يتحدث البعض من المحللين واصفا الذين يتحدثون عن قطع المعونة الامريكية بأنهم يصطنعون "بطولات زائفة" دون الحديث في الموضوع عن جدوى هذه المعونة وعلاقتها بقضية السلام واتفاقيات كامب ديفيد.. واستخدامها كورقة ضغط سياسية بين الحين والاخر من جانب الادارة الامريكية وانصارها ومتحدثيها الرسميين سواء في البرلمان الامريكي "النواب والشيوخ" أو في داخل الحكومة الامريكية نفسها. بينما يذهب فريق آخر وهم المتحدثون باسم حزب الحرية والعدالة "الاخوان المسلمون سابقا" وفي مقدمتهم د. عصام العريان.. ود. جمال حشمت وآخرون الى التهديد بإعادة النظر في "كامب ديفيد" في حالة قيام الادارة الامريكية بقطع المعونة الامريكية، كما أنهم يرون في المعونة الامريكية انها تعويض عن الخسائر العسكرية في حرب أكتوبر!!. ولا شك ان قضية المعونة الأمريكية لمصر هي موضوع قديم يتفجر بين وقت وآخر وبصفة خاصة وقت الازمات.. وحال حدوث ازمة مؤخرا، آراها عابرة، ومختلفة، ولها أهداف لدى المجلس العسكري كما لها لدى الادارة الامريكية ربما في الغالب غرضها الاساسي هو محاولة ترويض الثورة وتسكين الثوار.. عن طريق آلية استحضار الوطنية ضد الاجنبي الامريكي الذي يسعى للتدخل في كل شيء.. فيخرج المجلس العسكري وجماعته التابعة له ممثلة في الاخوان المسلمون لكي يتعنترن علينا وعلى الشعب وقد تظاهروا ان هناك ازمة في العلاقات على خلفية موضوع التمويل السياسي وتتطابق المواقف لكي يعلن الاخوان على لسانهم ما يريد العسكر ان يعلنوه!. ولمن لا يعرف ان المعونة الامريكية يتم منحها لكل من مصر وإسرائيل على خلفية اتفاقيات كامب ديفيد عام 8791 والاتفاقية المصرية الاسرائيلية عام 9791 حيث كان يعطى لمصر لسنوات طويلة نحو 5.2 مليار "مقسمة بين 3.1 مليار معونة عسكرية و2.1 مليار معونة اقتصادية" بينما كان يعطى لاسرائيل ضعف هذه المعونة!!. وفي عهد كلينتون "الفترة الثانية" بدأ النقاش داخل أروقة الحكومة الامريكية بضرورة اعادة النظر في المعونات الخارجية وضرورة خفضها في اطار التقشف الامريكي بعد زوال الدولة العظمى المنافسة "القطب السوفيتي" وكان من بين الدول التي تطلب الامر الخفض التدريجي جاءت مصر في المقدمة. حيث تراجعت المنحة الى النصف تقريبا حاليا فوصلت المعونة العسكرية 1.1 مليار دولار بينما المعونة الاقتصادية تنخفض تدريجيا بواقع 50 مليون دولار سنويا حتى وصلت نحو 052 مليون دولار حاليا، ويشترط ان تكون سلفا سواء اقتصادية أم عسكرية وتسترد الولاياتالمتحدة ومؤسساتها نحو 07-08٪ من اجمالي هذه المعونات مرة أخرى من خلال السلع والموظفين. واصبح تسليح الجيش المصري معروفا تماما من خلال المعدات الواردة من الولاياتالمتحدة وبرامج التدريب، ولنتذكر حادثة الاسقاط العمدي للطائرة المصرية منذ عدة سنوات وكان على متنها نحو 50 من طياري مصر المقاتلين بعد انتهائهم من التدريبات العسكرية هناك وتم غلق الملف بتعليمات الرئيس المخلوع مبارك.. لكي ترضى عنه الادارة الامريكية في تمرير مسألة "التوريث".. ومن ثم فإن المعونة الامريكية لم تعد تشكل حجر عثرة امام الاقتصاد المصري ولا تمثل نحو 1٪ من حجم الميزانية العامة أو حجم الناتج المحلي الاجمالي لمصر.. ومن ثم لم يعد هناك من داع لاستمرار هذه المعونة، التي تصحبها الاهانات الامريكية والتهديدات المستمرة. بين آن وآخر، الامر الذي يضع القيود على عملية صنع القرار السياسي المصري باستمرار. ومن ثم فإن المزايدين الحقيقيين هم الذين