تعد القاهرة التاريخية متحفاً مفتوحاً للعمارة والفنون الإسلامية والتي تنوعت في مصر من عمارة دينية ومدنية وحربية ومن مساجد ومدارس وأضرحة ومنازل وقصور وحمامات وسبل ووكالات وأسوار وقلاع وحصون. ودائماً ما كانت تعبر العمارة الإسلامية عن زمانها من حيث مواد البناء ومواد اللحام وكذا تصميم المباني وتباين الوظائف، فالعمارة هي في حقيقة الأمر اللغة المرئية التي تستطيع من خلالها رصد تاريخ شعب ورسم ملامح عصر بأكمله. ويعد جامع الأزهر من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي، وقد أقامه "جوهر الصقلي" قائد الخليفة "المعز لدين الله" ليكون جامعاً ومدرسة. ويرتبط تاريخ جامع الأزهر بتأسيس مدينة القاهرة إذ جاءت نشأتهما في وقت واحد تقريباً، حيث وضع أساس مدينة القاهرة في سنة 358ه : 969م ووضع أساس الجامع الأزهر 359ه : 970م ولم يكن يعرف الجامع الأزهر منذ إنشائه بذلك الاسم وإنما أطلق عليه في البداية اسم جامع القاهرة وظلت هذه التسمية غالبة عليه معظم سنوات الحكم الفاطمي ثم توارى هذا الاسم واستأثر اسم الأزهر بالمسجد فبات يعرف بالجامع الأزهر وظلت هذه التسمية مرتبطة به إلى وقتنا الحاضر وأضحى من أشهر المؤسسات الإسلامية. وكان تصميم الأزهر منذ إنشائه عبارة عن صحن تطل عليه ثلاثة أروقة أكبرها رواق القبلة وكانت مساحته وقت إنشائه تقترب من نصف مساحته الآن ثم أضيف له مجموعة من الأروقة والمدارس والمآذن. ولعل أول عمارة أدخلت على الأزهر هي التي قام بها الخليفة "الحافظ لدين الله" عندما زاد في مساحة الأروقة وأقام قبة جصية منقوشة نقشاً بارزاً ومازالت تزين القاهرة حتى الآن. وفي العصر المملوكي اعتنى السلاطين بالأزهر وقاموا بتجديد الأجزاء التي أصابها الهرم، الأمر الذي أعاد شباب وبهاء الأزهر وسمح بإقامة صلاة الجمعة فيه 665ه : 1266م. ولم توقف العمارة في الجامع الأزهر عبر العصور غير أن أكبر عمارة أجريت للجامع الأزهر هي ما قام بها "عبد الرحمن كتخدا" عام 1165ه : 1753م. وكان مغرماً بالعمارة فأضاف إلى رواق القبلة مقصورة جديدة للصلاة وفي الواجهة الشمالية الغربية التي تطل حالياً على ميدان الأزهر أقام "كتخدا" باباً يتكون من بابين متجاورين وبجوارهما مئذنة لاتزال قائمة حتى الآن. إن التاريخ يشهد دوماً للجامع الأزهر أنه لم ينفصل يوماً عن أحداث مصر والعالم الإسلامي وإليه يعود الفضل الكبير في الحفاظ على التراث العربي بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد فضلاً عن الحفاظ على اللغة العربية من التتريك أيام الحكم العثماني لمصر 1517م وأيام حكم "محمد علي" 1805م كما يمنح التاريخ الجامع الأزهر أياد بيضاء في مقابل مواقفه المشهودة في التصدي لظلم الحكام والسلاطين إذ أن علماءه كانوا من أهل الحل، حيث يروي "الجبرتي" في يومياته بأن "مراد بك" أحد أمراء المماليك اعتدى على بعض فلاحي مدينة "بلبيس" فحضر وفد منهم إلى الشيخ "عبد الله الشرقاوي" وكان شيخاً للأزهر آنذاك وقدموا شكواهم له ليرفع عنهم الظلم وكان لتحرك علماء الأزهر الدور الكبير في استسلام "مراد بك" لطلباتهم وأن يرد ما اغتصبه من أموال وأن يرضي نفوس المظلومين. وهكذا كان الجامع الأزهر لصيقاً بالناس مرتبطاً بأزماتهم وأروقته دوائر فكر ونضال ضد غزاة مصر. فعندما غزا الفرنسيون مصر عام 1798م بقيادة "نابليون بونابرت" أشعل علماء الأزهر الثورة ضدهم مما أدى إلى دخول القوات الفرنسية بخيولهم صحن الأزهر الشريف، وألقوا بالمصاحف الكريمة الأرض وتم ضرب الجامع الأزهر بالمدافع من فوق القلعة مما أدى إلى ثورتي القاهرة الأولى والثانية والتي كانت نتاج نضال علماء الأزهر وإشعالهم نيران الحركة الوطنية حتى الوصول إلى إنسحاب الفرنسيين من مصر. وفي عام 1956م كان الجامع الأزهر على موعد آخر مع التاريخ المصري، حيث قام الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" وبعد أربعة أعوام من اندلاع ثورة يوليو 1952م ومن فوق منبر الجامع الأزهر ليعلن القتال ضد العداون الثلاثي على مصر (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) الأمر الذي يؤكد وبشدة أن الجامع الأزهر كان دائماً مرادفاً للحظات النضال في التاريخ المصري والعربي. ولعل المتتبع للأحداث الداخلية في مصر أو ما يمس الأوطان العربية ليلحظ أن بعضاً من ردود الأفعال تنطلق شرارتها الأولى من الجامع الأزهر لتعبر أن رد الفعل الشعبي المصري لا يجد مكاناً يعبر من خلاله عن آرائه سوى الجامع الأزهر.