من الواضح ان النيل, كمصدر لحياة المصريين وكأحد عناصر الأمن القومي للدولة المصرية, لم يعد الوحيد الذي في خطر, فقناة السويس هي الأخري تتعرض لمخاطر قديمة جديدة من نوع آخر, روسيا علي سبيل المثال ستبدأ بإجراء تجربة بحرية في سبتمبر2010 بانزال سفينة نقل ضخمة لقطع الطريق البحري الشمالي من اوروبا إلي جنوب شرق آسيا, ما سيتيح تقليص زمن نقل البضائع بما لا يقل عن أسبوع.علما بأن فصل الصيف في هذا الجزء من المنطقة القطبية الشمالية يبدأ في سبتمبر, وأكد وزير النقل الروسي ايجور ليفيتين ان هذه التجربة ستثبت الجدوي الاقتصادية لاستخدام مسار بديل عن المسار الجنوبي عبر المحيط الهندي الذي اصبح محفوفا بالمخاطر, اما الخبراء فيرون ان افضلية استخدام هذا المسار لن تتحقق الا إذا تجاوزت كمية البضائع المنقولة عبره30 مليون طن سنويا. هناك سيناريوهات كثيرة طرحت علي مدار النصف الثاني من القرن العشرين بشأن الاستغناء عن خدمات مصر, تم ذلك بطرق عديدة, من بينها الحروب المتوالية مع اسرائيل والحجج بأن قناة السويس لا تتسع للناقلات العملاقة, وعشرات الأسباب والحجج الأخري, ولكن لأن العالم كان ولا يزال بحاجة إلي ممر قناة السويس البحري الحيوي لم يتم تنفيذ اي من السيناريوهات التي كانت تهدف قبل كل شيء للضغط علي القاهرة في ملفات كثيرة, غير ان روسيا التي تلعب دوما علي التناقضات, تنجح كثيرا في قلب الموازين بنتيجة ما تملكه من مؤهلات وامكانات قد لا ترفعها إلي مستوي اللاعب الرئيسي المتنفذ ولكنها مع ذلك تجعلها تلعب مع الكبار, ان روسيا بالذات هي التي تطرح بين الحين والآخر مثل هذه السيناريوهات وهي التي تطرح الآن سيناريو قد يكون جديرا بالاهتمام. في أكتوبر2009 تمكنت سفينتان المانيتان من الابحار بمفرديهما من أحد مؤاني كوريا الجنوبية إلي ميناء روتردام الهولندي عبر بحر الشمال بمحاذاة الحدود الروسية الشمالية, مما اعتبره الكثيرون في روسيا سابقة, لأن رحلات كهذه كانت دائما تتم بمساعدة كاسحات الجليد, ورأي بعض المختصين ان هذا الحدث يكتسب اهمية بالنسبة للملاحة الدولية, لانه يختصر المسافة بين أوروبا والشرق الأقصي, إذ كان علي السفن التي تنطلق من الموانئ الاوروبية إلي اليابان ان تعبر قناة السويس وتقطع مسافة20500 كيلومتر. أما إذا سلكت هذه السفن طريق بحر الشمال, فإن عليها ان تقطع1200 كيلومتر فقط. وهذا الاختصار في المسافة يوفر علي كل باخرة10 أيام كاملة, ومن الأموال300 ألف دولار. يكتسب هذا الحدث أهمية خاصة بالنسبة لروسيا لأنه يمر عبر مياهها الإقليمية ما يعني ان الخزينة الروسية سوف تحصل علي مصدر اضافي للدخل اضافة إلي أهميته للاقتصاد العالمي لانه يسهل استغلال الثروات الهائلة الكامنة تحت جليد القطب الشمالي والتي تساوي حسب تقديرات الخبراء25% من احتياطيات العالم من النفط والغاز.