تهدف إثيوبيا من وراء بناء سلسلة السدود على النيل الأزرق وعطبرة وأومو وغيرها من الأنهار الثمانية التي تجري في أراضيها إلى التحول إلى أكبر دولة مصدرة للطاقة النظيفة في إفريقيا. يدعم هذا التحول القرار الذي أتخذه الاتحاد الأوروبي بقصر استيراد الطاقة الكهربية على الطاقات النظيفة فقط وهي تلك المستخرجة من مساقط وسدود المياه والرياح والشمس وجوف الأرض بالإضافة إلى الوقود الحيوي كوقود سائل، وذلك بدءا من عام 2020 والتحول إلى الطاقة النظيفة كليا قبل عام 2050 بما يعني ضمنيا حظر استيراد أو توليد الكهرباء من المحطات التقليدية التي تستخدم المواد البترولية في تشغيلها. فالأمر لن يقتصر على تصدير إثيوبيا للكهرباء النظيفة إلى 35 دولة إفريقية بما فيها مصر والسودان!!!) بل سيمتد إلى تلبية طلب دول الاتحاد الأوروبي باستيراد الكهرباء النظيفة من دول شمال وشرق أفريقيا ولهذا تتم الهرولة في إنشاء السدود هناك، ولكن هذا الأمر سيصطدم بحتمية مرور خطوط نقل الكهرباء عبر أراضي السودان ثم مصر بالإضافة إلى مدى نجاحها في بيع وتسويق الكهرباء المولدة مقدما حيث إن الكهرباء لا تخزن في حال عدم تسويقها وبالتالي يصبح توليدها غير ذات جدوى وتتسبب في خسائر أكيدة. وإذا كانت إثيوبيا قد ربطت تنميتها بالمياه فقط خاصة في توليد الكهرباء وزراعات الوقود الحيوي وتصديرهما لتحقق مكانة عالمية كدولة متقدمة ضمن الدول متوسطة الدخول بدلا من وضعها الحالي في قائمة أفقر33 دولة في العالم، إلا أن مصر وبعد إنشائها لسد ناصر اكتفت بما تولده منه من كهرباء ولم تفكر في زيادة رصيدها منه واتجهت كليا إلى إنشاء محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالمواد البترولية. فمصر تتربع على قمة دول المناطق الخمس الأكثر سطوعا للشمس في العالم، وبالتالي فإن كفاءتها في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية تعد هي الأعلى إفريقيا وعالميا خاصة في الجزء الأوسط والجنوبي من كلتا الصحراء الغربيةوالشرقية وبما يظهر في التصميمات المقدمة سواء من الشركات الألمانية أو الفرنسية التي تسعى إلى الاتفاق مع مصر للدخول كشريك معها في هذه التقنية. كما عرضت هذه الشركات وبحضورنا على وزيري الاستثمار والكهرباء في العام الماضي احتياجات مصر من الطاقة الكهربية والتي لن تستطيع محطات توليدها بالرياح سوى الوفاء بعشرة في المائة فقط من هذه الاحتياجات. ومع قرب نفاد المخزون المصري من الغاز الطبيعي والمواد البترولية قبل عام 2050 فلن يستطيع أن يمد مصر باحتياجاتها من الطاقة الكهربية في ذلك الوقت سوى محطات الطاقة الشمسية المؤهلة لها تماما ليس فقط لسد الاحتياجات المستقبلية المصرية بل وللتصدير إلى أوروبا وجميع دول القارة الإفريقية من هذه الطاقة النظيفة والمتجددة. هذا الأمر والذي يمكن أن يتم بتمويل من جميع البنوك الأوروبية الضامنة للربحية الأكيدة من هذه التقنية لن يدفع بمصر فقط إلى مطاف الدول المتقدمة والمصدرة للطاقة وما سيسببه أيضا من انتعاشة حضارية وتكنولوجية في التوسع الصناعي، ولكن أيضا لصرف تعويضات كبيرة من المنظمات الدولية على خفض الانبعاثات الكربونية في مصر نتيجة للحد من استخدام المواد البترولية، الأهم في هذا الأمر والذي يجب أن تنظر له بجدية بالغة أنه سيجعل السدود الاثيوبية المقامة لتصدير الكهرباء ليست ذات جدوى لأننا سنكون سابقين في تصدير الكهرباء إلى الدول الأوروبية والتي يربطنا معهم الشبكة الكهربية الموحدة ولا ترتبط إثيوبيا بهذه الشبكة بالإضافة إلى بعض الدول العربية المجاورة خاصة سوريا ودول الخليج بعد نفاد البترول وجميع دول شمال إفريقيا وأيضا إلى السودان ودول المنابع الإستوائية الست بما في ذلك من فوائد ربط اقتصاديات ومصالح هذه الدول بمصر. هذا الأمر يمكن أن يدفع إثيوبيا إلى توليد الكهرباء من سدودها على النيل الأزرق وعطبرة وروافدهما عبر السدود الصغيرة فقط بما يكفي احتياجاتها الداخلية من الكهرباء دون وجود سوق خارجية لتصدير منتج يجب استهلاكه لحظيا ولا يخزن. محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في صحرائنا الغربية التي تمثل 68.2% من مساحة مصر أو الصحراء الشرقية التي تمثل 23.3% من مساحة مصر وكلتاهما غير مأهولتين، يمكن أن يسهم ذلك في إعادة توزيع السكان على مساحات أكبر من مصر بما سينشأ من مصانع لتصنيع العدسات ومحطات التوليد وشبكات النقل والتصدير بالإضافة إلى تحلية مياه البحر أو الآبار المالحة كمنتج ثانوي مجاني لتكون مصدرا جديدا للمياه العذبة اللازمة للمعيشة والزراعة للغذاء وللوقود الحيوي كمصدر للوقود السائل من مساحة 2 مليون فدان. أمل مصر الأكبر الآن هو أن نسبق الغير في توليد الكهرباء من الصحاري المصرية والتعاقد على تصديرها مع دول الاتحاد الأوروبي والدول الإفريقية والتي بدأ بعضها يتعاطف مع حقوق البعض في مياه النيل في غفلة تامة من الإعلام المصري للرد على هذه المهاترات، وتوضيح الحقوق المصرية عبر ربط مصالح هذه الدول معنا، وبالتالي خلق تعاطفا لن يوجد إلا بربط المصالح الاقتصادية عبر الطاقة الكهربية النظيفة!!! نقلا عن جريدة الأهرام