تتميز بلادنا بالطقس الدافئ والشمس الساطعة طوال العام.. وهناك علاقة مفهومة بين الطقس الحار والكسل وضعف الإنتاج, وبين الطقس البارد والنشاط وزيادة الحركة؛ وبالتالي زيادة الإنتاج. لذا فإننا غالبا ما نجد الشمال متقدما على الجنوب... وليس ذلك بالطبع هو العامل الوحيد الذي يحكم مستوى التقدم والتخلف, ولكنه أحد العوامل المهمة، ولقد شهد الجنوب حضارات متفوقة على الشمال في مراحل مختلفة من التاريخ, ومنها الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإسلامية, عندما وُجد الإنسان القوي الذي يتغلب على العوامل الجوية متسلحا بإيمانه, ومستخدما عقله وذكاءه للتكيف مع الطقس الحار. ويبدو من شدة حرارة طقس هذا العام وبعض الأعوام السابقة، وربما بسبب مشكلة التلوث والاحتباس الحراري، أننا مقبلون على عصر جديد يسود فيه الطقس شديد الحرارة.. كما يبدو أننا ودعنا الطقس اللطيف الذي كانت تتميز به بلادنا مما يتطلب سرعة التصرف لتهيئة مدننا وقرانا وبيوتنا لهذا الجو الملتهب الذي أصاب الدول الباردة جدا مثل روسيا بالحرائق؛ فما بال الدول الحارة. لقد كنا حتي وقت قريب, وقبل أن نصاب بآفة التغريب, نعيش في الطقس نفسه ذي الصيف الحار دون أن نعاني ما نعانيه الآن من هذا الجو الملتهب بالحرارة العالية. كانت بيوتنا مصممة بحيث تناسب أجواء بلادنا.. كنا نستخدم خامات البيئة العازلة للحرارة, وكانت المباني مرتفعة لتوفر كتلة مناسبة من الهواء البارد, والنوافذ طولية متوازية لتحدث تيارا هوائيا باردا مع قليل من الشمس. وكان الحرص على أن تكون بعض الشرفات والنوافذ تطل على الاتجاه البحري التماسا لنسمة هواء باردة.. ولذلك فقد كنا نعيش دون مكيفات أو مراوح وفي جو أفضل بكثير جدا من طقس هذا الزمن الرديء. وعندما جاء الخواجة ليقلب حياتنا رأسا على عقب فقد سرنا في ركابه معصوبي العينين دون أن نميز بين ما يمكن أن ينفعنا وما يضرنا.. فالخواجة بلاده باردة، لا ترى الشمس إلا نادرا؛ ولذلك- وسعيا إلى الدفء فقد قام بتصميم بيته على عكس بيوتنا القديمة؛ حيث ضيق المساحة وانخفاض المباني وكثرة الزجاج وقلة النوافذ المفتوحة, وهو الطراز المعماري المعروف بعلبة الكبريت والذي نطلق عليه جهلا (الحديث!).. والواجب أن نسميه الرديء. والمستفيد الوحيد من ترك طرازنا المعماري الجميل المناسب لطقسنا واستبدال الطراز الغربي به هو الخواجة نفسه, حيث يبيع لنا المراوح والمكيفات وأنواع الزجاج والألمنيوم الفاخر, كما يستفيد من حالة الكسل وضعف الإنتاج بسبب الحر ليصدر لنا كل شيء!!. والآن.. ماذا يمكن أن نفعل بعد أن ابتلعنا الطعم وأصبح لدينا ملايين الشقق الرديئة التي لا تصلح للسكن صيفا دون مكيفات ومراوح تستزف الاقتصاد الوطني في ثمنها والطاقة العالية التي تستهلكها؟. وماذا يفعل المساكين الذين يعيشون في الأدوار الأخيرة أو الشقق (القبلية) ولا يستطيعون توفير أدوات التكييف أو ثمن الطاقة الكهربية؟. وما الدور الذي ينبغي أن تقوم به الحكومة لتوفير الراحة للمواطنين, وبالتالي زيادة الإنتاج, ووقف استنزاف الاقتصاد الوطني دون داع؟. هذه أسئلة مهمة تتحمل الجامعات والهيئات العلمية مسئولية الإجابة عنها, وسوف نسهم في اقتراح الحلول.. مع ملاحظة أن وزارة الكهرباء تشكو زيادة الأحمال على شبكات الطاقة الكهربية بسبب هذا الطقس الملتهب, ولو كنت من وزير الكهرباء