نقلاً عن الجمهورية 16/10/2007 أمريكا وإسرائيل دولتان تقودان العالم إلي الحرب الأيديولوجية أو كما نسميها صراع الحضارات وهذا ناتج عن تبني الدولتين الفكر العقائدي بدلاً من الفكر السياسي وتطويع جميع الانجازات الانسانية والقوة الاقتصادية والعسكرية لخدمة الأهداف العقائدية ونتج عن هذا الفكر أن الارهاب أصبح ناتجاً طبيعياً من نتائج تحول الحضارة الانسانية إلي هذا الاتجاه فقتل المدنيين وسرقة الدول واحتلالها وتفريغ الأمن من عوامل بقائها ومن مضمونها الأخلاقي والتاريخي له مبررات دينية متعصبة ومتطرفة. من هذه الافتتاحية أبدأ المقالة عن الحضارات التي تعمل ضد الانسانية والتي أخذت الاتجاه العقائدي مبدأ لها. أولاً: نبدأ بإسرائيل والدولة اليهودية. ففي البداية أراد العالم أن يتخلص من اليهود وذلك بتجمعهم في دولة واحدة نظراً لخطورة وجودهم كأقليات داخل الدول. وعندما تم إنشاء دولة إسرائيل كانت مقومات بنائها وبقائها هو العرق "الجنس السامي" والعقيدة اليهودية ونفس مقومات البقاء هي مقومات فناء دولة إسرائيل للأسباب الآتية: أولها أن إسرائيل بعد انشائها مباشرة لم تقم بعملية التحول من الدولة الأيديولوجية إلي الدولة المدنية فكان لابد من التخلص من الميراث العقيدي والعرقي وتبدأ في بناء حضارة انسانية خاصة بها. ولكن حدث العكس تمسكت إسرائيل بالمشروع الأيديولوجي لها "دولة من النيل إلي الفرات وسيادة الجنس السامي علي باقي الأجناس" وهذا المشروع أخذ يتنامي شيئاً فشيئاً حتي أصبح العرق والعقيدة هما المسيطران علي الدولة وعلي وجدان رجل الشارع الإسرائيلي. ونتج عن هذا التنامي المطرد للعقيدة والعرق ان ابتعدت إسرائيل عن الحضارة الانسانية وأصبحت تعمل ضد الانسانية لأن غطاء الدولة الأيديولوجية هو العرق والعقيدة والسلاح وهو يتناقض مع غطاء الحضارة الانسانية وهو تطور الفكر والتشريعات. وبالتالي لن يكون لإسرائيل أي رصيد في الحضارة الانسانية فجميع الأرصدة الحضارية ذهبت في خدمة الاتجاه العقيدي والعرقي. ثانياً: أما بالنسبة لأمريكا التي تقدم الدعم المادي والمعنوي لإسرائيل بدأت تفقد الرصيد الحضاري لها لنفس الأسباب وهي ذهاب الأرصدة الحضارية لأمريكا لخدمة العرق والعقيدة وبداية أخذ التشريعات وأبجديات الوجود من الاتجاه العقيدي. والدليل علي ذلك اتحاد المسيحية اليمينية مع اليهودية في أمريكا والدول التي تدور في فلكها ليصبح الفكري العقيدي الجديد هو رأس الحربة الأول في السياسة الخارجية لهذه الدول. وهذا يدعونا إلي التساؤل عن أسباب تحول الحضارة الانسانية إلي الاتجاه العقيدي؟ بداية لابد أن نعرف كيف تحول الصراع العرقي العربي الإسرائيلي إلي صراع ديني بين الإسلام والمسيحية واليهودية. في الدولة اليهودية ونتيجة سيطرة فكرة سيادة الدين اليهودي والجنس السامي علي رجل الشارع العادي وعلي مؤسسات الدولة. نتيجة لهذه السيطرة أصبحت الحلول السياسية غير مطروحة للنقاش وظهر نتيجة للدولة الأيديولوجية القطب المضاد لها بتحول المقاومة في الأراضي المحتلة من محاولة تحرير الأرض من الاحتلال إلي صراع بين الجنس العربي والجنس اليهودي. وصراع بين الدين الإسلامي والدين اليهودي. وتحول الصراع من صراع علي الأرض إلي صراع بين العقائد والأجناس. وهكذا بدأ تكوين النواة الأولي لصدام الحضارات ونتيجة انضمام أطراف أخري للصراع فنجد أن العالم العربي والإسلامي انضم إلي المناداة بسيادة الجنس العربي والعقيدة الإسلامية كطرف أول في الصراع بينما نجد أن الدولة الأمريكية والدول الأوروبية انضمت إلي طرف الدولة اليهودية وينادون بسيادة الجنس السامي والعقيدة اليهودية ويظهر هذا في الاتحاد العقيدي من المسيحية واليهودية وتحولت دول كثيرة من أطراف الصراع إلي الدولة الأيديولوجية مثل أمريكا وأوروبا وهناك طرف ثالث للصراع هو المصالح الاقتصادية والسياسية للدول التي تحقق مكاسب لها من خلال إدارة هذا الصراع وبهذا أصبحت المواجهة والصدام حتميا بين الحضارات وليس بين فلسطين وإسرائيل وحدهما. وأصبح صراع الحضارات وصدامها ناتج تحول الصراع من صراع علي الأرض إلي صراع علي العقيدة والعرق. ومع انتشار هذا الصراع سوف يكون العرق والعقيدة هما المرجعية الأساسية للفكر الانساني في بناء نظم الحكم والسياسة والاقتصاد وفي تكوين الوجدان الانساني وتبدأ الانسانية تفقد التراث الفكري والحضاري لها لتعود الانسانية إلي الوراء قرونا عديدة ولهذا فلابد من الدعوة إلي نزع السلاح الأيديولوجي من الصراع بين الدول وتحويله إلي صراع سياسي أو عسكري فكلاهما قابل لانتصار أحد الأطراف علي الآخر أما الصراع الأيديولوجي الذي تديره أمريكا وإسرائيل فهو ينتشر مثل الخلايا السرطانية ولا نهاية له.