تحتفل مصر اليوم 19 مارس بذكرى تسلم طابا وتحريرها بعد معركة دبلوماسية وقانونية شارك فيها عدد كبير من رجال مصر من مختلف المجالات لاعادة تلك البقعة الغالية الى ارض الوطن مؤكدين ان مصر لا يمكن ان تتنازل عن حبة رمل من اراضيها. تقع طابا التي لا تتعدى مساحتها كيلومترا مربعا واحدا(حوالي 508.8 فدان) ، على الساحل الغربى لخليج العقبة وعلى مسافة خمسة أميال من رأس الخليج (بحراً) وداخل الحدود المصرية بثلاثة اميال بالقرب من مصادر اّبار المياه العذبة. وتتحكم طابا فى الممرات المتجهة الى وسط سيناء وفى الطريق المتجه الى غزة شمالا ، اى ان طابا ( من الناحية الإستراتيجية) تعتبر مفتاح الدخول الى جنوب إسرائيل عبر سيناء وبالعكس كما أنها فى الوقت نفسه تطل على ميناء إيلات الامر الذى يسمح لمن يوجد فيها بالسيطرة على هذة المنطقة الحيوية والتى تمثل شريان مهما إلى قارة اّسيا وأفريقيا، كذلك فإن المنطقة من خليج العقبة وإلى مسافة 20 كم شمالاً عبارة عن هضبة جبلية يمتد بها وادى طابا الذى يخترقان ممران جبليان يتجهان إلى إيلات ويكون احدهما جزءا من طريق الحج البرى القديم بسيناء . وأكد الخبير الاستراتيجى مستشار مدير إدارة الشئون المعنوية اللواء أركان حرب مسعد الششتاوي أن (طابا / العقبة / رأس النقب ) يعتبر مثلثا إستراتيجيا بفكر العمليات الحربية, حيث ترتكز قاعدة ( طابا / رأس النقب ) على الحرف الشرقى لوادي طابا وتتحكم الرأس المطل على الخليج بالطريق الساحلى ومخرج الممر كما أن هذا المثلث يمكن أن يمتد ليكون مثلثا آخر هو (العقبة / شرم الشيخ / السويس). وذكر أنه بوجه عام فإن أهمية الأرض التى يمتد خلالها خط الحدود الدولية الشرقية حتى رفح شمالا ترتبط بالتوفير النسبى لموارد المياه العذبة وطرق التحركات الرئيسية ( الجنوبى/ الأوسط /الشمالى) كما أن بعضها يصلح للزراعة والتنمية السكانية ولأعمال السياحة على النحو الذي حدث فى منطقة طابا. وأوضح الششتاوي بداية مشكلة طابا فى عدة نقاط .. أولا: بدأت مشكلة طابا الأولى فى مطلع القرن الماضى بين مصر وسلطة الاحتلال البريطانى كطرف أول مع الدولة العثمانية كطرف ثان فى يناير 1906 بأن أرسلت تركيا قوة لاحتلالها مخالفة بذلك ما جاء بفرمان و1841 و 1892 الخاصين بولاية مصر والحدود الدولية الشرقية لها والممتدة من رفح شمالا على ساحل البحر المتوسط إلى رأس خليج العقبة جنوبا شاملة قلاع العقبة وطابا والمويلح . ثانيا: تدخلت بريطانيا سياسيا لمنع تكريس الأمر الواقع على الحدود وذلك حفاظا على مصالحها فى مصر أو لمجرد احتمال تهديد قناة السويس ذلك الشريان الحيوى الذى يصلها بمستعمراتها فى جنوب شرقى آسيا والهند. ثالثا: ازدادت المشكلة تعقيدا فتعددت أزمة طابا وامتدت إلى منطقة رفح في أقصى الشمال حيث قامت الدولة العثمانية أيضاk بقوة من جنودها باحتلال مدينة رفح وإزالة أعمدة الحدود الدولية بها. رابعا: وبفشل الجهود السياسية قامت بريطانيا بتقديم إنذار نهائى إلى الباب العالى فى تركيا أوضحت فيه بأنها ستضطر إلى اللجوء إلى القوة المسلحة ما لم يتم إخلاء طابا ورفح وعودة القوات التركية بهما إلى ما وراء الحدود, الأمر