«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وتنازل الحسن عن الخلافة‏..‏
حقنا للدماء
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 04 - 2012

حاشا لله من عقد مقارنة‏,‏ أو أن يكون لا سمح الله قد أتي اسمه الكريم علي الذهن عند ذكر مسألة كشوف القائمين والمستبدلين والمستبعدين والمتشبثين والممولين والضاربين خيامهم عن حق وبلا حق في انتخابات مقعد الرئاسة في مصرنا الحبيبة. في وقت فيه اختلاف في الهوي أشد ما يكون الاختلاف.. في وقت فيه القتامة حالكة أشد ما يكون السواد.. في وقت كسدت فيه سوق البر وصار النبل عارا علي صاحبه والفضل نقصا والأموال وقفا علي شهوات النفوس.. و..والإطار فيه استسلام لكل هماز مشاء بنميم, وتطرف عن جادة الصواب وخروج عن الدين باسم الدين.. لكننا أبدا نأخذ من الرسول صلي الله عليه وسلم وآله وصحبه الأسوة الحسنة, وليس أبلغ مثال في هذا المجال من الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة الذي تنازل من موقف قوة عن مقعد الخلافة كخامس الخلفاء الراشدين لمعاوية بن أبي سفيان حقنا لدماء المسلمين ووحدة الأمة وتجنبا للكوارث العظيمة التي كانت ستلحق بها إذا ما بقي مصرا علي موقفه من استمرار الفتنة, وسفك الدماء, وقطع الأرحام, واضطراب السبل.. في الوقت الذي بلغ فيه جيشه مائة ألف مقاتل, وكان بتنازله هذا قد أصلح بين المسلمين كما تنبأ له الرسول صلي الله عليه وسلم في قوله: ابني هذا سيد, ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.. الحسن أحد الاثنين اللذين انحصرت ذرية النبي فيهما, وجعلهما الرسول أحد الثقلين اللذين لا يضل من تمسك بهما.. الحسن ريحانة الرسول وحبيبه الذي يحبه ويدعو الله أن يحب من أحبه.
الحسن بن علي بن أبي طالب ابن نبي الله حيث شرف الحسن والحسين بأن نسبهما الرسول إليه بالبنوة وإن كانا من صلب علي كرم الله وجهه لهذا يقال لكل من السبطين الحسنين: يا ابن المصطفي فكانا يناديانه: يا أبت, فإذا هتف الحسن بأبيه علي قال له يا أبا الحسين, وإذا هتف الحسين بأبيه قال: يا أبا الحسن, فلما مات الجد صلي الله عليه وسلم قالا لأبيهما: يا أبت, وظهرت تلك البنوة في قوله صلي الله عليه وسلم: إنما هما ابناي وابنا ابنتي.. ويسمع رجل الحسن يناجي ربه ويبكي فقال له: أتخاف يا حسن عذاب الله وعندك أسباب النجاة؟ أين رسول الله وشفاعته, ورحمة الله التي وسعت كل شيء؟ فقال الحسن: أما إني ابن رسول الله, فالله يقول: فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم, وأما الشفاعة فسبحانه يقول: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه, وأما الرحمة التي وسعت كل شيء فالله يقول سأكتبها للذين يتقون فكيف الأمان يا أخا العرب؟.. الحسن الذي اتخذه الرسول شاهدا علي بعض عهوده بالرغم من صغر سنه, وذكر الواقدي أن النبي عقد عهد مع ثقيف, واتخذ الحسن والحسين شاهدين عليه.. ولما ولد الحسن أسموه حربا فقال الرسول: بل هو حسن فلما ولد الحسين اسموه حربا فقال الرسول: بل هو حسين ولما ولد الثالث اسموه حربا فقال الرسول: بل هو محسن ومات طفلا في عهد النبي, وكان للحسن شقيقتان هما أم كلثوم التي زوجها والدها من الفاروق عمر بن الخطاب وكان الفارق بينهما كبيرا في السن فأوصاه بها خيرا بقوله إن المرأة ريحانة وليست كهرمانة وإن المرأة لتكتم الحب أربعين سنة, ولا تكتم البغض ساعة واحدة.. وقد ولدت أم كلثوم من عمر بن الخطاب رقية وزيد الذي مات أبيها في