شيئان يجمعان كل الإدارات الأمريكية.. من أصغر موظف وحتى الرئيس.. ومن 50 عاماً مضت.. وحتى أعوام قادمة.. لا فرق.. سواء كانت إدارة أمريكية جمهورية أو ديمقراطية.. جميعهم متفقون على دعم وعشق إسرائيل، ظالمة أو مظلومة.. وجميعهم يتسمون بالصورة المزيفة.. يروجون للعالم.. قيماً ومبادئ وشعارات.. وفي الواقع هم على النقيض منها تماماً.. سواء كان في قناعاتهم الشخصية أو ممارساتهم الفعلية.. منذ سنوات طويلة.. لم تعش أمريكا أياماً سوداء.. مثلما عاشت الأسابيع القليلة الماضية.. والأسابيع القليلة القادمة.. وبعدها.. صمت وهدوء.. وكأن شيئاً لم يحدث.. وتبدأ من جديد في الترويج لكل شعاراتها المزيفة.. أمريكا كلها تعيش على مكتب دعاية وعلاقات عامة.. مهمته تزيين صورتها في العالم "والحقيقة تزييف".. بإنها بلاد الديمقراطية والحرية.. ترعى القيم والمبادئ وتصون حقوق الإنسان.. وما هذه الشعارات.. إلا عناوين لمبررات وذرائع وقت الحاجة لدس أنفها في شئون الآخرين والتدخل في أي مكان بالعالم لحماية مصالحها وتحقيق أهدافها.. سواء كان هذا التدخل لاعتقال إنسان.. أو تغيير نظام حكم.. أو حتى إعادة تقسيم الدول والمناطق الجغرافية. الأيام السوداء التي تعيشها إدارة أوباما.. ثلاث فضائح متتالية.. وكالات الأمن والمخابرات التي تتجسس على الشعب الأمريكي.. ورفض الكونجرس رفع التنصت على المواطنين.. تصاعد حدة العنصرية بين أبناء الشعب من البيض والسود.. بعد قتل ضابط أبيض لشاب أسود دون جريرة.. وأخيراً.. فضيحة العربدة اللاإنسانية بعمليات التعذيب للمعتقلين في معسكر جوانتانامو.. حالة الهلع في الإدارة الأمريكية ليس مرجعها.. أنها ترفض كل هذه المظاهر لانتهاكات حقوق الإنسان.. ولكن لسقوط أقنعة الكذب والزيف التي تمارسها على شعوب العالم، والصورة التي تروجها كدولة كبرى راعية للقيم والمبادئ وحقوق الإنسان.. ولتخوفهم من اشتعال موجة إرهاب جديدة ضد الأمريكان ومصالحهم وسفاراتهم.. وقد لخص أوباما بنفسه ذلك في تعقيبه على نشر تقرير الكونجرس.. بقوله: "هذه الأساليب لا تخدم جهودنا في مكافحة الإرهاب على الصعيد الدولي.. وجعلت من مهمة متابعة مصالحنا حول العالم.. أصعب". لا تندهشوا.. هذا التقرير.. لا يمثل أي اندهاش.. أو استغراب.. أو مفاجأة.. كل ما جاء فيه لم يكن سراً على من طلبوا عدم نشره.. وبوش وأوباما.. وأركان نظامهما والشخصيات القوية والمؤثرة والمسئولة.. تعلم بوسائل التعذيب الوحشية.. وأمروا بها.. ووزيرة العدل في عهد بوش.. أقرت استخدام تقنيات حديثة.. وأساليب تعذيب غريبة وجديدة.. ولن تتوقف هذه الأساليب.. لا في سجن جوانتانامو.. ولا غيره من السجون في مناطق متفرقة من العالم.. خاصة أفغانستان والعراق. اهدأوا.. أيام قليلة وتهدأ هذه الزوبعة.. أمريكا قادرة على احتواء كل شيء.. ولا أقول إجراءات أو إدانات لن يجرؤ أحد.. ممكن تصدر بيانات متناثرة، خاصة ممن