«البيئة» تعلن استكمال فعاليات المرحلة الثانية من مسابقة «صحتنا من صحة كوكبنا»    الأسهم الأوروبية تختتم أسبوعاً سلبياً رغم صعودها في تعاملات الجمعة    مدير المشروعات بمبادرة «ابدأ»: يجب تغيير الصورة الذهنية عن التعليم الفني بمصر    فورين بوليسي: إسرائيل فشلت في استعادة الردع وهزيمة حماس بعيدة المنال    مقتل 11 شخصا على الأقل وإصابة 26 آخرين في قصف مخيمات لاجئين في الكونغو    عاجل.. يهود يحرقون العلم الإسرائيلي ويهددون بالتصعيد ضد نتنياهو لهذا السبب.. ماذا يحدث في تل أبيب    ردا على بيان الاهلي.. الكومي يكشف تفاصيل ما سوف يحدث في أزمة الشيبي والشحات    سبب رفض الكثير من المدربين فكرة تدريب البايرن    مكتبة مصر الجديدة للطفل تحتفل بأعياد الربيع غدا السبت    ابنة نجيب محفوظ: الاحتفاء بوالدي بعد سنوات من وفاته أفضل رد على منتقديه    سوسن بدر: لو في عمل معجبنيش بتعلم منه، وسعيدة بتكريمي بمهرجان بردية    الاتحاد يحبط ريمونتادا بلدية المحلة ويفوز عليه في الدوري    ريال مدريد يتحرك لضم موهبة جديدة من أمريكا الجنوبية    محافظ أسوان يتابع جهود السيطرة على حريق اندلع في بعض أشجار النخيل بقرية الصعايدة بإدفو    العناية الإلهية تنقذ شابا انقلبت سيارته في ترعة يالغربية (صور)    البنك المركزي المصري يصدر قواعدا جديدة لتملك رؤوس أموال البنوك وعمليات الإندماج والاستحواذ    برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى ريال بيتيس    «المركزي للتعمير» ينفذ محور الخارجة/ سوهاج بطول 142 كم    فيلم السرب.. أحمد السقا يوجه الشكر لسائق دبابة أنقذه من الموت: كان زماني بلوبيف    تخصيص 8 مكاتب لتلقي شكاوى المواطنين بالمنشآت الصحية في الوادي الجديد    الروس والأمريكان في قاعدة عسكرية واحدة .. النيجر على صفيح ساخن    بالإنفوجراف.. 8 تكليفات رئاسية ترسم خريطة مستقبل العمل في مصر    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    تشيع جثمان عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف    أمين القبائل العربية: تأسيس الاتحاد جاء في توقيت مناسب    طليعة المهن    إعفاء 25% لطلاب دراسات عليا عين شمس ذوي الهمم من المصروفات الدراسية    آصف ملحم: الهجمات السيبرانية الروسية تجاه ألمانيا مستمرة .. فيديو    باتمان يظهر في معرض أبو ظبي للكتاب .. شاهد    دعاء يوم الجمعة عند الغروب.. استغل اليوم من أوله لآخره في الطاعات    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    علاء نبيل: لا صحة لإقامة دورات الرخصة C وهذا موعد الرخصة A    حسن بخيت يكتب عن : يا رواد مواقع التواصل الإجتماعي .. كفوا عن مهاجمة العلماء ولا تكونوا كالذباب .. " أليس منكم رجل رشيد "    مُنع من الكلام.. أحمد رزق يجري عملية جراحية في "الفك"    موعد بدء امتحانات الصف الخامس الابتدائي آخر العام 2024 محافظة القليوبية    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    حبس 9 أشخاص على ذمة التحقيقات في مشاجرة بالمولوتوف بين عائلتين ب قنا    الصحة: تكثيف الرقابة على أماكن تصنيع وعرض وبيع الأسماك المملحة والمدخنة    انتظروا الشخصية دي قريبًا.. محمد لطفي يشارك صورة من كواليس أحد أعماله    محافظ الغربية يهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    بقير: أجانب أبها دون المستوى.. والمشاكل الإدارية عصفت بنا    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصاد الريح والشمس الذى لا تعرفه مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 07 - 2010

لطيف صيفا، معتدل شتاء ليست مجرد جملة مدرسية للتغزل الأجوف فى طقس مصر وموقعها الجغرافى بين الدول، بل هو إشارة إلى الطاقة الكامنة فى شمس مصر ورياحها.