يرون في استمرار هذه المعونة الامريكية فائدة للاقتصاد المصري وللجيش المصري، وان توقفها ربما يؤدي الى اضرار اقتصادية وعسكرية ضخمة يصعب تداركها. وقد تفجرت مسألة المعونة على خلفية تفجير الحكومة المصرية لقضية التمويل السياسي الخارجي لعدد من المنظمات الرسمية وغير الرسمية ومن بينها مؤسسات امريكية لها فروع رسمية في مصر تعمل منذ فترة ولها مكاتب معلومة وتركت تعمل دون ترخيص لبعضها بالصمت عليها والتواطؤ من الحكومة المصرية. وكذلك مؤسسات اوروبية حيث استنهضت الحكومة الداخلية والمخابرات والنيابة وقضاة تحقيق بالاجهاز على هذه المنظمات لضبطها متلبسة على حسب تقديرها!. ومن جانبي فموقفي السياسي واضح منذ زمن بعيد، حيث اقف موقف المعارض للتمويل الخارجي، وطالبت مرارا وتكرارا بضرورة عمل "صندوق قومي" لتمويل نشاطات المجتمع المدني بتمويل داخلي يخضم من الضرائب وكانت حجة الذين يتلقون التمويل الخارجي ضعف فرص التمويل الداخلي، وكذلك تلقي الحكومة رسميا معونات ..ومنح لنشاطاتها المختلفة. فمركز معلومات مجلس الوزراء نفسه محول من الخارج، وميزانيته محدودة من الدولة، والمجلس القومي لحقوق الانسان الذي يضم ايضا الى جانب تمويله الخارجي ممثلين عن منظمات حقوقية تتلقى دعما من الخارج وتم تجديد عضويتهم بعد الثورة.. والمجلس القومي للمرأة برئاسة سوزان مبارك سابقا وللان يتلقى المنح الاجنبية.. والمجلس القومي للطفولة، ومكتبة الاسكندرية، وبعض المحافظات المندمجة في الاورمتوسطية وكان يمثلها محافظ القليوبية السابق ولا يزال كانت تتلقى المنح الاجنبية. كما ان اغلب مجالات الصرف تضيع في المكافأت للكبار وهي أبواب واسعة للفساد المؤسسي!! فضلا عن ذلك فإن المعونة العسكرية سمحت بانشاء شركات توريد اسلحة استفاد منها "مبارك واسرته وحسين سالم ومنير ثابت" حسبما نشر ولم يتم التعقيب عليه!!. والسؤال ماذا نفعل مع هذه الحجج وهذا الواقع، وهذا التطبيق الازدواجي من الحكومة المصرية، حيث غلت يدها عن المنظمات الدينية التي تلقت المعونات والمنح من دول الخليج لاهداف سياسية، دون محاسبة حتى الان ألا يخلق الشكوك فيما وراء الاسباب الظاهرة لفتح ملف التمويل السياسي الخارجي. فاذا فتح الملف، يجب ان يفتح على الجميع وبشفافية وتحت رقابة الشعب والرأي العام دون مواربة ودون خوف من احد، فقد انكشف المستور في انتخابات مجلس الشورى لمن يزعم انه صاحب تحريك الشارع.. وثبت انه لم يستطع تعبئة الجماهير لصناديق انتخابات الشورى والتي لم تتجاوز نسبة المشاركين 5٪!! وعندما تقوم ثورة 25 يناير 2011 تنشد الحرية والديمقراطية والاستقلال والكرامة والعدالة وكل القيم الثورية التي تستنهض هذا الشعب وقواه وموارده الحقيقية في الطريق لوضع مصر في المكانة اللائقة عربيا ودوليا. ولتصبح الدولة النموذج على جميع الاصعدة، فإن من بيدهم الامر عليهم واجب وطني، برفض المعونة الامريكية فورا، وعلى الحكومة تدبير الموارد البديلة من أموال الشعب المنهوبة استجابة للشعب الذي ينشد الكرامة الانسانية فهذه الكرامة ليست في مواجهة الحكومة.. بل مواجهة الشعوب والدول الاخرى. ولعل الذين يربطون دائما بين استمرار السلام واتفاقيات كامب ديفيد واستمرار المعونة بل التهديد بأن أمريكا ستدفع الثمن اذا اوقفتها فهذا تفكير انتهازي مصر وشعبها براء منه.. فالشعب يريد اسقاط المعونة الامريكية وإعادة النظر في كامب ديفيد باتفاقيات حدود جديدة ولازال الحوار مستمرا ومتصلا. نقلا عن جريدة الأخبار