.. أعجبني جداً مقال الدكتور أسامة الغزالي حرب دفاعا عن الأحزاب المصرية ، من تلك الهجمة غير المبررة التي تساوي بين العامل والباطل.. .. عرفت مصر أحزابا ماتت قبل أن تولد، كما عرفت أحزابا ولدت كي تحتل مكانا بارزا في صفحات التاريخ والفارق بين الأحزاب المصنوعة بالقرار الإداري والأحزاب التي تصنع التاريخ بيديها العاريتين في ظل أنظمة فاسدة وظالمة ومستبدة، قدرة هذه الأحزاب أن تدفع استحقاقات الوجود والخلود، بينما الأحزاب المصنوعة بالقرار الإداري تبقي أسيرة من صنعوها خاضعة وخانعة لقواعد اللعبة تقبل بالممكن والمتاح ولا تسعي لتغييره. .. مثلاً الغد خرج من رحم الأمة كحركة ضمير تؤمن بالليبرالية والحرية وشرائع الله السماوية وثوابتها المصرية والإسلامية والقومية وشاء القدر أن تتحول هذه الحركة الجيلية النابضة بدماء جيل جديد ومختلف إلي حزب سياسي استفاد من غطاء القرار الإداري، وكرس آليات العمل كحركة صادفت غطاء وليس غطاءً يبحث عن حركة. .. بعد أقل من 90 يوما من ميلاد الغد «الحزب» أدرك من يملكون القرار الإداري فداحة الخطأ الذي وقعوا فيه والخطر الذي يتعرضون له من قيام حزب يمثل جيلا مختلفا وآليات ولغة مختلفة وبروح الحركة حيث لا سكون ولا مواربة ولا مناطق رمادية ولا شعارات دخانية.. في اليوم ال 89 كانت الضربة الأولي بالقبض عليّ بعد مهزلة رفع الحصانة في دقائق. .. لم نسقط مغشيًا علينا من الصدمة، لم نطلب الصفح والغفران والتوبة النصوح بل علي العكس أدركنا أننا علي الطريق الصحيح.. نعم سقط البعض منا خوفا من سيف المعز أو طمعاً في ذهبه، لكن هذا السقوط أبرز من بين الصفوف قيادات جديدة وجادة في خوض معركة الأمة التي كان البعض متشككا في قدرة وصدق مواقفها بعد أن تبين للجميع أننا لسنا جزءًا من صفقة ولا مسحوقا لتجميل وجه نظام قبيح. .. لم تقتلنا الضربة الأولي في يناير 2005 بل شدت من ظهورنا ونقت من صفوفنا وفي مرحلة سجني الأول خرجت الجريدة وأنا سجين وأعلنت رسميا تقدمي لمنافسة الرئيس من داخل زنزانتي الصغيرة ، وخاض الحزب معارك ضارية وهو وليد لم يتجاوز عمره عدة أشهر ونجح في أن يحقق عام 2005 ما لم تحققه أحزاب عمرها ثلاثة أرباع القرن رغم أنني خلال هذا العام قضيت مطلعه ونهايته في غياهب السجون وأغلبه في رحلات شبه يومية بين أقفاص الاتهام والنيابات والمحاكم. .. كان غيابي حضورا لحلمي وأملي في حزب شاب لا ترهبه السجون والمعتقلات ولا تحاصره أسوار المقرات ولا تسيل لعابه عوائد الإعلانات والتوازنات والمواءمات. .. كان هذا الغياب إعلانا عن حضور حزب مدني لا يرفض أو يتملص من رفع استحقاقات الحرية وثمنها الذي مهما بلغ يبدو زهيدا مقابل حرية وطن وتحرير إرادة أمة تنتظر من تصدقه بعد سنوات كانت تري فيها المعارضة هي الظل الباهت للنظام. .. نعم لم نسلم من محاولات التشويه والتجريح والاتهامات الوضيعة كمطلقيها بالعمالة والتمويل الأجنبي وخلافه من الأكاذيب التي استندت لتعاطف برلمانات شعوب حرة مع ما نتعرض له من ظلم وتلفيق وتنكيل.. صحيح لم يكن لدينا آليات للرد بحجم آليات الترويج لهذه الأكاذيب المختلقة لكن الأيام كشفت فقرنا المالي الشديد وغني شرفنا السياسي والوطني. .. رغم أننا حصلنا علي ضعف الأصوات مما حصلت عليه جميع الأحزاب المشاركة في انتخابات الرئاسة عدا الوطني بالطبع إلا أننا كنا الأفقر علي الإطلاق والأقل إنفاقا ولكن الأكثر حركة وتواصلا مع الناس لم نشتر حتي الآن مقرا واحدا ولم يمول صحيفتنا الموقوفة معلن أو جهة داخلية أو خارجية لتسقط شائعات التمويل والعمالة التي ربما كان الأولي أن توجه لأصحابها. فإذا كانت السجون والمعتقلات هي المصنع الحقيقي للقيادات والزعامات الحقيقية والأمثلة في التاريخ القديم والحديث شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، مازالت ماثلة في الأذهان، فالسجون والمعتقلات هي أيضا التي تصنع الأحزاب والحركات السياسية غير المزيفة والمرشحة للبقاء. لا تهنوا يا إخواني ولا تحزنوا.. التفوا حول الغد الفكر والمعني والحزب والأمل، افتحوا أبوابكم لكل شرفاء الوطن وافتحوا قلوبكم لكل الداعين للإصلاح الحقيقي واجهضوا بعنف كل محاولة لاغتيال الغد أو السطو عليه وواجهوا بكرم وسخاء كل محاولة لخنقه والتضييق المالي عليه. فالغد أمانة في أيديكم فمدوها للجميع ولا تغلقوا أبوابكم أو قلوبكم في وجه أي مصري يحمل لمصر ما تحملوا من حب وولاء هي لحظة في حسابات تاريخ الأمم «ويخلق الله ما لا تعلمون» نعم ساعة السجن بألف عام لكن لحظة الحرية وفرحة الخلاص ستمحو آلام وأحزان السنين فاستهدفوها ولا تروا غيرها إنها بإذن الله لقريبة.. قريبة جدا. قريبة أكثر مما تتصورون!!!