هل تحوّل "الربيع العربي" إلى "خريف أصولي" كما يرى البعض بعد أن فاجأت الانتفاضات العربية معظم المثقّفين العرب والأجانب عندما انفجرت كالقنبلة الموقوتة بعد طول احتقان، وأشاعت في الجو نكهة جديدة من عبق الحرّية والانعتاق؟
في سعيه للإجابة عن هذا السؤال الشائك، يرى الكاتب والمفكر السوري المعروف هاشم صالح في كتابه الجديد «الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ»، الصادر حديثا عن دار الساقي، أن الشباب الذين دشّنوا هذه الانتفاضات ليسوا هم الذين قطفوا ثمرتها في نهاية المطاف، وإنما التنظيمات الإخوانية – السلفية، محاولا أن يشرح هذه المعضلة المستعصية، وفهم سر هذا اللغز المحير:
لماذا كانت الثورات الأوروبية تشكل كلها قطيعة مع الرواسب اللاهوتية في حين أن الثورات العربية تشكل عودة اشتياقية متحمسة إليها؟ لماذا كانت ثوراتهم تعانق المستقبل في حين أننا لم نشبع بعد من معانقة الماضي والتماهي به حتى هذه اللحظة؟ ليصل إلى فرضية مفادها بأن "الربيع الفكري العربي" لم يحصل بعد، فكيف يمكن أن يحصل الربيع السياسي؟ هذا مستحيل، وهذا يعني أن جهود النهضويين العظيمة على أهميتها لم تكن كافية، لقد نجحوا في أشياء كثيرة، ولكنهم فشلوا في شيء أساسي واحد: زحزحة صخرة اللاهوت الديني القديم عن مكانها قيد شعرة. لقد استسلموا جميعا أمامها، وكانت من الضخامة بحيث إنهم خافوا فتراجعوا أو نكصوا على أعقابهم صاغرين.
الكتاب الجديد يحاول قراءة الظاهرة من خلال منظور فلسفي بعيد المدى، من خلال طرحه للتساؤل: لماذا تبدو "الانتفاضات العربية" أقرب إلى "الثورات الدينية" منها إلى "الثورات الحديثة"؟ وهل كان يمكن للثورة الفرنسية أن تدشّن عالم الحداثة والحرّية لولا أن فلاسفة التنوير كانوا قد سبقوها ومهّدوا لها الطريق؟
يستهل المؤلف طرحه لبحث الظاهرة بعدة تساؤلات تفصيلية، منها: أليس مفجعا أنه بعد قرنين من محاولة النهوض وتراكم الإنجازات الفنية والتعليمية والفلسفية فإن الانتخابات المصرية أعطت الأغلبية الكاسحة للإخوان والسلفيين؟ وهل يمكن أن ندعو ذلك ثورة أو ربيعا عربيا؟ ثورة على ماذا؟ من أجل ماذا؟ من أجل العودة إلى الخلف، إلى القرون الوسطى؟
يقول مؤلف الكتاب "كنا نعتقد حتى أمد قريب؛ أي حتى اندلاع انتفاضات «الربيع العربي» في الواقع، أن الثورة تقذف بالناس إلى الأمام خطوة كبيرة أو حتى خطوات، فإذا بنا نفاجأ بثورات من نوع جديد مختلف كليا: ثورات تعود إلى الخلف وينبغي أن تصفق لها بكلتا يديك!"
متابعا: "من كان يستطيع القول إن الثورات الثلاث التي دشنت العصور الحديثة كانت نموذجا لنا؟ أقصد بها الثورات الإنجليزية فالأميركية فالفرنسية، في الواقع إن نموذجنا كان ضمنيا هو "الثورة الدينية الإيرانية"، ولكننا لم نتجرأ على البوح به، هذا إذا ما اعتبرنا أن العودة إلى الماضي من دون أي مراجعة نقدية للاهوت القديم تشكل ثورة.
هاشم صالح، مؤلف الكتاب، مفكّر وكاتب سوري مقيم في فرنسا، ترجم مؤلّفات المفكّر الجزائري الراحل محمد أركون، صدر له عن دار الساقي «الاستشراق بين دعاته ومعارضيه»، و«الانسداد التاريخي»، «معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا»..