كتبت وطالبت، وكتب غيري وطالب بضرورة تطبيق "قانون الفساد السياسي" على من أفسدوا حياتنا ودفعنا كما دفعت مصرنا الغالية ثمنا باهظا لهذا الفساد، وعندما ذهبت أصواتنا وكتاباتنا أدراج الرياح، استغرقنا في الحديث عن المحاكمات التي قامت على تهم هزلية لا قيمة لها، ولا صلة لها بالفساد الحقيقي الذي تتكشف جوانبه وأبعاده يوما بعد يوم، مثلما ظهر مؤخرا عند الحديث عن الحد الأدنى والحد الاقصى للاجور، وهو الشعار الذي تبناه الدكتور كمال الجنزوري ووعد بتطبيقه مما جعلنا نقول لأنفسنا: هذه اذن خطوة على طريق "العدالة الاجتماعية" التي نادت بها ثورتنا النبيلة. وقد رحبت وسائل الاعلام بما وعد به رئيس الوزراء، وكثر الحديث في البيوت والمؤسسات والمنتديات حول التفاوت الهائل في الاجور بين فئات الشعب، وبالرغم من أنني - كإعلامي وسياسي - لدي بعض المعلومات عن حجم "الاجور" أو "الدخول" التي يتقاضاها السادة الكبار، إلا انني اعترف بأنني فوجئت بما جاء على لسان خبير اقتصادي قدير في حوار اجرته معه المذيعة المتألقة "جيهان منصور" حيث كشفت حقائق صادمة ومستفزة الى اقصى حد فقد قال الدكتور "صلاح جودة" رئيس مركز الدراسات الاقتصادية ان الحديث عن "الأجور" فقط فيه مغالطة واضحة لأن ما يتقاضاه البعض يتجاوز بكثير جدا حدود المرتبات المعلنة، وبالتالي فإن المشكلة تكمن في "الدخل" الذي يصل الى جيب السيد المسئول، ومن الامثلة المذهلة لذلك ما يتقاضاه رؤساء ونواب رؤساء البنوك الحكومية ورؤساء شركات البترول ومثيلاتها من الشركات والمؤسسات اذ يصل الدخل الى "8.2 مليون جنيه" في الشهر "نعم يا حضرات هذا المبلغ الفلكي هو ما يتقاضاه هذا المسئول وأمثاله في الشهر وليس في العام كما قد يتبادر الى الذهن" وتقول الارقام الرهيبة ان "001" قيادة مصرفية يتقاضون سنويا "056" مليون جنيه، وتقول الارقام الرهيبة ايضا انه لو تم تطبيق قرار الحد الاقصى بالحكومة والشركات اياها سوف يتم توفير "29 مليار جنيه" حسبما ذكر وزير المالية ممتاز السعيد "والرقم قابل للزيادة!!" وقد يقول قائل انه اذا تم تخفيض هذه الدخول الفلكية سيهدد اصحابها بأنهم سيتركون مواقعهم، وبدلا من ان يزعجنا ذلك، لنا ان نقول لهم بالفم المليان: "مع السلامة.. وألف سلامة" لأن ابتعادكم سيتيح الفرص لكفاءات كثيرة تم تجميدها علشان خاطر عيون حضراتكم واستمراركم في مناصبكم، ولدينا بالفعل كفاءات تعوض المئات والآلاف من الحيتان الذين يرفضون تقليص دخولهم الى 50 ألفا أو 03 ألف جنيه شهريا وهو ما مثل 53 ضعفا للحد الادنى الذي ذكره الدكتور الجنزوري والذي لا يتعدى 700 جنيه فقط. وهو رقم هزيل للغاية ولا بديل عن رفعه الى 1200 جنيه كما أشار النواب والمتخصصون. والسؤال الآن: هل يمكن مواجهة "الحد الأقصى" الذي قد يتحدى الحكومة ومجلس الشعب خاصة اذا كان هناك مسئولون كبار في وزارات سيادية وغير سيادية يتقاضون تلك الدخول الفلكية؟!.. ومن يا ترى يقبل التحدي؟ أهو المجلس الأعلى؟ أم مجلس الشعب؟ أم مجلس الوزراء؟! الاجابة ينتظرها الشعب الذي ضحى أبناؤه بحياتهم في الثورة التي لن تتنازل عن مطلب "العدالة الاجتماعية"! نقلا عن جريدة الأخبار