بينما تنتهك الولاياتالمتحدةالأمريكية حقوق الإنسان في العديد من مناطق العالم، فضلاً عن الانتهاكات القائمة علي التمييز العنصري ضد العرب، فإنها لم تفارق عادتها في إصدار التقارير التي تدين انتهاك حقوق الإنسان في عديد من الدول، لا تستثني دولة دون أن تدينها بانتهاكات لحقوق الإنسان علي أراضيها، باستثناء بعض الدول التي تدور بالفلك الأمريكي فهذه حالة استثنائية، منصّبة نفسها مجدداً كقاض لحقوق الإنسان في العالم. وفي الوقت الذي تسعي فيه الحكومة المصرية إلي إرساء دعائم دولة القانون واحترام الحقوق تحاول أمريكا ومن لفّ لفّها، تسويق ادعاءات حول انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر.. ادعاءات جاءت في تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2013 حول أوضاع حقوق الإنسان، أقلّ ما يقال عن هذا التقرير، إنه سياسي وغير متوازن وغير دقيق ويعكس استخفاف الخارجية الأمريكية، بإرادة وطموح الشعب المصري ويتضمن ادعاءات مرسلة حول حالة حقوق الإنسان في مصر بما يجافي الواقع. فقد جاء التقرير مليئاً بالتشويه والاتهامات لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، ويصب في خدمة توجهات ومصالح قوي أخري اتفقت علي أن التطورات الجارية بمصر الآن وبعد ثورة 30 يونية، جاءت مغايرة وعلي عكس تطلعات وخطط هذه القوي فيما يتعلق بالتحول الجديد بمصر. ومن خلال التقرير يمكن رؤية الوجهين المتمثلين في القوة والنفاق، وعلي الرغم من أنه لم تبقَ في العالم قوة أحادية تنفرد بالقرارات الدولية، فإن حكومة الولاياتالمتحدة لا تزال تعتبر نفسها قائداً للعالم، حيث تقوم بإصدار التقارير حول أوضاع حقوق الإنسان في عدة دول، باستثناء وضع حقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة. قناع جديد يسقط، ليكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة، التي طالما نصّبت نفسها مدافعاً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأعطت لنفسها الحق في توزيع شهادات حسن السلوك علي الآخرين، لكنها لم تعتمد يوماً المعيار الأساسي لتلك الحريات والحقوق، سواء داخل أراضيها أو خارجها، وهي أكثر الدول انتهاكاً لحقوق البشر. والمفارقة الواضحة بين ما تعلنه الولاياتالمتحدةالأمريكية وما تفعله دفع أحد المحللين للقول: إن الولاياتالمتحدة هي أكثر الإمبراطوريات دموية في التاريخ.. بل هي الأكثر وقاحة بين دول العالم في استخدام شعار حقوق الإنسان لتسوّغ أعمالها الدموية غير المسبوقة، ولا أدل من الأرقام والإحصاءات. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلي اليوم هناك أكثر من 80 حرباً أو تدخلاً عسكرياً أو دعماً لانقلاب عسكري نفذتها الولاياتالمتحدةالأمريكية في شتي أنحاء العالم، وكلها لا علاقة لها بحقوق الإنسان ولا بإضاءة مشاعل الديمقراطية، علي الرغم من أن حملاتها العسكرية يتقدمها دوماً شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان. ففي عام 1944 قامت ثورة في جواتيمالا، وبدأ تأسيس حكومة ديمقراطية وبدت بشائر التنمية الاقتصادية المستقلة تلوح في الأفق، الأمر الذي أثار زوبعة هستيرية في واشنطن، لتعلن واشنطن عام 1952 أن ما يحدث في جواتيمالا معادٍ للمصالح