ما مشكلة الرئيس مرسى وجماعته وحكومته وأى حكومة سوف تأتى بأمر الجماعة ورضا مرسى؟ مشكلتهم أنهم قدامى جدا، تقليديون للغاية، متجمدون ومتخشبون فى التفكير والخيال، لهذا فإنهم يفكرون ويتصرفون ويروحون ويجيئون ويصرحون ويكذبون ويظهرون ويختفون ويضربون ويستهبلون تماما مثلما كان النظام السابق وكما فعل المجلس العسكرى فى إدارة البلاد!
لا يفهم الإخوان أن الدنيا تغيرت، ولايعرف الإخوان إلا ما تدربوا عليه وتعلَّموه فى الشُّعبة ومعسكرات التدريب ودروس التربية، إنهم آلات نفسية وليسوا سياسيين أصحاب رؤية وخيال وإبداع، لا يملكون القدرة على قراءة الواقع بل أسرى أفكارهم عن أنفسهم، ومحبوسون داخل قفص جماعتهم وتنظيمهم، تماما مثل العسكر، فالجنرالات كانوا يتصرفون بخبرات ووعى ضباط فى الحربية منذ كانت أعمارهم سبعة عشر عاما، وهى نفس الأعمار التى يتم تجنيد الشباب فيها لعضوية الإخوان وكتائبها وميليشياتها ومكاتبها. الذى يكبر داخل كبسولة التنظيم العسكرى (مثل مبارك وطنطاوى) أو الجماعة (مثل بديع والشاطر ومرسى) لا يمكن أن يملك القدرة على فهم متغيرات بلده ولا الرغبة فى تغيير مفاهيمه ولا الإرادة فى تغيير سياسته.
طبيعى جدا أن يرد ضباط مبارك على المتظاهرين بالضرب..
وأن يرد ضباط «العسكرى» على المتظاهرين بالضرب..
وأن يرد ضباط مرسى على المتظاهرين بالضرب..
لماذا؟ لأنهم كلهم عيِّنة واحدة وفصيلة واحدة، دعك من عناد هذا أو ضيق أفق هذا أو دقن هذا، لكنهم هذا واحد تماما، تربية مستبدة وسمع وطاعة واعتقاد مريض بامتلاك الحقيقة، وتعلموا أن السلطة هى القوة والضرب والهيبة!
ألا تنتبه إلى عار أن مرسى وجماعته يقولون عن معارضيهم نفس ما كان يقوله مبارك عن معارضيه بمن فيهم مرسى وجماعته نفسه؟ لكن الإخوان لا يخجلون إطلاقا، بل فى منتهى الصفاقة، يقول أحدهم إن مظاهرات الشباب مخطط لإحراق البلد، ويغطس إخوانى آخر فى بالوعة مجارٍ سياسية فيقول إن رجال مبارك وراء أحداث «محمد محمود»، دعك أولا من أن هذا الكلام هو نفس ما قاله المجلس العسكرى فى اتهام المتظاهرين ذاتهم، إلا أنه بهذا الهراء يوحى إلى الناس بأن رئيسا يسقط من المرض فى الحمام قادر على تحريك البلد وهو الذى لم يستطع أن يفعل شيئا لنفسه وهو فى قمة النفوذ وعلى كرسى القصر الرئاسى، فكأن الإخوان قد أُصيبوا بنفس الهلاوس التى يرددها كل ديكتاتور عن معارضيه بأنهم مأجورون!
الوزراء فى حكومة مرسى ليسوا فاشلين فقط فى إدارة البلاد، بل المشكلة أنهم ورئيس حكومتهم ورئيس جمهوريتهم من خيال قديم ليس له، أو على الأقل لم يعد له، أى علاقة بهذا الواقع الجديد الذى يحياه بلدنا!
لقد قلت قبلا إن مصر فى ثورة على ماضيها القريب البليد والسقيم الذى هبط بها من مكانتها السامقة المفترضة إلى ترتيب متخلف فى قائمة الأمم.. لو اختار مرسى -بطريقته فى التفكير- حكومة مثله، ولو جاءت حكومة على طريقة «إنهم ناس محترمة ووطنية ومتخصصة» يبقى كلام فاضى ولن يتغير شىء ولن نتقدم، كما أننا لن نتأخر لكننا ساعتها حننشلّ!
مصر تحتاج الآن إلى حكومة بخيال جديد وطريقة تفكير جديدة وطموحات جديدة، لا هذا القنديل الذى سارع إلى زيارة مصابى الشرطة فى «محمد محمود» وتجاهل زيارة مصابى المظاهرات، فى إشارة معبِّرة عن قصور فهمه السياسى وفراغة قلبه وعدم تحسبه لنتيجة استفزازه لمشاعر الشباب، لكن هشام قنديل صورة من رئيسه ومن جماعة رئيسه، فهو على قديمه ويتصرف كما رأى الحكومات السابقة تتصرف، ويفكر كما تَعوّد أىّ موظف هشّ القدرة وجامد التفكير أن الحكومة على حق وأن المتظاهرين مأجورون، طبعا لو كانوا من الإخوان فإن قنديل ورئيسه المرسى كانا سيتعاملان معهم باعتبارهم إخوانا من الجنس الآرى ومن جنود الله، لكن ما داموا من معارضى الفرعون الجديد فعليهم لعنة الله ومرسى والجماعة!
الشباب لم تعد لديه أهداف بل صارت لديه أحلام، لا يمكن أن توافق وتقبل بالحلول النُّص نُص، ولا بالتحايل والمحاولة ولا بالرضا بالقليل ولا بالنظرية المغموسة فى الضعف على شاكلة «إحنا كنا فين وبقينا فين؟»، ثم إننا شعب يبدو فى هذه اللحظة وحتى سنوات مقبلة شعبا غاضبا حانقا متعجلا مَلولا منزعجا، ومن ثم لن تنفع معه الطرق القديمة فى معالجة الأمور، يحتاج إلى حكم مختلف مبادِر سريع فى رد الفعل، قوى فى الاستجابة، مقدام ومقتحِم ويملك حلولا مبدعة.
هذا الخيال الجديد لن يأتى من صندوق جماعة اليابسين المتيبسين المسنّين السامعين الطائعين المكفِّرين المخوِّنين الفاشلين!