بانعقاد المؤتمرات التمهيدية للحزبين الديمقراطي والجمهوري في ولاية ايوا الأمريكية اليوم( الخميس) يكون السباق إلي البيت الأبيض قد دخل مرحلته الرسمية الأهم بعد ماراثون شاق بدأ عمليا منذ انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر2006 ولن ينتهي إلا باختيار الرئيس الأمريكي الجديد في الرابع من نوفمبر المقبل. ولا تختلف المنافسة داخل المعسكرين من حيث شراستها ولكنها سارت علي نحو مختلف في كل منهما طوال العام الماضي. ففي الحزب الديمقراطي ورمزه التاريخي الحمار ظلت المنافسة مقصورة بين المرشحين الثلاثة الأوائل وهم السناتور هيلاري كلينتون والسناتور باراك اوباما وجون اداواردز. وطوال الحملة الانتخابية استمرت شعبية الثلاثة بنفس هذا الترتيب وان كانت النقاط بينهم ظلت تزيد أو تقل من وقت لآخر سواء علي المستوي القومي أو في ايوا. وان كان اوباما قد سجل تقدما علي هيلاري في الولاية بسبعه نقاط يوم الاثنين الماضي إلا أنها استعادت تقدمها عليه بأربع نقاط في استطلاع آخر اجري بعد يوم واحد فقط. وبالتالي فان فوزها أو فوزه اليوم لن يكون مفاجأة بسبب الفارق الضيق بينهما ربما لو فاز ادواردز ستكون هي المفاجأة. أما المرشحون الخمسة الآخرون فان فوز احدهم في ايوا أو غيرها لن يكون مفاجأة فقط بل انقلابا ديمقراطيا. هذا الثبات في ترتيب الديمقراطيين من حيث الشعبية طوال العام الماضي لم يعرفه الحزب الجمهوري( شعاره الانتخابي الفيل). والي ما قبل شهر واحد فقط كان عمدة نيويورك السابق رودي جولياني هو النجم المتوج جمهوريا في كل استطلاعات الرأي. الا أن تغيرا سريعا ومدهشا حدث خلال ديسمبر الماضي حيث واصل منافسه مايك هوكابي حاكم اركانسس السابق زحفه الناجح من المؤخرة ليقف كتفا بكتف مع جولياني بل ويتفوق عليه في بعض الاستطلاعات. هذا علي المستوي القومي أما في ايوا فليس هناك وجود يذكر لجولياني الذي أسقطها من حساباته مركزا علي الولايات الكبيرة. خاصة وان آراءه المتساهلة حول حقوق الشواذ والإجهاض وزواجه شخصيا ثلاث مرات أضعفت موقفه في تلك الولاية الصغيرة ذات الوجود القوي لليمين من المسيحيين الانجيليين وهم يفضلون مرشحا يمينيا وواعظا كنيسيا سابقا مثل هوكابي. والمنافس الحقيقي الذي يواجهه هوكابي في هذا الجيتو المسيحي المحافظ هو غريمه ميت رومني أول مرشح مرموني في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية. أما المركز الثالث فينفرد به جون ماكين اكبر المرشحين سنا(72 عاما). وكما في المعسكر الديمقراطي فان فوز أي من فارسي المقدمة في ايوا لن يمثل مفاجأة بسبب التقارب الكبير بينهما. إما ماكين ففرصه اقل مع عدم استبعاد أي مفاجآت. وتبقي فرص جولياني كبيرة في الجولات المقبلة. وتقدم الحملة الانتخابية المحمومة التي شهدتها ايوا خلال الأسبوعين الماضيين نموذجا لما سيتم في الولايات الأخري سواء من حيث تكتيكات المرشحين أو شرائح الناخبين المستهدفة من جانبهم وأساليب مواجهة الخصوم والحملات المضادة وكلها تنبئ بموسم سياسي ساخن. وعلي سبيل المثال تركز هيلاري علي النساء خاصة فوق60 عاما وتحت30 سنة. وأمضي أسلحتها لتحقيق هذا الهدف هو زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون الذي بدأت تستثمر جاذبيته وحضوره الجماهيري بصورة