في آخر سلسلة أعمال العنف المستمرة التى تشهدها باكستان والتى زادت وتيرتها خلال الأشهر الماضية ، شهدت مدينة روالبندي ، مقتل سبعة أشخاص وأصابة 15 آخرون جراء هجوم انتحاري استهدف نقطة تفتيش للشرطة على مقربة من قيادة الجيش ومقر الرئيس الباكستاني برويز مشرف في المدينة . من جهته قال المتحدث الرئاسي رشيد قرشي إن الرئيس برويز مشرف كان في مكتبه وقت وقوع الهجوم يعقد اجتماعا في مقر قيادة الجيش مع قادة الفيالق وكبار الضباط لبحث الوضع الأمني في البلاد،وأنه لم يصب بأذى. مواجهات وادى سوات ويرى المراقبون أن هذا التفجير يجري على خلفية المواجهات التي دارت في منطقة وادي سوات الحدودية بين الجيش ومسلحي تنظيم تنفيذ الشريعة المحمدية الموالي لحركة طالبان الأفغانية. وكان الجيش الباكستاني قد أعلن الأربعاء الماضى عن إرسال 2500 جندي إضافية إلى مناطق القبائل الجبلية الوعرة المتاخمة للحدود الأفغانية، في محاولة لبسط الأمن والقانون في تلك المناطق النائية الخارجة عن سلطة إسلام أباد، خاصة في منطقة "سوات"والتي تقع في مناطق القبائل حيث صعد الجيش الباكستاني من حملاته العسكرية لاجتثاث مليشيات طالبان والقاعدة، التي وجدت في المنطقة الوعرة والنائية عن سلطة إسلام، ملاذاً آمناً، وشهدت المنطقة تصاعداً في الهجمات ضد الجيش. الجيش الباكستاني أعلن عن مقتل 50 الى 60 مسلحا من جماعة "تنفيذ الشريعة المحمدية" خلال هجومه عليها في وادي سوات ، فيما لقي عشرات الجنود الباكستانيين حتفهم خلال الاشتباكات. وكانت جماعة "تنفيذ الشريعة المحمدية" التابعة لأحد رجال الدين الموالين لطالبان، قد أعلنت أمس الاثنين موافقتها على وقف لإطلاق النار بعد يوم من استهداف قوات الأمن الباكستانية، المدعومة بمروحيات عسكرية لمعاقلهم. إلا أن الحوار توقف بين الجانبين بسبب الخلاف على مكان الاتفاق حيث تطالب الحكومة بحضور قادة الجماعة إلى اسلام أباد فيما يصمم قادة الجماعة على ضرورة حضور الحكومة إلى وادي سوات خوفا من ان تستهدفهم إذا جاءوا إلى اسلام اباد. وجدير بالذكر ان منطقة سوات كانت تعتبر مزارا سياحيا مهما ، إلا أنه ومنذ زيادة العنف أوائل هذا العام تحول هذا الوادي الواقع في إقليم جبهة الشمال الغربي الى معقلا لزعيم جماعة مسلحة معارضة للحكومة يدعى مولانا فضل الله،وتقول تقارير إنه يبث منشورات دعائية تدعو إلى الجهاد ضد السلطات الباكستانية. يذكر أن مولانا فضل الله البالغ من العمر نحو 32 عاما يقود نحو خمسة آلاف رجل ، وانه اختفى مع رجاله حتي يقوم بحرب عصابات ضد القوات الباكستانية. "وادي سوات" الذي يسكنه نحو مليون ومائتي ألف شخص ، كان قدتعرّض لعمليات عسكرية خلال الفترة من عام 1994 إلى عام 1995 عندما قامت قوات حرس الحدود بقيادة اللواء فضل الغفور بالسيطرة علي المدارس الدينية التابعة لمولانا صوفي محمد زعيم المنطقة في ذلك الوقت . وجدير بالذكر أن عددا من التفجيرات الانتحارية هزت باكستان مؤخرا ،وألقيت اللائمة فيها على الجماعات الإسلامية المسلحة التي تقاتل الحكومة في المناطق المحاذية للحدود مع أفغانستان. روالبندي الواقعة جنوب العاصمة ، كانت هدفا لتفجيرين أيضاً وقعا في سبتمبر الماضي وأديا إلى مقتل 25 شخصا وإصابة نحو ستين معظمهم عسكريون كانوا يستقلون حافلة للجيش. وكان التوتر في باكستان قد بلغ ذروته في شهر يوليو الماضي إثر احداث المسجد الاحمر في إسلام أباد التي انتهت باجتياح المسجد من قبل القوات الباكستانية وهو ما ادى الى مقتل المئات. عدد التفجيرات في باكستان ازداد أيضاً في الإسابيع الاخيرة،وكان 139 شخصا قد قتلوا في 18 اكتوبر الجارى في انفجار كبير استهدف رئيسة الحكومة الباكستانية السابقة بينظير بوتو كما قتل 25 شخصا في 4 سبتمبرالماضي في تفجيرين انتحاريين استهدفا حافلة كانت تقل مسؤولين في جهاز الاستخبارات الباكستاني. وقد تزامنت عودة رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة حزب الشعب الذي يعتبر أكبر الأحزاب السياسية في باكستان بنظير بوتو مع تفاقم الأزمة السياسية في البلاد التي بدأت بمحاولة إقصاء مشرف لرئيس المحكمة العليا افتكار تشودري، وهو ما أدى إلى احتجاجات شديدة مثلت أخطر تحد يواجهه منذ تسلمه للسلطة عام 1999 بالانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس نواز شريف، وازدادت سوءًا على إثر فوز الرئيس مشرف بولاية رئاسية جديدة في الانتخابات التي جرت أوائل هذا الشهر (أكتوبر) بعد أن شككت المعارضة بنتائجها التي أضحت غير رسمية حتى تبت المحكمة العليا في شرعيتها، وهو ما لم يتحقق قبل مضي أسبوعين من الآن على أقل تقدير. ويعتقد المراقبون ان العمليات الانتحارية التي شنها المقاتلون القبليون في شمال غرب باكستان ضد قوات الجيش والشرطة صيف هذا العام، إلى جانب أحداث المسجد الأحمر وإغلاق مشرف لعدد كبير من المدارس الإسلامية، أدت الى القضاء على أى أمل فى تحسن العلاقة بين الجيش الباكستاني والأصوليين الإسلاميين - وعلى رأسها جماعة إسلامي وجمعية علماء باكستان -الذين لم يخفو تعاطفهم مع حركة طالبان وتنظيم القاعدة. وبالرغم من نجاح الرئيس مشرف في تحييد كبريات القوى الاسلامية في بلاده، الا انه فتح عليه غضب هذه القوى، حيث جرت محاولات عدة لاغتياله عقابا لتحالفه مع الولاياتالمتحدة في حربها ضد الارهاب.وليس من المستبعد ان يبقى هدفا لقوى التشدد الاسلامي، اذا ما واصل تعاونه بنفس الوتيرة. وقد طالت أحداث العنف الرئيس برويز مشرف، الذي تعرض لأربع محاولات اغتيال بدأت عند وصوله إلى السلطة في العام 1999، تلتها محاولتان في كراتشي عامي 2000 و2002، وأخيرة في راولبندي، حينما تم استهداف موكبه التي أدت إلى تدمير 3 سيارات من بينها سيارة الرئيس نفسه، بالإضافة إلى مقتل 10 أشخاص وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح. ويعتبر الكثير من المراقبين أن الرئيس مشرف في مأزق ، مابين الولاياتالمتحدة التى تدفعه باتجاه تعزيز الديمقراطية فى بلاده، والتقليص من سلطات العسكريين لصالح مناوئيه خاصة في حزب الشعب، الذي تقوده بينظير بوتو، والرابطة الاسلامية بزعامة نواز شريف، وهو معني بمواصلة تحالفه مع واشنطن وبذات الوقت معني بعدم تفاقم الوضع السياسي الداخلي لارتباط تشديد الحملة على الاسلاميين موالي طالبان بتعزيز اصوات المطالبين بالاستقلال في اقليمي بلوشستان والاقليم الحدودي الشمالي الغربي حيث الاغلبية البشتونية. هذا فى الوقت الذى تدرك فيه باكستان جيداً ضعف قدرتها على التسابق مع الهند على النفوذ وسباق التسلح، حيث انتقلت للدفاع عن أمنها الداخلى، كما انها تحاول حل مشكلة كشمير، ولذلك فلا يمكنها تهميش المؤسسة العسكرية أوإنهاء دورها لأن ذلك سوف يترتب عليه عدم قدرتها على حل اى من المشاكل المزمنة التى تعانى منها. ويرى المراقبون ان هذا ما جعل واشنطن تضغط علي مشرف في اتجاه العمل على تقاسم السلطة مع بوتو بعد إصدار العفو عنها بموجب اتفاق بين الطرفين قبيل الانتخابات التي جرت في السادس من هذا الشهر بعد أن تعهدت بعدم مقاطعة نوابها (نواب حزب الشعب) للتصويت. ووفقاً لهذا الاتفاق الذي تم بموافقة أمريكية يتم انتخاب الرئيس مشرف لفترة رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، ويتم في المقابل إسقاط كل قضايا الفساد الموجهة إلى بوتو، إضافة إلى إجراء تعديل دستوري يسمح بإعادة انتخاب بوتو رئيسة للوزراء لفترة ثالثة. واشنطن من ناحيتها ترىأن تقاسم السلطة بين مشرف وبوتو من شأنه أن يحقق تقدمًا أكبر في الحرب على الإرهاب وفي إعادة الديمقراطية إلى البلاد، في الوقت الذي يرى البعض أن عودة بوتو يمكن أن تقترن بمرحلة جديدة من ازدياد وتيرة العنف في باكستان وهو ما يدل عليه استمرار التفجيرات .. 30/10/2007 المزيد من التقارير والملفات