دخلت اوكرانيا أخيرا ازمة سياسية حادة تنذر تداعياتها بدخول البلاد في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والفوضى وتنبئ بتقسيم هذه الدولة ثقافيا وحضاريا. والازمة الراهنة ليست طارئة او ذات طبيعة داخلية فهي بدأت مع الثورة البرتقالية التي اوصلت الرئيس فيكتور يوتشينكو الى الرئاسة في عام 2004 بعد ابطال المحكمة الدستورية فوز خصمه رئيس الوزراء الحالي فيكتور يانوكوفيتش. وقد قرر يوتشينكو القيام باصلاحات سياسية واقتصادية واسعة، الا ان التنافس على السلطة ادى الى خلخلة التحالف البرتقالي وخرجت 'اميرة الثورة البرتقالية' يوليا تيمو شينكو وشريكة الرئيس يوتشينكو من التحالف، كما ان الاقتصاد الاوكراني المتشابك على نحو وثيق مع الاقتصاد الروسي شهد هبوطا مروعا دفعه الى حافة الكارثة خصوصا مع رفع موسكو لاسعار الغاز المصدر الى اوكرانيا. وامام هذه النكسات التي اصابت البرتقاليين جاءت الانتخابات التشريعية في ربيع العام الماضي، لتصب في مصلحة حزب 'المناطق' الذي يتزعمه حليف موسكو يانوكوفيتش الذي بدأ باستدراج نواب من احزاب وكتل اخرى وبعد ان كانت الاغلبية في مجلس 'الرادا' في البداية 239 نائبا اصبحت بعد 8 اشهر 260 نائبا واذا ما وصل الرقم الى 300 فإن حلفاء موسكو يمكنهم تعديل الدستور والغاء الرئاسة عمليا. امام هذا الواقع سارع يوتشينكو الى استخدام حقه في حل البرلمان بحجة ان الدستور يمنع النواب كأفراد بتغيير مواقفهم السياسية، وحدد الرئيس السابع والعشرين من مايو المقبل موعدا للانتخابات. وفي تكرار للمشهد الذي اطاح بزعيمهم يبدو ان انصار يانوكوفيتش قد تعلموا الدرس وسارعوا بنقل الازمة الى الشارع وان اختلفت الالوان (الازرق والابيض بدل البرتقالي)، فيما الجميع ينتظر الرد الذي سيقوم به انصار يوتشينكو. واذ يؤكد رئيس الوزراء الحالي عزم حزبه على المشاركة في الانتخابات المبكرة في حال اجرائها لتثبيت فوزه، فإن المعلومات تشير الى نية الرئيس يوتشينكو على اقالة الحكومة على ما يبدو ليحول دون عودة البلاد معقلا لروسيا ونفوذها. الا ان هذا الامر قد يؤدي الى اتخاذ الازمة لإبعاد اخرى، خصوصا ان وزير الدفاع اناتولي غريتينكو الموالي ليوتشينكو قد أكد ان الجيش سيطيع اوامر رئيس البلاد، وفي المقابل يدين جهاز الشرطة بالولاء لرئيس الحكومة، الامر الذي قد يؤدي الى حدوث مصادمات بين قوى الامن وأنصار الرئيس في حال نزلوا الى الشارع، وفي المحصلة قد يستخدم يوتشينكو الجيش لإعادة الاستقرار وردع محاولات حلفاء روسيا لمنع تنفيذ قرار حل البرلمان، ولا شك عندها من ان لون الثورة سيتحول الى الاحمر، وستكون الساحة الاوكرانية مليئة بالكثير من الخيارات والمفاجآت. والجدير بالتوقف عنده هو الموقف الاميركي والغربي الذي يبدو صامتا تماما امام ما يحدث، فعلى الرغم من دعوة اميرة البرتقاليين يوليا تيموشينكو الولاياتالمتحدة لدعم القوى الاوكرانية ذات الاتجاهات الغربية مشيرة الى 'ان روسيا ستبتلعنا اذا اشاح الغرب بوجهه عنا'، الا ان الموقف الاميركي والغربي بصفة عامة يدعو الى الحل السلمي للازمة، مما يشير الى ان الحسابات الغربية قد تبدلت بصورة كبيرة عما جرى في عام 2004 فإن الاوروبيين لا يريدون اتخاذ مواقف تتسبب بأزمة غاز جديدة مع روسيا، كما ان الولاياتالمتحدة لا تريد حاليا زيادة التوتر مع روسيا، خصوصا بعد التصعيد الكبير الذي حصل في مسألة الدرع الصاروخي الذي ترغب واشنطن في نشره على الاراضي الاوروبية. والادارة الاميركية تركز جهدها حاليا على منطقة الشرق الاوسط والملف الايراني وترى ان مصالحها الحالية مع روسيا اقوى من الصداقة مع البرتقاليين في اوكرانيا، خاصة ان الهدف الرئيسي المتمثل في زعزعة الاستقرار الروسي في المنطقة السوفيتية قد تحقق بفعل الثورة البرتقالية.