مشاجرة فماتت أمه من ساعتها حزنا عليه, والشقيقة الثانية زينب التي تزوجت عبدالله بن جعفر, والأخ غير الشقيق محمد بن الحنفية وكانت أمه من سبي بني حنيفة اسمها خولة بنت جعفر وكان حامل راية أبيه يوم معركة الجمل.. وأتت فاطمة بابنيها إلي أبيها في مرضه الأخير فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا فقال: أما الحسن, فإن له هيبتي وسؤددي, وأما الحسين فإن له جرأتي وجودي.. وعن شرف النسب قال الحسن عندما تفاخر عليه معاوية بعد الصلح بقوله: اذكر فضلنا فحمد الحسن الله وصلي علي محمد النبي وآله ثم قال: من عرفني فقد عرفني, ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن رسول الله.. أنا ابن من جعلت له الأرض مسجدا وطهورا.. أنا ابن السراج المنير أنا ابن البشير النذير.. أنا ابن المصطفي بالرسالة.. أنا ابن خاتم النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين.. أنا ابن من بعث إلي الجن والإنس.. أنا ابن من كان جبريل السفير من الله إليه.. أنا ابن مستجاب الدعوة.. أنا ابن الشفيع المطاع.. أنا ابن أول من ينفض من رأسه التراب ويقرع باب الجنة.. أنا ابن من قاتلت الملائكة معه ولم تقاتل مع نبي قبله.. أنا ابن من ذلت له قريش رغما.. أنا ابن من ساد قريش شابا وكهلا.. أنا ابن من ساد الوري كرما ونبلا.. أنا ابن من رضاه الله تعالي..
الحسن بن علي الذي كناه الرسول بأبي محمد وكانت ملامحه تحاكي جده, وجاء في وصفه: لم يكن أحد أشبه برسول الله من الحسن بن علي خلقا وخلقا وهيئة وهديا.. وعن الغزالي في الأحياء أن النبي قال للحسن: أشبهت خلقي وخلقي, وعن أنس بن مالك قوله: لم يكن أحد أشبه بالمصطفي من الحسن بن علي وعن علي قوله: الحسن أشبه برسول الله ما بين الصدر إلي الرأس, وقال عبدالله بن الزبير: أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم إليه الحسن بن علي, وروي البخاري عن عقبة بن الحارث قوله: صلي بنا أبوبكر العصر, ثم خرج فرأي الحسن يلعب فحمله علي عنقه قائلا: بأبي شبيه بالنبي وليس شبيها بعلي وعلي يضحك.. ويدخل الحسن في طفولته المسجد النبوي ليري أبا بكر يخطب علي المنبر, فيهتف به: ليس هذا منبر أبيك, انزل عن منبر أبي, فيبتسم الصديق رضي الله عنه قائلا في حنان: يا ابن بنت رسول الله, صدقت والله, ما كان لأبي منبر, وإنه لمنبر أبيك.. وبينما الرسول صلي الله عليه وسلم فوق المنبر واعظا جاء الحسن والحسين يتعثران ويقومان يرتديان قميصين أحمرين فلم يملك الرسول نفسه بل نزل إليهما وعاد إلي المنبر وهو يضمهما إليه, ثم وضعهما في حجره قائلا: إنما أموالكم وأولادكم فتنة.. وقال مرة لأحد أصحابه فجأة: ادع لي ابني, فأتي له بالحسن متعثرا حتي وقع في حجره فاحتضنه شغفا.. ويروي أبو هريرة: قبل الرسول حفيده الحسن وعنده الأقرع التميميي جالسا فقال له: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا.. فنظر الرسول إليه قائلا: من لا يرحم لا يرحم, وعن ابن الزبير أن الرسول جعل يقبل الحسن ويضمه إليه ويشمه وعنده رجل من الأنصار قال له: إن لي ابنا قد بلغ ما قبلته قط فقال الرسول صلي الله عليه وسلم: أرأيت إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي!!.. ويروي ابن الزبير: رأيت الحسن يجيء والرسول ساجد فيركب ظهره فما ينزله حتي يكون هو الذي ينزل, وصلي الرسول إحدي صلاتي العشاء فسجد سجدة أطال فيها السجود, فلما سلم كلمه الناس في أمر تلك الإطالة فقال: إن ابني هذا يعني الحسن