يدعون أنهم منظمات حريات أو حقوق إنسان أو غيره.. وذلك ذرا للرماد في العيون.. فهم في الأصل أمريكيون مهما اختلفت جنسياتهم.. لن تزايد بيانات الشجب والإدانة على ما قاله أوباما وغيره من أعضاء إدارته.. لا تشغلوا بالكم.. لا وحشية تعذيب.. ولا انتهاك حقوق إنسان.. ولا خوف من عمليات إرهابية.. ولا خجل من عار يلاحقهم.. ولا قانون دولي أو محلي يحاسبهم.. ولا حرية صحافة تسقطهم.. ولا كلمات إدانة وبيانات شجب تزعجهم. انتبهوا.. الأمريكان "وَهم" نعيشه.. يعربدون في الدنيا كما يشاءون بتجارة المبادئ والشعارات.. كحال جماعة الإخوان الإرهابية في تجارة الدين.. وقد يكون هذا من الأسباب النفسية التي ساعدت على الالتقاء فيما بينهم. إذن قيمة ما حدث.. فقط حتى ندرك.. تماماً وبالأدلة الواقعية.. إن الأمريكان ليسوا أصحاب فضيلة.. ولا رسالة دعوة لرفاهية الشعوب.. وحماية حقوق الإنسان.. وإرساء مبادئ وقيم.. وتنصيب حكام عادلين.. "هم يريدون حكاماً تفصيل".. ولا أنصار ديمقراطية.. ولا دعاة حرية.. ولكن كل هذه الدعوات.. ما هي إلا التوليفة التي يسهل ترويجها، عندما يريدون أهواء وأغراضا تحقق مصالحهم وأهدافهم.. يزرعون في العالم.. جماعات ومنظمات تأتمر بأمرهم عندما يريدون إطلاقهم على أحد البلاد.. ويزرعون بيننا مراكز وجمعيات من أبناء جنسهم.. للمساعدة في تمهيد الواقع والترويج للأفكار.. ويجندون من بيننا.. مصريين.. يبدون مثلنا ولكنهم يتحدثون لغتهم.. قليل منهم حسن النية.. أغوته شعاراتهم البراقة.. وكثير منهم أغراه المال ودارت بعقله أضواء الشهرة التي يسلطونها عليه.. وخبلته الألقاب والمناصب "الباحثين ورؤساء المراكز".. ومن هؤلاء من تم تجنيده بالفعل "للعمالة ضد بلده".. فهو يجيد اللعبة.. ويعرف كيف يثير المشاعر.. ويحرك العواطف والعقول بقول حق يراد به باطل. كل هؤلاء يعرفون أمريكا الحقيقية.. وليست المعلبة "المزوقة" التي يتم تصدير صورتها للعالم.. خاصة في البلاد التي يريدونها ضمن مخططاتهم.. وعلى رأسها مصر "العصية" دائماً.. ولذلك الحديث لعامة المصريين.. الشقيانين.. التعبانين.. الوطنيين بالفطرة.. المحبين لبلدهم وإن ضن عليهم، لا نوجه الحديث.. لهؤلاء المزايدين.. المتحذلقين.. الانتهازيين.. ميزان الوطنية والحب لديهم.. لا تعلو فيه كفة على الأخرى.. إلا بمقدار ما يأخذ.. لا مقدار العطاء الصادق بالولاء للوطن.. وحب بلده.. لا تتعجب حينذاك.. عندما تسمعهم يتغنون بكل مظهر لفوضى.. ويتشدقون مثل الأمريكان بالحريات وحقوق الإنسان. فضائح أمريكا.. التفرقة العنصرية.. التنصت على الناس.. قمع المظاهرات وانتهاك الحريات.. والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان.. ليست بجديدة.. ولن تتوقف.. يعتبرونها حقا لهم.. حلالا عليهم.. وهي أيضاً وسيلتهم الشرعية لاحتلال بلد آخر.. إذا فكر في حماية نفسه من الإرهابيين.. حتى لو كان "الطبطبة" عليهم؟