بعد صدور الحكم بعدم دستورية قانون العزل، وحل مجلس الشعب، وجب على المصريين أن يعودوا إلى ثكناتهم، وأن يمتثلوا لأقدارهم البائسة، وأن يسلكوا طريق السلامة لا الندامة، وأن يستكينوا إلى حالة اللامبالة، المشهورين بها على مدى عقود، وأن يحجموا عن الاهتمام بالشأن العام، وألا يقفوا في طوابير انتخابية، وألا يضيعوا وقتهم وطاقاتهم فيما لا يطعمهم من جوع أو يسقيهم من عطش أو يشفيهم من مرض أو يغنيهم من فقر، مادام هناك من تطوع وتمرس وأصر ويصر على القيام بالمهمة على أكمل وجه نيابة عنهم بالتسويد والتزوير والفعل السلطوي غير الاخلاقي وغير الديمقراطي الفاضح. من اليوم وطالع، لا عتب على المصريين إذا هم جنحوا إلى السكون والسلبية، وقرروا طواعية عدم المشاركة في العملية السياسية، بالمقاطعة أو بإبطال أصواتهم، أو بكتابة تعليقات احتجاجية للتعبير عن الحسرة والبكاء على أطلال الثورة وشعارها: عيش.. حرية.. عدالة احتماعية.. كرامة إنسانية.. أو كتابة تعبير الثورة مستمرة.. على بطاقات الاقتراع، في أية انتخابات تشريعية أو رئاسية أو حتى نقابية. من حق المصريين أن يصابوا بالإحباط والصدمة وخيبة الأمل، ويفقدوا الثقة في قادم الأيام، من حقهم أن يحتاطوا وينتابهم الرعب، وأن يخططوا من اليوم فصاعدا للإفلات من كل ما يدبر لهم ويحاك ضدهم من مؤامرات ومفاجآت غير سارة بالمرة. ترتيبات مريبة، يجري طبخها على نار هادئة، كانت قد طفحت بها جعبة الطاغية المحكوم عليه بالمؤبد في سجن طرة، قائلا: أنا أو الفوضى, وجرى ويجري الآن تنفيذ المهمة التي أوصى بها على أكمل وجه، وعلى أيدي أتباعه ومريديه وتلاميذه، وقد تصل الفوضى ذروتها في هذا الأسبوع، لتبلغ حد الفتنة أوالحرب الأهلية لا قدر الله. لقد تعلم المصريون الدرس وشربوا المقلب، تارة على يد أقرب الأقربين، شركاء الميدان، من الإخوان المسلمين، الذين تخلوا عن الثورة والثوار في أحلك اللحظات، حدث ذلك خلال المواجهات والمطاردات الأمنية والقمعية والقتل والسحل وهتك الأعراض، وتارة أخرى، تجرع فيها المصريون العلقم على أيدي من ائتمنوهم وأوكلوا إليهم قيادة دفة أمور الحكم خلال المرحلة الانتقالية، لتمضي السفينة بهم وسط أمواج عاتية وفي بحور من التوتر والعنف لا تهدأ ولا أول ولا آخر لها، فضلا عن العديد من الأزمات الأمنية والطائفية والمعيشية والاقتصادية المفتعلة. في زمن لا بديل فيه عن مبدأ المشاركة لا المغالبة، الذي ارتضاه جميع من كانوا في الميدان، وأقسموا على اتباعه، وكان التوفيق من حظهم وحليفهم، ها هم شركاء الميدان، تخلوا عن تعهداتهم وتنكروا لوعودهم مرة تلو الأخرى وفي انتخابات تلو الانتخابات، وآخرها تشكيل الجمعية التأسيسية، وأرادوها مجرد غزوة ومغالبة وفرصة للتكويش والاستفراد بالسلطة، وعندما ضاقت بهم السبل، واحتاجوا إلى المساعدة من الميدان، عادوا إليه صاغرين وكان قد فات الميعاد، وانكشفت أطماعهم وألاعيبهم وخططهم الاستفرادية. تصور الإخوان المسلمون ورفاقهم من تيار الإسلام السياسي أن جمهور الناخبين المصريين سوف يزحفون كالقطيع على بطونهم الخاوية إلى صناديق الاقتراع، وبما لا يخالف شرع الله(!!) استنادا إلى ما عهدوه منهم بدءا من التلويح بورقة الحلال والحرام في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والانقلاب عليها في الإعلان الدستوري، إضافة إلى الانتخابات البرلمانية غير المعبرة عن خريطة القوى الحقيقية، فضلا عن انتخاب الجمعية التأسيسية وإلغائها، وتشكيل واحدة لاحقة غير معبرة هي الأخرى عن تراث مصر المشرف في وضع الدساتير، وانتهاء بنتائج الانتخابات الرئاسية الصادمة وغير المرضية للجميع. من حق المصريين أن يتحسروا على كل ما كانوا يحلمون به من تغيير حقيقي وإقامة الجمهورية الثالثة، دولة 25 يناير المدنية الديمقراطية الحديثة التي ترفع شعار: عيش.. حرية.. كرامة إنسانية.. عدالة اجتماعية.. يقودها رئيس مدني من الثوار لا هو ببيادة عسكرية ولا هو بعباءة دينية ولا هو قطعا من الفلول. واجب على المصريين أن ينسوا الفرحة العارمة التي شعروا بها ليلة الإطاحة برأس النظام، والآمال العريضة التي راودتهم جميعا في الانعتاق من دولة الفساد والاستبداد، وقتها، لم يكن أحد من المصريين يتصور أن يصل بنا الحال إلى الطريق المسدود والوضع المهين والمرتبك والمضطرب والمقبض الذي نحن عليه الآن. نقلا عن جريدة الأهرام