دارت الدائرة علي الرئيس الباكستاني برويز مشرف وأمسكت نيران الأزمة الداخلية بتلابيب أركان حكمه حتي بات وحيدا اعزل في مواجهة الحائط بعد أن أخذ بريق رجل الجيش القوي في الانحسار. فقد تسارعت وتيرة الاحداث العاصفة بتسلسل عجيب حتي أن مشرف لايكاد ينجو من إحداها بأعجوبة حتي يشرف علي الوقوع في حفرة تجاورها فنجاته من احدي اخطر محاولات اغتياله أخيرا ثم أحداث المسجد الأحمر في إسلام أباد مرورا باندلاع تمرد القبائل عند الحدود مع أفغانستان, حيث يعظم نفوذ حركة طالبان وتنظيم القاعدة, مما جعل من مشرف مرمي مستباحا لنيران انتقادات الإدارة الأمريكية له بالفشل في إدارة الحرب علي الإرهاب عند الجبهة الباكستانية. الارتباك السياسي بلغ مداه بتحدي المحكمة الدستورية العليا لمشرف مرتين أولاهما بحكمها إلغاء قراره بعزل كبير القضاة افتخار تشودري وثانيتهما السماح لرئيس الوزراء السابق المنفي نواز شريف بالعودة إلي البلاد. احساس الصدمة وزلزلة الأرض من تحته دفعت مشرف للقرار الصعب بالتحالف مع عدوته اللدود رئيسة الوزراء السابقة بنظير بوتو لابرام اتفاق مصلحة يحاول كلاهما من خلاله تحقيق أكبر مكاسب سياسية ممكنة وليكن الأمر ضرب عصفورين بحجر واحد, العصفور الثاني هو تقويض الطموحات السياسية لنواز شريف وفرص حزبه الرابطة الإسلامية خلال الانتخابات العامة المقبلة. أما العصفور الأول أو الهدف الأكثر أهمية لمشرف وبوتو من تحالفهما المزمع فيراه الرئيس الباكستاني في الانضواء تحت جناح حزب الشعب بقيادة بوتو صاحب الجماهيرية العريضة وتعضيد فرص مشرف وآماله العريضة في الاحتفاظ بكرسي الرئاسة لخمس سنوات قادمة بعد الانتخابات المقبلة. ويبدو أن مشرف جاهز هذه المرة لخفض رأسه أمام رياح التغيير العاتية ودفع الثمن حتي ولو كان الأصعب لرجل عشق العسكرية, وهو التخلي عن قيادة الجيش والاكتفاء بالرئاسة. أما بوتو فهي أفضل من يقتنص الفرص وتكاد تكون أكبر الفائزين من الأزمة السياسية العاصفة في بلادها, فطموحاتها لم تكن تصل لدرجة اقتسام السلطة مع مشرف وهي الصيغة التي توصل اليها مفاوضو الطرفين خلال محادثات ماراثونية جرت في لندن حيث منفي بوتو. وتبقي جبهة نواز شرف مفتوحة وقابلة للمفاجآت بل تبدو أكثر الجبهات قدرة علي قلب الأوضاع فشريف الذي سيعود خلال أيام إلي بلاده نجح في استمالة قطاع عريض من الشعب ضاق بسياسات مشرف وتحالفه مع الولاياتالمتحدة ولايرغب في بقائه بالسلطة حتي ولو تحالف مع زعيمة المعارضة التي يتهمها الباكستانيون بالاثراء غير المشروع. ومن الممكن أن يصبح شريف فارس المرحلة بعد أن ألهب حماس الباكستانيين الرافضين للوضع الحالي أو لأية محاولة لتجميله وذلك حيث رفض الاجتماع في لندن مع مبعوثي الرئيس رافعا شعار مشرف والديمقراطية لايلتقيان. ونجح شريف في الجمع بين معارضي مشرف وخصوم بوتو الذين ادانوا تنصلها من ميثاق تبنته رموز المعارضة بالكفاح من أجل اقرار الديمقراطية وذلك عقب قيامها بفتح قناة اتصال مع الرئيس الباكستاني. وبإمكان شريف الآن وهو يقف وحيدا في خندق المعارضة ان يستعين بولاءات الأحزاب الإسلامية الأخري, وربما لن يفاجأ شريف بدعم العناصر المعارضة لبوتو داخل حزبها الشعب, التي ترفض أي اتفاق مع مشرف, وسيجد شريف أيضا الدعم الكافي من رجله القوي وعضو حزبه البارز جاويد هاشمي الذي اطلقت المحكمة العليا سراحه أخيرا في تحد آخر لمشرف. ومما يزيد الامور تعقيدا أمام مشرف وانفراجا أمام شريف أن الأول يواجه تمردا خطيرا من جانب عدد من أعضاء حزب الرابطة الحاكم الذي يدين له بالولاء بعد تهديدهم بعدم التصويت لصالحه في البرلمان اذا ما اصر علي إعادة انتخابه للرئاسة وهو بزيه العسكري الذي كان ينبغي عليه خلعه منذ انتهاء مدة خدمته في الجيش رسميا في أكتوبر عام2003. وأمام أصعب فترات الحكم التي استعصت علي مشرف, تبدو الولاياتالمتحدة في الخلفية تكسو وجهها الكآبة وخيبة الأمل وهي تراقب رجلها القوي في جنوب آسيا وهو يغرق في اتون أزمة سياسية خانقة قد تكلفه كرس الحكم بينما كانت تأمل أن يركز انتباهه بدرجة أكبر علي اسكات الخطر القادم من الحدود مع أفغانستان, ولم تجد واشنطن غضاضة من تشجيعه علي التوصل إلي تفاهمات سياسية مع خصومه تمهد لانتخابات عامة ورئاسية نزيهة.. لكن هل تضمن واشنطن أن تعيد الانتخابات مشرف للواجهة من جديد؟