إصابات مباشرة بعدة مواقع في تل أبيب وانقطاع الكهرباء نتيجة الهجوم الإيراني    إيران تشن أوسع هجوم صاروخي على إسرائيل حتى الآن    قوات الحرس الثورى الإيرانى تُسقط 3 طائرات إسرائيلية فى زنجان وسنندج    عادل عقل: تعادل بالميراس وبورتو يشعل مجموعة الأهلى.. وفوز كبير للبايرن بمونديال الأندية    بعد 4 هزائم متتالية.. أمريكا تستعيد الانتصارات بالفوز على ترينداد وتوباجو بالكأس الذهبية    وسائل إعلام إسرائيلية: عدة مواقع في تل أبيب تعرضت لدمار كبير    أحمد السقا يرد على تهنئة نجله بعيد الأب.. ماذا قال؟    الشروق تجيب.. لماذا يتصدر الأهلي مجموعته بعد الجولة الأولى في المونديال؟    ميدو يتوقع خروج الهلال مبكرا من كأس العالم للأندية    «بكاء واعتذار».. تقرير يكشف تفاصيل ما حدث في أزمة تريزيجيه داخل الأهلي    إيران: مقتل 224 مواطنا على الأقل منذ بدء هجمات إسرائيل يوم الجمعة    ارتفاع قتلى الهجوم الإيراني على إسرائيل إلى 16 قتيلا    فيديو.. الأمن الإيراني يطارد شاحنة تابعة للموساد    خلال عودته من الديوان العام للاستراحة.. المحافظ يتجول بدراجة هوائية بشوارع قنا    مجموعة الأهلي.. نتيجة مباراة بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مراجعة اللغة الفرنسية الصف الثالث الثانوي 2025 الجزء الثاني «PDF»    انكسار حدة الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تعلن مفاجأة بشأن طقس الساعات المقبلة    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    أحمد سعد يشعل حفل الجامعة الأمريكية، ويحيي الأوائل    وفاة تلميذ متأثرًا بإصابته بلدغة ثعبان في قنا    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    صرف الخبز البلدي المدعم للمصطافين في عدد من المحافظات    زيادة جديدة ب 400 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الإثنين بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    مصرع طفلتين في حريق بمنزل أسرتهما بالزقازيق    ضبط موظف تحرش براقصة أرجنتينية في العجوزة والأمن يفحص    إيران تبلغ الوسطاء رفضها التفاوض على وقف إطلاق النار مع إسرائيل    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الإثنين والقنوات الناقلة    وزير الثقافة يشيد ب"كارمن": معالجة جريئة ورؤية فنية راقية    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    يسرا: «فراق أمي قاطع فيّا لحد النهارده».. وزوجها يبكي صالح سليم (فيديو)    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    رجال الأعمال المصريين الأفارقة تطلق أكبر خريطة استثمارية شاملة لدعم التعاون الاقتصادي مع إفريقيا    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    غرفة الصناعات المعدنية: من الوارد خفض إمدادات الغاز لمصانع الحديد (فيديو)    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يكتب:هل فشلت تجربة الأحزاب السياسية فى مصر؟
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 05 - 2010

كلما شاهدت مواكب العمال والموظفين والمهنيين والنقابيين تتدفق وتطوف حول مجلس الشعب ومجلس الوزراء ومجلس الشورى وتواصل الليل بالنهار تساءلت هل كان من الممكن أن يحدث ذلك لو أن فى مصر أحزابا سياسية حقيقية.. هل كان من الممكن أن يحدث ذلك فى ظل معارضة قوية وفى ظل ضمانات توفر لها العمل والحماية أن السبب فى هذه الظواهر أن الأحزاب السياسية فى مصر لا تقوم بدورها ومسئولياتها وأنها رضيت لنفسها ورضيت لهذا الشعب حالة من السكون والسلبية تؤكد أن الأحزاب السياسية عندنا لم تكن يوما صاحبة دور ورسالة..