الذي دفع بالسلطة العثمانية بها إلى الرضوخ لهذه المطالب الشرعية, حيث قامت بتعيين لجنة مشتركة مع الجانب المصرى والبريطانى لإعادة ترسيم الحدود إلى ما كانت عليه مع تدقيقها طبقا لمقتضى القواعد الطبوغرافية لتحديد نقاط الحدود الطبيعية بدءا من رفح ثم تتجه اللجان جنوبا بشرق على خط مستقيم تقريبا إلى نقطة حدود على خليج العقبة تبعد ثلاثة أميال من العقبة مما يستدل منه ببساطة عودة منطقة طابا إلى داخل الحدود المصرية بنحو ثلاثة أميال حيث انتهى المهندسون البريطانيون مع مندوب المساحة المصرية واللجنة التركية من رسم الخرائط وتثبيت علامات الحدود من رأس طابا جنوبا مارا على رؤوس جبال طابا الشرقية المطلة على وادي طابا ثم يتجه الخط الفاصل بالاستقامات المحددة وشمالا حتى رفح إلى شاطئ البحر المتوسط مع تحديد هذا الخط الحدودى فلكيا وعلى الخرائط المرفقة بالاتفاقية المبرمة بين كلا من مصر وبريطانياوتركيا بخط أسود متقطع هذا. وأضاف أن عدد الأعمدة المقامة فى ذلك الوقت على الحدود الدولية -وحتى وقتنا هذا- بلغ 91 عمودا للحدود بدءا من العمود رقم واحد عند ميناء رفح على تل الخرايب وآخر عمود وهو رقم 91 على رأس طابا حيث تم بناء هذه الأعمدة الأسمنتية المسلحة في 9 فبراير 1907 وهكذا عادت طابا مصرية في طلع القرن العشرين وكانت الوثائق المتعلقة بمشكلة طابا الأولى بوثائقها التاريخية خير سند قانوني دعم موقف المفاوض المصري في أزمة طابا الثانية فى الثمانينات القرن العشرين الماضي. وتابع اللواء أركان حرب مسعد الششتاوي أنه قدر لطابا أن تكون مرة أخرى بعد حرب أكتوبر 73 فى دائرة الاهتمام لكلا من الدبلوماسية المصرية والإسرائيلية وذلك خلال ترتيبات الانسحاب النهائى من شبه جزيرة سيناء, تنفيذا لاتفاقية السلام حيث بدأت مقدمات المشكلة كالتي .. أولا : عادت مسألة الحدود الآمنة تطرحها إسرائيل بعد حرب أكتوبر 73 إلى أن عقدت معاهدة السلام في مارس 1979 والتى نصت فى مادتها الأولى على أن تنسحب إسرائيل من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب إلا أن إسرائيل (بعد توقيع المعاهدة قررت توسيع الأقاليم التى تحيط بميناء إيلات) وشرعت في إقامة فندق سياحي في وادي طابا دون إبلاغ مصر ومن هنا بدأ خلاف حول الحدود خاصة عند علامة الحدود رقم 91 بمنطقة طابا. ثانيا: وفى أكتوبر عام 1981 وعند تدقيق أعمدة الحدود الشرقية اكتشفت اللجنة المصرية بعض مخالفات إسرائيلية حول 13 علامة حدودية أخرى أرادت إسرائيل أن تدخلها ضمن أراضيها وأعلنت مصر أنها لن تتنازل أو تفرط فى سنتيمتر واحد من أراضيها وأن الحفاظ على وحدة التراب الوطني المصري هدف أساسي وركيزة لكل تحرك. ثالثا: دارت مباحثات على مستوى عالى بين الجانبين استخدمت إسرائيل فيها كل أنواع المراوغات وأعلنت مصر أن أي خلاف حول الحدود يجب أن يحل وفقا للمادة السابعة من معاهدة السلام والتي تنص خلاصتها على أن يتم الحل عن طريق المفاوضات وفى حالة فشلها يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم, ثم أبدت مصر رغبتها في اللجوء إلى مشاركة التحكيم فقامت بتشكيل لجنة فنية تضم مجموعة من الأساتذة