جامعة عين شمس فى حالة طوارئ بسبب الامتحانات    الحكومة تمد العمل بقرار إعفاء بعض السلع المستوردة من الضريبة الجمركية    رئيس الرقابة المالية: الانتهاء من المتطلبات التشريعية لإصدار قانون التأمين الموحد    مصادر طبية فلسطينية: القوات الإسرائيلية تحاصر مستشفى العودة في شمال غزة    وزير الشباب يُشيد بتأهل منتخب السلاح لنهائي كأس العالم بمدريد    وزيرة التضامن توجه بصرف تعويضات لأسر ضحايا حادث الطريق الدائري بمنطقة بهتيم    انتهاء تصوير فيلم «اللعب مع العيال».. والعرض في عيد الأضحى    رفع أعمال الجلسة العامة للنواب    البورصة تصعد 4.49% مع نهاية تعاملات الأحد    رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية: قانون التأمين الموحد سيتم إصداره قريبا جدا    أسرة طالبة دهس سباق الجرارات بالمنوفية: أبوها "شقيان ومتغرب علشانها"    محافظ الإسماعيلية يستقبل رئيس هيئة قضايا الدولة    سلمى أبو ضيف تظهر برفقة خطيبها على السجادة الحمراء بمهرجان كان    تنظيم زيارة لطلبة مدرسة التربية الفكرية بالشرقية لمتحف تل بسطا    الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع والفرق بين الجارية وغير الجارية    أراوخو وجوندوجان فى قائمة برشلونة لمواجهة رايو فايكانو اليوم    "علشان متبقاش بطيخة قرعة".. عوض تاج الدين يكشف أهمية الفحوصات النفسية قبل الزواج    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    إعلام إسرائيلي: اغتيال عزمى أبو دقة أحد عناصر حماس خلال عملية عسكرية في غزة    «شعبة المصدرين»: ربط دعم الصادرات بزيادة المكون المحلي يشجع على فتح مصانع جديدة    مصادر أوكرانية: مقتل 4 وإصابة 8 في هجوم جوي روسي على خاركيف    خالد عباس: إنشاء وإدارة مرافق العاصمة الإدارية عبر شراكات واستثمارات عالمية    «متحدث الصحة»: 5 نصائح هامة للحماية من مضاعفات موجة الطقس الحار (تفاصيل)    المجلس الأعلى للحوار الاجتماعي يستكمل جلسات مناقشة مشروع قانون العمل    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    وزارة الإسكان تخطط لإنشاء شركة بالشراكة مع القطاع الخاص لتنشيط الإيجارات    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    دراما الشحاذين.. كوميديا سوداء تبحث عن النور في المهرجان الختامي لنوادي المسرح 31    رئيس الأغلبية البرلمانية يعلن موافقته على قانون المنشآت الصحية    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    موعد انتهاء الموجة الحارة في مايو .. وبداية فصل الصيف    الجوازات والهجرة تواصل تسهيل خدماتها للمواطنين    توقيع الكشف الطبي على 1531 حالة خلال قافلة طبية بقرية في مركز ملوى بالمنيا    مصدر من نادي إينتراخت فرانكفورت يكشف ل في الجول مصير عملية مرموش الجراحية    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    أكبر مدن أمريكا تفتقد إلى الأمان .. 264 ألف قضية و4 آلاف اعتداء جسدى ضد النساء    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    جبالى يحيل 10 مشروعات قانون للجان النوعية بالبرلمان    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    منها «تناول الفلفل الحار والبطيخ».. نصائح لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة    تعليم الفيوم يحصد 5 مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية فى المسابقة الثقافية    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    بعثة الأهلي تغادر تونس في رحلة العودة للقاهرة بعد التعادل مع الترجي    فرص الأهلي للتتويج بدوري أبطال أفريقيا بعد التعادل أمام الترجي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله السناوي :السيسى وما بعد التفويض
نشر في أخبار مصر يوم 29 - 07 - 2013

استقر يوم (26) يوليو فى ذاكرة التاريخ المصرى المعاصر بتحولين جوهريين.. أولهما خروج الملك «فاروق» من مصر بعد ثلاثة أيام من ثورة (1952) وكان ذلك إيذانا بتأسيس النظام الجمهورى وتغيير البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى استند عليها النظام الملكى.. وثانيهما تأميم قناة السويس فى نفس اليوم من عام (1956) وكان ذلك داعيا إلى تأسيس دور مصرى فاعل ومؤثر فى محيطه وعالمه قاد أوسع حركة تحرير وطنى فى العالم الثالث وأحدث تغييرات راديكالية فى بنية العلاقات الدولية.
لمرة ثالثة يدخل اليوم نفسه ذاكرة التاريخ بأكبر تجمع عرفته البشرية يضاهى تظاهرات (30) يونيو التى أطاحت الرئيس السابق «محمد مرسى»، وربما يتجاوزها فى تقديرات أخرى.