الأمريكية، الأمر الذي أدي لقيام إدارة 'كارتر' بدعم انقلاب عسكري في جواتيمالا، تسبب في سفك الدماء وإعادة الفساد. وفي يناير -كانون الثاني- عام 1969 غزا الأمريكيون بنما، وأعادوا السلطة إلي السفاح 'مانويل نوريجا' المعروف بأنه أحد سادة تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية بحجة أنه 'الممثل الشرعي' الوحيد للمصلحة الأمريكية في بنما. وفي سبيل تحقيق ذلك لا ضير من مقتل آلاف السكان البنميين، لكن عندما خرج 'نوريجا' عن الخط المرسوم له، قامت الولاياتالمتحدة باختطافه بحجة تورطه في تهريب المخدرات إلي داخل أمريكا، متجاوزة بذلك الحصانة التي يمنحها القانون الدولي لرؤساء الدول. لقد شنت الإمبريالية الأمريكية الحروب الباردة التي جرت في كوريا وفي فيتنام ولاوس وكمبوديا ولبنان، والانقلابات التي أشرف عليها جهاز الاستخبارات الأمريكية في جواتيمالا وأندونيسيا والبرازيل وتشيلي والأرجنتين، وحروب ما بعد الحرب الباردة في العراقوالصومال ويوغسلافيا وأفغانستان. وللأسف يجري اليوم استغلال ورقة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم لأغراض الاستغلال الاقتصادي والسياسي والثقافي.. وكأداة جديدة للتدخل الخارجي الفظ في الشؤون الداخلية للدول الأخري.. وتوظف الولاياتالمتحدة بنزعتها الإمبراطورية فكرة حقوق الإنسان في الوطن العربي من أجل خلق الفوضي والتشرذم والتفتيت، خدمة للمصالح الأمريكية والغربية المتقاطعة مع مصالح الكيان الإسرائيلي الغاصب. وأولي الخطوات ضمن هذه الاستراتيجية كانت في العراق، البلد الذي ابُتلي بأمريكا وعاني ويزال ويلات وجودها العسكري فيه. فالعراق.. الجرح العربي الدامي غزته أمريكا عام 2003 فهدمت الدولة العراقية وحلّت الجيش وأصبح سجن أبو غريب رمزاً للفضائح التي قام بها الأمريكيون والتي شاهدها العالم بأسره، وبعد الغزو بدأت حملات تحريض إعلامي وتمويل منظم للإرهاب قادته مشيخات وممالك النفط، ولم ترَ فضائيات الفتنة في المجتمع العراقي إلا الخلافات والتناقض وقام الإرهاب برعاية إقليمية دولية بتهجير منظم غايته هدم التنوع في مجتمع يعدّ من أكثر المجتمعات تمسكاً بهويته وثقافته المتنوعة وعمقه الحضاري فهجّر أكثر من أربعة ملايين عراقي وما زالت التفجيرات الإرهابية مستمرة حاصدة العديد من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوي أنهم عرب. أما في أفغانستان، وبعد أكثر من عشر سنوات علي الغزو الأمريكي والأطلسي لها، فهي تغوص في مستنقع من العنف والقتل والفساد والإرهاب، ومع ذلك تتبجح الخارجية الأمريكية، بأن أفغانستان حليف رئيس لواشنطن، وكأنَّ مثل هذا الإعلان يُطعم الشعب الأفغاني و يخلصه من ويلات الفقر والتطرف والجهل والعنف التي تسود بلاده. وفي باكستان، يستمر قتل الباكستانيين من جراء غارات الطائرات الأمريكية دون طيار بالعشرات، وغالباً ما يكون ضحايا هذه الطائرات من طراز 'درونز' من النساء والأطفال، وتطال أحياناً خيام الأعراس ومجالس العزاء. أما الصومال الدولة العربية الآمنة والهاجعة علي كتف أفريقيا شواطئ يزيد طولها علي أربعة آلاف كيلو متر توفر ما يقارب ثمانية مليارات دولار هي ريع العبور البحري في مياهها وذلك فضلاً عن ثرواتها