تتكرر أزمات البنزين، وانقطاعات الكهرباء عن مدن وقرى مصر، ولا يلتفت المسئولون إلى كنز مصر من النور والهواء، رغم أن 1% من مساحة مصر يمكنها أن تنتج كهرباء تكفى العالم كله.
الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وغيرها من أنواع الطاقات الجديدة والمتجددة، هى هبات تنعم بها الطبيعة على من تشاء، وشاءت الأقدار أن يكون لمصر نصيب الأسد فيها. غير أن مصر تدير وجهها بعيدا عن طاقات السماء، وتنظر تحت سطح الأرض والبحر لتنقب عن طاقة البترول، رغم التحذيرات الاقتصادية والبيئية.
الخبر كان منشورا فى يونيو الماضى.
مجلس الشعب وافق على عدد من اتفاقيات البترول مع شركة «بريتيش بتروليم» البريطانية، الذى يتضمن حق الشركة فى التنقيب عن البترول تحت سطح البحر، «فى نفس الأسبوع الذى منعت فيه أمريكا التنقيب عن البترول تحت سطح البحر لدراسة مخاطره بعد كارثة خليج المكسيك».
التعليق يأتى من عمرو حمودة، خبير الطاقة بمركز الفسطاط للدراسات، وهو يطالع عدة قصاصات من الصفحات على مكتبه. «أزعم أن لوبى البترول فى العالم يقاوم بشكل غير مباشر تقدم مشاريع الطاقة النظيفة».
يكمل عمرو قراءة الخبر الذى يشير إلى موافقة المجلس على إعفاءات ضريبية على معامل تكرير البترول فى مصر، رغم أن بناءها يواجه معارضات قوية ومفاوضات مطولة بين الجماعات البيئية وشركات البترول فى الولايات المتحدة وأوروبا. عام 2008، على سبيل المثال، شهد بناء أول معمل تكرير بترول فى الولايات المتحدة بعد أكثر من 30 عاما من توقف بنائها فى البلاد نهائيا.
فى ظل أزمة السولار المتكررة كل عام، وأزمات بنزين 80 و90 الموسمية، يقول عمرو: إن الاعتماد الكبير على الوقود الأحفورى فى مصر، وهو كل الوقود المستخرج من باطن الأرض، وإهمال مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة كالرياح والشمس هو دليل على ثقافة «الاستسهال عند الحكومة المصرية»، التى تفضل استخراج البترول والغاز الطبيعى وبيعه خاما، أو استهلاكه كمصدر للطاقة دون تصنيع.
الطاقة المتجددة هى ببساطة الطاقة التى لا تنفد، مثل أشعة الشمس، والرياح، و«البيوماس» أو الغاز الناتج عن عمليات تحلل بقايا الأغذية والمواد العضوية.
رغم أن هذه المصادر لا تنضب، وليس لها مخزون استراتيجى، فإن هناك تفاضلا بين الدول فى نصيبها الطبيعى من الطاقة، فنصيب الدول الأفريقية من الشمس الساطعة أكبر بطبيعية الحال من نصيب أوروبا الباردة. كما أن سرعات الرياح ومدى استقرارها يختلف من منطقة لأخرى.
يؤكد عمرو أن مصر ذات الأراضى الصحراوية الشاسعة والساحلين الكبيرين مؤهلة لأن تصبح رائدة فى مجال الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.
أطلس النور
«مصر فيها واحدة من أكبر الإمكانات الكامنة فى الطاقات الجديدة والمتجددة»، والحديث لأحمد زهران، مدير مشروع كوبونات الكربون فى شركة تراى أوشن للطاقة، «باختصار، أى شركة مهتمة بمجال الطاقة النظيفة فى العالم بتبص على مصر».
نشاط شركة تراى أوشن فى الأساس هو استخراج البترول والغاز، وإن كانت قد بدأت هذا العام تنفيذ خطتها لبدء مشروعات للطاقة الجديدة والمتجددة، مع تركيز خاص على الطاقة الشمسية.
يقول زهران: إن البلدان العربية من ناحية الطاقة يتم تقسيمها تقليديا إلى بلاد النفط الغنية، والبلاد الأخرى ذات النصيب الأقل من الوقود الأحفورى. «لكن هذا التقسيم على وشك التغيير».