جيدة حتي أن الكثير من الصحف تقول هزلا أو جدا إن شعبية كلينتون وليس هيلاري بين السيدات هي التي ستجذب أصواتهن إلي زوجته. في المقابل يركز اوباما علي استقطاب الشباب والسود بطبيعة الحال والناخبين غير المنتمين لأي من الحزبين وهو الأنشط بين كل المرشحين في استخدام الانترنت للوصول إلي ناخبيه المؤكدين أو المحتملين. غير أن هيلاري تبدو أفضل حالا منه في' ايوا' بالنسبة لتغلغلها في الأوساط العمالية وينافسها في ذلك ادواردز. وفي كلا الحزبين اختفت تقريبا خلال الأسبوعين الأخيرين القضايا التقليدية المهمة مثل العراق أو الرعاية الصحية وحلت مكانها مواجهات ساخنة حول جدارة كل مرشح وتاريخه الشخصي والعملي ومواقفه السابقة وصلت إلي حد التجريح الشخصي كما في حالة هوكابي ورومني. وبينما ترفع هيلاري شعار الخبرة والتوازن لأضعاف موقف اوباما الأكثر شبابا يشهر هو في وجهها ورقة التغيير الذي يحتاجه ويريده الشعب والذي يعد بان يتحقق علي يديه. وفي حين يسعي اوباما وراء المترددين لجذبهم إلي المؤتمرات الحزبية لا يتمني أنصار هوكابي إقبالا أكثر من اللازم باعتبار أن مؤيديه هم الأنشط والأكثر حرصا علي الحضور. وبالتالي فانه سيكون مستفيدا لو تخلف أنصار منافسيه اخطر واهم ما في معركة الانتخابات الأمريكية هذه المرة ليس في أنها الأطول أو الأكثر تكلفة في تاريخ البلاد ولكن في أنها تمثل اختبارا تاريخيا فاصلا للشعب الأمريكي نفسه. هذا الاختبار فرضته الأوضاع في الحزب الديمقراطي ويلخصه السؤال الذي يتردد منذ شهور وهو هل يقبل الأمريكيون أن يحكمهم سود أو امرأة؟ بمعني هل ابتعد الشعب الأمريكي مسافة كافية عن ماضيه العنصري البغيض لكي يختار اوباما رئيسا وهل تقبل الأغلبية الأمريكية المحافظة بطبيعتها منح هيلاري منصبا ظل دائما حكرا علي الرجال. وهل الغضب من بوش وحزبه الجمهوري يمثل دافعا كافيا للإقدام علي هذا التحول التاريخي؟ كثيرون في الحزب الديمقراطي يخشون من أن زمن هذا الانقلاب المثالي في ثقافة وقيم ومزاج الناخب الأمريكي لم يأت بعد. ولهذا يرون انه لا تجب المخاطرة بفرص الحزب من اجل اوباما أو هيلاري لان من سيختاره أعضاء الحزب ليس من الضروري أن يكون مقبولا من غالبية الشعب الأمريكي في الانتخابات العامة بعد ذلك. من هنا يراهن ادواردز ومعه ديمقراطيون آخرون علي ما يعتبرونه واقعية وبعد نظر ناخبي الحزب. لان هيلاري واوباما قد يكونا مرشحين ممتازين داخل الحزب وهما كذلك بالفعل ولكنهما ربما لاعتبارات الجنس واللون قد لا يحظيان بقبول كاف علي المستوي القومي. أي أن فرص أي منهما ستكون ضعيفة أمام أي مرشح جمهوري آخر ومن ثم فان مصلحة الحزب تقتضي الدفع بمرشح ثالث اقدر علي المنافسة. هذا الرأي له سوابق تؤيده ففي انتخابات2000 الرئاسية ظل المرشح الديمقراطي هوارد دين في المقدمة طوال الأسابيع التي سبقت الانتخابات التمهيدية وكان يحظي بإعجاب قطاع واسع من ناخبي الحزب غير أنهم اعتبروا انه لا يملك من القوة والفرص ما يؤهله للفوز أمام مرشح جمهوري قوي ولذلك اختاروا جون كيري وجون ادواردز بدلا منه. إذن عندما لا يكون هناك مجال للعواطف فان الحكم قد لا يأتي لصالح السيدة القديرة التي يحبونها أو الأسود النبيل الذي يعجبون به وتلك هي الفرصة التي ينتظرها ادواردز للمرة الثانية.