مع إستمرار الحراك الثورى السوري ترتفع وتيرة العنف من النظام وتتعدد آلياته، فيما تزداد معدلات القسوة والوحشية، ليستمر السوريون فى دفع أثمان باهظة لمعارضتهم نظام بشار الأسد الذى يمثل إمتدادا لسيطرة العلويين على الحكم منذ إنقلاب نوفمبر 1970 وصعود حافظ الأسد إلى سدة الحكم. ورغم تعدد الأساليب الوحشية التى يستخدمها النظام السورى لقمع الثورة الشعبية، ليصل عدد الضحايا منذ بدء الأحداث فى 15 مارس 2011 إلى أكثر من 30 ألف شخص، إلا أن دور ما يطلق عليهم اسم "الشبيحة" يبقى الأبرز فى واجهة الأحداث نظرا لما يثيرونه من رعب أثناء تنفيذ أعمالهم الإجرامية وهو ما جعل منهم ذاكرة مفعمة بالخوف لكل السوريين. وفى الوقت الذى تكسب الثورة يوميا أرضا جديدة، تكسب تنظيمات الشبيحة أعوانا جدد بإنضمام عناصر من المجرمين لا هم لا هم إلا المال، مع إثبات الولاء للنظام والطائفة العلوية، وذلك رغم عدم الإنتماء لها فى كثير من الأحيان. وإذا كان الشبيحة فى ظل حكم الأسد الأب ينتمون إلى الطائفة العلوية فقط، إلا أن قاعدتهم توسعت عندما توسعت الثورة, حيث استعان النظام من خلال خلية الأزمة التى يرأسها بشار الأسد بمجموعة من الأشخاص أطلق عليهم صفة "العمال" وهم من كل الفئات، وقام بتسليحهم لقمع المظاهرات، وكان يعطى كل واحد منهم مبلغ 10 ألاف ليرة سورية يوميا (حوالى 200 دولار)، ويزداد المبلغ فى حال تنفيذ أعمال القتل المصحوبة بالعنف المفرط. ومن هنا أطلق الشعب السورى صفة "الشبيحة" على هؤلاء، وهى كلمة تعادل "البلطجية" فى مصر، و"البلاطجة" فى اليمن، و"أصحاب القبعات الصفراء أو اللجان الثورية" فى ليبيا. والشبيح النمطي شخص متدني التعليم، ينحدر من بيئة اجتماعية مهمشة وفقيرة وهو ضخم الجثة عموما مفتول العضلات، متين البنيان، حليق الرأس، طويل اللحية، ويرتدي لباسا أسود في الغالب. ولكن مع إتساع نطاق ظاهرة الشبيحة وتعمم التشبيح لم يعد هناك شكل قياسي للشخص الذى يقوم بهذا النوع من الإجرام الذى بات مرتبطا بقمع الثورة بالأساس.. إنه اليوم عضلات مزودة بسلاح ناري أو هراوة كهربائية، كما أصبحت صفة التشبيح تعنى القتل باستخدام أشد الأساليب وحشية وقسوة. ويقول الأديب ممدوح عدوان - الكاتب السوري الوحيد الذي تكلم عن الشبيحة والتشبيح قبل قيام الثورة ضد نظام الأسد فى كتابه (حيونة الإنسان) - "إن التشبيح كلمة ممتلئة بالمعاني، فهي مزيج من الزعرنة والسلبطة والتبلي، وهي مصطلحات سورية تعنى كل ما يقفز فوق القانون علنا ". ورغم تباين المصادر بشأن توقيت ظهور ما بات يعرف بالشبيحة، إلا أن ثمانينيات القرن الماضى شهدت أزهى عصورهم، حيث كانوا عبارة عن مجموعات من شباب العلويين يعملون تحت قيادة مجموعة من المتنفذين من آل الأسد وهم فواز وهارون ومحمد الأسد الملقب بشيخ الجبل وتركزت أنشطتهم فى التهريب والمخدرات والبلطجة. و جاءت تسميتهم نسبة إلى سيارات الشبح السوداء التى كانوا يستخدمونها وغالبا ما تكون بلا أرقام، كما كانوا فوق القانون لأنهم حظوا بدعم حافظ الأسد، ويتخذون من القرداحة -مسقط رأس الأسد - مقرا لهم. على أن هناك من يرى فرقا بين المهرب والشبيح، فالمهرب يغامر ويخاطر وقد يصطدم بالدولة في حين أن الشبيحة يستخدمون سيارة الدولة ويهربون في عز النهار وفي شارع مزدحم يعرقلون المرور فيه. ويتوسل الشبيحة القوة للاستيلاء على موارد مادية أو منافذ مجزية للدخل مثل الموانيء الخاصة، حيث تشير المصادر إلى أن رفعت الأسد كان له ميناء خاص في اللاذقية لم يغلق إلا بعد تفجر الصراع بينه وبين أخيه الرئيس عام 1984، كما حل سرايا الصراع التى نفذت مجازر تدمر 1980 ومجازر حماه 1982. ويتصف الشبيحة بالخشونة والقسوة والتبعية العمياء لرؤسائهم الذين يطلق عليهم لقب "المعلم" أو "الخال"، وهم بذلك أقرب إلى منظمات المافيا، وهم معروفون من قبل أجهزة الحكم المركزية التي تغض النظر عنهم، والأجهزة المحلية التي تتواطأ معهم وتضمن لهم الحصانة بحكم قرابة رؤسائهم لأقوى رأس بالدولة، ولا تتجاسر حتى على الدفاع عن نفسها حين يحدث أى تتضارب فى المصالح.