يشرح أحمد وجهة نظره، قائلا: «مع ازدياد تكلفة استخراج البترول والغاز الطبيعى، فإن الدول الواقعة فى الحزام الشمسى لن تكون أقل ثراء فى الطاقة من دول النفط، فالمستقبل للطاقة الشمسية».
يعدد أحمد الأسباب الطبيعية التى تؤهل مصر أن تعتمد بشكل كبير على الطاقات النظيفة. «شركات الطاقة الشمسية فى أوروبا تعتمد على عدد محدد من الأيام المشمسة كل سنة، أما فى مصر، فالسنة كلها مشمسة».
يشير أحمد إلى دراسة بعنوان «المربع الأحمر» التى أصدرتها «مؤسسة ديزيرت تيك» Desertec، وهى المؤسسة المهتمة بدراسة إمكانية تطوير واستغلال الطاقة الشمسية فى شمال أفريقيا وإمكانات تصديرها لأوروبا.
«الكتاب الأحمر» يشير إلى أن الصحراء الغربية تستقبل 2400 ساعة من الشمس سنويا، مقارنة بألف ساعة فقط فى أوروبا. وتؤكد الدراسة أن إنشاء خلايا ضوئية للطاقة الشمسية بالتكنولوجيا الموجودة حاليا على مساحة 90 ألف كم مربع فى الصحراء الغربية المصرية يكفى لإنتاج 18 ألف تيرا وات من الكهرباء سنويا، وهو ما يفوق حجم الطاقة التى يستهلكها العالم كله، «أى أن 1% من مساحة مصر كافية لإنارة العالم»، يقول أحمد، بحماس.
تعتمد الطاقة الشمسية على تكنولوجيات متعددة، منها الخلايا الضوئية التى تحيل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية، والمحركات الشمسية التى تستخدم حرارة الشمس فى تسخين الماء من أجل تشغيل المحركات.
أما الخلايا الضوئية فتحتاج إلى درجة حرارة معتدلة «ومناسبة جدا للوجه البحرى، مثل الإسكندرية ومرسى مطروح»، أما المحركات الشمسية فمناسبة أكثر للصحارى الشاسعة على يمين ويسار النيل، «كما أن نقاء الهواء فى الصحارى المصرية وقلة الرطوبة يزيد من كفاءة استغلال الطاقة الشمسية».
وخرائط الهواء
«مصر بالفعل تمتلك بعض أفضل أماكن توليد طاقة الرياح فى العالم»، والحديث لحسن رفعت، مدير عام التشغيل فى الفرع المصرى لشركة جاميسا الإسبانية، التى تعمل فى تصميم وتركيب توربينات توليد الكهرباء بطاقة الرياح.
تعتمد فكرة توليد طاقة الرياح على «مروحة» ضخمة تحركها الرياح لتتولى التوربينات تحويل الطاقة الحركية إلى كهرباء، ويوضح حسن أن بناء مثل هذه التوربينات يكون اقتصاديا فى المناطق التى تزيد فيها معدل سرعة الرياح على 9 أمتار فى الثانية.
عام 2003 أعدت الحكومة المصرية بالتعاون الدنمارك، أطلس الرياح المصرى، الذى كان من المتوقع أن يثبت الإمكانية الاقتصادية لبناء محطات طاقة رياح على سواحل البحر الأحمر.
«الأطلس أثبت بالفعل أن مناطق جبل الزيت والزعفرانة على ساحل البحر الأحمر تتمتع بسرعات رياح تتجاوز 10 أمتار فى الثانية»، يقولها حسن، مستكملا: «لكن المفاجأة كانت وجود مناطق أخرى صالحة لبناء توربينات الطاقة فى المنيا والواحات الخارجة وبعض محافظات الصعيد».
«ويؤكد حسن أن متوسط سرعة الرياح، أى تغيرها على مدى السنة، مناسب جدا. فالرياح مستقرة أغلب أوقات العام، مما يساعد فى تطويل عمر توربينات الرياح، بعكس أماكن أخرى فى أوروبا بها تفاوت كبير فى سرعات الرياح مما يؤدى لهلك التوربينات سريعا.
