يجري الآن تأسيس نظام سياسي جديد في مصر استنادا إلى دستور 2014 ولما كانت البلاد تواجه تحديات خطيرة متمثلة في أعمال العنف والإرهاب الأمر الذي قد يغري باعطاء الأمن رغم أهميته أولوية على حساب التنمية والديمقراطية وقد وقعت مصر في هذا الخطأ من قبل في بداية التسعينيات مع تصاعد العمليات الإرهابية وكان هذا على حساب التنمية والديمقراطية فكانت النتيجة ان الاخفاق التنموي والديمقراطي أدى إلى نتائج سلبية شديدة ولم تفلح الدولة الأمنية البوليسية في منع ثورة 25 يناير التي كانت واعية بالنتائج المترتبة على العلاقة المتبادلة بين الأمن والتنمية والديمقراطية باعتبارها أساس بناء دولة حديثة قادرة على تلبية احتياجات المواطنين وتحقيق العدالة والمساواة بينهم. وتبدو العلاقة المتبادلة بين التنمية والديمقراطية والأمن في الحكم الصالح الذي يعد رابطاً مركزياً بين هذه البنى الثلاثة، حيث يعد هذا الحكم آلية لمنع الصراع الذي ينشأ من تصاعد التوترات الاقتصادية والاجتماعية إلى صراعات تعد عقبة رئيسية أمام التنمية الإنسانية المستدامة، ولهذا فإن استراتيجيات التنمية التي تركز على أسس الحكم الصالح تقدم أحسن الفرص لتنمية إنسانية مستدامة في ظل ظروف سلمية، ومن ثم فإن الإخفاق التنموي يتولد عن صعود دولة الأمن وتراجع التنمية في سلم أولوياتها إلى ما دون الأجندة الأمنية بما يشمله ذلك من انفرادية بالسلطة وتغييب للمشاركة السياسية في المجتمع، مع افتقار هذه الدولة لرؤية استراتيجية تنموية بما في ذلك إجهاض دور القطاع الصناعي وإضعاف القطاع الخاص وإشاعة الثقافة الاستهلاكية، وإفساح المجال للفساد والعلاقة العضوية بين نخبة السلطة الأمنية ونخبة الثروة، ليعود هذا الإخفاق التنموي فيؤدي إلى خلل في الأمن المجتمعي من خلال الفقر والبطالة والتهميش، فينتشر العنف والعشوائيات، وتعلو التيارات الدينية المتطرفة ويحدث الاستقطاب الطائفي، مما يشكل بيئة طاردة للاستثمار وتوقفاً في العملية التنموية بل وتراجعها. ومن الناحية العملية يبدو التشابك متزايدا بين التنمية والأمن والديمقراطية، في مفهوم التنمية كعملية توسيع الخيارات أمام البشر، وهو الذي شمل فيه الأمن المجتمعي حيث البشر يستطيعون الاختيار بأمان وحرية، بما يعني وجود علاقة داخلية بين المفهومين حيث يرتب التقدم في أحدهما التقدم في الآخر والعكس صحيح، فالإخفاق التنموي يحدث خللا أمنيا، وهذا بدوره يقود إلى العنف فيتعزز هذا الإخفاق، وكان برنامج الأممالمتحدة الإنمائي قد حدد تسعة أبعاد للأمن المجتمعي وهي: الأمن الاقتصادي، والأمن المالي، والأمن الغذائي، والأمن الصحي، والأمن البيئي، والأمن الشخصي وأمن النوع، والأمن السياسي، وأمن المجتمعات المحلية. وهناك منهجان في التعامل مع علاقة الأمن بالتنمية، الأول يساوي التنمية الإنسانية بالأمن المجتمعي بافتراض أن الأمن المجتمعي يشمل إلغاء كل أنماط هذا الأمن، والثاني أخذ مفهوماً ضيقاً يركز على حماية الأفراد والمجتمعات من العنف، حيث تبين للمشاركين أن كلا من التنمية الإنسانية والأمن المجتمعي بناء مفهومي واضح ولكنهما متكاملان، وأن التحرر من الخوف من العنف يقع في قلب الأمن المجتمعي، هذا العنف الذي يشمل ثلاثة مكونات وهي الصراع والجريمة والكبت، وأن الدولة هنا ذات دور مزدوج، وهي إما أن تكون آلية لتحقيق الأمن المجتمعي أو مصدراً لتهديد هذا الأمن، ومن هنا تبدو الحاجة إلى الديمقراطية، ويظهر الارتباط القوي بين التنمية والأمن المجتمعي في مجالات: إنفاذ حكم القانون، وتنمية احترام حقوق الإنسان، ومنع التمييز الاقتصادي والمالي، وآليات حل الصراعات الاجتماعية بدون عنف، وإقرار درجة كافية من الاستقرار السياسي تتيح للأفراد العمل التنموي المخفض للفقر. فالاتجاه الذي كان سائداً هو أن الأمن الذي يضع الأفراد والمجتمعات في مركزه هو شرط أساسي وأولي للتنمية، وأن التنمية عملية شرطها الأمن، وهو ما اتخذ مدعاة لتعطيل التحول الديمقراطي في أحيان كثيرة وتراجع أو تأجيل العملية التنموية. ولابد من التأكيد على ان بناء وتدعيم الأمن يمكن أن تعززه التنمية والعكس، فالتنمية عملية متعددة الأبعاد تحتوي على تغيرات رئيسية في البنى الاجتماعية والاتجاهات الشعبية والمؤسسات الوطنية والنمو الاقتصادي وتخفيض عدم المساواة وإزالة الفقر، وهذه التغيرات الأساسية تشمل قيم الاستدامة والاحترام الذاتي والقدرة على الاختيار على المستويين الفردي والمجتمعي على السواء محددة في نهايته مفهوم التنمية كما انتهى إليه برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، وما كان لهذه التنمية أن تقوم في غيبة الأمن والديمقراطية. وتعد الدولة آلية ضرورية في بناء علاقة متبادلة بين الأمن والتنمية والديمقراطية، وحتى تنجز دورها فإنه يتعين أن تكون هذه الآلية نفسها آمنة ومتطورة، ولكن ليس كغاية في ذاتها، أي بحيث لا يعد تأمين النظام السياسي هو الهدف الرئيسي والنهائي، ويعد الاختبار الأول والنهائي للأمن هو المجتمع الذي يتسم بالعدالة حيث الناس فيه هم اللاعبون الرئيسيون والمرجع والوسيلة لتحقيق الأمن، وتبدو رشادة هذا الأمن في تمكين الناس من التنمية وأن يكونوا مهندسي حياتهم، وأن يقرروا معاً القيم التي تشكل هذه الحياة حتى لا نعود مرة أخرى إلى بناء نظام سياسي يعلي من شأن الأمن على حساب التنمية والديمقراطية مما كان سببا في الأزمة الشاملة التي واجهها المجتمع المصري قبل ثورة 25 يناير وما ترتب على ذلك من اتساع البطالة وانتشار الفقر وتعمقه وتزايد العنف والجرائم على النفس والمال وانتشار الإدمان بين الشباب وصعود تيارات التطرف الديني ليعود ذلك فيؤدي من جديد إلى التأثير سلباً على التنمية. نقلا عن جريدة الأهرام