ننشر حيثيات وقف القضاء الإداري لعمومية نقابة المحامين اليوم    أكاديمية الشرطة تستقبل الملتقى الثانى للمواطنة الرقمية بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة    1.5 مليون حصلوا على «الخدمات المتكاملة» 1.3 مليون منهم في «تكافل وكرامة».. وزير الصحة يوجه المجالس الطبية بتبسيط الإجراءات    أسعار الدواجن البيضاء وكرتونة البيض غدًا بدمياط    جاهزين لأسواء السيناريوهات.. خلية أزمات ومراقبة المخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية وتوفير احتياجات الدولة من المواد البترولية والغاز الطبيعي    لإيمانها بأهمية دعم الاقتصاد الوطني.. طلعت مصطفى أبرز المكرمين من وزارة المالية لدعم تحديث منظومة الضرائب    وزير الإسكان ومحافظ المنيا يتفقدان محطة معالجة صرف صحي برطباط بمركز مغاغة ضمن المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    الرئيس السيسى يؤكد لنظيره الإيرانى رفض مصر الكامل للتصعيد الإسرائيلي الجاري ضد إيران    نورهان الشيخ: إسرائيل أخطأت فى تقدير قوة إيران والمشهد يتطلب تهدئة عاجلة    نيويورك تايمز: خامنئى يُرشّح خلفاء له حال اغتياله    كأس العالم للأندية.. دورتموند يحقق أول انتصاراته على حساب صن داونز 4-3    ارتفاع عدد المتوفين بعقار حدائق القبة المنهار ل 10 أشخاص    الثانوية العامة.. الأسبوع الأول بدون مشاكل    ضبط متهمين بسرقة موتور مياه من داخل عقار بالقاهرة    حكاية خلاف دام 5 سنوات بين عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وانتهى بقبلة على اليد    صناع "لام شمسية " في ندوة خاصة بالمركز الكاثوليكي الليلة في السابعة مساء    حماقى وزياد برجي نجما الليلة الثانية من مهرجان موازين    فحص 1100 مواطن ضمن قافلة طبية مجانية بدمياط    خبير: إسرائيل ضعيفة وهشة بدون دعم أمريكا.. وإيران اخترقت منظومتها الدفاعية    السجن المشدد ل12 متهما والبراءة ل24 آخرين في قضيتي الهجرة غير الشرعية بالمنيا    خبراء يحذرون: الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا آمنا للعلاج النفسي    رئيس بعثة منتخب اليد: قدمنا ملحمة أمام إسبانيا وأحلامنا بلا حدود فى بطولة العالم    عضو ب«تشريعية النواب»: قانون الإيجار القديم لا يحتاج لائحة تنفيذية ويُطبق فور نشره    باحث في الأمن الإقليمي: ضربات إسرائيل لإيران مقدمة لحرب أكبر ونطاق أوسع    بسمة تطلب الطلاق.. نهاية مثيرة لأحداث الحلقة السادسة من "فات الميعاد"    تعرف على أحدث أعمال خالد الصاوي    مبابى أبرز الغائبين عن قائمة ريال مدريد ضد باتشوكا فى كأس العالم للأندية    مصروفات المدارس الرسمية والرسمية للغات في مصر للعام الدراسي الجديد 2025    خوفًا من شقيق زوجها.. أم تلقي بنفسها ورضيعتها من شرفة المنزل بدار السلام بسوهاج    