يضيف حسن أن أحد معوقات انتشار طاقة الرياح فى أوروبا أثناء بداياتها، كان شكل التوربينات الذى يعتبره البعض مشوها للطبيعة، خاصة إن كان مكانها أمام السواحل، مما كان يهدد بتقليل القيمة العقارية للمنتجعات السياحية والبيوت نتيجة لتشويه المنظر الجمالى. «أما مصر فتتمتع بأراضٍ صحراوية شاسعة، وبناء توربينات الرياح لن يضايق أحدا».
يشير حسن إلى نموذج مصغر لتوربينة الهواء ذات الريشات الثلاث، موضوع على مكتبه، قائلا: إن مصر منطقة مهمة لهجرة الطيور، وإن هذه التوربينات إن أقيمت فى المكان الخطأ كفيلة أن تقتل أسراب الطيور المهاجرة من أفريقيا لآسيا، «لكن هناك دراسات بيئية مختلفة قد حددت بدقة الأماكن التى يمكن إقامة هذه التوربينات فيها والارتفاع الأقصى لها بما لا يدمر النظام الطبيعى».
كل شىء مهيأ لأن تكون مصر هى الدولة الأولى عالميا فى مجال الطاقة النظيفة، من الهواء والشمس.
دعم البترول المرتفع
«لكن أسعار الطاقة النظيفة أغلى كثيرا جدا من مثيلتها التقليدية»، طبقا لحافظ السلماوى، المدير التنفيذى لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء، مفسرا أهم أسباب الاعتماد بشكل ضخم على الوقود الأحفورى فى مصر.
يقارن حافظ بين سعر الغاز الطبيعى وبين مصادر الطاقة النظيفة. سعر الغاز الطبيعى طبقا لتقدير وزارة المالية يعتمد على حساب تكلفة الإمداد ونصيب مصر من الغاز المستخرج من خلال الشريك الأجنبى، وبذلك يصل ثمنه إلى 3 دولارات للمليون وحدة بريطانية. «سعر توليد ذات الكم من الطاقة يصل إلى الضغف بطاقة الرياح. وأكثر من مرتين للطاقة الشمسية»، وهو ما يفسر عدم حماسة المستثمرين فى الإقبال على هذا النوع من الطاقة، مفضلين الاعتماد على الطاقة التقليدية.
أسعار الطاقة النظيفة يحددها عاملان، والحديث ما زال لسلماوى، الأول هو التطور التكنولوجى الذى يحسن كفاءة أجهزة توليد الطاقة النظيفة ويخفض من سعرها، «وهو عنصر ليس لمصر فيه دور كبير، فنحن مستوردون للتكنولوجيا أكثر من كوننا مصنعين لها».
أما العنصر الثانى، فهو البيئة الاقتصادية المواتية لاتساع سوق الطاقة النظيفة فى مصر، «وهو أيضا ليس بمتوافر حتى الآن»، طبقا لسلماوى.
يربط خبير الكهرباء بين بطء تبنى الطاقة الجديدة فى مصر وعيوب منظومة الطاقة عموما، وأول هذه العيوب هو عدم وصول الدعم لمستحقيه، «فرغم أنها عبارة تقليدية، وجملة تتكرر فى المناسبات، إلا أنها حقيقية بدرجة مزعجة».
يضيف سلماوى أن الصناعة المصرية تعتمد على مصانع تعمل فى صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل الأسمنت والأسمدة والحديد والألومنيوم والنحاس. هذه الصناعات تحصل على طاقة مدعمة، رغم أن أسعار منتجاتها تنافسية لا تعتمد فى تحديدها على أسعار الطاقة أو غيرها من المدخلات، «يعنى سعر الأسمنت أو السماد لو بألف جنيه، فهدا معناه أن هذا هو أعلى سعر ممكن تتحمله السوق، وليس معناه أن هذا السعر قد تحدد بناء على سعر الطاقة المنخفض أو المرتفع».
إضافة إلى أن منتجات هذه المصانع تصدر إلى الخارج، «فكيف أدعم سلعة للتصدير وليست للاستهلاك المحلى». كانت وزارة الكهرباء قد أعدت خطة لرفع أسعار الكهرباء للصناعات كثيفة الطاقة بنسبة 7.5% عام 2007، ثم تراجعت عن تطبيقها بعد الأزمة الاقتصادية العالمية. وحين صدر قرار رفع أسعار الطاقة الأخير من لجنة مراقبة أسعار الطاقة للصناعة يوليو الماضى، اكتفى بمحاسبة الصناعات كثيفة الطاقة يتعريفة مزدوجة، بزيادة 50% وقت الذروة.