من المفارقات اللافتة أن المرات الثلاث ارتبطت وقائعها بمدينة الإسكندرية فقد جرى طرد الملك عبر مينائها محمولا على اليخت «المحروسة» إلى منفاه الإيطالى.. وأطلق الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر» قنبلة التأميم من فوق منصة مؤتمر حاشد فى «المنشية» ميدانها الشهير.. وأخيرا دعا وزير الدفاع «عبدالفتاح السيسى» المصريين من إحدى كلياتها العسكرية للنزول إلى الميادين لتفويض الجيش مواجهة العنف والإرهاب المحتمل قبل يومين من الحدث الاستثنائى.
لم يكن هناك شيئا مخططا لاستدعاء الرموز إلى ميادين السياسة المفعمة بالتحولات والاضطرابات والمخاوف.. وحضورها أثار تساؤلات باتجاهين متعارضين.
أحدهما استدعى صورة «عبدالناصر» «البطل القومى» بمصداقيته التى صاغت شعبيته وقوته التى صاحبت هيبته.. والاستدعاء بتوقيته وأحواله يتجاوز فكرة حنين الستينيات إلى ضرورات دولة انهكت ومجتمع أرهق لنحو عامين ونصف العام دون أن تبدو الثورة قد رست على نظام مستقر أو ذهبت جوائزها للذين ضحوا من أجلها.
الأخرى ألحقت مفردات «الشيطنة» بشخصية وزير الدفاع بأكثر مما نسبت المفردات ذاتها ل«جمال عبدالناصر» وحاولت فى الوقت نفسه أن تتقمص دور «الضحية» بحثا عن «مظلومية جديدة» فى التاريخ.
فى الحالتين تصدرت شخصية «السيسى» المشهد السياسى بتعقيداته وظلاله واقتربت على نحو مثير من الحالة التى كان عليها «عبدالناصر» فى صلته بأنصاره ومعارضيه شعبية آفاقها مفتوحة ومعارضة معاركها ضارية.
لم تتوقف المعارضات فى حالة «السيسى» على جماعات الإسلام السياسى فهناك شخصيات حقوقية ومدنية طرحت هواجسها من أن تكون الشعبية الطاغية التى حازها مقدمة صناعة «ديكتاتور جديد»، والهواجس المعلنة تنطوى على تعريض مبطن بنظام الحكم فى السيتينيات، وكالعادة الهواجس فى ناحية والرأى العام فى ناحية أخرى!
قوة حضور «السيسى» تبدت فى الاستجابة الاستثنائية لدعوته النزول إلى الميادين، وتجلت فى ظلال القوة تساؤلات مستقبل، وعما إذا كنا بصدد «ناصر جديد»، هو نفسه قال قبل يونيو لشخصية إعلامية حاولت أن تقارب صورته فى الذهنية العامة مع صورة الزعيم الراحل: «أنا فين.. وعبدالناصر فين»، لكن لابد أن المقاربة بالطبائع الإنسانية استولت عليه، فهو «ناصرى» و«عبدالناصر» مثله الأعلى منذ بواكير صباه.. وعند نهايات حكم «المجلس العسكرى» لخص انتقاداته لمستويات الأداء فى جملة واحدة قالها لى برنة أسى: «نفتقد إلى قيادة فكرية ملهمة»، وربما كانت فى مخيلته قيادة «جمال عبدالناصر» وما صاحبها من إلهام فكرى وسياسى.. ولا يعنى ذلك أنه يفكر فى الترشح للرئاسة أو أن يجلس على مقعد «جمال عبدالناصر»، وبحسب المعلومات المؤكدة فإنه يمانع فى طلب الرئاسة ويرى فى التقدم إليها إخلالا بالدور الذى لعبه والشعبية التى حازها.
دعوته للنزول إلى الميادين بدت مقامرة سياسية رهن فيها صورته وهيبته ومستقبله على مدى الاستجابة وأحجام الحشود، فإن لم تأت على مستوى التوقعات فقد تتصدع مصداقيته السياسية بصورة خطيرة داخل المؤسسة العسكرية نفسها، لكنه بدا واثقا فى نفسه، قريبا من الحس العام، وكسب رهانه بأكثر مما توقع وخرجت عشرات الملايين إلى الميادين ورفعت الأعلام المصرية فى كل مكان، ودقت أجراس الكنائس مع أصوات أذان المغرب فى مشهد أسطورى كان التاريخ فيه يتحرك ويلهم. لم يكن التفويض هو العنوان الصحيح لمليونيات (26) يوليو، فالجيش لم يكن فى حاجة إلى تفويض بما يدخل فى طبيعة مهامه. العنوان الصحيح لما جرى فى هذا اليوم الاستثنائى: «جمعة مواجهة الحقائق»، فيونيو ثورة وليست انقلابا.. وفيه رسائل جديدة للعالم والإخوان بأن ملف الرئيس السابق «محمد مرسى» أغلق للأبد، وكانت الإعلان عن حبسه (15) يوما من قاضى التحقيق فى جرائم منسوبة إليه فى الصباح قبل أن تتجلى الحشود فى ميادينها تعبيرا عن درجة عالية من الثقة فى الدعم الإضافى الذى سوف تقدمه لشرعية السلطة الانتقالية وخريطة طريقها إلى المستقبل.