هذه المواكب من المواطنين التى تنام على أرصفة الشوارع ولا تجد طعاما ولا شرابا وجاءت بنفسها لتلقى همومها أمام المسئولين النائمين فى مكاتبهم بالقاهرة ولا أحد يستجيب لها.. هذه المواكب من أصحاب المهن كان ينبغى أن تجد وسائل أخرى أكثر إنسانية حتى لا تنام على الأرصفة وحتى لا تصرخ ولا أحد يستجيب.. إذا كان هناك طرف غير أجهزة الدولة يتحمل مسئولية ذلك فهى الأحزاب السياسية الورقية التى اكتفت بإصدار صحيفة ووضع لافتة على المقر.. وانتظار الإعانة السنوية التى تقدمها الحكومة.
بين لافتة وتاريخ.. حال الأحزاب المصرية
حين تقرأ قائمة الأحزاب السياسية فى مصر تشعر بالخجل حين تكتشف أن فى المحروسة 24 حزبا سياسيا.. وتتساءل عن أسماء هذه الأحزاب وتكتشف أنك لا تعرف منها شيئا باستثناء لافتة عريضة تسد عين الشمس اسمها الحزب الوطنى الديمقراطى وحزب له إشعاع قديم فى قلوب المصريين هو حزب الوفد.. وقد تتوقف أمام ذكريات رحلت مع حزب التجمع أو حزب العمل المرفوع من الخدمة منذ سنوات ولكن قد تتذكر حزب الأمة ورئيسه الراحل الشيخ أحمد الصباحى وهو يطالب الحكومة بزيارة المنحة المخصصة للأحزاب وهو يصيح «هل تطلبون منا أن نعارض ببلاش».
تاريخ حافل للأحزاب السياسية فى مصر قبل الثورة.. انطلقت أول شرارة لحزب سياسى مصرى مع مقاومة الاحتلال الإنجليزى من خلال صيحة أطلقها شاب مصرى هو مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطنى فى عام 1907. ومع اتساع الحركة الوطنية التى تطالب بالاستقلال عرفت مصر حركات سياسية متعددة امتدت من أقصى اليمين فى تنظيم الإخوان المسلمين على يد الشيخ حسن البنا حتى اغتياله أمام جمعية الشبان المسلمين فى شهر فبراير عام 1949..
على الجانب الآخر كان الحزب الشيوعى المصرى «حدتو» الذى تأسس فى عام 1947 وشارك فيه عدد من ضباط ثورة يوليو كان من بينهم يوسف صديق وخالد محيى الدين وأحمد حمروش.
ولم تكن هذه الأحزاب تمثل أهمية كبيرة فى الشارع المصرى حتى ظهر زعيم الأمة سعد زغلول وحمل مطالب الشعب فى الاستقلال وهنا كان أول ظهور لحزب الوفد فى عام 1918 حيث تجمعت فيه كل أحلام الأمة وكل طوائفها من مسلمين وأقباط..
واستطاع حزب الوفد أن يكون صاحب الأغلبية الساحقة طوال ما يقرب من ثلاثين عاما حتى قامت ثورة يوليو وأطاحت بجميع الأحزاب السياسية.. استطاع حزب الوفد أن يصل إلى السلطة ويفوز من خلال انتخابات صحيحة بتشكيل الوزارة أكثر من عشر مرات ما بين عام 1926 وحتى قيام الثورة.. شكل الوفد وزارات مصر فى أعوام 1926 و28 و30 و36 و37 و42 و44 و50 و52.. ومع قيام الثورة أغلقت ملفات الأحزاب السياسية والانتخابات وأجهضت تماما واحدة من أكبر التجارب الحزبية الناجحة فى دول العالم الثالث.
