أكدت قمة الاتحاد الأفريقي السابعة والعشرين والتي اختتمت أعمالها امس الاثنين ، بالعاصمة الرواندية كيجالي التزامها بالإجماع الأفريقي الرافض لاستهداف المحكمة الجنائية الدولية للقادة الأفارقة،وأعلنت رفضها القاطع لاتهامات المحكمة ضد الرئيس السودانى عمر البشير، ونائب الرئيس الكيني وليام روتو ،فيما كلفت القمة لجنة وزارية للاتصال بمجلس الأمن الدولي لتوضيح مواقف الدول الأفريقية في ذلك الصدد، وتقديم تقرير لقمة أديس أبابا القادمة في ينايرمن العام المقبل في هذا الشأن.، ولفت البيان الختامى للقمة الى أنه اذا لم يستجب مجلس الأمن لإرادة الدول الأفريقية حول تلك القضية فإن على اللجنة الوزارية وضع خطة للخروج الجماعي للدول الأفريقية من المحكمة الجنائية الدولية. حالة من الشد والجذب.. وتسود حالة من الشد والجذب بين الدول الأفريقية (ممثلةً في الاتحاد الأفريقي)، والمحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ من "لاهاي" في هولندا مقراً لها، منذ سنوات، على خلفية اتهامات توجهها المحكمة لعدد من الرؤساء والقادة، ولمسئولين كبار في القارة، بلغت حد اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، وجرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية. ووصل الصراع بين الدول الأفريقية و"الجنائية الدولية" إلى حد مطالبة البعض في الاتحاد الأفريقي بمقاطعة المحكمة، وعدم الامتثال لمطالبها بملاحقة عدد من هؤلاء المسئولين، بغية تقديمهم للمحاكمة أمام قُضاتها، بتُهم مختلفة لجرائم ترى المحكمة أنها وقعت في بلدانهم، وتستدعي مساءلتهم عنها وتقديمهم لمحاكمة عادلة أمامها باعتبارها جرائم يُعاقب عليها القانون الدولي بحسب "ميثاق روما". بداية التوتر .. ورغم أن العلاقة بين الدول الأفريقية والمحكمة الجنائية الدولية بدأت بشكل جيد منذ تأسيسها فى 2002، حيثُ دعت حكومات أفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، ومالي، وأوغندا، المحكمة للتحقيق في جرائم وقعت ببلدانها.، إلا أن هذه العلاقة توترت في عهد المدعي العام السابق الأرجنتيني "لويس مورينو أوكامبو"، الذي فتح ملفات لقضايا في كينيا، وساحل العاج، مطالباً مثول عدد من قادتها أمام المحكمة. كما أحال أوكامبو إلى مجلس الأمن قضايا بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير عام 2009، بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، المشتعل منذ عام 2003، وهو ما نفاه البشير. وفي ليبيا ..كانت المحكمة الجنائية الدولية قد امرت في 27 يونيو 2011، بتوقيف كل من الزعيم الليبي معمر القذافي (الذى قتل في 20 أكتوبرمن نفس العام )، ونجله سيف الإسلام، ومدير المخابرات عبدالله السنوسي، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ويرى بعض الأفارقة أن تركيز المحكمة الجنائية الدولية على جرائم الحرب والمتهمين بارتكابها في أفريقيا، يقابله غضُ بصرها تجاه بعض الأطراف في دول أخرى،مثل: أفغانستان، وكولومبيا، لسنوات دون اتخاذ إجراءات فعلية تُذكر تجاهها. الكيل بمكيالين .. وعند تسليمه رئاسة الاتحاد الأفريقي لخلفه الرئيس التشادي إدريس ديبي في 2015، لفت رئيس زيمبابوى "روبرت موغابى": إن "اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لم يطبق ضد أي شخص من ذوى البشرة البيضاء ، على حد قوله، ، مشيرا إلى أن "جورج بوش وتونى بلير ارتكبا أعمالا فظيعة في العراق، واعترفا بأنهما ارتكبا أخطاء، كما قتلوا صدام حسين ورغم ذلك لم تتم إحالتهما للعدالة". وتُبرر المحكمة تركيزها على الزعماء الأفارقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب دون غيرهم من زعماء العالم، بالقول إنها "لا تستطيع التدخل، إلا عندما تكون السلطات المحلية غير قادرة، أو غير راغبة في ملاحقة المتهمين قضائياً". وتضيف بأن "كثيراً من القضايا لا تزال قيد التحقيق، وتعكف المحكمة على تقييم ما إذا كان الجناة المزعومين، يُلاحقون من قبل السلطات في بلدانهم". وكان قد صدر عن القمة الأفريقية رقم 26، التي انعقدت في أديس أبابا يومي 30 و31 يناير الماضي، مقترح بانسحاب جماعي أفريقي من " المحكمة الجنائية"؛ حيث وصفت القمة هذه المحكمة بأنها "محكمة انتقائية تستهدف الرؤساء الأفارقة على سدة الحكم"، وأنها "تتعامل بمكيالين في تعاطيها مع الانتهاكات والخروقات التي تحدث في العالم، وجعلت من أفريقيا هدفا للتركيز عليها وملاحقة القادة الأفارقة". إلا أن توقيع 34 دولة أفريقية وتصديقها على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يُبقي الأمر "معقداً"، في حال قررت المجموعة الأفريقية الانسحاب جماعياً من المحكمة، حيثُ لم يتخذ القادة الأفارقة قراراً ملزماً قانوناً بالانسحاب من المحكمة بشكل جماعي، تاركاً لكل دولة الحرية في اتخاذ قراره بهذا الشأن. ومن المتوقع أن تشهد القمة الأفريقية القادمة، التي تنعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في يناير 2017، قرار الانسحاب الأفريقي الجماعي من "المحكمة الجنائية".
وتأسست المحكمة الجنائية الدولية بموجب "ميثاق روما" في 11ابريل 2002، كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. ويعطي النظام الموقع عليه، المحكمة الحق لتنفيذ إجراءاتها في أي مكان بالعالم، كما أنها تسعى حسب ذلك التفويض، إلى وضع حد للثقافة المتمددة في العالم، والمتمثلة في الإفلات من العقوبة.