السمكية، تدخّلت فيها أمريكا والنفط السياسي فدفعوها إلي مواجهات مسلحة وانتهي بها الحال إلي ما نراه اليوم دولة منهارة وحرب أهلية تقودها جماعات أصولية متشددة. أما في دول أخري، ففي سماء اليمن حتي الفليبين تحلق أيضاً الطائرات دون طيار وتطلق نيرانها القاتلة، ولم يُقدم 'أوباما' علي وقف غاراتها رغم اعتراف الجنرالات بأن نسبة الأضرار -أي قتل المدنيين-، عالية في معظم الأحيان. أما ليبيا فهي شاهد علي ديمقراطية أمريكا، فقد ضاعت في غياهب الفوضي والسلاح، وما زال القتل مستمراً، وفي لبنان زرعوا التوتر والطائفية في طرابلس، وفي مصر تسعي أمريكا عبر أدواتها الإرهابية إلي دخول مصر سريعاً في نفق الاستنزاف الدموي الداخلي المزمن والمفتوح علي أسوأ الاحتمالات ومنها الحرب الأهلية وتحويل مصر إلي دولة فاشلة وتالياً احتمال التدخل الأجنبي بحجة 'حماية قناة السويس وفرض السيطرة علي سيناء وإبعاد الإرهاب عنها' وضمان أمن 'إسرائيل' واستمرار الالتزام بكامب ديفيد.. واليوم في سوريا الأطراف ذاتها والاستهداف نفسه أمريكا وأذرع لها في السعودية وقطر، تملك الإعلام التحريضي وتموّل الإرهاب وتستجلب المرتزقة والتكفيريين القتلة من أنحاء الأرض تدرّبهم وتدفع بهم إلي سوريا، إلا أن مدينة عمرها يزيد علي سبعة آلاف عام والحاضرة الأولي في التاريخ وشعب قرأ تجارب شعوب سبقت يعلم أن الزبد سيذهب جفاءً وأن ما ينفع الناس سيمكث في الأرض. والحرب ضد ليبيا هو النموذج الذي تعمل وفقه الولاياتالمتحدة في محاولة لإخضاع دول أخري من بينها سوريا وإيران الدولتان اللتان تعيقان تقدمها نحو الشرق. وبما أن العديد من الدول ترفض إقامة قواعد عسكرية أمريكية فوق أراضيها، يخطط البنتاجون لنشر سفن في المياه الدولية ابتداء من الخليج باتجاه الشرق يمكن استخدامها كقواعد عائمة خاصة بالقوات الخاصة. وثمة قواعد جوية وبحرية جرت إقامتها أو تجري إقامتها في تايلاند والفليبين وسنغافورة وأستراليا ودول أخري. ينطبق علي أمريكا المثل العربي القائل 'رمتني بدائها وانسلت' فهي تدعو مجلس حقوق الإنسان مثلاً إلي أخذ زمام المبادرة والتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في أي بلد يعارض سياساتها، وفي الوقت نفسه توبخ هذا المجلس إذا حاول مناقشة جرائم الكيان الاسرائيلي حتي ولو كانت موثقة علي أيدي فريق أممي بقيادة قاض دولي هو 'جولدستون'. وهي تجيش الجيوش وتغزو البلدان وترتكب أفظع الجرائم بحق الإنسانية بذريعة تحقيق الحريات ومحاربة الإرهاب ومكافحة 'الديكتاتورية' وفي الوقت ذاته تسهل للمرتزقة وشركاتهم الأمنية كل السبل لانتهاك حقوق الإنسان من العراق إلي أفغانستان مروراً بأفريقيا وغيرها. فهذه الدولة لم يسبقها أحد في ابتداع أساليب ارتكاب الجرائم بحق الإنسانية جمعاء، وكذلك لم تتمكن أي جهة أو دولة في العالم من اللحاق بها في ترويج وتسويق اختراعات أدوات ووسائل انتهاكات حقوق الإنسان، حيث لم تترك وسيلة ممكنة في هذا الأمر إلا وأنتجتها واستخدمتها، وبرعت في العقدين الأخيرين في محاولات إخفاء جرائمها مستخدمة الجو والفضاء والبحر والبر بذريعة محاربة الإرهاب. ولم يعد خافياً علي أحد قيام أمريكا بافتعال المشاكل وفبركة الروايات وممارسة التضليل