قبل (26) يوليو وبعده فإن سؤال الأمن هو المعضلة الكبرى أمام السلطة الانتقالية ورجلها القوى «عبدالفتاح السيسى».
أشباح الأمن المنفلت فى الشوارع تقلقها وسؤال المواطنين يضغط على أعصابها: أين الجيش.. وأين الشرطة؟
جرى التفكير فى استدعاء «الطوارئ» لقطع الطريق على الاحتراب الداخلى وجر مصر إلى «السيناريو السورى» الاعتبارات الأمنية طرحته على مائدة التداول واعترضته مشكلتين سياسيتين.. الأولى أن القوى المدنية والثورية التى توفر الغطاء السياسى للتحولات الجارية سوف يزعجها العودة إلى «الطوارئ» بما تحمله من تراث بالغ السلبية فى الذاكرة العامة.. وقد كان أحد الإنجازات الرئيسية لثورة يناير التخلص من وطأتها التى امتدت لأكثر من ثلاثين سنة متصلة.. والثانية أن ردود الأفعال الدولية قد تنظر لاستدعاء «الطوارئ» بصورة تنال من فرص تعافى الاقتصاد المصرى وتحسن معدلات التدفقات السياحية ومن سمعة النظام الجديد وحقيقة توجهاته.
فى تناقض الاعتبارات ما بين سلامة الدولة من تمدد العنف ومخاطر اللجوء إلى «الدواء القديم» بدت الأعصاب مشدودة.
فى يوم الأربعاء الذى استبق التظاهرات ب(48) ساعة لخصت الأزمة نفسها فى اجتماعين ترأسهما الرئيس المؤقت المستشار «عدلى منصور».
أحدهما ذهب للحديث عن المصالحة بلا أمل كبير فيها، فالهوة اتسعت والكراهيات تمددت والمقايضات فات وقتها، وبعض مبادرات المصالحة لا تستحق الالتفات إليها، فملف رئاسة «مرسى» أغلق إلى الأبد، ولم يعد ممكنا التراجع عن خريطة المستقبل.. والآخر مضى فى الملف الأمنى وما هو لازم بلا مشروعات قرارات تصدر عنه، وجرى إرجاء التصرفات إلى ما بعد (26) يوليو ومظاهراته الحاشدة.
ما جرى فى هذا اليوم الاستثنائى يلخص حقائق الموقف، العالم الغربى رأى والجماعة تابعت المشاهد المليونية، الأول التزم لعبة الضغوطات لضمان مصالحه ومحاولة التدخل فى صياغة القواعد الجديدة، والثانية بدت على ذات حال الإنكار التى استبدت بها قبل يونيو وبعده، ربما لأن الاعتراف يودى إلى نهايتها، وأقدمت عند فجر اليوم التالى إلى مواجهات فى طريق النصر، سقط فيها ضحايا كثيرون، صدرت أنصارها واستخدمت أسلحة فى المواجهات، والصور منشورة، وبحثت عن «مظلومية جديدة» تخولها الحفاظ على تنظيمها.
لا يصح أن يمارى أحد فى حق التظاهر السلمى بشرط حاسم ألا يختلط ما هو سلمى بما هو عنيف، كأن تتحول الاعتصامات إلى حالة ترويع للمواطنين، أو مقار احتجاز تجرى فيها وقائع تعذيب، أو مخازن سلاح يهدد ويتوعد بدعوات الاحتراب الأهلى من فوق منصاتها.. والحزم مع العنف لا يعنى أبدا إهدار القواعد القانونية ومبادئ حقوق الإنسان.
يعود لتظاهرات (26) يوليو فضل أنها كشفت بصورة جلية أن مخاوف الحرب الأهلية ليست فى محلها وأن استدعاء السيناريو السورى محض أوهام، فالحرب الأهلية تستدعى مجتمعا منقسما بفداحة والمجتمع المصرى يبدو متماسكا ودولته استعادت عافيتها، والعنف المحتمل لا يتجاوز فى أسوأ التقديرات ما عانته مصر فى التسعينيات.
المعنى أن الخروج الكبير قلص مساحة ما هو استثنائى.. ومعضلة «ما بعد التفويض» أن الدولة مطالبة بالحزم وفق القانون على ما أكدت والطرف الآخر فى الصراع السياسى لا يبدو أنه استوعب صدمة خروجه من السلطة، وينزع إلى العنف كلما تراجعت أعداد معتصميه وبدت محدودية قدرته على الحشد والتعبئة. احتمالات سقوط ضحايا آخرين إذن مرجح للغاية والدم يعقد حسابات المستقبل.
فيما بعد «التفويض» تتبدى معضلة «عبدالفتاح السيسى» فى سعيه لإنهاء أية احتمالات لتوسيع دوائر العنف والإرهاب دون أن تتلطخ يد المؤسسة العسكرية بالدماء وهذه يصعب تخطيها بسهولة مع جماعة تطلب الصدام، ومعضلة الأخيرة أنها تحاول ارتداء قبعتين فى وقت واحد: «الإرهابى» و«الضحية»، وهذه بدورها تقوض أية فرص جدية لها فى حسابات المستقبل.
نقلا عن صحيفة الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.