وصفت صحيفة “الإندبندانت” البريطانية انسحاب القوات البريطانية من قصر البصرة قبل انسحابها الكامل من المدينة الشهر المقبل، بأنه يمثل بداية النهاية لحملة تعتبر بلا جدوى ولا طائل من ورائها. وقال باتريك كوبورن الخبير في الشؤون العراقية في مقال بالصحيفة ان بريطانيا ستقوم من الناحية المظهرية بتسليم المسؤوليات في البصرة الى القوات الأمنية العراقية. ولكن كوبورن الذي أمضى وقتاً طويلاً في العراق كمراسل للصحيفة قبل وبعد الغزو، يوضح أن الجنود البريطانيين كانوا في الحقيقة لا يسيطرون سوى على أمور ضئيلة في ثانية أكبر المدن العراقية. وقال كوبورن ان الإخفاق البريطاني في العراق يعتبر شبه كامل بعد أربعة أعوام من الغزو ومصرع 168 جندياً بريطانيا وأضاف أن “سكان البصرة يعتبرون الانسحاب البريطاني ليس عملية منظمة ولكنها عبارة عن هزيمة نكراء” وكان كاتب المقال يقتبس هنا من تقرير أعدته “مجموعة الأزمات الدولية” للأبحاث ومقرها بروكسل. ويذكر المقال أن البصرة تسيطر عليها اليوم الميليشيات التي تعتبر الآن أكثر قوة عن أي فترة سابقة وكذلك فإنها تتصرف من دون أي عقبات تعترض طريقها. ومن ناحية أخرى فإن باتريك كوبورن يعتقد أن الانسحاب البريطاني سيلحق ضربة بالولايات المتحدةالأمريكية لأنه يقوض مزاعمها بأنها تحقق في نهاية المطاف تقدماً بالنسبة لتوفير الاستقرار في العراق. ولكن المقال يؤكد أنه من الناحية العملية فإن أمريكا لا تسيطر سوى على عدد قليل من المحافظات الشيعية التي تقع جنوبي بغداد. ويفجر الكاتب قنبلة سياسية بالقول انه لم يكن مرجحاً على الإطلاق أن تكون مهمة القوات البريطانية ناجحة في جنوبي العراق بالنسبة لفرض القانون والنظام وذلك تحت سيطرة الحكومة العراقية نفسها. ويؤكد كوبورن أن المزاعم التي كانت تقول إن الجيش البريطاني يمكنه أن يستفيد من خبرته السابقة في مواجهة عمليات التمرد في ايرلندا الشمالية لم تكن لها أي مصداقية. وحول الانتقادات الخاصة بعدم توفر الاستعدادات الأمريكية الكاملة لمرحلة ما بعد الحرب والتي أطلقها قائد الجيش البريطاني الجنرال مايك جاكون والميجور جنرال تيم كروس الذي كان الضابط البريطاني الرفيع المستوى الذي شارك في عملية التخطيط للحرب فإن المقال يرى أنهما قد وقعا في الخطأ حول الهدف. وحول الدور الأمريكي فإن كوبورن يقول ان أمريكا كانت تمتلك معظم الصلاحيات والقوة وذلك بينما كانت رسمياً تساند الحكومة العراقية لأنها لا تريد أن يتم استبدال صدام حسين بأحزاب شيعية لها علاقة وثيقة مع إيران. ويعيد المقال الى الأذهان أنه بعد وصول القوات البريطانية بفترة قصيرة فإنها لقنت في 24 يونيوعام 2003 درساً مريراً ودموياً حول حدود سلطاتها وذلك عندما تم نصب كمين لستة من رجال الشرطة العسكرية البريطانية وذلك في مقر للشرطة العراقية بين البصرة والعمارة. وفي تطور آخر يشير المقال الى أن الأحزاب السياسية والميليشيات التي تشبه المافيا التابعة لها كانت دائماً تسيطر على المؤسسات العراقية في الجنوب. وحول السؤال عما إذا كان من الممكن تفادي كل هذه الأخطاء؟ يقول كوبورن ان البريطانيين عندما كانوا يسيطرون الى حد كبير على مقاليد الأمور بعد الغزو مباشرة كانت لديهم خطة لكي يفرضوا النظام على الميليشيات وذلك بأن تصبح جزءاً من القوات النظامية ولكن هذه الفكرة أسفرت عن إفساد رجال الشرطة العراقيين. وبالنسبة لدور بريطانيا في إقامة حكومة قادرة على حفظ النظام في البصرة وتوفير حياة كريمة للشعب العراقي هناك فإن المقال يؤكد في الختام أن الفشل البريطاني كان مطلقاً.