الأرصاد: بدأنا فصل الصيف فلكيا وذروة الحر ستكون خلال شهري يوليو وأغسطس    معاً نحو مستقبل دوائي ذكي ومستدام.. صحة المنوفية تقيم مؤتمر لأهمية الدواء    إمام عاشور يغادر معسكر الأهلى ويستعد للعودة إلى القاهرة    رسميًا.. نوتنجهام فورست يجدد عقد سانتو حتى 2028    مؤمن سليمان يقود الشرطة لحصد الدوري العراقي    الفريق أسامة ربيع:"تعاملنا بشكل فوري واحترافي مع حادث جنوح سفينة الغطس RED ZED1"    إدراج جامعة بدر في تصنيف التايمز لعام 2025 لمساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    أخطر تصريح للرئيس الأمريكي.. أحمد موسى: ترامب يساند مصر بقوة في ملف سد النهضة    وزير الصحة يتفقد مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي ويوجه بزيادة القوى البشرية    جامعة سوهاج تحدد 15 سبتمبر المقبل لتسلم «مستشفى الجراحات التخصصية»    معلنة بداية فصل الصيف.. شمس الظهيرة تتعامد على معابد الكرنك بالأقصر    يسرا ومصطفى شعبان في طليعة نجوم الفن العائدين.. هل سيكون النجاح حليفهم؟    «للرجال أيضًا إجازة وضع».. إجازات قانون العمل الجديد تصل ل45 يومًا | تعرف عليها    سقوط المتهم بإدارة كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بالقليوبية    «امتحانات في عزّ النار».. كيفية تهيئة المناخ المناسب للطلاب؟    وزير العمل ومحافظ كفر الشيخ يمنحان خريجات البرامج التدريبية 11 ماكينة خياطة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم اتمنى القرب منك سيدى ودون فراق?!    الرئيس السيسى وملك البحرين: التصعيد الجارى بالمنطقة يرتبط بشكل أساسى باستمرار العدوان على غزة.. إنفوجراف    رئيس وزراء صربيا يزور دير سانت كاترين بجنوب سيناء    تجديد حبس 4 أشخاص بتهمة خطف شاب بسبب خلافات بينهم على معاملات مالية    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفي والإعلامى (4)    طب قصر العيني" تعتمد تقليص المناهج وتطلق برنامج بكالوريوس الطب بالجامعة الأهلية العام المقبل    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    تردد قنوات MBC مصر 2 الناقلة لمباريات كأس العالم للأندية مباشر.. (اضبطها الآن)    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    أيمن محسب: استمرار التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران يهدد بانفجار إقليمي شامل    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    تركي آل الشيخ يكشف سبب إقامة "نزال القرن" في لاس فيجاس وليس في السعودية    «نشرة أخبار الأهلي من أمريكا».. أجواء حزينة وتمسك ببصيص الأمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر طاهر يكتب: الحفيدة المنسية «أمامة بنت زينب بنت النبي»
نشر في الدستور الأصلي يوم 29 - 09 - 2012

