كنت راجعة في طريق إسكندرية الصحراوي المتجه للقاهرة في الحادية عشرة مساءً وعند الجزء الضيق من الطريق أمام فندق الواحة وأنا ماشية في مصر بلد الأمن والأمان وبلد قانون المرور الصارم الجديد حيث اللي يمشي عكس الطريق في شارع جانبي في وسط القاهرة يُعامل معاملة المجرمين ويتلب ثلاث سنوات سجنًا فمابالكم باللي يمشي في عكس الطريق الصحراوي... ومن يجرؤ علي فعل ذلك يمشي علي استحياء وببطء في أقصي اليمين ويكون مشغل نور الانتظار في إشارة منه لللي جاي إنه عامل كارثة.. لكن أن تجده في مواجهتك في نصف الطريق وبنفس سرعتك وضارب النور في وشك بمنتهي البجاحة وبيقلب لك النور كمان بمنتهي الصفاقة عشان تنزاح من أمامه وتتركه يعدي بسلام فهذا شيء يندرج تحت عامود أستاذنا محمد عبد القدوس «دنيا العجائب»، وإذا عرفت أن السيارة المسرعة عكس الطريق كانت سيارة بوكس تابعة للشرطة فستدرك علي الفور أننا نعيش في فيلم «أليس في بلاد العجائب» حيث الظواهر الكونية الغريبة التي ليس لها أي تفسير سوي أن هذا يحدث فقط في الأحلام وليس في الحقيقة.. ولولا إنه كان هيشوطني بسرعته الجنونية وأنا عندي عيال عاوزة أربيهم كنت وقفت بالعرض في نصف الطريق وأخذت بياناته لأفضحه فضيحة اسمه إيه اللي لسه خارج ع المعاش!!... ومن الظواهر الكونية الغريبة أيضا التي لا تحدث سوي في بلد الأهرامات إحدي عجائب الدنيا السبع حيث ناويين بدون مقاطعة نكملهم لعجائب كتير قوي ندخل بيهم الموسوعة! وهو شيء أول مرة في حياتي أسمع عنه وسمعت عنه من أحد الشباب الذي ذهب ليعمل في أحد البنوك الجديدة الكثيرة غير المصرية والتي فتحت مؤخرا في مصر بثقل عجيب وبمئات الفروع التي يفتحونها في نفس ذات اللحظة في أرقي وأفضل وأغلي وأقدم وأحدث وأزحم الأماكن فيكِ يا مصر حيث الإيجارات بالملايين!.. ولا أعرف ما الذي يغريني لأضع تحويشة عمري في بنك لم أسمع عنه في حياتي سوي من حملات إعلانية مكثفة في وقت زمني قصير جدا بالملايين برضه.. وأشك إذا كان هناك من يضع أمواله بالفعل في هذه البنوك، ولكني أعتقد أنها تتغذي وتعيش وتشغل طوابير من الموظفين علي قروض السيارات وفوائد الكريديت كارد، التي تورط فيها ملايين من الشعب المصري بسبب التسهيلات المغرية اللي بيجيبوا فيها رجلك من البداية، حيث صورة البطاقة فقط هي الضمان الوحيد ليجعلك تسحب آلافات وتتداين بأضعاف ماسحبت وإنت ماحلتكش اللضي عشان تسددهم.. كل هذا بالرغم من إنه خراب بيوت مستعجل علي يد محضر.. إلا أنه يندرج تحت منظومة اقتصادية عالمية حرة ورأسمالية جديدة وخصخصة ومصمصة الدخل القومي للبلد!! بعد ما أكلته شركات الموبايلات وبلعته شاليهات الساحل الشمالي ورأس سدر والعين السخنة ورأس غارب حيث مليارات الشعب راكدة بتتشمس ع البحر!، جاءت البنوك بقروضها وكروتها وبابا غنوجها عشان تلم اللي فاضل وتمصمص شوية اللحم المتبقي علي الهيكل العظمي المعروف بالاقتصاد المصري «هي المرحومة جالها السل إمتي؟!» كل هذا الرغي ولسه ماعرفناش إيه هو الشيء العجيب اللي هندخل بيه الموسوعة من أوسع أبوابها؟! جايالكم في الكلام.. الشباب المصري الذي يعمل في هذه البنوك في قسم الزن ع الودان أمر من السحر المعروف بالمبيعات (القروض والكريديت كارد) يقبل العمل في هذه البنوك بشروط غريبة وفريدة من نوعها لم أسمع عنها في حياتي سوي في أفلام العبيد بتاعة العصور الوسطي.. وإليكم الشروط المجحفة: العمل من 8 صباحا إلي 8 مساءً يعني 12 ساعة بالتمام والكمال دون أوفر تايم لأن هذه هي مواعيد العمل الرسمية! ثم خدوا التقيلة... مفيش ولا يوم أجازة في الشهر!! لم أصدق ما سمعت، يعني إيه ؟!! يعني مفيش ولا يوم أجازة في الشهر ولا في الأعياد الرسمية..! جمعة، عيد كبير، عيد صغير، 7 يناير، طب تحرير سينا طيب.. طب راس السنة.. طب عيد ميلاد الريس طيب يمكن يوافقوا؟!! لا يمكن.. إلا في حالة لو حققتم وقفلتم التارجت اللي مطلوب منكم ممكن تاخدوا يوم واحد راحة في الشهر كله!! وبعدين ترجعوا تغموا عينيكم تاني وتتربطوا في الساقية زي البهيمة... معلش بعتذر للبهيمة التي لن تقبل هذا التشبيه لأنها لا تدور في الساقية 12 ساعة في اليوم دون توقف!! حد يفهمني ويرد عليا.. فيه حد يجرؤ يطلب هذا الطلب أو يضع هذه الشروط المجحفة في العمل في بلد أوروبي مثلا يحترم البشر ويتعامل معه علي أساس إنه إنسان يعني مش مكنة!!... بلاش بلد أوروبي حد يقدر يعمل كده مع شباب لبنان؟!... بالنسبة لقانون العمل المصري.. طلع ملطشة هو راخر وماحدش بينفذه... واحنا شبابنا سبيل يعني، مفيش حد يحفظله كرامته وآدميته في البلد دي ؟!! فين ست الحاجة الوزيرة الموقرة..؟ هو أي حد ييجي يفتح شغل في البلد يعمل قوانين علي مزاجه واحنا لا نملك غير إننا نطاطي ونقول سمعا وطاعة عشان ظروفنا الاقتصادية المتمصمصة... ويقولك بنفتح مجالات عمل للشباب قولوا مجالات ذل ومهانة وقطم وسط واستباحة!.. أرجو التحقيق في هذا الموضوع إذا كان يفرق معاكم شباب مصر الذي يستبيحه أي حد بيشغله.. كان معكم أليس فاروق من بلاد العجائب.