وهذا التساهل فى دعم المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة التى لا تستحق الدعم أصلا لا يشجع المصانع على تبنى الطاقة النظيفة.
كانت وزارة الكهرباء قد أعلنت عن خطة بأن يكون نصيب الطاقة الجديدة فى مزيج الطاقة المصرى 3% بحلول عام 2010، ولم تستطع الحكومة أن تحقق الهدف، حيث تشكل الطاقة النظيفة حتى الآن أقل من 2% من مصادر الطاقة فى مصر، يأتى أغلبها من مزارع الرياح فى منطقة الزعفرانة البحر الأحمر.
يتحفظ سلماوى فى الحديث عن تقليل أو رفع الدعم للطاقة مكتفيا بالإشارة أن هذا فى يد مجلس الوزراء.«لكن هناك ضغوطا طبيعية لرفع سعر الطاقة، نتيجة للغلاء الطبيعى لتكلفة استخراجها، وفى هذه الحالة فإن تكلفة سعر الطاقة التقليدية فى مصر سيتساوى تقريبا مع تكلفة طاقة الرياح فى خلال فترة تتراوح بين 5 و10 سنوات».
لا دعم للطاقة النظيفة
«رفع الدعم عن الوقود الأحفورى شرط أساسى لإتاحة المجال أمام تقدم الطاقة النظيفة فى مصر». هكذا تحدث مارك فرانكو، سفير الاتحاد الأوروبى فى القاهرة، الشهر الماضى واضعا يده على أصل المشكلة.
أضاف أن دعم الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفورى فى مصر يجعل سعرها متدنيا، مما يقلل من الجدوى الاقتصادية لمشاريع الطاقة النظيفة.
«نسمع بالطبع عن أحاديث رفع سعر الدعم عن الطاقة فى مصر عام 2017، وهذا هو ما يشجع المستثمرين على الدخول فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة»، والحديث لحسن رفعت من جاميسا لتوربينات الرياح.
هذا العام شهد أول مناقصة لإنتاج طاقة الرياح من خلال شركات القطاع الخاص، بنظام البناء والتركيب والبيع، بمعنى أن تتولى شركة بناء محطة كهرباء وبيع الطاقة للحكومة. واختارت وزارة الكهرباء 10 شركات أجنبية تتنافس الآن على الفوز بالمناقصة المطروحة.
«من المقدر أن تدخل محطات هذه الشركات إلى حيز التنفيذ خلال عامين بعد المناقصة»، أى فى أوائل 2013، «ومحدش حيتقدم للمشاريع دى إلا لو كان متأكد إنه حيكسب منها»، على حد تعبير حسن.
يقول حسن: إن الحكومة المصرية إن لم تشتر الطاقة من مستثمرى الطاقة النظيفة بأسعار مناسبة تحقق لهم الربح المطلوب، فالأغلب أنهم سيلجئون إلى تصديرها للخارج من خلال شبكة الربط الموجودة بالفعل، التى يمكن من خلالها تصدير الكهرباء إلى أوروبا وبعض الدول العربية المجاورة كالأردن.
أحمد زهران، من تراى أوشن، يؤكد أن الحكومة المصرية تحتاج أن توجه بعض الدعم المخصص للطاقة إلى شركات القطاع الخاص العاملة فى الطاقة النظيفة.
يرسم زهران بيده فى الهواء سهما صاعدا وهو يقول إن أسعار الوقود الأحفورى فى طريقها للازدياد، والتكنولوجيا التى تعد بتخفيض أسعار الطاقة النظيفة تتقدم يوما بعد يوم. «لحظة تلاقى الخطين، حين تتساوى تكلفة الطاقة النظيفة مع الوقود الأحفورى يجب أن تكون مصر مستعدة باستثمارات قوية وبنية أساسية فى الطاقة النظيفة، وإلا سيكون المستقبل كارثيا».
ولذلك يرى زهران أن على الحكومة المصرية أن توجه دعما لإنتاج الطاقة النظيفة، «بمعنى أن تشترى الحكومة الكهرباء من شركات الطاقة النظيفة بسعر أعلى من سعر الوقود الأحفورى»، حتى تكون مصر مستعدة لحظة الخطر.