ثورة يوليو تعصف بتجربة مصر الحزبية
كانت هناك ثلاث تجارب حزبية رسخت فى دول العالم الثالث فى آسيا وأفريقيا.. كانت التجربة الأولى فى الهند.. وكانت الثانية فى مصر وكانت الثالثة فى نيجيريا.. أطاحت الانقلابات العسكرية بالتجربة النيجيرية.. بينما عصفت ثورة يوليو بالتجربة الحزبية الصاعدة فى مصر ولم يبق غير تجربة الهند والتى أصبحت الآن واحدة من أهم التجارب الحزبية الناجحة ليس فى العالم الثالث ولكن على مستوى العالم كله.مع قيام ثورة يوليو ودعت مصر أحزابها القديمة.. الوفد بكل ثقله السياسى والتاريخى والوطنى.. ومصر الفتاة.. والأحرار الدستوريين والهيئة السعدية.. وحزب الأمة والاتحاد والكتلة الوفدية والحزب الوطنى وانتهت مع قيام الثورة هذه التجارب الواعدة التى كان من الممكن أن يكون لها شأن آخر فى تاريخ مصر السياسى..
لم يكن النظام السياسى لثورة يوليو قادرا على استيعاب الرأى الآخر أو ظهور معارضة سياسية فى ظل مركزية السلطة التى وصلت أحيانا إلى درجة من درجات البطش والاستبداد.. وهنا أطاحت الثورة بكل رموز الأحزاب السياسية التى توقف نشاطها وألقت بعدد كبير من رموز هذه الأحزاب من المفكرين والسياسيين فى السجون والمعتقلات.. وهنا خسرت مصر جيلا كاملا من الرموز السياسية التى لعبت دورا كبيرا فى قضايا المجتمع ابتداء بقضايا الاستقلال الوطنى والحريات وانتهاء بالتعليم وحقوق المرأة واحترام إرادة الشعب.
رغم أن البيان الأول لثورة يوليو تحدث عن الديمقراطية إلا أن هذا البند بقى حلما بعيد المنال، ففى ظل نظام الحزب الواحد كان من الصعب بل من المستحيل أن يكون للديمقراطية الحقيقية مكان فى حياة المصريين.. من هنا انتقلت مصر فى دوامة الحزب الواحد من هيئة التحرير إلى الاتحاد القومى إلى الاتحاد الاشتراكى إلى المنابر ثم حزب مصر حتى وصلت بنا الآن إلى الحزب الوطنى وقد حمل كل تراث هذه الأحزاب الشمولية طوال خمسين عاما.
لن نبالغ إذا قلنا أن الحزب الوطنى حزب الأغلبية الآن قد حمل كل أمراض التجارب السابقة سواء فى نظام الحزب الواحد أو التعددية الحزبية أو المنبرية نسبة إلى المنابر التى وضعها الرئيس السادات وانتقل بها إلى الحياة الحزبية التى نشاهدها الآن.
رغم أن مصر عاشت فترات مختلفة مع تجارب الحزب الواحد والتعددية الحزبية إلا أنها بقيت بعيدة من حيث الشكل والمضمون عن الفكر الديمقراطى الحقيقى.. وربما كان السبب فى ذلك أن كل ما جاء من تنظيمات سياسية بعد ثورة يوليو كانت تنظيمات فوقية فرضتها السلطة المركزية ولم تخرج من جموع الشعب..
حتى الأحزاب التى حملت لافتة المعارضة كانت تجىء من خلال اختيارات صريحة للسلطة سواء فى رموزها أو برامجها أو دعم السلطة لها.. وعندما أعلن الرئيس السادات إنشاء أحزاب جديدة اختار مصطفى كامل مراد.. وإبراهيم شكرى وفؤاد سراج الدين ليكونوا على رأس هذه الأحزاب ورغم أن لكل واحد منهم تاريخه السياسى والوطنى الحافل إلا أن الاختيار فى حد ذاته كان اختيار السلطة وليس اختيار الشعب..
مليون مواطن ينضمون للوفد الجديد في الأهرام
ورغم كل ما فعلته ثورة يوليو بالأحزاب السياسية إلا أن ظهور رموز مثل فؤاد سراج الدين وإبراهيم شكرى كان كفيلا بأن يحرك الحياة السياسية فى مصر ظنا بأن الزمن يمكن أن يعود إلى الوراء.