(1) لم يستقر بها المقام فى حال واحد طوال حياتها. كانت تعرف أن ميلاد الحزن مجرد عد تنازلى لميلاد الفرح. وما بين المربعات المربكة التى كانت تتحرك فى حدودها لم تذكر كتب السيرة أنها اشتكت يوما ما.

(2) كانت زينب تُرضِع أمامة وتحكى لها عن الجد والجدة (محمد وخديجة)، تعلمها أن الحب يصنع للإنسان جذورًا تمنع الأيام من اقتلاعه، تحكى لها النظرية ثم تقدم إليها تطبيقًا آخر.. قصة حب أمها وأبيها (زينب بنت النبى وأبو العاص بن الربيع). وعندما خرج الأب المشرك ليحارب الجد النبى وقفت الابنة أمام باب الدار مهزومة وهى ترى كل ما آمنت به ينهار فى لحظة، وعندما قالت لها زينب إنها حرب ستخلف واحدة منا، أنا أو أنت، يتيمة، كان أن مسحت ضلعا من أضلاع المربع الذى تقف فيه لتنهار خارجه دون أن يحدها شىء.

(3) وقع الأب أسيرًا فى قبضة النبى. وبعد شفاعة من الأم زينب أطلق الجد سراحه، على أن يطلِّق زوجته وتهاجر زينب وابنتها إلى المدينة. فى الطريق كانت زينب تفكر أن الحب الذى كَتب لزوجها حياة جديدة كان هو نفسه الثمن.. فلا حب ولا حياة. فجأة انتفض البعير الذى كان يُقل أمامة وأمها، فوجدت أحد المشركين يروعهما برمحه، سقطت الأم على الأرض محتضنة ابنتها، التقت عيناها بعينى الهبار ممسكا برمحه فأشاح وجهه بعيدا، وقبل أن يهم بقتل الأم نظر إليها ثم ابتعد، كانت الأم مستلقية تنزف وتبكى على جنين كان فى بطنها هو الآن مجرد خيط من الدم يتشربه رمل الصحراء على مهل. رسمت أمامة بأصابعها النحيلة مربعًا حول الدماء ودفنت فيه شقيقها أو شقيقتها لم تعرف بالضبط.

(4) بينما جدها يؤم الناس للصلاة فى المدينة كانت تنعس فوق كتفه متونسة بأنفاسه. يهم الجد بالسجود فيضعها أرضًا فتشعر بالخوف فتبدأ فى البكاء. يقوم الجد من السجود فيحملها فوق كتفه ويبدأ فى التلاوة من جديد.. فتنام. كانت كلمة الله أكبر تعنى لها مربعًا كبيرًا به من السعادة ما يعجز الأطفال عن فهمه.. والكبار أيضا. «النبى قَبِل الهدية» وكانت الهدية هذه المرة قلادة من الجزع محلاة بالذهب، عرضها النبى على أهل بيته، فقلن إنهن لم يرين أحلى منها، فقال النبى: أرددنها إلىَّ. أمسك النبى بالقلادة وتأملها قائلا: والله لأضعنها فى رقبة أحب أهل البيت إلىَّ. تروى كتب السيرة أن السيدة عائشة قالت: أظلمت علىَّ الأرض خشية أن يضعها فى رقبة غيرى منهن، ولا أراهن إلا قد أصابهن مثل الذى أصابنى. توترت الأجواء فى انتظار معرفة من سينال هذا الشرف. كانت أمامة نائمة ويبدو أن هذه الضجة قد أيقظتها. قفزت باتجاه حضن جدها، كان على عينيها غمص، فمسحه بيديه ثم قبلها ووضع القلادة فى رقبتها.

كان مربع الفرحة وقتها على قدر من السعة، يستوعب كل من حضر هذه اللحظة. بعدها بأيام استيقظت أمامة على صوت أبيها يدخل الخيمة عليها هى وأمها، يستجير بها بعد أن طارده المسلمون فى رحلة عودته من الشام، وكادوا يأسرونه للمرة الثانية، دخل على زينب يستجير بها فتجيره، اجتمع شمل الأسرة دون مقدمات، ثم انفرط العقد من جديد، قال له النبى «إنها لا تحل لك»، ثم ضمن له سلامة العودة إلى أهله. كانت أمامة تغلق عينيها كل يوم على ملامح الأب حتى لا تنساها من جديد، كانت تستذكرها جيدا وتدقق فى مواضع الشيب حتى تميزه بها، تحاول أن تتذكر لون عينيه فتفشل، فتسأل أمها، تأتيها الإجابة غير مقنعة، فتحدد اللون الذى يرضيها.

كان ظهور الأب ورحيله غير موجع، فقد رأت فى عينى أمها أنه سيعود. فعاد بالفعل.

أسلم الأب فرد عليه الجد زوجته. المربع الآن يليق بصبية حالمة.. خافت أن يهرب الأب مجددًا فحوطته بأسوار.. ولكن من الورود. ما بين جد هى أحب أهل بيته إليه، وأب وأم بدا حبهما صلبًا لا يهزمه شىء، عاشت أمامة أجمل أيامها إلى أن بدأت صحة زينب فى التراجع.