ارتحلني فكرهت أن أعجله.. وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعوذ بسبطيه الحسن والحسين من الحسد بقوله بما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل واسحق: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل عين لامة, ومن كل شيطان وهامة.. ولأنه الرسول قد انكشف له الغطاء فأجاز لنفسه أن يبكي وقد أقبل عليه الحسن, وأن يقول له: إلي إلي يا بني, ثم يدنيه ويجلسه علي قدميه ويعدد ما ينزل بآله من البلاء والتقتيل والتشريد والتنكيل فيذكرهم واحدا واحدا ويقول: أما الحسن فإنه ابني وولدي ومني وقرة عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي أمره أمري وقوله قولي فمن تبعه فإنه مني ومن عصاه فليس مني.. ووقف الرسول يصلي بالمسلمين فجاء الحسن وهو ساجد فجلس علي ظهره, فرفعه النبي رفعا رقيقا, فلما فرغ من الصلاة وضعه في حجره فكان يدخل أصابعه الطفولية في لحيته بينما الرسول يضمه ويقبله قائلا: اللهم إني أحبه فسأله المسلمون عن ذلك الحب الدافق: يا رسول الله إنا رأيناك تصنع لهذا الولد شيئا ما رأيناك تصنعه بأحد.. قال: هذا ريحانتي إن ابني هذا سيد, وعسي الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.. ونهض النبي حاملا الحسن وسار فلاقاه رجل قال له: نعم المركب ركبت يا غلام, فقال النبي: ونعم الراكب هو.
ويستشهد علي بابنه الحسن في قضية درع سرقه منه يهودي فقال له القاضي: أما شهادة ابنك فلا فقال علي: سمعت عمر بن الخطاب يروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: إن الحسن والحسين سيدا شباب الجنة, أفلا تجيز شهادة أحد سيدي شباب أهل الجنة؟.. أما القاضي العادل كالسيف فلم يأخذ بالشهادة وعلي وقتها أمير المؤمنين, وحكم للخصم, وإذ رأي الخصم عظمة المساواة, اعترف بأن عليا صاحب حق, وأسلم, وحسن إسلامه..
الحسن خامس الخلفاء الراشدين فمدته في الحكم كانت تتمه لمدة الخلافة الراشدة التي أخبر النبي أن مدتها ثلاثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا.. من استقي علمه من الرسول ومنه كلمات يقولها في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت, وتولني فيمن توليت, وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت, فإنك تقضي ولا يقضي عليك, إنه لا يذل من واليت, ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت, ويسأله أبو الحوراء السعدي عما يذكره من رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قال: أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة, ووضعتها في فمي, فانتزعها الرسول بلعابها فألقاها في التمر, فقال له رجل: ما عليك لو أكل هذه التمرة؟ قال: إنا لا نأكل الصدقة ومن هنا يتضح أن آل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة.. ويصف الحسن رسول الله بأنه كان متواصل الأحزان, دائم الفكر ليست له راحة, طويل السكوت لا يتكلم من غير حاجة, يتكلم بجوامع الكلم, كلامه فصل لا فضول ولا تقصير, ليس بالجافي والمهيمن, يعظم النعمة وإن قلت, لا يذم منها شيئا, لا يغضب لنفسه, ولا ينتصر لها, إذا أشار فبكفه كلها, وإذا تعجب قلبها, وإذا تحدث ضرب براحته اليمني بطن إبهامه اليسري, وإذا غضب أعرض وأشاح, وإذا فرح غض طرفه, جل ضحكه التبسم, إذا مشي كأنه يهبط من صبب, وإذا التفت التفت جميعا, خافض الطرف, نظره إلي الأرض أكثر من نظره إلي السماء, جل نظره الملاحظة, يسوق أصحابه, يبدأ من لقي السلام..