يقول زهران: إن تراى أوشن حاليا تحاول استخدام «الإبداع الاقتصادى» لمحاولة نشر الطاقة النظيفة فى ظل الظروف الحالية غير المواتية.
«نحاول البحث عن مصانع فى أماكن نائية ستفضل الطاقة النظيفة لأنها أسهل لها من أن تستمد الطاقة من الشبكات البعيدة عنها، أو عن مصانع تفضل أن تعتمد على الطاقة النظيفة لأن ذلك سيكون مفيدا فى تحسين صورتها أمام جمهورها».
رغم أن إلغاء الدعم عن الوقود الأحفورى سيؤدى بالطبع إلى زيادة الجدوى الاقتصادية لاستثمارات الطاقة النظيفة، فإن زهران يقول: «مستحيل نطلب ده من الحكومة، لأن الدعم مهم لفئات كتيرة فى المجتمع والناس مش حتقدر تعيش من غيره».
خطة الحكومة
«صندق تمويل للطاقة المتجددة، يغطى الفارق بين التكلفة العالية للطاقة المتجددة وسعر السوق. ويحصل الصندوق على تمويله من التبرعات وأموال الاستثمارات وميزانية الدولة والدعم الموجه حاليا للوقود الأحفورى».
هذه هى أحد عناصر الخطة الحكومية التى أعلنتها عام 2008، التى أوردت صراحة خطة لتغيير مسار الدعم من الوقود الأحفورى للطاقة النظيفة.
طبقا للخطة الحكومية من المفترض أن تصمم مصر مبادرات لتشجيع الإنتاج المحلى للأجهزة ومعدات الطاقة النظيفة لتقليل تكلفتها، والتركيز على طاقة الرياح من خلال فتح باب التنافس أمام الشركات من خلال مناقصات، إضافة إلى عقود شراء كهرباء بتعريفات محددة لمدة 15 عاما من صغار المستثمرين فى الطاقة النظيفة.
الخطة تطمح لإنتاج 7200 ميجاوات من الكهرباء بحلول عام 2020، أى نحو 20% من الطاقة فى مصر، علما بأن هذه النسبة لا تعتمد كلها على مشاريع جديدة، بل تعتمد 8% منها على الأقل على طاقة السد العالى باعتبارها طاقة هيدرومائية نظيفة.
لم تستطع «الشروق» الحصول على ردود حول إن كانت الدولة قد بدأت بالفعل فى إعادة توزيع الدعم ليشمل الطاقة النظيفة، أو إن كانت قد حددت بدقة أكبر تكلفة الطاقة النظيفة مقارنة بالطاقة الأحفورية، فلم يأتنا رد من المهندس عبدالرحمن صلاح الدين، رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بوزارة الكهرباء، بعد طلبات متكررة لمقابلته أو محادثته هاتفيا على مدى أسبوعين.
لكن بافتراض نجاح خطة الحكومة فى إنتاج 20% من طاقتها بالطاقة الجديدة والمتجددة، فهل هذه النسبة كافية؟ يقارن عمرو حمودة بين الخطة المستقبلية التى من المفترض ان تتحقق بعد عقد كامل من الزمن، وما حققته بالفعل دول أوروبية فى ذات المجال.
العام الماضى، كانت الطاقة النظيفة تشكل 62% من طاقة دول الاتحاد الأوروبى الذى لا تنعم دولة بنصف ما تنعم به مصر من شمس ساطعة طوال العام ورياح معتدلة. أصبح لدى دول الاتحاد الأوروبى بنية أساسية قوية لإنتاج طاقات الشمس والرياح، تنمو بمعدلات مستقرة، وتجرى أبحاثا متطورة لإنتاج الطاقة من حركة أمواج البحر وحرارة باطن الأرض. إسبانيا، كنموذج لدولة على البحر المتوسط، وإن كانت لا تتمتع بشمس مصر الدائمة ولا رياحها المعتدلة، تعتمد على الطاقة النظيفة فى إنتاج 35% من مجموع طاقتها.
«أما مصر، فمع كل الإمكانات الطبيعية المهولة، نفسها تنتج نسبة ضئيلة للغاية بعد 10 سنوات»، يقول عمرو، متحسرا. «يمكن أن تكون خطة الحكومة فيها بعض التقدم للأمام. لكن مصر مش محتاجة تقدم بطء، محتاجة قفزة للأمام».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.