لجعلت قضية العودة إلى طرازنا المعماري الذي يناسبنا أولوية أولى تسبق المسئولية المباشرة للوزارة في توفير متطلبات المواطنين من الطاقة الكهربية.. إذ لا يجوز أن تقوم وزارة بالبناء وتقوم وزارة أخرى بالهدم, فوزارة الكهرباء تجتهد في توفير محطات إنتاج الطاقة، ووزارة الإسكان تستنزف- بتصميماتها المستوردة- هذه الطاقة.. وفيما يأتي بعض المقترحات: • تجب أولا العودة إلى طرازنا المعماري الأصيل, وكذلك الطراز الذي ابتكره العبقري المصري حسن فتحي, وعلى وزارة الإسكان أن توفر التصميمات والخامات وتلزم القائمين بالإنشاءات مستقبلا بذلك. • هناك نوع من الطوب العازل (يسمي الطوب الخفيف) يصنع بتفاعل كيميائي بسيط، وهو غير مكلف حيث تنتشر جزيئات الغاز به وتجعله خفيفا وعازلا. يجب على الحكومة أن توفره في كل مكان وترشد الناس إليه لاستخدامه في الواجهات التي تستقبل الشمس (القبلية والغربية)، سواء في المباني التي تنشأ مستقبلا, أو حتى في المباني الحالية لمن يستطيع التغيير أو من يقوم بالترميم، لأن التكلفة أقل من استهلاك مكيف واحد للكهرباء في سنة, وهذا الطوب يمكن أن يغني عن التكييف. • ينبغي توفير المواد العازلة للحرارة, وإلزام أصحاب العمارات بتغطية أسطح المباني بها، أو على الأقل إرشاد الناس إليها وإلى طرق الحصول عليها وتركيبها.. بل وإقراض من يعجز عن دفع ثمنها، وعندما تقوم أي جهة بذلك فهي تدعم الاقتصاد الوطني بالتأكيد, ناهيك عن توفير الراحة للمواطنين؛ وعلى سبيل المثال فإن عزل المباني في دولة الكويت شرط لتوصيل المرافق إلى العمارات والمنشآت. • هناك مشكلة الحرارة في وسائل الركوب لأنها مصنوعة من معادن جيدة التوصيل للحرارة, ولم يفكر الخواجة في حل لها لأنها لا تعنيه.. لماذا لا نفكر نحن في إنتاج سيارات تصلح للطقس الحار كأن يكون السقف من طبقتين بينهما مساحة صغيرة فارغة لإمرار الهواء وتبريد السقف؟. ولماذا لا نضع مظلة للسيارات يمكن فردها وطيها بنفس فكرة الشبكة التي تثبت أعلى السيارة؟. ولماذا لا نهتم بإنشاء مظلات مبسطة في أماكن انتظار السيارات, وكذلك الإكثار من الأشجار؟. • لم تسلم بيوت الله من مشكلة الحرارة الشديدة في أوقات الزحام, مثل صلاة الجمعة, رغم كثرة المراوح, ورغم أن المساجد (أو أغلبها) لم تصب بما أصيبت به بيوتنا من انقلاب إلى الطراز المعماري الغربي، فالطقس الحار والزحام الشديد وكثرة الزفير الساخن يسهم في رفع درجة الحرارة.. ومن الناحية العلمية فالهواء الساخن يصعد إلى أعلى لخفة وزنه, ويهبط الهواء البارد؛ والمساجد عادة تصمم بحيث تحتوي على نوافذ عادية في مستوي رأس الإنسان, وأخرى مرتفعة، وهذا هو أفضل تصميم للطقس الحار. فعندما تكون النوافذ بمستوييها مفتوحة فإن كتلة الهواء الساخن تندفع إلى أعلى ويحل محلها هواء بارد من الأبواب والنوافذ السفلية.. ولكن الواقع أن أغلب المساجد تغلق النوافذ العليا, وربما السفلي أيضا, إما لعدم وجود طريقة سهلة للفتح والغلق, وإما لمنع العصافير والذباب والأتربة!. وينبغي أن تقوم وزارة الأوقاف بتوفير وسائل مثل تلك المستخدمة بدور السينما لفتح وغلق النوافذ العليا, لأن ذلك سوف يوفر كثيرا من الطاقة الكهربائية التي تدير المكيفات, وعشرات الآلاف من المراوح, بالإضافة إلى توفير الراحة للمصلين الركع السجود. [email protected] http://abdallahhelal.blogspot.com