منذ سنوات عديدة وحديث العديد من الدول الكبري يدور حول الاستغناء عن قناة السويس. وعندما بدأت المحاولات جديا في إيجاد طرق بديلة, ظهرت تصريحات بأنه من السابق لأوانه التفكير في هذا الموضوع, لأنه من الصعب أن تنجح الدول الساعية لذلك لأسباب كثيرة. هكذا يردد المسئولون, بينما ردود فعل القارئ والمتابع تتسم بالعدمية المفرطة لبساطتها وسطحيتها, وكأن قناة السويس لا تخص الأمن أو الاقتصاد القومي في مصر, والفارق كبير بين ردود فعل شامته وعدوانية وعدمية, وبين النظر إلي أبعد من الأنف قليلا والحرص علي المصالح القومية مهما كانت الخلافات أو الانتقادات. إن فكرة إيجاد طرق نقل بحرية بديلة للطرق الجنوبية تمثل لروسيا, علي سبيل المثال, ليس مشروعا وطنيا فقط, بل فكرة قومية أيضا, وعلي الرغم من الجذب والتنافر بين روسيا وحلف الناتو, إلا أن الحلف حذر اخيرا من احتمال استئناف الحرب الباردة مع روسيا. والمدهش هنا أن المرحلة الثانية من الصراع ستدور, أو بدأت بالفعل, حول الثروات الطبيعية في منطقة القطب الشمالي والتي سينكشف المزيد منها مع ذوبان الثلوج. هناك5 دول( روسيا والولايات المتحدة وكندا والنرويج والدنمارك) تطالب بملكيتها لأجزاء من منطقة القطب الشمالي. وبالتالي قد يتطور الجدل السلمي الآن لمواجهات بين الطامحين أو الطامعين لتملك ثروات القطب الشمالي. ولا يمكن تجاهل مصالح دول أخري بعيدة عن هذه المنطقة, مثل الصين واليابان وبريطانيا وفرنسا وأسبانيا. قد يتحول الجدل الي منافسة أو منازعة عسكرية خلال السنوات المقبلة عندما يتغير الوضع بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض وبقية التغيرات المناخية الأخري. هذا إذا انتظرت الدول الطامحة أو الطامعة. ومن الممكن أن تقوم هي بما ستقوم به الطبيعة لسنوات طويلة اختصارا للزمن. التحذيرات جارية بسبب وجود الصواريخ القادرة علي حمل المتفجرات لدي كل من روسيا والناتو. وبسبب التوجه إلي عسكرة القطب الشمالي. البعض يري ضرورة العمل علي تقسيم المنطقة والشروع في استغلال مواردها. والبعض الآخر يري أنه لا داعي لأية نزاعات سياسية أو عسكرية علي القطب الشمالي علي الأقل لمدة20 أو30 عاما, لأنه ما من دولة قادرة علي استخراج كميات تجارية من النفط من قاع المحيط المتجمد الشمالي في الوقت الراهن, أو قادرة علي تصنيع التقنيات اللازمة لذلك خلال عشرات السنين المقبلة لأن الشركات النفطية لا تستطيع استرداد الأموال المطلوب دفعها لتجهيز حقول النفط في منطقة القطب الشمالي في ظل أسعار النفط الجارية. إنهم يتحدثون بألسنة وبطرق مختلفة, وفي الوقت نفسه يواصلون العمل علي تقسيم واستغلال ثروات هذه المنطقة والذي لن يتم إلا بشق الطرق البحرية في الشمال. هكذا أكد نائب رئيس الوزراء الروسي سيرجي ايفانوف( وزير الدفاع الروسي السابق والذي كان صاحب النصيب الأكبر في الوصول إلي الكرملين بدلا من ميدفيديف) بأن روسيا تعتزم نقل المزيد من البضائع علي الخط البحري الشمالي الذي يمر ببحار المحيط المتجمد الشمالي. بل وأكد أيضا وفقا لدراسات