من جهة أخري تتزايد تحذيرات علماء بيئة من مشكلة الاحتباس الحراري واثاره علي العالم اجمع وروسيا بشكل خاص, فمتوسط درجة الحرارة العالمية ارتفع بمعدل0,74 درجة مئوية خلال السنوات المائة الماضية, ومن ثم يشكل ذوبان الثلوج الناتج عن ذلك تهديدا جديا لروسيا, لان ارتفاع مستوي سطح المحيط العالمي يجعل المياه تلتهم10 كيلومترات مربعة سنويا من الأراضي الروسية, ويلفت الخبراء النظر إلي ان الاحتباس الحراري يؤدي إلي ذوبان جليد طبقات التربة في مناطق الصقيع الدائم التي تشكل65% من مساحة روسيا, ما سيؤدي بدورة إلي تدمير جزء كبير من البنية التحتية في تلك المناطق. من هنا تحديدا بدأت روسيا في التفكير جديا في استغلال كوارث التغيرات المناخية لصالحها. يقول مدير إدارة التسويق في مجموعة سوفرخت الروسية لتأجير السفن كارين ستيبانيان الطريق البحري في القطب الشمالي يمر بمحاذاة روسيا, اما ما يخص محاولات استخدامه, فهي ليست جديدة, لانه يستخدم اصلا من تلاثنيات القرن الماضي, وكان الأسطوري البحري والتجاري السوفيتي يستخدمه, ويمر عبره سنويا ستة مليارات ونصف المليار طن من الحمولات, يؤكد ستيبانيان ان الخبر المهم في هذا الموضوع, يتلخص في ان السفينتين الالمانيتين هما أول سفينتين غير روسيتين تمران عبر هذا الطريق, لأنه في الحقيقة كان دوما مغلقا امام السفن الأجنبية, من جانب آخر إذا استمرت التغيرات المناخية, وعمليات ذوبان الجليد, فقد تتغير تركيبة جميع الطرق البحرية في العالم وتتحول الحركة لتصبح عبر طريق القطب الشمالي. ان منطقة جنوب البحر الأحمر تواجه اليوم مخاطر عديدة, علي رأسها القرصنة وامكانية سيطرة نوع من انواع الارهاب والجريمة المنظمة فيها وحولها, ما يجلعنا نتساءل بجدية عن الأسباب الحقيقية حول تصاعد موجات القرصنة الحالية, وكذلك الاهتمام غير المبرر بموضوع التغيرات المناخية التي تسببت فيها بالدرجة الأولي الدول الكبري, ومن بينها بطبيعة الحال روسيا والصين اللتان تطمحان إلي احتلال مساحة نفوذ وتأثير اقتصادية في افريقيا ومنطقة جنوب البحرالأحمر. في عام2004 تحدث سكرتير الاتحاد الروسي البلاروسي بافل بورودين عن فكرة قومية اورواسيوية, معتبرا ان قناة السويس تفصل روسيا عن فكرتها القومية, ودعا إلي استبدال قناة السويس بممر من بريست رلي فلاديفستوك, هذه الفكرة قريبة من الفكرة السابقة, واحد اهدافها هو تحويل روسيا إلي ممر بحري عالمي يدفع بقناة السويس إلي النسيان, اضافة إلي اهداف سياسية وجيوسياسية واقتصادية اخري, بورودين رأي ان اراضي روسيا هي اقصر الطرق من اوروبا إلي جنوب شرق آسيا, ولا يوجد اي داع لنقل اي شيء عبر قناة السويس, وبالتالي يجب بناء هذا الممر القصير من بريست إلي فلاديفستوك وتعبيد طرق السكك الحديدية والسيارات, ومد أنابيب النفط وشبكات الكهرباء ورأي ايضا ان هذا الممر سيكون طريقا كاملا للحياة, واحياء الاقتصاد الروسي, وحلا لمشكلة البطالة, وإعادة مساحات واسعة من الاراضي إلي الحياة, وحافز لتنمية وتطوير الفروع والمجالات الأخري لان هذا الممر سوف يمر عبر42 اقليما روسيا, وهو ما يمثل استثمارات بمئات المليارات من الدولارات, ان بورودين يري ببساطة ان الفكرة الاورواسيوية اليوم هي المنقذ الوحيد لروسيا, والحكومات الروسية المتعاقبة بدأت تنتبه لذلك مؤخرا وتأخذه بعين الاعتبار اثناء التعامل مع اي قضية. إذا كانت مصر قوة إقليمية, يجب ان تمتلك خططا بحجمها وبالتالي فالفكرة الأفروآسيوية قد يمكنها ان تصبح هنا موجها لخطط ومشاريع كثيرة, ودرع إمان لا لحماية قناة السويس فقط علي خلفية ما يجري الآن حول مياه النيل, بل وايضا دافع للتطوير المستمر لقناة السويس والاسراع في تدشين البنية التحتية حولها, اما المشاريع الأضخم فهي متعلقة بكيفية التعامل مع ضفتي البحر الأحمر وجنوبه.