كانت وزارة الداخلية خلال عهد مبارك لا تُحكَم إلا بالطوارئ.. وتَعوّدَت أن تستخدم قانون الطوارئ للتغطية على أعمالها.. فكانت الداخلية وضباطها يقهرون الناس.. وكان التعذيب ممنهجا فى السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز.. وتوغلت الداخلية وجهاز أمن الدولة فى كل مناحى الحياة.. وكله بالطوارئ.. تدخّل جهاز أمن الدولة فى كل التعيينات بما فى ذلك مراكز البحوث والجامعات.. وكانت المصيبة الكبرى للداخلية التدخل فى السياسة وفرض شخصيات معينة وتزوير الانتخابات لصالحهم.. وبالطبع كانت تحافظ على مصالحهم ولو حصلوا عليها بالسرقة والنهب.. كانت تتبع ذلك باستخدامها قانون الطوارئ الذى كان يجدَّد بموافقة برلمانات مبارك تحت حجة تطبيقه على تجار المخدرات والبلطجية.
وقامت الثورة ضد مبارك وعصابته وضد قانون الطوارئ.. كان من أول المطالب إلغاء الطوارئ التى كان يحكم بها مبارك.. وتستخدمها عصابته فى الداخلية فى قهر المواطنين والتعذيب الممنهج وإلقاء القبض العشوائى والاعتقال المتكرر رغم صدور أحكام قضائية بالإفراج.
وتحجج «العسكرى» بأن قانون الطوارئ سينتهى العمل به فى مايو 2012، وأصر على الالتزام بمد مجلس شعب مبارك العمل بالقانون وذلك بعد فتوى الفقيه القانونى جنرال «المعاشات» ممدوح شاهين الذى هو واحد من الذين أهدروا الثورة وقيمتها وأهدافها من خلال مفتيه القانونيين وترزيته الجدد واستفتائه الشهير الذى أدخل البلد فى نفق الجدل غير المجدى.. وها نحن نجنى الآن ما جرى.
والآن.. وبعد 18 شهرا من الثورة تأتى الداخلية تطالب بقانون الطوارئ مرة أخرى.. وبنفس الحجج التى كانت تقدمها من قبل، تطبيقه على تجار المخدرات والبلطجية! وزارة الداخلية التى تعمدت خلال الفترة الماضية الانفلات الأمنى وإطلاق البلطجية ومسجلى الخطر على المواطنين لتأديبهم لقيامهم بثورة ضد الاستبداد والفساد ونظام مبارك وعصابتهم فى الداخلية التى ما زالت تحتفظ حتى الآن برجال العادلى وأصحاب الولاءات للنظام السابق.
ولم تتطهر الداخلية بعد.. ولم تتطور بعد.. وما زال جنرالات الداخلية على عهدهم السابق ورعايتهم البلطجية.. وجنرالات الداخلية يعرفون البلطجية بالاسم ولديهم ملفاتهم.. وبل وقضاياهم التى هربوا منها.. ولعل نموذج «نخنوخ» يؤكد ذلك.. فالداخلية فى مرحلة مبارك كانت ترعى البلطجية.. وتستخدمهم فى تزوير الانتخابات وإطلاقهم على الناس لترويعهم، وهو ما فعلوه أيام الثورة بعد انهيار جهاز الشرطة.. فتحركوا بسرية لاستعادة خلاياهم النائمة فى البلطجة لإطلاقهم على الثوار أيام الثورة لقتلهم وإثارة الرعب بين الناس.. فشىء طبيعى أن تطلب الداخلية عودة قانون الطوارئ.. لاستخدامه لقهر الناس واستعبادهم مرة أخرى!
أما حجة تطبيقه على تجار المخدرات والبلطجية.. فليلعبوا غيرها.. فهؤلاء تجرى رعايتهم ولا يزالون حتى الآن من ضباط الداخلية.. وهم معروفون بالاسم لديهم.. ولهم ملفات ويمكن القبض عليهم والتخلص من شرورهم دون طوارئ.. بل بتطبيق القانون وتنفيذ الأحكام التى صدرت فى حق هؤلاء.
ولعل الغريب فى قانون الطوارئ.. هو موقف وزير العدل المستشار أحمد مكى الذى يصر عليه ويؤكد ضرورة استخدامه.. ولعلنا جميعا نذكّر المستشار مكى أن حالة الطوارئ لا القانون فقط الذى فرضه نظام مبارك عبر 30 سنة لم تحمِ الدولة من العمليات الإرهابية.. كما أنها لم تحمِ النظام من سقوطه على يد ثورة شعبية.. الأمر الآن بات واضحا.. الشعب لا يريد الطوارئ.. وواجب على رئيس الجمهورية أن يعلنها صراحة.. «لا لقانون الطوارئ»، خصوصا أنه فى برنامجه الانتخابى أكد أنه لا عودة أبدا للطوارئ.. فواجب الآن على الرئيس مرسى أن يعلن رفضه قانون طوارئ مكى.