وبث الافتراءات في العالم ومن ثم التحرك علي مستوي المؤسسات الدولية ومنها المرتبطة بحقوق الإنسان للتدخل في هذه المناطق تحت ستار دعاوي جاهزة وكاذبة وملفقة لتحقيق المصالح الأمريكية والصهيونية. فهذه هي الولاياتالمتحدةالأمريكية قوة عمياء طليقة السراح في هذا العالم تسرح وتمرح كما تشاء، تعاقب هذا، وتكافئ ذاك، دون أي معايير أخلاقية وحسب مصالحها الخاصة ومصالح حلفائها لاسيما مصالح إسرائيل، وهي اليوم تمثل أبشع مثالٍ علي نظام يدّعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بينما يدينه أقرب الناس إليه. في الخامس من -مايو- عام 2002 أعلنت أمريكا انسحابها من معاهدة إنشاء المحكمة الدولية وبذلك تكون قد وجهت ضربة قاصمة للجهود الدولية لإنشاء محكمة جنائية دولية لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، وغايتها إيجاد آلية ردع دولية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأنظمة الديكتاتورية، وعلي الرغم من أن أمريكا انضمت للمعاهدة دون التصديق عليها عام 2000، فإن المفارقة أن تكون الولاياتالمتحدة هي آخر دولة تضع توقيعها علي اتفاقية إنشاء هذه المحكمة، وأول دولة تنسحب منها، بعد أن فشلت محاولاتها لابتزاز الأمم المتحدة، ووضع القانون الأمريكي فوق القوانين الدولية التي توافقت عليها كل شعوب الأرض، وتشترط علي الأمم المتحدة أن تستثني الضباط والجنود الأمريكيين من واجب المثول أمام هذه المحكمة كشرط مسبق للمصادقة علي عضويتها فيها. وبشكل أدق فإن الإدارة الأمريكية تطلب من الأمم المتحدة اعتبار الجيش الأمريكي فوق القانون الدولي، وأن من حقه أن يرتكب ما شاء من الجرائم، دون أن تمتلك أي هيئة قضائية حق مساءلة أو محاسبة الضباط والجنود الأمريكيين عما اقترفته أيديهم من جرائم ومجازر بحق الشعوب المستضعفة. وفي هذا السياق شددت 'كوندليزا رايس' مستشارة الأمن القومي الأمريكي سابقاً، في مقال نشرته في مجلة Foreign Affairs بالعدد الصادر في -يناير- سنة 2000، علي ضرورة تجاوز الأسس القديمة للسياسة الأمريكية الخارجية بما يتناسب مع مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وأشارت رايس إلي 'أن المصلحة الإنسانية الممثلة في الأمم المتحدة ومؤسساتها، تأتي في المرتبة الثانية بعد المصلحة القومية الأمريكية'، وعلي هذا الأساس 'لا يمكن للاتفاقيات والهيئات المتعددة الأطراف أن تكون غاية في ذاتها، فمصلحة الولاياتالمتحدة تقوم علي تحالفات قوية يمكن تعزيزها داخل الأمم المتحدة أو في غيرها من المنظمات المتعددة الأطراف، كما يمكن أن يحدث ذلك عبر اتفاقيات دولية متقنة الصنع'، وعدّت رايس 'أن للولايات المتحدةالأمريكية دوراً خاصاً في العالم، لذا ليس من واجبها أن تنتسب لأي اتفاقية أو معاهدة دولية تقترح عليها'. وفي دراسة أعدها كل من ‹›نعوم شومسكي وإدوارد هرمان›› عن القوة والعقيدة في الولاياتالمتحدة أشارت إلي أن المسؤولين الأمريكيين يفرقون بين نوعين من الفظائع: 'حمّامات دم جيدة وبناءة' وهي التي ترتكبها القوات الأمريكية أو الولاياتالمتحدة ضد أعدائها، و'حمّامات دم شائنة' وهي التي يرتكبها الأعداء الرسميون لأمريكا، وهذا النوع يستدعي غضباً عظيماً وخداعاً وتلفيقاً علي