وهناك قصة يمكن أن أرويها الآن حدثت يوم إعلان قيام حزب الوفد الجديد فقد كنت يومها مسئولا فى الديسك المركزى بالأهرام فى عام 1978مع الزميل الراحل حسن فؤاد ووصل إلينا خبر صغير يقول إن مليون مواطن مصرى انضموا إلى حزب الوفد الجديد..
كان حسن فؤاد قد أستأذن ساعة واحدة وترك لى المسئولية وحدى لكى يزور والدته المريضة وبلا تفكير أرسلت الخبر إلى المطبعة لينشر فى الصفحة الأولى فى الأهرام تحت عنوان «مليون مواطن ينضمون إلى حزب الوفد الجديد» وفى صباح اليوم التالى رأيت مكتب رئيس التحرير وكان يومها الأستاذ على حمدى الجمال يسأل عنى.. والتقيت بالأستاذ على الجمال ورأيته ثائرا غاضبا رغم أنه كان دائما دمث الخلق هادئ الطباع.. وقال لى ماذا فعلت هل هذا معقول..
خبر فى الصفحة الأولى فى الأهرام عن انضمام مليون مواطن لحزب الوفد.. قلت له أنا آسف كانت الصفحة الأولى مزدحمة بأخبار مهمة ولم أجد مساحة تكفى لنشر الخبر على مساحة أكبر.. وازداد الأستاذ على الجمال غضبا: هل كنت تريد نشره فى مساحة أكبر؟ قلت: كان يستحق ذلك.. ولم أستطع أن أوقف غضب رئيس التحرير غير أن أستأذنه وأمضى.. ويومها عرفت أن هيئة الإذاعة البريطانية أذاعت الخبر فى مقدمة نشرتها الصباحية وأن الرئيس السادات أتصل بالأستاذ الجمال وعاتبه كثيرا على نشر هذا الخبز.
هذه القصة تؤكد أن قصة إنشاء أو عودة الأحزاب السياسية فى مصر كانت تخضع لحسابات خاصة بعيدة تماما عن القواعد الحزبية والسياسية التى عرفتها مصر ومارستها قبل ثورة يوليو.
تجربة حزبية لم تكتمل
بقيت الأحزاب السياسية فى مصر تجربة لم تكتمل رغم الأعداد الكبيرة التى أضيفت إلى قوائم الأحزاب التى بلغت 24 حزبا فى مصر الآن الحزب الوطنى.. والأحرار.. والتجمع.. والعمل موقوف والوفد والأمة.. ومصر العربى.. والخضر.. والاتحاد ومصر الفتاة مجمد والعربى الناصرى والشعب والعدالة.. والتكافل والوفاق.. ومصر 2000 والجيل والغد والدستورى وشباب مصر والسلام والمحافظين والجمهورى والجبهة الديمقراطية.
هذا العدد من الأحزاب لا يوجد فى الدول الكبرى صاحبة الديمقراطية العريقة ولكن هذا العدد الضخم من الأحزاب لا يمثل شيئا فى الشارع المصرى من حيث التأثير والدور والمسئولية.
باستثناء أحزاب تعيش على ما بقى لها من التاريخ والذكريات مثل الوفد والتجمع والعمل والناصرى إلا أنها لا تمثل معارضة حقيقية ولعل السبب فى ذلك أن الحزب الوطنى الحاكم مازال يمثل العقبة الحقيقية لقيام تجربة حزبية فى مصر.
يضاف لذلك أن هذه الأحزاب شهدت صراعات طويلة بين رموزها وقد تركت هذه الصراعات آثارا سيئة للغاية على أداء هذه الأحزاب ومسئولياتها وتماسكها.