وإذ يقول الرسول صلي الله عليه وسلم أنا مدينة العلم وعلي بابها, فمن أراد العلم فليأته من بابه فما بال حظ الحسن وباب العلم والده علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف الذي قال له: يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك, فلا تظلم كما لا تحب أن تظلم, وإن أمامك طريقا ذا مشقة شديدة المخفف فيها أحسن حالا من المثقل.. و..أخذ علي الأب يحث الحسن الابن علي الخطابة فأجادها خطيبا فصيحا بليغا قوي البيان مما جعل عليا يقول: ذرية بعضها من بعض.. ومن علم علي للحسن قوله: يا بني, لا تستخفن برجل تراه أبدا, فإن كان أكبر منك فعد أنه أبوك, وإن كان مثلك فهو أخوك, وإن كان أصغر منك, فأحسب أنه ابنك.. ويسأل علي الحسن: ما السماحة يا بني؟ قال: البذل في العسر واليسر, وما الشح؟ قال: أن تري ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا, وما الإخاء؟ قال: الوفاء في الشدة والرخاء, وما الجبن؟ قال: الجرأة علي الصديق والنكوص علي العدو, وما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس, وما الغني؟ رضاء النفس بما قسم الله لها وإن قل فإنما الغني غني النفس, وما الفقر؟ قال: شره النفس في كل شيء, وما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم, وما الحرمان؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك.. ومن علم الحسن الذي أخذه عن والدته فاطمة الزهراء قوله: رأيت أمي فاطمة في محرابها راكعة تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم, ولا تدعو لنفسها بشيء, فقلت لها يا أماه ألا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك فقال: يا بني الجار ثم الدار.
وليس هناك أبلغ مما قاله الحسن في الصديق والصاحب: ألا أخبركم عن صديق كان لي من أعظم الناس في عيني, وكان أهم ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه, كان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمد يدا بالعطاء إلا علي ثقة لمنفعة, وكان خارجا عن سلطان بطنه فلا يشتهي مالا يحل, ولا يكنز إذا وجد.. كان لا يتشكي ولا يتبرم, وكان أكثر وقته صامتا فإذا قال بذ( أي تفوق وغلب) القائلين.. كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجد فهو الليث عاديا, وكان إذا جلس العلماء أحرص منه أن يسمع علي أن يقول, وكان لا يقول ما يفعل ويفعل ما لا يقول, وكان إذا عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلي الحق نظر أقربهما من هواه فخالفه, وكان لا يلوم أحدا علي ما قد يقع العذر في مثله.. وكان لا يقول حتي يري قاضيا عدلا وشهودا عدولا.... وفي السياسة قال الإمام الحسن: هي أن نرعي حقوق الله وحقوق الأحياء وحقوق الأموات, فأما حقوق الله, فأداء ما طلب والاجتناب عما نهي, وأما حقوق الأحياء فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك ولا تتأخر عن خدمة أمتك, وأن تخلص لولي الأمر ما أخلص لأمته, وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما حاد عن الطريق السوي, وأما حقوق الأموات فهي أن تذكر خيراتهم وتتغاضي عن مساوئهم فإن لهم ربا يحاسبهم.. ويحرض الحسن أبناءه علي طلب العلم بقوله: تعلموا العلم فإنكم صغار القوم اليوم وكبارهم غدا, ومن لم يحفظ منكم فليكتب.. وقال: علم الناس وتعلم علم غيرك, فتكون قد أتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم.. وقال: حسن السؤال نصف العلم.