نطاق واسع في معظم الأحيان، حيث يصبح كل من يدافع عن وطنه إرهابياً، فالفلسطيني 'إرهابي'، والأفغاني 'إرهابي'›، والعراقي 'إرهابي' وفق هذه العقلية الأمريكية. أمريكا اليوم من أكثر دول العالم علي الإطلاق انتهاكاً لحقوق الإنسان، وما تفعله وتصدره من صخب وضجيج عن حقوق الإنسان ليس سوي ستار تخفي خلفه نزعتها للتوسع والسيطرة، تلك النزعة التي جُبلت عليها الإمبراطورية الأمريكية منذ نشأتها وقيامها فوق تلال جماجم الملايين من الهنود الحمر، وعليه فإن شعارات حقوق الإنسان هي اللافتة التي وضعتها الولاياتالمتحدة أمام أي تحرك خارجي لها لتغطي بها ارتكابها أبشع ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان في تاريخ البشرية. وما يؤكد هذا الطرح، ما نشر للرئيس الأمريكي الأسبق 'كارتر' في مقال بصحيفة 'هيرالد تربيون' قال فيه: 'إنَّ بلاده تخلت عن دورها التاريخي في الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم' بل تجاوز ذلك ليقول بملء الفم: 'إن سجل أمريكا الحالي مُعيب، وإنها فقدت السلطة المعنوية للتحدث عن حقوق الإنسان وعن صون الحريات الشخصية حتي في الداخل الأمريكي'. هذا ويشير 'كارتر' الحائز علي جائزة نوبل للسلام عام 2002 إلي سياسة الاغتيال الرسمية التي تبعتها الإدارة الأمريكية خارج أراضي الولاياتالمتحدة، والتي تبيح قتل مواطنين أمريكيين، كما يشير إلي قانون جديد تمَّ اعتماده مؤخراً، يمنح الرئيس الأمريكي سلطة احتجاز أشخاص، حتي لو كانوا أمريكيين، إلي أجل غير مسمي بدعوي الشك في ارتباطهم بمنظمات إرهابية، ودون رقابة من الكونجرس أو من المحاكم الفيدرالية. إضافة إلي ذلك، فإن قوانين أخري صدرت بعد أن تمّ تمريرها علي أثر هجمات -سبتمبر- 2001 تخرق الحريات الشخصية للمواطنين وتتيح مراقبة الاتصالات والمراسلات الالكترونية دون إذن قضائي، من قبل الوكالات الاستخبارية بدعوي حماية الأمن القومي. وهناك معتقل جوانتنامو الشهير الذي وعد 'أوباما' بإغلاقه ولم يفعل، والذي تمت وتتم فيه حتي الآن عمليات تعذيب يندي لها جبين الإنسانية بهدف الحصول علي معلومات واعترافات بالقوة. يقول 'كارتر' بهذا الشأن 'إن نصف المحتجزين هناك، ويبلغ عددهم 169 شخصاً تمت تبرئتهم، مع ذلك فإنه من غير المحتمل إطلاق سراحهم، أما الباقون فإنهم سيقضون بقية حياتهم في المعتقل دون أن توجّه لهم تهم أو يعرضوا علي محاكم'. وقبل أيام نشرت 'ديلي ميل' البريطانية، صوراً ووثائق سرية جديدة كشفتها لأول مرة تؤكد أن الولاياتالمتحدة أجرت في سنوات سابقة تجارب علمية ومخبرية علي أمريكيين من ذوي الإعاقة، وسجناء معتقلين في سجون أمريكية، ومعتقلات أجنبية تشرف عليها سلطاتها، هي دليل واضح علي ما ترتكبه من جرائم ضد الإنسانية، وتفضح سياستها المستندة الي عقلية لا تلتزم أدني معايير القيم والأخلاق. فمن يدعي السعي لاحترام حقوق الانسان لا يقم بقصف المدنيين والأطفال والنساء بالطائرات والبوارج لمجرد الشك بوجود إرهابيين وفق التصنيف الأمريكي. ومن يزعم احترام حقوق الانسان لا يقم بإنشاء سجون ثابتة وطائرة جوية وبحرية وبرية في كل مناطق العالم ويمارس شتي أنواع التعذيب ومخالفة أبسط القوانين الانسانية والأمثلة الأمريكية الصارخة علي ذلك