(5) كان الجد يشرف بنفسه على تغسيل ابنته زينب. «غسِّلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك بماء وسدر، واجعلن فى الآخرة كافورا».. قال النبى. ثم طلب منهن أن يبلغنه عندما ينتهين. وعندما فعلن خلع النبى إزاره ثم مده إليهن، وطلب منهن أن يضعنه على جسد ابنته حتى تشعر به. وفى اللحظة التى هبط فيها ثوب الرسول على وجه زينب كان أبو العاص يحتضن أمامة ويبكيان فى مكان ما.

(6) فى بيت خالتها فاطمة، كانت أمامة تبدأ حياتها الجديدة، أولاد الخالة الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم. كان الجميع يغمرها بحب كان له طعم يختلف من شخص لآخر. كان الأب يرى فيها قصة حبه وكانت هى دواءه من حزنه على رحيل الزوجة. وكان الجد يرى فيها ابنته، ثم يدقق النظر فيرى خديجة الزوجة وحبه الأول. وكانت فاطمة ترى فيها مستقبل نساء الإسلام، كما تحلم به، فاحتضنتها بالعلم والفضيلة. كانت تتنقل كفراشة بين مربعات المحبة إلى أن بدأت تتهاوى واحدا تلو الآخر.
رحل الجد.
ثم رحلت الخالة بعده بشهور. كانت تشكو لأبيها من حزنها فلم يرد.. دققت النظر إلى عينيه، فتأكدت أن أمها كانت محقة عندما أخبرتها عن لونهما، كانت تعتقد طوال الفترة الماضية أن لونهما كما تخيلت بالضبط، إلى أن فوجئت أنها كانت مخطئة بينما تسبل عينى والدها لينام إلى الأبد.

(7) كان أبو العاص قد أوصى الزبير بن العوام أن يكون ولى ابنته، فأخذها لتعيش فى كنفه هو وزوجته أسماء بنت أبى بكر. كان الزبير وأسماء يسعيان لمرضاة النبى ميتا كما كانوا يسعون لمرضاته حيا، وكانوا يعرفون ماذا تعنى له أمامة، فكانت محبتهما لها فترة نقاهة من الأحزان التى استهلكت قلبها الصغير، إلى أن حان موعد الفرح من جديد. قال على بن أبى طالب للزبير لقد أوصتنى فاطمة رحمها الله بالزواج من أمامة.. فكان الزواج. عاشت أمامة تنهل من علم وكرم على، وكان على يحبها فى الله ورسوله، إلى أن أصبح أمير المؤمنين، ثم استيقظت يوما على مقتله.
كانت تدور حول جثمان على حائرة، لا تدرى ماذا تفعل، شعرت أنها لم تكن بحاجة إليه من قبل مثلما تشعر بذلك فى هذه اللحظة بالذات، كانت تطوف حوله وتطوف برأسها المشاهد كلها، حب ثم حرب ثم فراق ثم سعادة ثم دفء ثم موت ثم عائلة جديدة فموت ففراق ثم يُتْم فحزن ففرح فأرملة تدور حول جسد زوجها، انهارت على ركبتيها أمام جسد على وضعت رأسها على بطنه وبكت كما لم تبك من قبل، بينما ترفع أصبعها بإشارة التوحيد.

(8) قبل أن يموت على قال لها أخشى أن يطلبك معاوية للزواج، أوصيكى بعدى بالزواج من المغيرة بن الحارث. بعد وفاة على أرسل معاوية يطلب خطبتها، معاوية ابن «هند بنت عتبة» التى أكلت كبد حمزة بن عبد المطلب بعد استشهاده، كيف لهذه الوردة أن تتزوج من ابن آكلة الأكباد؟ أنقذت نفسها ونفذت وصية على.

(9) بعد فترة من الزواج أنجبت غلاما. كانت ترضعه وتمسح رأسه عندما دخل زوجها يسألها ماذا سنسميه؟ تجولت عينى أمامة فى الغرفة فلم تر إلا كل الأحبة الذين ماتوا.

قالت: أسميته «يَحيى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.