علمية روسية أن هذا يتطلب وجود أسطول عصري من كاسحات الجليد. وأعلن إيفانوف أنه تم بالفعل إعداد مشروع كاسحة الجليد الحديثة التي تعمل بالطاقة النووية والتي يجب أن تباشر العمل في بحار المحيط المتجمد الشمالي في الفترة ما بين2015 2016. كاسحة الجليد الروسية الجديدة تعمل بالطاقة النووية وستكون قادرة علي شق طريقها وسط ثلوج القطب الشمالي حتي في الشتاء. علما بأن التغيرات المناخية الطبيعية قلصت من مساحة أراضي القطب الشمالي المغطاة بالجليد والثلج حيث انخفضت اخيرا الي1.8 مليون ميل مربع. أما الكاسحة الروسية القديمة( صنعت قبل3 أعوام فقط) فهي أكبر كاسحة جليد في العالم وقادرة علي شق كتلة من الثلج والجليد تبلغ سماكتها10 أقدام. وتتجه الخطط الروسية إلي صنع سفينتين أخريين من هذا النوع تنتج مفاعلات الواحدة منها60 ميجا وات من الكهرباء اي ما يكفي لسد حاجة مدينة متوسطة من الكهرباء بينما ستستطيع مفاعلات السفينة العملاقة المستقبلية إنتاج طاقة تصل الي110 ميجا وات. وسيبلغ طولها650 750 قدما مقابل500 قدم طول كاسحة الجليد التي تمت صناعتها في روسيا قبل ثلاثة أعوام والتي أطلق عليها اسم الذكري ال50 للنصر الكثيرون ينظرون باستخفاف إلي ما يجري وكأنه لا يخصهم. بينما الدول الكبري تضع خططها لعشرين وخمسين ومئة سنة مقبلة. فبحار القطب الشمالي تحتوي علي ما يزيد علي100 مليار طن من النفط والغاز, وهو ما يعادل30% من احتياطي العالم. فهل هذه الثروة غير مغرية بعمل المستحيل من أجل الحصول عليها, وفي نفس الوقت التخلص من سيطرة الجنوب وطرقه الكلاسيكية أو أمتلاك أوراق ضغط سياسية واقتصادية ضد هذا الطرف أو ذاك؟! في13 أكتوبر الحالي احتضنت مدينة فروزلاف البولندية لقاء دوليا ضم ساسة ودبلوماسيين وخبراء وإعلاميين من أوروبا والولايات المتحدةوروسيا لمناقشة مستقبل العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة بمشاركة روسيا. كان لقاء حذرا ومضببا بسبب المقترحات الروسية حول إنشاء منطقة دولية جديدة للأمن الأوروبي. هنا تأتي أهمية كلمات الرئيس البولندي الراحل ألكسندر كفاسنيفسكي بأن روسيا( قد تكون) شريكا جيدا لحلف الناتو. لكن الرئيس الذي سقطت طائرته في روسيا حذر في نفس الوقت من مغبة مقترحات موسكو بشأن الامن الأوروبي لأنها ستؤدي إلي تهميش دور الحلف في العالم, بل والي إمكانية أن تفقد دول أوروبا الشرقية مظلة الناتو الأمنية في حال تبني الرؤية الروسية. الصراع يدور وإن اختلفت أشكاله. ولكنه الآن يخصنا مباشرة وإن كان لا يزال بعيدا. الدول المتصارعة أدهشتنا, تاريخيا, بقدرتها علي إيجاد عوامل مشتركة رغم العداء المستحكم والصراع الحاد بينها علي مناطق النفوذ الاقتصادي والسياسي والعسكري والجيوسياسي. وقد تكون أمامنا فرصة للتفكير جديا في النظر الي ما يخص الاقتصاد والأمن القومي المصريين فيما يجري بخصوص القطب المتجمد الشمالي والطرق البحرية في الشمال, وفيما يجب أن نفعله في قناة السويس لكي لا تصبح مجرد مجري مائي في الأراضي المصرية يصل البحرين الأحمر والأبيض المتوسط.