قال علي كرم الله وجهه: يأتي علي الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل( الواشي), ولا يظرف فيه إلا الفاجر, ولا يضعف فيه إلا المنصف.. وقد أتي مثل هذا الزمان زمان وزمان وزمان حتي زماننا هذا.. زمان علي الذي حاصر فيه المسلمون بيت المقدس ودارت حوله معركة طاحنة فطلب أهله الصلح مع العرب علي الجزية بشرط أن يأتي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بنفسه ليتفق علي شروط الصلح, وجمع عمر الناس في المسجد وشاورهم فقال عثمان بن عفان: لا تذهب ولا تبرح المدينة, فأنت إن مكثت هنا ولم تسر إليهم رأوا أنك بأمرهم مستخف ولقتالهم مستعد, فلن يلبثوا إلا اليسر من الوقت حتي ينزلوا عن الصغائر ويعطوا الجزية ولم يوافق علي علي هذا الرأي وأشار علي عمر بن الخطاب بالذهاب قائلا: إذا أنت قدمت عليهم كان لك وللمسلمين الأمن والعافية والصلاح والفتح, ولست بآمن أن ييأسوا الآن منك ومن الصلح, ويمسكوا حصنهم ويأتيهم المدد من بلادهم وطاغيتهم لاسيما وبيت المقدس معظم عندهم وإليه يحجون.. وأخذ عمر برأي علي واستخلفه علي المدينة وركب إلي بيت المقدس فاستقبله أمراء جنده ممتطين صهوات الخيل في حلل فاخرة من الديباج, ولم يصدق عمر ما رأي وجعل يؤنبهم قائلا: سرعان ما فتنتم, أفي هذا الذي تستقبلون عمر؟ تلبسون الديباج وأنتم الذين لم تشبعوا إلا من عامين فقط!! و..كانت لنصيحة علي لعمر بالذهاب لبيت المقدس وقعها الفعال علي المحاصرين والمحاصرين.. وعاد ابن الخطاب بمفتاح القدس... ومثلما كان علي مستشارا لعمر بن الخطاب فقد كان الحسن بإشارته الرشيدة يدفع أباه إلي عزل الولاة وتعيينهم, وكان قبلة أنظار الناس يقصدونه فيجيرهم عند والده, ويعتذرون له فيقبل أعذارهم, ويحاول لم شمل أصحاب أبيه, ومن ذلك أن الإمام عليا عاتب سليمان الخزاعي وابنه علي تخلفهما عنه في موقعة الجمل فحمل هذا في نفسه شيئا من الغيظ ليشكو للحسن, فأجابه الحسن: إنما نعاتب من نرجو مودته ونصحه.