والخبراء المتخصصين في القانون الدولي بدراسة الجوانب القانونية للتوفيق والتحكيم. كما شكلت مصر لجنة فنية أخرى للاتفاق على النظام الذي سيسود المناطق المتنازع عليها حيث رأت مصر أنها تفضل اللجوء إلى التحكيم في المقام الأول. رابعا: استمرت المفاوضات لأكثر من أربع سنوات ولصعوبة الوصول إلى حل للنزاع وبتدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية تم الاتفاق فى 11 سبتمبر عام 1986 إلى اللجوء لهيئة تحكيم دولية تعقد فى جنيف بسويسرا حيث يحقق هدفين أساسيين أصر عليهما الجانب المصري ضمن مشاركة التحكيم وهما; أن تلتزم إسرائيل بتحكيم بجدول زمني محدد بدقة وأن تحدد مهمة المحكمة بدقة بحيث تكون مهمتها الوحيدة والمسندة إليها هى تثبيت الموقع الذي تراه صحيحا وترفض الموقع الذي اقترحه الطرف الآخر مع اعتبار الحكم نهائيا يلزم تنفيذه دون تراجع. خامسا: نتيجة الجهود الدبلوماسية والسياسية المكثفة, واستنادا للوثائق القانونية والتاريخية الدامغة التي قدمتها مصر للمحكمة إضافة إلى لزيارات الميدانية لهيئة المحكمة لنقاط النزاع الحدودية على الطبيعة. وحول مرحلة ما قبل الحكم .. أكد اللواء أركان حرب مسعد الششتاوي أنه رسخ للهيئة انطباع حقيقي عن أوضاع نقاط الحدود طبقا للدفع بوجهة النظر المصرية بعوامل قوتها.. ومن وجهة النظر الإسرائيلية بعوامل ضعف حجتها ..أفادت المحكمة فى إصدار الحكم لصالح مصر عام 1988 ثم فى تكييف أسباب هذا الحكم النهائى له وبعد صدور الحكم فى 29 سبتمبر 1988 لصالح مصر أصبحت القضية المثارة تتلخص فى تنفيذ الحكم حيث حاولت إسرائيل التراجع عن التزامها بما جاء بمشاركة التحكيم فيما يخص بموافقتها عند توقيعه بأن الحكم يلزم تنفيذه إلا أنها لم تترك هذه الفرصة دون أن تمر دون محاولة الحصول على أكبر قدر من المزايا والتي تم حسمها أخيرا عن طريق اتفاق روما التنفيذى فى 29 نوفمبر 1988 بحضور الولاياتالمتحدة حيث انتهى بحل المسائل المعلقة والاتفاق على حلها نهائيا من خلال ثلاث اتفاقيات تختص بالنشاط السياحي .. وذلك بتعويض إسرائيل بمبلغ 37 مليون دولار وبأسعار ذلك الوقت تدفعه مصر مقابل تسليمها المنشآت السياحية فى فندق (سونستا طابا) والقرى السياحية وذلك على غرار ما حدث في كل من (دهب ونويبع وشرم الشيخ) من قبل . وأضاف أن الاتفاق الثانى كان يختص بتحديد موعد الانسحاب الإسرائيلى النهائي من طابا وتوصيل خط الحدود إلى شاطئ الخليج (النقطة 91) وتحدد 15 مارس 1989. وأشار إلى أن الاتفاق الثالث كان يتعلق بنظام مرور الإسرائيليين إلى ومن طابا إلى جنوبسيناء فقد اتفقت الأطراف علي السماح للسياح الإسرائيليين بالدخول لطابا وفي حالة دخول السيارات يتعين أن يلصق على السيارة كارت خاص كذلك يسمح بالدخول والخروج من طابا إلى إيلات في زيارات متعددة خلال 14 يوما, وأن يحمل كل سائح جواز السفر الخاص به وأن يقوم بملء بطاقة بيانات تختم بمعرفة السلطات المصرية في طابا وتكون صالحة لمدة 14 يوما. وأوضح أن مصر كانت تأمل في أن يتفهم العالم مغزى الإشارة وأن يدركوا أن استقرار المنطقة وأمنها يضمن الاقتناع بحتمية إعادة الحقوق والأراضي العربية لأصحابها.