وصلتني هذه الرسالة، كان يمكنني أن أسرد الحكاية الموجودة بها وخلاص، لكن ثمة كلمات صادقة أكبر من الحكاية تعبر عن وجع فتاة مصرية قد تكون أختي أو ابنة جيراني، كان يجب أن تخرج للنور لتعرف أن بعض أمهات المستقبل قد لا يربين أولادهن علي حب البلد.. وساعتها لن نستطيع أن نلومهن. الرسالة مهداة لأولياء أمور طلاب مدرسة الأورمان ولإدارة المدرسة. تقول الرسالة: «أنا لجين تامر إبراهيم. في حوالي الساعة الواحدة والنصف ظهرا نزلت من أتوبيس الجامعة أنا وصديقتي وتمشينا حتي ناصية الشارع في انتظار أبوينا ليمرا ويأخذانا. وقفنا نتحدث عن الجامعة والمواد والمحاضرات وفي هذا الوقت كان طلاب مدرسة الأورمان بالمعادي «صبيان وبنات» في مختلف الأعمار ما بين الإعدادية والثانوية قد أنهوا يومهم الدراسي وكانوا يملأون الشارع. مروا في مجموعات من جانبي أنا وصديقتي وكان أغلبهم «مولع» سيجارته، مروا من جانبنا وعيونهم تقفز علي أجسادنا. خجلت ونظرت في الأرض ثم نظرت لنفسي. فأنا فتاة أرتدي الحجاب بإرادتي وكنت أرتدي ملابس طويلة.. جاكت طوله قبل الركبة. المهم مرت مجموعة أخري من الشباب ومشوا ببطء.. أبطأ ممن قبلهم. كانوا خمسة صبيان مرَّ أولهم ومرَّ جسده.. لكن يده لم تمر. مشي وبقيت يده لتلمس أعلي رجلي وتتحسسها. لست ممن يسكتون عن حقهم. ولا أقدر أن أعيش يومًا ولي حق لم آخذه. التفتُّ وأنا لا أدري ماذا أفعل. أسمع أنه في هذه المواقف تأتي للإنسان مليون فكرة في نفس الوقت. لكن للحظة كان مخي خاليًا تمامًا.. غبت عن الوعي للحظة.. ما الذي حدث؟ هو فعلاً لمس جسدي؟! يعني حط يده عليَّ؟ مسكني؟! التفت ونظرت له وكان قد بعد بخطوات قليلة وكان ينظر لي ويضحك فصرخت بأعلي صوتي «إنت حيواااااااان». وجدت صديقتي تحاول أن تهدئني ولكن فكرة أن الولد لمسني سيطرت عليَّ، فجريت وأنا في شدة العصبية لألحق بهم فإذا بهم يجرون بسرعة ويمرون الشارع ويدخلون شارعًا جانبيًا. سبقوني وجروا ولكن أصررت علي أن أمر الشارع وأذهب حتي أوبخهم وأمسكهم حتي يأتي أبي ويفعل بهم ما يفعل. ولكن أمسكت صديقتي يدي بعد أن جاءت جريًا ورائي وشدتني إلي الرصيف. تم التحرش بي. من أنا؟ أنا لجين تامر إبراهيم.. مصرية كانت عايشة في وهم التفاؤل.. كنت أري النور في أي مكان مهما كان مظلمًا.. رأيت بلدي ازداد فقرًا فزودت تصدقي. رأيت الجهل قد ملأ الأطفال الفقراء، فتصادقت أنا وعشرة من أولاد البوابين واشتريت لهم القصص والكتب. رأيت أسنانهم قد اصفر لونها فأسرعت بإحضار معجون أسنان وفرش لهم. شممت رائحة شارعهم ولاحظت قذارته فأحضرت مقشات وجاروفا وبأيدينا أنا وهم ملأنا 53 كيسًا من القمامة، إنجاز لطالما افتخرت أنا وأصدقائي الصغار به. لم أر في حياتي طفلاً يبكي في الشارع إلا وذهبت له وخففت عنه. لم يحدث أن سألني شحاذ عن مال قط إلا وأعطيته، حتي في مرة نسيت محفظتي ولم يكن في حقيبتي إلا جنيه واحد وعندما مدت لي بنت يدها أعطيته لها. يا مصر أنا باعمل كل ما في وسعي، ده جزائي؟ يا ديني، أنا لبست الحجاب ولكنه لم يحمني في قاهرة الذئاب، ماذا أفعل؟!.. ويا حكومة هو ده التعليم؟ لو الولاد بيتعلموا في المدارس أي حاجة أي كلمة عن الدين كانوا حيطلعوا يشربوا سجائر والله أعلم إيه غيرها ويمسكوا ما حرم رب العالمين؟!. أنا حاولت يا بلدي أن أعطيك ولم أطلب أي شيء في المقابل.. لم أطلب ما هو ليس من حقي.. وفي الآخر تُسْلَب كرامتي. أنا اتهنت فيك يا أم الدنيا. قيل لي ربنا سوف يحاسبه. ولكن ماذا عن شعوري بالذل والهوان؟ كيف أنام في الليل وأنا لي حق لم آخذه؟ مهما حاولوا سأظل دائمًا متمسكة بتفاؤلي حتي وإن كان وهمًا. سأظل لجين الإيجابية. مهما زاد فسادك يا أم الدنيا لن يموت حبي لك.. أحبك يا مصر بس زعلانة منك يا بلدي.. زعلانة أوي».