بدءاً من جوانتانامو ومروراً بالسجون السرية والطائرة في أوربا وسجون العراق وعلي رأسها فضائح أبو غريب وصولاً إلي أفغانستان ومحيطها الإقليمي شواهد حية ومفزعة لقوائم الانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان في كل أنحاء العالم. لقد كانت أمريكا من الدول الراعية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 لكنها في هذه الأيام تقوم بخرق معظم بنود هذا الإعلان بل إنها مزقته، حيث أعمتها قوتها العسكرية وأعماها غرورها الذي يضعها كما تتصور فوق المحاسبة أو المساءلة. يقول كارتر: 'إن سجل الولاياتالمتحدة المخزي يؤكد أنها تمضي بعكس اتجاه التاريخ بعد أن ثارت شعوب العالم مطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية وبدلاً من أن ُتقدّم أمريكا نفسها مثلًا أعلي لباقي دول العالم، فإنها تخلق المزيد من الأعداء وتحرج أصدقاءها بضربها عرض الحائط بروح ومضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان'. العالم بدأ يدرك اليوم أن الادعاءات الأمريكية بالدفاع عن حقوق الإنسان ما هي إلا أكذوبة كبري، وستار تخفي وراءه واشنطن نزعتها في الهيمنة والتوسع، لفرض سياستها وتحقيق مصالحها الخاصة، دون الاكتراث لما تخلفه تلك السياسة من خراب ودمار وفوضي عارمة تستهدف الشعوب في أمنهم واستقرارهم. فأين حقوق الإنسان في فلسطينوالعراقوأفغانستان؟!. بل أين هي حينما تحاصر الشعب السوري ولو استطاعوا أن يمنعوا عنه الماء والهواء لفعلوا..؟! والمفارقة الكبري، أن واشنطن تصدر كل عام تقريرها عن حقوق الإنسان في العالم، ولكن وفق طريقتها الخاصة، وكل دولة لا تسير في فلكها تضعها في خانة 'منتهكي الحقوق'، وفي نفس الوقت تبتدع أحدث الأساليب والمعدات المخصصة لأغراض التعذيب، وتصدرها لمن ينضوون تحت رايتها وتمنحهم شهادات وأوسمة لحسن سلوكهم، والأغرب أنها تتحدي العالم وتستخدم الفيتو ضد أي قرار يدين حليفتها إسرائيل لمصادرتها الحقوق وارتكابها أبشع الجرائم. فهي تنشر قواعدها وحاملات طائراتها وجنودها وجواسيسها في أنحاء المعمورة، وتقريرها السنوي حول حقوق الإنسان في العالم، يوجه أصابع الاتهام إلي دول أخري، مستخدماً أساليب بشعة لا تمت للحقيقة بصلة. مستهتراً بموضوع حقوق الإنسان لمصلحة أمريكا، من خلال إصدار تقييمات منحازة ومعايير مزدوجة، بينما تتستر واشنطن علي انتهاكات حقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة نفسها، وفي دول أخري حليفة لها، مثل الكيان الإسرائيلي الذي يخرق يومياً وبشكل إجرامي ممنهج حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي في الأراضي المحتلة. إن الاهتمام المزيف بحقوق الإنسان من قبل أمريكا وحلفائها هدفه الهيمنة والاستحواذ علي ثروات الشعوب. أما الدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان فهو مهمة سامية علي المجتمعات الإنسانية نشرها وتحقيقها من خلال احترام القانون الدولي ومبادئه ومن خلال التعاون المثمر بين جميع الشعوب. ومن الواضح أن إدارة 'أوباما' تلعب بالنار المستعرة في المنطقة وهذه النار لا تعرف التمييز في حال اشتدادها وتمددها بين المصالح الأمريكية وغيرها وربما سيكون البادئ بإشعالها أول من يأتيه الحريق.