لا نستطيع أن نقول إن الأحزاب السياسية الشرعية هى صاحبة الدور فى المعارضة فى مصر الآن ومن هنا كان دور الإخوان المسلمين هو الدور الأكبر والأكثر أهمية رغم أن الدولة مازالت تعتبرها جماعة محظورة ولا أحد يتصور أن يكون للجماعة المحظورة 88 عضوا فى مجلس الشعب انتخبتهم الجماهير بينما جميع الأحزاب المصرية لم تجمع عشرة أعضاء من ممثلى الشعب..
لماذا توقف نمو التجربة الحزبية؟
هنا يظهر المأزق الحقيقى للأحزاب السياسية والمعارضة المصرية.. والسؤال هنا: لماذا لم تنجح التجربة الحزبية فى مصر وتتحول إلى معارضة قادرة على أن تكون صاحبة دور فى الشارع المصرى؟ هناك أسباب كثيرة وقفت أمام نمو التجربة الحزبية المصرية من بينها:
أن معظم الأحزاب جاءت من خلال موافقات حكومية ولم تخرج من جموع الشعب.. أن شروط وقواعد تكوين الأحزاب فى مصر مازالت تمثل لغزا غريبا.. أن لجنة الأحزاب التى تجمع فى يدها كل ما يتعلق بتكوين الأحزاب تتبع مجلس الشورى أى أن هذا المجلس ممثلا فى هذه اللجنة هو الذى يجيز أو لا يجيز إنشاء حزب من الأحزاب.. وهذا يعنى أن الحزب الوطنى هو الذى يختار معارضيه وهذا يعنى أن الحكومة لابد وان توافق على إنشاء أحزاب تعارضها..
يضاف لذلك إجراءات وخطوات وقواعد أخرى تضع الكثير من العراقيل التى تناقش مبادئ الأحزاب ومدى تعارضها مع مبادئ ثورة يوليو وحماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى والنظام الديمقراطى وكانت قبل ذلك النظام الاشتراكى كل هذه القواعد والشروط تجعل تكوين الأحزاب أمرا صعبا إذا لم يكن مستحيلا وإذا رأت الدولة السماح بإنشاء حزب فإنها تفرض شروطها ومواصفاتها على كل حزب تختاره.. هذا يعنى أن الأحزاب مازالت تتم بطريقة فوقية أى أن السلطة وليس الشعب هى التى تختار حزبا من الأحزاب وهذا يتعارض مع أبسط قواعد الديمقراطية.
إن مركزية السلطة فى مصر تجعل من الصعب عليها أن تقبل مبدأ الحوار وليس المعارضة.. هناك حدود لكل شىء فى أسلوب التعامل مع السلطة المركزية وفى ظل قواعد تمنع إنشاء الأحزاب.. وتضع ضوابط لأساليب المعارضة وتحرم المواطنين من إجراء انتخابات حرة أو التعبير عن آرائهم فى انتخابات حرة ونزيهة فى ظل هذا كله يصبح ميلاد المعارضة أمرا مستحيلا.
مازالت الدولة تساهم فى صرف معونات مالية لتمويل نشاط الأحزاب تتراوح بين 250 و500 ألف جنيه سنويا وهذا المبلغ الضئيل يمثل صورة من صور الضغط على الأحزاب لأن ذلك يتعارض مع شفافية العلاقة بين السلطة والأحزاب لأن الأحزاب الحقيقية لا تقبل مبدأ الدعم الحكومى وتعتمد عادة على الجماهير التى تنتسب للحزب وتمول نشاطه.. أن عدم تداول السلطة فى مصر لا يعطى فرصا للمعارضة الحقيقية فما دامت السلطة متجمدة وجامدة وتصر على البقاء فلا مجال للحديث عن التغيير أو التداول أو حتى المعارضة بالكلام.. ومادامت المعارضة لا تتجاوز حدود الكلام يصبح من الصعب أن تجد لها مكانا فى دائرة القرار.. أن السلطة أحيانا تكتفى بمجرد الكلام ولاشىء أكثر من ذلك..
