمارك أيضا إلي جانب روسيا أن سلسلة جبال لومونسوف أمتداد لأراضيها. أيضا كانت تتربص في انتظار استعادة سيطرتها علي أكثر من47 ألف كيلو متر من بحر برينج الذي يفصل ألاسكا عن شوكوتكا الروسية وهو ما واجهته الولاياتالمتحدة بشكل فوري حيث توجهت سفينة عابرة للجليد تابعة لخفر السواحل الأمريكية إلي القطب لرسم الحدود الشماليةلألاسكا. وكما يبدو فإن الولاياتالمتحدة لن تترك روسيا تتمتع بأي فرصة لاستعادة قوتها مرة أخري أو فرض سيطرتها علي أي منطقة حيوية فوق الأرض أو تحتها حتي لو اضطرت إلي تحويل الحرب الباردة الدائرة الآن إلي حرب ساخنة.