الحسن.. تأتيه جارية بطاقة من ريحان فيقول لها: أنت حرة لوجه الله, ويلومه أنس علي ذلك فيجيبه الحسن: أدبنا الله تعالي في قوله( إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها) وكان أحسن منها إعتاقها.. وذكر المؤرخون من زوجاته خولة بنت منظور الفزازية, وجعدة بنت الأشعث, وأم كلثوم بنت الفضل بن العباس, وأم اسحاق بنت طلحة التي أنجبت له طلحة, وأم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري وولدت له زيدا, وهند بنت عبدالرحمن بن أبي بكر... وكان له من الأولاد ثمانية ذكور استشهد معظمهم مع عمهم الحسين في كربلاء وأربع إناث ولم يعقب من أولاده سوي الحسن وزيد, ويعد مجموع ما تزوجه لم يتجاوز خمس عشرة زوجة, وهذا لا يمت إلي الكثرة المزعومة لتشويه سيرته بأن الحسن قد تزوج سبعين وفي بعض الروايات المائة حتي أن صاحب قوت القلوب يقول في مؤلفه المضلل إن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه كان يصعد المنبر ويقول لا تزوجوا الحسن فهو مطلاق, وقد كانت خولة الفزازية من أقرب زوجاته إلي قلبه, وقيل إنه ليلة اقترانه بها بات معها علي سطح الدار فشدت خمارها برجله وشدت الطرف الآخر بخلخالها فلما استيقظ وجد ذلك فسألها لتجيبه: خشيت أن تقوم وسنانا فتسقط من علي السطح.. وقيل إن الحسن قد مات بالسم الذي دسته له امرأته بنت الأشعث بن قيس الكندي في مقابل مائة ألف درهم من يزيد بن معاوية علي أن يتزوج منها بعد مقتل الحسن, ويستشهد بعض المؤرخين بأن الموت بالسم قد عرف في أيام معاوية بشكل مريب, فقد مات الأشتر فيما يقول المؤرخون مسموما في طريقه إلي ولاية مصر فخلصت مصر لمعاوية, ومات عبدالرحمن بن خالد بن الوليد مسموما بحمص, وكذلك مات الحسن, ونقل عن ابن العاص بعد موت الأشتر قوله إن لله جنودا من عسل, وتدور الشائعات بمثل ذلك عن آخرين من أعداء معاوية ومنافسيه الذين ماتوا بغير علة في الموعد الذي يبغيه معاوية, فالحسن يموت قبل بيعة يزيد كي لا يخرج معاوية عن شرطه المكتوب من شروط الصلح التي تعيد الخلافة للحسن من بعد معاوية, ومات عبدالرحمن وقد تجمع حوله الناقمون من أهل الشام والكوفة والحجاز.. ولا نأخذ من الدكتور العميد طه حسين رأيا قاطعا في مسألة السم تلك في قوله ولست أقطع بأن معاوية من قام بدس السم للحسن ولكني لا أقطع كذلك بأنه لم يفعل! وقد نفي ابن العربي مسألة السم تلك خاصة وأن معاوية لم يكن ليتقي من الحسن بأسا وقد سلم له الأمر, وقال ابن تيمية: إنه قول بلا علم, وقال ابن خلدون: حاشا لمعاوية من ذلك..
وكان الحسن قد تنازل لمعاوية عن الخلافة حقنا لدماء المسلمين, ولو فتح باب الحرب مع معاوية لضحي بأهل بيته واجتث الإسلام من أصله, وقد كان مكتوبا علي خاتمه دع الذي يفني لما هو باقي, وقد علم الحسن أنه إن حارب معاوية فإن العراقيين قد يسلمونه أسيرا لمعاوية, وأغلب الظن أنه لا يقتله بل يخلي عنه ويسجل له بذلك مكرمة وفضيلة, ويسدي يدا بيضاء علي الهاشميين فتكون سبة علي بني هاشم إلي آخر الدهر, وسيظل معاوية يمن بها هو وعقبه علي الحي من بني هاشم والميت... هذا إلي جانب انضمام عتاة المحنكين إلي معاوية طمعا في ماله ودنياه ومنهم عمرو بن العاص الذي خدع الجيش العراقي برفع المصاحف فتركه ممزق الأوصال, والمغيرة بن شعبة الذي قيل في دهائه: لو كان المغيرة في مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج منها إلا بالمكر والخداع لخرج المغيرة من أبوابها كلها.. إلي جانب كل هذا كان الحسن قد أوكل قيادة جيشه إلي ابن عمه عبيد الله بن العباس بينما هناك من هم أكثر خبرة وكفاءة وأكبر سنا منه وكان عبيد يومها في التاسعة والثلاثين, لكن الحسن كان يراه أكثر الجميع لياقة وتحفزا للانتقام من معاوية وجيشه فقد قتل له ولداه يوم غارته علي اليمن, ولكن معاوية اشتري ابن العباس بألف ألف درهم عجل له بنصفها حتي إذا دخل الكوفة أعطاه النصف الآخر, وفي شرخ الليل تسلل عبيد الله إلي معاوية ومن خلفه آلاف من جيش الحسن, ويستيقظ الجنود فلا يجدون قائدهم ليؤمهم في صلاة الفجر...!! ويسلط معاوية سلاح الدسائس والأكاذيب والشائعات علي معسكرات الحسن.. ويتم الصلح وضعا لأوزار الحرب, وجمعا لكلمة الأمة, وتمكينا للمسلمين من أن يستقبلوا أمورهم مؤتلفين لا مختلفين, ومتفقين لا مفترقين, ومن أن يفرغ أهل الثغور لثغورهم يردون عنها طمع العدو, ومن أن يفرغ الجند للفتوحات التي أوقفتها الفتنة.. ولو كان الحسن قد وجد أنصارا لقاتل ليل نهار وهو الذي شارك في فتح شمال أفريقيا وطبرستان واشترك مع أبيه في موقعة الجمل وصفين وحروبه ضد الخوارج.. لكنه القائل ولكني عرفت أهل الكوفة وعركتهم, إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل, إنهم مختلفون ويقولون: إن قلوبهم معنا وسيوفهم علينا.
وأجدني أميل لرأي طه حسين من أن الحسن كان يميل إلي السلم بتأثير حديث الرسول صلي الله عليه وسلم الذي ينبئه أنه سيصلح بين فئتين كبيرتين من المسلمين, وأن هذا الحديث قد وقر في نفسه فظل يتذكره إلي أن رأي أن الواقع يتطلب منه تحقيقه.. وكما روي البخاري عن ابن مسعود قول المعترضين علي الصلح للحسن يا عار المؤمنين.. فقال: العار خير من النار.. وكانت أهم شروط الصلح الذي وقع في ربيع الأول41 ه السنة التي اصطلح بعض المؤرخين علي تسميتها عام الجماعة, بينما كانت السنة التي استأثر فيها معاوية بالخلافة فلم يشاركه فيها أحد.. وقال عنها الجاحظ وما كان عام جماعة بل عام فرقة وقهر وجبر وغلبة... وقد تم التوقيع في المسجد الجامع بالكوفة, وجاء في أهم شروط الصلح تسليم الأمر لمعاوية علي أن يعمل بكتاب الله وبسنة رسوله وبسيرة الخلفاء الصالحين.. وأن يكون الأمر للحسن من بعده, فإذا حدث به حادث فلأخيه الحسين وليس لمعاوية أن يعهد به لأحد.. وأن يترك سب أمير المؤمنين عليا وألا يذكره إلا بخير, وقد ذكر السيوطي أنه كان في أيام بني أمية أكثر من70 ألف منبر, يلعن فيها عل بن أبي طالب كما سن معاوية.. وألا يتسمي أمير المؤمنين.. وألا يلاحق أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق مما كان في أيام علي.
ويصيب جنود العسل الإمام الحسين في مقتل وهو لم يزل في السابعة والأربعين ليقول لقد سقيت السم مرات, ولكني لم أسق قط سما أشد علي من هذا الذي سقيته هذه المرة, حتي لفظت في الليل قطعة من كبدي..
ويرثيه الشاعر محمد إقبال في قصيدته الدوحة النبوية الشريفة:
حسن الذي صان الجماعة بعدما..
أمسي تفرقها يحل عراها
ترك الإمامة ثم أصبح في الديار..
إمام ألفتها وحسن علاها
تأتي النهاية ليقف أبو هريرة قائما علي المسجد يوم مات الحسن ينادي بصوت أجش من بين دموعه: يا أيها الناس مات اليوم حب رسول الله صلي الله عليه وسلم..
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.