النشاط السياسي يجب أن يخضع للحوار لا لعصا الأمن
أن الدولة تتعامل دائما مع النشاط السياسى من خلال أجهزة الأمن والمفروض أن يخضع النشاط السياسى لقواعد السياسة وليس ضرورات الأمن بمعنى أن الحوار وليس البطش أو التنكيل بالمعارضين هو الوسيلة التى يمكن أن يدور فى إطارها الخلاف بين فكر وفكر وبين رأى ورأى.. ولكن السلطة فى مصر تصر دائما على أن تتحاور بقوات الأمن مع أصحاب الرأى الآخر وهنا يصبح من الصعب أن يتم الحوار..
وبجانب هذا فإن الأمن يمنع الأحزاب من أن تمارس نشاطها بين المواطنين.. إنه يمنع اللقاءات والندوات والمناظرات ويحاصر المظاهرات وقبل هذا كله فإنه يستخدم أساليب لا تتناسب أبدا مع حرية المعارضة وما ينبغى أن يكون عليه الخلاف السياسى بين الأحزاب..
أن الحزب الوطنى الحاكم أغلق كل أبواب الحوار مع الأحزاب الأخرى واستطاع أن يضعها فى مكان بعيد عن المواطنين وأن يحاصرهم فى جريدة أو مقر أو عضوية فى مجلس الشعب.. وهنا لم تنشأ المعارضة الحقيقية التى يمكن أن تكون صاحبة دور وتأثير فى الشارع المصرى..
أن تحريم العمل السياسى داخل الجامعات والنقابات المهنية والتجمعات العمالية خلق معارضة سرية داخل هذه التنظيمات وربما كان هذا هو الباب الأوسع الذى دخلت منه جماعة الإخوان المسلمين واستطاعت ان تمارس دورا مؤثرا بعيدا عن عيون الأمن وعيون الحزب الوطنى وقد حقق ذلك نتائج خطيرة فى تجمعات الإخوان داخل الجامعات وفى النقابات المهنية حتى وصل أخيرا إلى التجمعات العمالية وكان السبب فى ذلك كله ان الدولة تمنع النشاط السياسى العلنى ممثلا فى الأحزاب الشرعية بينما ما يجرى فى السر أخطر بكثير من كل ما نراه.
تزاوج باطل بين المال والسلطة والثقافة والاعلام
نحن أمام شعب مسالم بالفطرة لا يحب الصدام ويبحث عن لقمة العيش حتى ولو كانت ملوثة ولديه استعداد قديم على الصبر والمعاناة كما أن أساليب القمع التى حاصرته زمنا طويلا جعلته يهرب من المواجهة وبجانب هذا فإن تحكم الدولة فى مصادر الرزق من الرواتب أو ما يسمى الدعم أو الأسعار جعل المواطن يغرق طوال يومه فى رحلة للبحث عن رغيف أو دواء أو سكن.. هنا انسحب الاهتمام بالسياسة وأصبح المواطن محصورا بين البحث عن رغيف أو الهروب من معتقل أو البحث عن فرصة عمل او عدم الصدام مع أى شىء ابتداء بالأمن وانتهاء بمواكب المسئولين التى تخترق الشوارع..
أن الزواج الباطل بين السلطة ورأس المال.. وبين النخبة المثقفة والدولة وبين الإعلام ورجال الأعمال.. هذه العلاقات المشبوهة جعلت لغة المصالح تسيطر على قادة الفكر وأعداد كبيرة من المثقفين الذين اختاروا حظيرة الدولة لأنها تقدم لهم ما لا يقدمه الآخرون.
فى ظل هذا الواقع الكئيب المترهل كان من الصعب أن تنجح تجربة الأحزاب السياسية فى مصر وأن تنشأ معارضة حقيقية فى ظل واقع أمنى وحزبى وسياسى لا يؤمن بالاختلاف ولا يسمح بتداول السلطة ولا يريد أبدا أن يترك الساحة لأحد غيره حتى ولو كان الأجدر والأحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.